"ثيرانوس" الصادقة ما كانت ستفي بالغرض

لا يوجد فحص دم للصحة والسعادة
لا يوجد فحص دم للصحة والسعادة المصدر: بلومبرغ
 Faye Flam
Faye Flam

Faye Flam is a Bloomberg Opinion columnist and host of the podcast "Follow the Science." She has written for the Economist, the New York Times, the Washington Post, Psychology Today, Science and other publications.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

شهدت تكنولوجيا فحص الدم طفرةً كبيرةً في السنوات الخمس الأخيرة، وهي الفترة الزمنية المنقضية منذ أن تبيَّن لنا أنَّ الشركة الناشئة السابقة، "ثيرانوس إنك" البالغة 9 مليارات دولار، لم تقم فعلياً باختراع طريقة لإجراء آلاف اختبارات الدم المنقذة للحياة باستخدام عصا الإصبع. اليوم، يُمكن لبعض الشركات إجراء آلاف الاختبارات باستخدام قطرة دم واحدة.

لكن لم يحدث فحص الدم الخيالي ثورة طبية، برغم الترويج له على أساس أنَّه كشْفٌ علميٌّ جديدٌّ، من قبل إليزابيث هولمز، مؤسِّسة شركة "ثيرانوس" التي خضعت للمحاكمة هذا الأسبوع بتهمة الاحتيال والتآمر. صوَّرت هولمز رؤيتها حول هذه التقنية بهذه الطريقة في حديثها أثناء "تيد 2014": "نرى عالماً يتمتَّع فيه كل شخص بإمكانية الوصول إلى معلومات صحية قابلة للتنفيذ في الوقت الحيوي؛ هو عالم لا يتعيّن على أحد أن يقول فيه: "لو كنت أعرف في وقت مُبكّر فقط"؛ عالم لا يجب فيه توديع أحد في وقت قريب للغاية".

الادعاء

في الواقع، كان هذا هو الادعاء الكبير لأيِّ فحص دم، حتى وإنْ كان دقيقاً ومفيداً. إنَّ قياس المؤشرات الحيوية في قطرة دم لا يتساوى مع قياس الصحة أو تحديد المسار الطبي للسعادة.

الأمر لا يتطلَّب تقدُّماً تقنياً فحسب؛ بل يعبر عن تقدُّم إكلينيكي أكثر صعوبة، ويتعلَّق باستحداث قفزة في قدرة الأطباء على استخدام نتائج اختبارات الدم لتحديد ومنع المرض الأولي. ومن خلال الفصل الإكلينيكي عن السريري؛ حاول أستاذ علم الأمراض بجامعة تورنتو، إليفثيريوس ديامانديس، التمييز بين الأكاذيب المحدَّدة التي أدت إلى وقوف هولمز أمام هيئة المحلّفين، عن المغالطات التي ما تزال تؤثِّر على الطب.

في الشق التقني، تقوم شركة "أو لينك" (Olink)، حالياً بفحص أكثر من 1000 مادة في قطرة الدم البشري، ويُمكن لبعض منها الإشارة إلى المرض، وفقاً لقول ديامانديس. طوَّر عالم الأحياء بجامعة هارفارد، ستيف إليدج، اختبار "فاير سكان" (VirScan) أثناء الوباء، الذي استخدمه لفحص العشرات من الأجسام المضادة، ليس بتلك الخاصة بـ "سارس-كوف-2" فقط؛ ولكن بالأمراض الأخرى أيضاً. هذه أدوات رائعة للعلماء الذين يحاولون فهم الأمراض والبيولوجيا البشرية.

ولو قامت شركة "ثيرانوس" بتقديم الجزء التقني الخاص بها بشكل قريب من هذه الطريقة، لما تعرَّضت هولمز للمحاكمة، و تكبَّدت الشركة الكثير من المال. مع هذا، ربما لما تمكَّنت الشركة من فعل الكثير لتحسين صحة الإنسان بسبب خواء وعودها الإكلينيكية.

إلا أنَّ هذا لا يعني عدم اندماج المجالين التقني والسريري أبداً؛ ولكنَّه يعني حدوث تطورات متزايدة في أنواع محدَّدة من الاختبارات، لا سيَّما مراقبة نسبة الغلوكوز في الدم لمساعدة مرضى السكري على البقاء بصحة أفضل، واختبار مادة التروبونين التي يُمكن أن تشير إلى احتمالية معاناة الفرد من نوبة قلبية.

أما بالنسبة للذين لا يعانون من الأمراض، فلا يوجد أي دليل حقيقي، مثلما قال ديمانديس، على أنَّ إجراء عدد كبير من اختبارات الدم العشوائية دون معرفة ما تبحث عنه، يساعد في تشخيص أو منع أي شيء.

تكمن أحد مخاطر الاختبار العشوائي للأشخاص الأصحاء في خطر الإيجابيات الكاذبة التي يتبعها علاج ضار وغير ضروري. ففي مرض السرطان، على حدِّ قوله، يصبح الأمر معقَّداً، نظراً لأنَّ بعض أنواع السرطان تنمو ببطء شديد للدرجة التي لا تسبِّب أي أعراض أبداً. من هذا المنطلق، يتسبَّب الاكتشاف المبكر في إلحاق الأذى، لأنَّه يؤدي إلى فرض علاج غير مجدٍ وعنيف.

تقنيات

مع ذلك؛ يبدو أنَّه قد كانت هناك شركة واحدة تقوم بصدقٍ بما ادَّعت "ثيرانوس" بفعله. تأسست "أريفال" (Arivale) في عام 2015 من قبل عالم الأحياء الشهير ليروي هود، وتمنح خدمتها للناس مجموعة من البيانات التي لا تتضمَّن فحص دم للتنبؤ بأعراض المرض فقط؛ ولكن عبر اختبارات جينية، ومسح البكتيريا البشرية الصديقة المعروفة باسم الميكروبيوم.

لم تقم الشركة بتطوير قاعدة عريضة من العملاء أبداً، وتوقَّفت عن العمل في عام 2019، وربما تكون قد فشلت في تقديم معلومات مفيدة كافية لتبرير التكلفة بحوالي 99 دولاراً شهرياً، بحسب إفادة جريدة سياتل تايمز. (برغم أنَّ هناك سوقاً للجزء الذي أعرب فيه العملاء عن رضاهم عنه، وفقاً للمقال، إلا أنَّهم مبدئياً علموا أنَّ لديهم مستويات منخفضة من فيتامين (د)، ومستويات عالية من الزئبق، وهما مشكلتان شائعتان يسهل اكتشافهما بين الموظفين المقتدرين)

إلى جانب تلك الشركة، ظهر عدد من الشركات التي تخصَّصت في تقديم نسخ خاصة بالسرطان، مما ادعته "ثيرانوس"؛ أي اختبارات الدم التي تكشف عن مجموعة من السرطانات. قدَّمت كلٌّ من "كانسر سيك" (CancerSEEK)، و "غاليري"(Galleri) ، و"بان سير"(PanSeer) هذه الاختبارات دون تدخل جراحي، المعروفة أيضاً باسم الخزعات السائلة، والتي تعمل عن طريق التقاط أجزاء من الحمض النووي غير الطبيعي.

وبالفعل؛ تُستخدم هذه التقنية في قياس تطور المرض أو تكراره في المرضى الذين يعالجون من السرطان، إلا أنَّ ديامانديس، الذي كتب ورقة مراجعة عن الخزعات السائلة يقول، إنَّه لا يوجد أي دليل كافٍ حتى الآن على ضرورة استخدامها للتنبؤ بالسرطان لدى الأشخاص الأصحاء.

كما كتب غيلبرت ويلش من مستشفى "بريغام آند وومينز" في مقال رأي بـ"ستات نيوز" في شهر أغسطس، أنَّه من المرجّح أن يتفوَّق عدد الإيجابيات الكاذبة من مثل هذه الاختبارات على مثيلاتها الحقيقية، وبرغم أنَّ التأثير على الصحة العامة قد يكون سلبياً، يُمكن أن تدر الخزعات السائلة أموالاً ضخمة، إذا حصلت على دعم من شركات التأمين والرعاية الطبية، "ويتضح شيء واحد بالنسبة لي، و هو أنَّ هذا سيكلِّف الكثير من المال".

لذلك ربما يجب أن نكون سعداء، لأنَّ المستثمرين لم يحصلوا على ما وعدت به هولمز، نظراً لأنَّ بيع الأدوية للأصحاء يدر أموالاً ضخمة على عكس المخاطر الكبيرة التي يتسبَّب فيها البيع للأقل صحة.