ملياردير كوّن ثروته من مراكز التسوق المتعثرة.. ما القصة؟

جمع المياه المتسربة في مركز تسوق "ريجنسي سكوير"، في فلوريدا بالولايات المتحدة، عام 2019
جمع المياه المتسربة في مركز تسوق "ريجنسي سكوير"، في فلوريدا بالولايات المتحدة، عام 2019 المصدر: دايلي ريكورد
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تمكن إيغال نامدار من جني الثروات، من خلال شراء مراكز التسوق التي لا يرغب أحد بشرائها.

فهو يشتري مراكز التسوق المتعثرة، بأسعار مخفّضة، بعد أن يفقد أصحابها الأمل منها. مراهناً على قدرته بتحقيق الأرباح منها، قبل مغادرة آخر مستأجر فيها. وحتى الآن، جلبت له هذه الاستراتيجية أرباحاً هائلة، ولكنها راكمت عليه أيضاً، دعاوى قضائية، أُتهم فيها بإهمال عقاراته، وتركها بحالة يرثى لها.

كيف بنى شاب عمره 27 عاماً ثروة بـ 3 مليارات دولار بعد إصابته بحساسية

إمبراطورية التجزئة

تضم إمبراطورية نامدار 268 عقاراً، تنتشر على امتداد 35 ولاية أمريكية، وهي تستند بشكل أساسي على مراكز تسوق قديمة تقع في مدن صغيرة. واستطاع نامدار من خلالها جمع ثروة صافية شخصية تقدر بنحو ملياريْ دولار، بحسب مؤشر "بلومبرغ" للمليارديرات.

وكان الوباء قد أسهم في تسريع انتقال الأمريكيين نحو التجارة الإلكترونية، التي بدأت تكتسب زخماً قبل بضع سنوات. وهو ما دفع بالعديد من المتاجر، ومحال بيع الملابس إلى إغلاق أبوابها. وقد وجّه هذا الواقع الجديد، ضربة موجعة بشكل خاص إلى أصحاب مراكز التسوق الأقل تميزاً، والتي تضمّ الكثير من المستأجرين المتخلفين عن سداد إيجاراتهم، أو من أغلقوا متاجرهم بشكل نهائي.

لكن هذا الواقع الجديد، يشكّل فرصة استثنائية بالنسبة لنامدار، الذي يتوقع أن يعقد العديد من الصفقات خلال عام 2022، حيث يحاول المزيد من أصحاب العقارات المتعثرة، أن يجدوا مخرجاً من أزماتهم المتراكمة.

استراتيجية الاستحواذات

خلال مقابلة معه من مقرّه في قرية غريت نيك، بنيويورك، قال نامدار، 51 عاماً: "أي تاجر تجزئة، سواء أكان مركز تسوق مغلق أو مساحة مفتوحة، ومهما كان حجم محفظته، فنحن مستعدون"، وأضاف: "يمكننا عقد الصفقات على الفور، بأي مكان كان، وبدون المرور بالتدابير".

ولتحقيق الربح، تعتمد "مجموعة نامدار العقارية"، وشركة "ماسون لإدارة الأصول" الشريكة لها، على استراتيجية تقوم على جذب تجار التجزئة من العلامات الأقل شهرة، لتأجير المساحات الشاغرة في مراكز التسوق التي تشتريها. كما تعمل الشركتان على إبقاء التكلفة منخفضة، من خلال الحد من الديون، وخفض النفقات الرأسمالية لتحسين المباني.

عن هذه الاستراتيجية، يقول جيم كوستيلو، نائب الرئيس لشركة "ريال كابيتال أناليتيكس" إن الشركتين: "عُرفتا تاريخياً بانتهاز الفرص في المستويات المتعثرة من السوق، حيث تشتريان بأسعار مخفّضة، تقل بكثير عن السعر الأصلي، وتكون هذه نقطة الانطلاق". وأضاف: "إنها ليست المستويات الراقية من السوق، إلا أنها تكون تجارة تجزئة متينة، إذا تم التصرف بالشكل الملائم".

تتعقب "ريال كابيتال" 134 عقاراً تابعاً لـ"مجموعة نامدار العقارية"، وتقدر قيمة هذه المحفظة بنحو 2.7 مليار دولار.

من جهته، يرفض نامدار التعليق على قيمة العقارات التي تملكها شركته، أو على ثروته الشخصية، إلا أنه يقول إن الأرقام التي أفادت بها "بلومبرغ" غير دقيقة.

ويل سميث ومغني الراب "جاي- زي" يستثمران في شركة عقارات أمريكية

تدهور القيمة

تراجعت قيمة مراكز التسوق في الولايات المتحدة بنسبة 46%، وذلك من الذروة التي بلغتها في عام 2017، بما في ذلك تراجع بنسبة 18% منذ بدء وباء كورونا، وفقاً لخدمة المعلومات العقارية "غرين ستريت". وقد سُجل التراجع الأسرع في القيمة لدى مراكز التسوق التي تحمل التصنيف "B"، و"C"، مثل تلك التي يملكها نامدار، حيث لا يتجاوز معدل سعر القدم المربعة فيها، بضع مئات من الدولارات.

ويراهن نامدار على شرائها لقاء سعر منخفض بما يكفي، ليمكّنه من تخطي هذا التدهور في القيمة. وهو يرى أن قيمة العقار تكمن في المحافظة عليه كمركز تسوق، فيما يبدي المستثمرون الآخرون في السوق اهتماماً أكبر بإعادة تطوير هذه العقارات، واستخدامها لأغراض أخرى.

يقول سيدريك لاشانس، مدير البحوث في "غرين ستريت": "الأمر يتعلق بأساس التكلفة"، مضيفاً: "إذا كنت تشتري بغرض حصد الأموال، وليس لإعادة الاستثمار، فقد ينجح الأمر".

يذكر أن بعضاً من كبار أصحاب العقارات، قد انسحبوا من مراكز التسوق، بسبب انخفاض قيمتها لتصبح أقل من قيمة ديونها. ومن هؤلاء: "مجموعة سيمون العقارية"، وشركة "بروكفيلد لإدارة الأصول". كذلك فقد أعلنت شركات أخرى إفلاسها، ومن بينها "مجموعة واشنطن برايم"، و"سي بي إل العقارية"، و"صندوق بنسلفانيا للاستثمارات العقارية"، وهو الأمر الذي يزيد من احتمالية إدراج محافظ عقارية ضخمة للبيع.

وقد قامت شركتا "نامدار"، و"ماسون"، بما معدله 20 استحواذاً سنوياً، خلال العقد الماضي، فيما يقول نامدار إنهما يستطيعان القيام بمئة استحواذ دفعة واحدة، في حال وجدت صفقات ملائمة، إلا أنه رفض الكشف عن المبلغ الذي تعتزم الشركتان إنفاقه.

جذب المستأجرين

يذكر أن إليوت نسيم، رئيس شركة "ماسون" البالغ من العمر 40 عاماً، تربطه صلة قرابة مع زوجة نامدار، وهو يتولى مسؤولية التأجير وإعادة التطوير في هذه الصفقات، فيما يشرف نامدار على إدارة العقارات.

ولا يدّعي الرجلان أنهما يستهدفان سوق السلع الفاخرة، إذ يقولان إنهما يطلبان رسوم إيجار معقولة، بغرض جذب متاجر من طراز "كليرز"، و"ليدز"، و"بيرسينغ باغودا"، لاستئجار المحال الشاغرة في المراكز التي يقومون بشرائها.

ومن بين مراكز التسوق التي استحوذا عليها، مركز "إيستدايل مول" في مونتغومري في ألاباما، وقد تم تأجيره بنسبة 100%، بعد أن كانت نسبة إشغاله 70% فقط، حين اشترياه في يناير 2020، ضمن صفقة بلغت 24 مليون دولار.

وقال نسيم متحدثاً عن عقاراتهما: "هل هي الأماكن التي ممكن أن تتسوق فيها زوجتي؟"، وتابع: "إنها سوق مختلفة".

دعاوى قضائية

كان أول عقار اشتراه نسيم ونامدار، هو مركز التسوق "دي سوتو سكوير" في برادينتون بولاية فلوريدا، في عام 2012، وذلك بعد تعثر شركة "سيمون" بسداد الديون. ثم باعاه في عام 2016، مقابل 25.5 مليون دولار، إلى شركة "إم إل العقارية القابضة"، التي رفعت عليهما دعوى قضائية بعد عامين، زاعمة أن العقار يحقق إيرادات أقل، ويتطلب تكاليف أعلى، ممّا روّج له من قبل نامدار ونسيم.

وجاء في الدعوى المقدمة أمام محكمة نيويورك العليا في بروكلين، إن "نهج نامدار تجاه عقاراته يقوم بشكل عام على شراء عقارات ذات أداء هامشي، واستنزافها من النقود والأموال التشغيلية، ومن ثمّ بيعها".

وقد أغلق مركز تسوق "دي سوتو سكوير" أبوابه نهائياً في شهر أبريل الماضي، وفقا لتقارير إخبارية محلية. ورفض ماير سيلبر، أحد محامي شركة "إم إل العقارية"، التعليق على الأمر.

كذلك، واجهت "نامدار" دعاوى قضائية رفعت من قبل تجار تجزئة، مثل متجر "إنترناشونال ديكور أوتلت"، الذي اتهم الشركة في عام 2017 بالإخلال بالعقد، بسبب أعطال في تكييف الهواء، وتقديم إصلاحات دون المستوى، وعدم كفاية الإجراءات الأمنية في مركز تسوق "ريجنسي سكوير" في جاكسونفيل في فلوريدا.

وجاء في الدعوى المرفوعة أمام محكمة دائرة مقاطعة دوفال، إن "المؤجر متغيب، ولديه سمعة شبيهة بسمعة مالكي العشوائيات".

كذلك في المبنى نفسه، اتهمت كنيسة "إمباكت"، مديري العقار بتجاهل صيانة المكان، ما جعل "المبنى يبدو مهجوراً". وكانت "إمباكت" قد دفعت مبلغ 7.4 مليون دولار، في عام 2016، لقاء شراء متجر "بيلك" السابق في المبنى، حيث تدير فيه حالياً مدرسة وكنيسة. ويعادل هذا السعر نصف مبلغ الـ13 مليون دولار الذي دفعه نامدار لقاء شراء مركز التسوق كاملاً، وهو يضم 46 مستأجراً آخرين، حسبما يرد على موقعه الإلكتروني.

من جهته، رفض نامدار مناقشة قضايا فردية، إلا أنه أكد أن مثل هذه الشكاوى تعد أمراً نادراً. وقال: "ثمة عوامل قادت إلى ذلك، مثل عدم امتلاك أموال دفع الإيجار"، وأضاف: "العقارات التي يتم تصنيفها لإعادة التطوير قليلة ومتباعدة، لذا نحن نحافظ على أصولنا".

إلى جانب شراء العقارات، تقوم "شركة نامدار" أيضاً بالاستحواذ على مستأجرين محتملين في عقاراتها. ففي العام الماضي، قامت شركتا "نامدار" و"ماسون"، بدفع 12 مليون دولار، لشراء سلسلة دور السينما "غودريتش كواليتي ثياترز" بعد إفلاسها، كما استثمرت الشركتان في سلسلة متاجر الأثاث، التي كانت تعرف سابقاً باسم "جنيفر كونفيرتيبلس".

ومن بين صفقات مراكز التسوق الجديدة، اشترت "نامدار" مركز تسوق "ماركت بلايس" الواقع في بلدة براون دير، قرب ميلواكي، مقابل 10.3 مليون دولار، فيما كانت قيمته قُدرّت عند 45 مليون دولار في عام 2005، وفقاً لوثائق القرض، والإعلان الصادر عن الجهة البائعة "ريتايل فاليو".

يقول نامدار أخيراً: "نريد تحسين جودتنا، ولكننا لن ندفع مبالغ جنونية لقاء مراكز تسوق من تصنيف "A". وأضاف: "هدفنا أن نلتزم بالأصول المصنفة "B"، و"B+". أما تلك المصنفة "A" فهي جنونية جداً، وكأنها فيراري في عالم السيارات، ونحن لا نبحث عن هذا النوع من السيارات".