أزمة الرقائق تشغل شركات السيارات وتحرمها من الأرباح

يواجه مصنعو السيارات تحديات في سلاسل الإمدادات منذ أواخر عام 2020
يواجه مصنعو السيارات تحديات في سلاسل الإمدادات منذ أواخر عام 2020 المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في أواخر شهر يوليو الماضي، قالت وزيرة التجارة الأمريكية، جينا رايموندو، إن الأمور بدأت تتحسن بالنسبة لشركات صناعة السيارات التي تعاني من نقص الرقائق، وهو الأمر الذي كان قد أدى إلى إغلاق مصانع هذه الشركات، وتعطيل لعمليات الإنتاج بها. لكن، يبدو أن الوضع لم يصبح أفضل بكثير، حيث حذر موردو هذه المكونات الإلكترونية الهامة مؤخراً من أن المشكلة لم تنته بعد، قائلين إن تحول صناعة السيارات السريع نحو المركبات الكهربائية قد يزيد من قدرتها على التعويض عما فاتها بعض الشيء. ويبدو أن عملاء منتجي الرقائق يتفقون معهم على هذا الرأي الحذر.

ووفقاً لأكبر مصنعي الرقائق المستخدمة من قبل شركات السيارات، فإن التوازن بين العرض والطلب لن يتحقق حتى منتصف العام المقبل، وذلك كما قالت كل من شركة "إنفنيون تكنولوجيز" (Infineon) الألمانية، و"إن إكس بي" الهولندية. وقد يعني هذا الأمر معاناة طويلة الأمد، بالنسبة لشركات صناعة السيارات التي تواجه هذه المشكلة منذ أواخر عام 2020.

يقول الرئيس التنفيذي لشركة "إن إكس بي"، كورت سيفيرز: "من المهم حقاً التأكيد على مقدار زيادة العرض". وأوضح في مقابلة أن "الطلب لا يزال يفوق العرض"، وسيستمر هذا الأمر حتى عام 2022.

من جهتها، فليس لدى شركات تصنيع الرقائق الكثير لتشتكي منه، حيث قاد ارتفاع الإيرادات أرباحها إلى مستويات قياسية. لكن شركات السيارات وجدت نفسها في مواجهة الكثير من نواقص التصنيع، مما منعها من تحقيق كافة الفوائد المترتبة على ارتفاع الطلب الاستهلاكي بعد "كوفيد". وهذه المشكلات التي طال أمدها، من المتوقع أن تكلّف صانعي السيارات خسائر بقيمة لا تقل عن 110 مليارات دولار من المبيعات هذا العام.

كذلك، خفضت الرابطة التجارية لصناعة السيارات في المملكة المتحدة، توقعاتها السنوية للمبيعات للمرة الثالثة هذا العام، مرجعة ذلك لمشاكل سلاسل الإمداد المستمرة، ونقص الموظفين الناجم عن الحجر الصحي. وقد تم تسجيل 123 ألف و296 سيارة جديدة فقط في يوليو الماضي، بانخفاض نسبته 29% عن العام السابق لذلك، وفقاً لجمعية مصنعي وتجار السيارات.

أزمة "الرقائق الإلكترونية".. البيضة أم الدجاجة؟

"كونتيننتال" لقطع غيار السيارات: التأثير السلبي لنقص الرقائق سيستمر لنهاية العام

المركبات الكهربائية.. تعاني أيضاً

يهدد نقص الرقائق بإبطاء التحول للسيارات الكهربائية. لكن العلامات التجارية للسيارات أعلنت عن إنتاج عدد من السيارات الكهربائية الجديدة هذا العام، حتى أن بعض السيارات الشهيرة العاملة بوقود الاحتراق، مثل شاحنة "إف-150" التابعة من "فورد موتور"، بات لديها إصدارات كهربائية.

جدير بالذكر أن البطاريات، والمحركات الكهربائية، والأنظمة التي ترصد وتتحكم في المركبات الكهربائية، تعتمد على أشباه الموصلات. وكذلك تعتمد ميزات الترفيه، والسلامة، ونظام المساعدة في القيادة على الرقائق.

يمكن القول إن السيارات اليوم تحتوي على أشباه الموصلات أكثر من أي وقت مضى.

ولتوضيح الموضوع، فقد قفزت مبيعات رقائق السيارات من شركة "إن إكس بي"، بنسبة 21% في النصف الأول من العام الحالي، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019، أي قبل تفشي الوباء. وقد حدث ذلك حتى بالرغم من انخفاض الإنتاج العالمي للسيارات بنسبة 13%، على حد قول سيفرز، من "إن إكس بي". كما يقول سيفرز إن مستوى تواجد أشباه الموصلات في السيارات الكهربائية، بما في ذلك السيارات الهجينة، هو ضعف مستوى تواجدها في السيارات العاملة بالوقود الأحفوري.

وفي عام 2022، ستشكل المركبات الكهربائية حوالي ربع إنتاج السيارات، أي ضعف نسبة الـ 12% من الإنتاج، التي سجلتها في عام 2020.

أرباح مصنّعي الرقائق

في مؤشر على المدى الذي أصبح فيه سوق السيارات واعداً بالنسبة لصانعي الرقائق، عرضت شركة "كوالكوم" مؤخراً شراء شركة تكنولوجيا السيارات "فيونير" (Veoneer) مقابل 4.6 مليار دولار، وهو عرض ينافس العرض الذي قدمته شركة "ماغنا إنترناشونال" للمورد التكنولوجي قبل شهر من ذلك.

يُذكر أن مصنعي الرقائق يستغرقون أشهراً لزيادة الإنتاج، أو عامين في حال بناء مصنع جديد بتكلفة بمليارات الدولارات، وفي الوقت نفسه فلا تزال جائحة "كورونا"، تُحدث اضطرابات الإنتاج. وتُصنع الغالبية العظمى من الرقائق المستخدمة في السيارات باستخدام تقنيات الإنتاج القديمة، ولم تتخذ الصناعة خطوة الاستثمار في تصنيع هذه الرقائق، بسبب أنها تغذي منتجاً آخذا في التناقص، وهي أقل ربحية من الرقائق التي تدخل في صناعة الهواتف الذكية، أو الحواسيب. ومع ذلك، فإن عدداً من المصانع المخطط لها، أو التي يتم تنفيذها سوف تساعد في هذا الموضوع، إن لم يكن ذلك في أي وقت قريب.

تعليقاً على الأمر، يقول سيد علام، رئيس قسم أشباه الموصلات في شركة "أكسنتشر" (Accenture): "سيستغرق الأمر من 12 إلى 18 شهراً حتى يتم تشغيل هذه المصانع". وأشار إلى أن "السيليكون في السيارات يتزايد سريعاً، والسيارات الكهربائية تأخذ الصناعة إلى مستوى مختلف".

اضطرابات مستمرة

وصفت ماري بارا، الرئيسة التنفيذية لشركة "جنرال موتورز"، مؤخراً، حالة توريد المكونات بأنها "مرنة". في حين أن الشركة حذرت من أن القيود قد تستمر في التأثير على الربحية، وأشارت بارا إلى أن "جنرال موتورز" لديها مخزون يكفيها لمدة 25 يوماً فقط في الولايات المتحدة، أي حوالي ثلث مخزونها الطبيعي من السيارات والشاحنات. جدير بالذكر أن الشركة منحت الأولوية للمركبات ذات الهامش الربحي الأعلى، لكنها مع ذلك لم تتمكن من حمايتها بالكامل من النقص خلال التصنيع.

من جهتها، خفضت شركة "فولكس واجن" مؤخراً توقعاتها لتسليم المركبات للعام بأكمله، وسط مشاكل إمدادات الرقائق، مشيرة إلى أن الاضطرابات والاختناقات قد تضاعفت في جميع أنحاء الصناعة. في حين أن شركة "بي إم دبليو" وصفت أشباه الموصلات بأنها سحابة تلوح في الأفق، متوقعة تسجيل خسائر في المبيعات، تقدر بنحو 90 ألف سيارة في عام 2021، وهو ما يعادل أقل من 10% من شحنات النصف الأول من العام.

وفي بيان، قال نيكولاس بيتر، المدير المالي لشركة "بي إم دبليو": "كلما طالت اختناقات المعروض، زادت الأوضاع توتراً على الأرجح". وتابع: "نتوقع استمرار القيود على الإنتاج في النصف الثاني من العام، وبالتالي سيكون هناك تأثير مستمر على حجم المبيعات".

إنتاج متوقف

كذلك، تعمل شركة "فورد" على إغلاق أو تقليص الإنتاج في ثمانية مصانع هذا الشهر، بما فيها مصنع مخصص لنسختها الجديدة من سيارة "برونكو" الرياضية متعددة الاستخدامات الإبداعية. كما أن خمسة من مصانع "جنرال موتورز" في أمريكا الشمالية ستواجه "فترة توقف" بسبب "تعديلات إنتاج بسبب أشباه الموصلات" في أغسطس، حسبما قال المتحدث باسم الشركة ديفيد بارناس.

في الوقت نفسه، رفعت شركتا "فورد" و"ستيلانتس" توقعات الأرباح للعام بأكمله، وذلك لأنهما توفران الرقائق النادرة للمركبات عالية الجودة بدلاً من النماذج التي تشمل السوق. وهذا الأمر يساعد في تعزيز متوسط ​​الأسعار، بينما يتأثر إجمالي حجم المبيعات. كما خفضت "سايك موتور"، أكبر شركة لصناعة السيارات في الصين، إنتاجها بمقدار 500 ألف سيارة في النصف الأول من العام بسبب نقص الرقائق، بينما أطلقت الحكومة الصينية تحقيقاً في تلاعب محتمل في أسعار رقائق السيارات.

بينما في اليابان، حافظت شركة "تويوتا موتور" على توقعاتها للعام بأكمله بشأن نقص الرقائق والوباء، ما خيب آمال المستثمرين الذين كانوا يبحثون عن دفعة. في حين أن "هوندا موتور" خفضت مبيعات الوحدات المستهدفة للعام بأكمله بسبب نقص المعروض من أشباه الموصلات.

وكذلك الأمر، فقد حذرت "هيونداي موتور" الكورية في أواخر يوليو الماضي، من أن أزمة الرقائق قد تخفض عمليات التسليم في الربع الثالث، وذلك بعد تسجيل الشركة لأكبر أرباحها في سبعة أعوام، مدعومة بمبيعات سيارات "جينيسيس" الفاخرة و"أيونيك 5" الكهربائية.

مسابك إنتاج الرقائق

من جهتهم، يقول صُناع الرقائق إن قيود العرض مستمرة في المسابك، وهي الجهات التي يعتمدون عليها في بعض إنتاجهم. ومع ذلك، فإن شركة "تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة" (TSMC)، وهي المسبك الذي تستخدمه كبرى شركات تصنيع رقائق السيارات، تعتزم زيادة إنتاج وحدات التحكم الدقيقة للسيارات بنسبة 60% عن مستويات 2020، وفقاً لما قاله سيفيرز، من "إن إكس بي"، للمحللين مؤخراً. وإجمالاً، تنفق شركة "تايوان لصناعة أشباه الموصلات" ما يصل إلى 100 مليار دولار، لتوسيع التصنيع على مدى ثلاثة أعوام.

أخيراً، فقد قال رينهارد بلوس، الرئيس التنفيذي لشركة "إنفنيون"، في مؤتمر عُقد عبر الهاتف: "المخزونات قليلة للغاية، والطلب المسبق يتم تأجيله". متابعاً: "بشكل عام، سيستغرق الأمر وقتاً للعودة إلى التوازن بين العرض والطلب، وفي رأينا، يمكن أن يستمرَّ الأمر حتى عام 2022".