السر الخفي في قطاع التعدين لن يفلت من تغير المناخ

صناعة الفولاذ ليست صديقة للبيئة فعلًا
صناعة الفولاذ ليست صديقة للبيئة فعلًا المصدر: بلومبرغ
David Fickling
David Fickling

David Fickling is a Bloomberg Opinion columnist covering commodities, as well as industrial and consumer companies. He has been a reporter for Bloomberg News, Dow Jones, the Wall Street Journal, the Financial Times and the Guardian.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تطمح بعض كبرى الشركات في هذا قطاع التعدين لتحقيق المعادلة الصعبة بلا شك، وفي مقدمتها "ريو تينتو غروب" (Rio Tinto Group) التي أصبحت أول شركة تعدين رئيسية توقف استخراج الفحم تمامًا، بالإضافة إلى شركة "غلينكور بي إل سي" (Glencore Plc)، إحدى أقوى الشركات المحفزة للقطاع، التي وعدت بأن تحدد سقف إنتاج سلعة الفحم ضمن المستويات الحالية.

"جان- سيباستين جاك" (Jean-Sebastian Jacques) الرئيس التنفيذي لشركة "ريو" تحدث إلى مستثمرين عقب إعلان النتائج السنوية، في فبراير 2019، قائلا: "لدينا محفظة استثمارية خالية من الفحم والنفط والغاز.. نحن في وضع جيد يتيح لنا الازدهار في عالم يقدّر الاستدامة أكثر فأكثر".

يتضح إلى حد ما أن شركات التنقيب تسعى إلى تقليل أثر عملياتها بالفعل، فقد انخفض تلويث الكربون الناتج عن استخدام الوقود وتوليد الكهرباء بمواقع العمل - ما يُعرف بانبعاثات النطاقين 1 و2- إلى أكثر من النصف في السنوات الخمس الأخيرة بالشركتين "ريو تينتو" و"بي إتش بي غروب" (BHP Group)، ويعود الفضل في ذلك، بشكل جزئي، إلى بيع الأصول وظهور الشركات المنبثقة عن الشركات الأم.

ومع ذلك، فإن الحكم على الشركات على أساس انبعاثاتها التشغيلية أشبه بالحكم على شركات التبغ استنادًا لتاريخها المتعلق بحقوق العمال والتنوع بين الجنسين في مجالس إدارتها. بمعنى أنه يثير ويستحق الاهتمام، لكنه في نهاية المطاف لا يتناول الصورة الأشمل.

وعلى صعيد آخر، إذا نظرنا إلى انبعاثات النطاق 3 (أي الانبعاثات التي تنتج عند استهلاك المنتجات)، ستتشكل أمامنا صورة مغايرة تمامًا.

استنادًا إلى هذا المقياس الذي شمل شركات موارد توفرت بياناتها لدى بلومبرغ حصريًا، نجد أن "رويال دتش شيل" (Royal Dutch Shell) أكثر إنتاجًا للانبعاثات من "ريو" و"بي إتش بي"، المدرجتان في مؤشرات "داو جونز" (Dow Jones) للاستدامة التابعة لـ "إس آند بي غلوبال إنك" (S&P Global Inc). بينما تأتي شركات الفحم الكبيرة مثل "غلينكور" (Glencore) و"إكسارو ريسورسز إل تي دي" (Exxaro Resources Ltd) في آخر التصنيف.

إذن، كيف نحسب الفرق؟ يتمحور الأمر حول الفولاذ في نهاية المطاف، فعادة ما يُطلق إنتاج طن متري واحد من الفولاذ في فرن الصهر، ما يقارب 2.3 طن من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي، وهو ليس أقل من الكميات الصادرة عن حرق طن من الفحم الحراري من أجل الحصول على الطاقة. وتهيمن المواد الوسيطة من خام الحديد وفحم الكوك (في حالة "بي إتش بي" المستخدمة في أفران الصهر على المحافظ الاستثمارية لأكبر شركتين للتنقيب، بجانب شركة "فيل إس إيه" (Vale SA).

يشار إلى أن حقيقة خروج المواد الأولية للفولاذ من مشكلة الانطباعات المحيطة بالفحم الحراري، لا يعني أنها أكثر صداقة للبيئة بقدر ما يعني أنها صعبة الاستبدال. وتوضح التكاليف المنخفضة للمصادر المتجددة والغاز وجود عدم حاجة حتى لوضع سعر على الانبعاثات لإضعاف الفحم الحراري على أساس مالي بحت، وهو أمر بدأت "غلينكور" (Glencore) بإدراكه.

لكن لا ينطبق الأمر على الفولاذ، فبالرغم من ارتفاع استخدام أفران القوس الكهربائية -التي تعيد تدوير خردة الفولاذ وتنتج الخُمس أو حتى أقل من انبعاثات الكربون المرتبطة بأفران الصهر- تبقى التقنيات التقليدية هي السائدة لأن المعدن الذي تنتجه يحتوي على شوائب أقل بشكل عام.

وتتزايد المشكلة هنا مع افتقار العالم إلى كميات كافية من الخردة لتلبية طفرة الطلب، كتلك التي شهدتها الصين خلال العقدين الأخيرين. بالإضافة إلى أن هوامش الأرباح غالبًا ما تكون أفضل، رغم أن نفقات رأس المال المرتفعة التي يتطلبها بناء أفران الصهر تقلل من شأن هذه الميزة.

من جهة أخرى، قد يبدو المستقبل مختلفًا؛ إذ بلغ استهلاك الصين للفولاذ ذروته في 2018، حسب الحكومة الأسترالية. ومن المتوقع أن تعوّض دول ناشئة أخرى في القطاع هذا الهبوط، لكن لا يوجد ضمانات بأنها ستصنّع الفولاذ بالسرعة الاستثنائية ذاتها.

ومع اتباع المستهلكين لطرق أكثر اقتصادًا، يُرجح أن تكون مستويات الطلب الحالي التي وصلت إلى 1.7 مليار طن في السنة قد سجلت ارتفاعًا طويل المدى بالفعل، وذلك وفقًا لدراسة أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لعام 2017.

يبدو أن ذلك سيضمن حالة من الأرباح المستمرة والمستقرة لشركات التنقيب الكبرى على الأقل، إلا أن تنامي موجة المواد التالفة قد تغير هذه الحسابات؛ حيث سيرتفع إمداد الخردة إلى مليار طن بحلول عام 2030 من 750 مليون طن تقريبًا في الوقت الراهن، حسب "وورلد ستيل أسوسياشن" (World Steel Association)، ليتصاعد إلى 1.3 مليار طن في عام 2050. ففي حال استخدام جميع هذه المواد في المصانع الصغيرة، واستمرار ارتفاع الطلب الإجمالي ضمن المستويات الحالية، حينها قد ينخفض الإنتاج عن طريق أفران الصهر بما يقارب الثلثين.

وكان الأمر بالنسبة إلى منتجي الفحم الحراري، منذ 10 سنوات، يعتمد الاستمرار في النموذج الذي يتبعه مزودو المواد الخام من الفولاذ، على اتخاذ قرار عالمي مفاده أن الحد من التلوث الصادر عن المنتجات التي تبيعها شركات التنقيب أمر في غاية الصعوبة. وكأننا نراهن على صمود المزايا الاقتصادية الطفيفة نسبيًا للتقنيات التقليدية التي تتفوق فيها على البدائل الصديقة للبيئة أمام ظهور تقنيات أفضل أو وضع أنظمة إضافية أو فرض الرسوم على انبعاثات الكربون.

ومن المحتمل أن يترك التحول إلى النمط الموجود حاليًا في أمريكا الشمالية أو الهند - حيث تستخدم أفران الصهر غالبًا للفولاذ عالي الجودة، مع استخدام الحديد الإسفنجي بنطاق واسع لتمييع شوائب الخردة في المصانع الصغيرة- تأثيرًا مدمرًا على جميع الأصول طويلة الأمد التي تتفاخر بها شركات التنقيب الكبرى.

ومع ذلك وفي ضوء تسبّب الفولاذ والحديد في تلوث الهواء بما يقارب 8 بالمئة من الانبعاثات العالمية، فإن هذا هو التحول الذي يجب تحقيقه إن أراد العالم تجنب كارثة تغير المناخ. وعلى شركات التنقيب التي تروّج لمواصفاتها الصديقة للبيئة الاحتراس في هذا الشأن، فهذه الصورة البراقة قد تصبح صدئة بسرعة مفاجئة.


*لا تنشر جميع الشركات تقديرات انبعاثات النطاق، لذلك، لا تظهر في هذا التصنيف شركات مثل "إكسون موبيل إنك" (Exxon Mobil Inc) و"فيدانتا ريسورسز بي إل سي" (Vedanta Resources Plc) وجميع شركات التنقيب الأسيوية وشركات قطاع الطاقة.