انتهى عصر الغاز الطبيعي الرخيص مع ارتفاع الأسعار أكثر من 1000%

ناقلة غاز في مرفأ لشركة "تشينير إنيرجي" في الولايات المتحدة
ناقلة غاز في مرفأ لشركة "تشينير إنيرجي" في الولايات المتحدة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

انتهى عهد الغاز الطبيعي الرخيص ليفسح المجال لعصر طاقة أكثر تكلفة بكثير من شأنه أن يترك آثاراً تتوسع على امتداد الاقتصاد العالمي.

كان الغاز الطبيعي المستخدم لتوليد الكهرباء وتدفئة المنازل وفيراً ورخيصاً خلال معظم العقد الماضي، وسط طفرة في الإمدادات من الولايات المتحدة إلى أستراليا. توقف ذلك هذا العام حيث فاق الطلب بشكل كبير حجم العرض الجديد. وصلت أسعار الغاز الأوروبية إلى مستوى قياسي هذا الأسبوع، في حين اقتربت شحنات الوقود المسال إلى آسيا من أعلى مستوياتها لهذا الوقت من العام.

صدمة الطاقة تقلق أوروبا بعد طفرة أسعار الغاز والكهرباء

يُتوقع ازدياد اعتماد العالم على الغاز الأنظف في الاحتراق كبديل عن الفحم للمساعدة في تحقيق الأهداف الخضراء على المدى القريب في ظل قلة الخيارات الأخرى. لكن مع كبح المنتجين للاستثمار في إمدادات الجديدة، وسط دعوات المستثمرين والحكومات المهتمين بالمناخ، أصبح من الواضح أن غلاء الطاقة الباهظة باقٍ.

قال كريس ويفر، الرئيس التنفيذي لشركة "ماكرو أدفايزري" (Macro-Advisory) التي يقع مقرها في موسكو: "بغض النظر عن نظرتك إليه، سيبقى الغاز وقوداً انتقالياً لعقود مقبلة مع التزام الاقتصادات الكبرى بالوصول إلى أهداف انبعاثات الكربون. من المرجح بقاء سعر الغاز مرتفعاً على المدى المتوسط ​​وأن يرتفع على المدى الطويل".

يُتوقع أن يقفز الطلب بنسبة 7% عن مستويات ما قبل كوفيد-19 بحلول عام 2024، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية. عند النظر أبعد من ذلك، يرجح أن تنمو الرغبة بالحصول على الغاز الطبيعي المسال 3.4% سنوياً حتى عام 2035، ليتجاوز أنواع الوقود الأحفوري الأخرى، وفقاً لتحليل أجرته شركة "ماكنزي آند كو" (McKinsey & Co).

الافتقار إلى الاستثمارات الرأسمالية في مشاريع الغاز الطبيعي المستقبلية لا يقودنا إلى تحول في مجال الطاقة، بل يقودنا بدلاً من ذلك إلى مسار حتمي نحو أزمة طاقة.

عشاء أغلى

يعني ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي ارتفاع تكلفة كهرباء المصانع وإنتاج البتروكيماويات، ليطال أركان الاقتصاد العالمي كافة ويؤجج مخاوف التضخم. يؤدي ذلك بالنسبة للمستهلكين إلى زيادة فواتير مرافق الطاقة والغاز الشهرية. سيصبح تشغيل الغسالة أو حمام ساخن أو طهي العشاء أعلى تكلفة.

تعتبر هذه أخبار سيئة خاصة لدول فقيرة مثل باكستان وبنغلاديش، التي أعادت صياغة سياسات الطاقة بالكامل على أساس أن سعر الوقود سيكون أقل لفترة أطول.

ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا بأكثر من 1000% من أدنى مستوى قياسي لها في مايو 2020 تسبب به الوباء، في حين قفزت أسعار الغاز الطبيعي المسال الآسيوية بحوالي ستة أضعاف العام الماضي. حتى الأسعار في الولايات المتحدة، حيث عززت ثورة النفط الصخري إنتاج الوقود بشكل كبير، ارتفعت إلى أعلى مستويات لهذا الوقت من العام منذ عقد.

الاتحاد الأوروبي يتوقع ارتفاع أسعار الكربون 50% بحلول 2030

رغم أن هناك العديد من العوامل غير المتكررة التي دفعت بأسعار الغاز إلى الارتفاع، مثل اضطراب الإمدادات وانتعاش الاقتصاد العالمي والركود في مصانع تصدير الغاز الطبيعي المسال الجديدة، إلا أن هناك إجماع متزايد على أن العالم يواجه تحولاً هيكلياً، مدفوعاً بتحول الطاقة.

قبل عقد من الزمان، أعلنت وكالة الطاقة الدولية أن العالم ربما يدخل "العصر الذهبي" لنمو الطلب على الغاز الطبيعي بسبب التوسع التاريخي للإمدادات منخفضة التكلفة. في الواقع، ارتفع الاستهلاك العالمي للغاز بنسبة 30% بين عامي 2009 و2020 واستفادت المرافق والصناعات من ازدهار الإنتاج.

دافعت الدول عن الغاز كوسيلة لتقليل انبعاثات الكربون بسرعة. يمكن التحوّل إلى الغاز الطبيعي بسرعة نسبية من خلال توظيف محدود لرأس المال، مع أثر كبير على خفض الانبعاثات، وفقاً لجيمس تافرنر، المحلل في "آي إتش إس ماركيت" (IHS Markit). يعدّ الغاز الطبيعي أنظف وقود أحفوري احتراقاً، وينبعث منه حوالي 50% ثاني أكسيد الكربون أقل من الفحم. في الوقت نفسه، فإن بدائل الوقود غير الأحفوري مثل الرياح والطاقة الشمسية ما تزال في مرحلة مبكرة نسبياً من تحوّل الطاقة.

لا تباطؤ في الطلب

تتحول المرافق في أوروبا إلى الغاز الأنظف احتراقاً بسبب ارتفاع أسعار الكربون، وتخطط حكومات جنوب وجنوب شرق آسيا لبناء عشرات المحطات الجديدة التي تعمل بالغاز لتلبية احتياجات متنامية للكهرباء، وتستعد الصين للاعتماد على الغاز أكثر من أي وقت مضى حيث تسعى لتخطي ذروة استهلاك الفحم.

يشجع الطلب القوي عادة اندفاع الاستثمار في مرافق تصدير جديدة. لكن العامل الكبير في ارتفاع أسعار الغاز هو الافتقار إلى رأس مال جديد لزيادة العرض. أدى تزايد مناهضة الغازات والتدقيق المتزايد على انبعاثات غاز الميثان القذر إلى توقف المشاريع وأجبرت شركات الطاقة الكبرى على إعادة التفكير في خططها.

إجبار شركات النفط الكبرى على التحوّل الأخضر لن ينقذ الكوكب

اجتذبت وكالة الطاقة الدولية، التي بشرت بالغاز الطبيعي كوقود انتقالي لمستقبل منخفض الكربون، اهتماماً واسع النطاق في وقت سابق من هذا العام عندما قالت إن الاستثمارات في حقول الغاز الجديدة يجب أن تتوقف إذا كان العالم يريد أن يصل صافي الانبعاثات إلى الصفر بحلول عام 2050.

دون استثمارات جديدة، سيفوق استهلاك الغاز الطبيعي المسال في آسيا وهو محرك نمو الطلب المستقبلي على الغاز، العرض بنحو 160 مليون طن في عام 2035، وفقاً لغافين طومسون، نائب رئيس مجلس إدارة آسيا والمحيط الهادئ في "وود ماكينزي" (Wood Mackenzie). لغرض المقارنة، استوردت آسيا حوالي 250 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال العام الماضي.

علامات نقص الإمدادات:

  • دع التوسع الهائل في قطر جانباً، أُقرت مشاريع قليلة لتصدير الغاز الطبيعي المسال منذ بداية 2020.
  • كان المستخدمون النهائيون أقل رغبة في شراء حصص في مشاريع التنقيب والإنتاج أو توقيع صفقات توريد طويلة الأجل بسبب عدم اليقين المحيط بالجهود الحكومية للحد من الانبعاثات.
  • لا تستجيب شركات استخراج النفط الصخري في الولايات المتحدة على الفور بتسخير إنتاج إضافي، حيث يتعرضون لضغوط من مستثمرين للحد من الإنفاق وتجنب تكرار حالة الإغراق، بينما تكافح مشاريع خطوط الأنابيب الرئيسية للمضي قدماً.

قطر تخطط للهيمنة على أسواق الغاز المسال بمشروع قيمته 29 مليار دولار

حذر مارك غيتفاي، نائب كبير المديرين التنفيذيين لشركة "نوفاتيك" (Novatek)، شركة تصدير الغاز الطبيعي المسال الروسية، أن الحركة الخضراء يمكن أن تعطل توصيل إمدادات كافية بأسعار معقولة للمستهلكين.

قال جيتفاي: "الافتقار إلى الاستثمارات الرأسمالية في مشاريع الغاز الطبيعي المستقبلية لا يقودنا إلى تحول في مجال الطاقة، بل يقودنا بدلاً من ذلك إلى مسار حتمي نحو أزمة طاقة".