تباطؤ الصين.. ثغرة في سردية التضخم

جيروم باول وكريستين لاغارد
جيروم باول وكريستين لاغارد المصدر: بلومبرغ
Daniel Moss
Daniel Moss

Daniel Moss is a Bloomberg Opinion columnist covering Asian economies. Previously he was executive editor of Bloomberg News for global economics, and has led teams in Asia, Europe and North America.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تنضم الصين إلى قائمة مواطن الضعف التي تهدّد بفشل التعافي الاقتصادي المترنح، بعد أن كانت مصدراً من مصادر قوة الاقتصاد العالمي على مدى زمني طويل.

مشكلة تباطؤ معدل نمو الاقتصاد الصيني، التي تفاقمت بسبب أزمة الديون في قطاع العقارات، ونقص الطاقة الذي يتسبب في إغلاق المصانع، تجعل انتعاش الاقتصاد العالمي معتمداً أكثر على الولايات المتحدة. ولا يبدو أن بكين مستعدة لتسلّم الشعلة من واشنطن في وقت قريب.

اقرأ أيضاً: الاقتصاد الصيني ينمو في الربع الثالث بأبطأ وتيرة منذ عام

حسب البيانات التي أعلنتها الحكومة يوم الاثنين في بكين، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.9% خلال الربع الثالث من العام الحالي، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، وهو مستوى يقل كثيراً عن توقعات الاقتصاديين، وينخفض كذلك بنسبة كبيرة عن معدل 7.9% الذي سجله النمو الاقتصادي خلال الفترة من شهر أبريل إلى شهر يونيو. وقد انخفض معدل النمو بمقدار نقطة مئوية كاملة تقريباً عمّا كان عليه خلال الربع الأخير من عام 2019، عشية اندلاع جائحة كورونا.

توقيت صعب

في حين أنه لا توجد لحظة مثالية ملائمة لأن يسقط ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فإن تباطؤه حالياً جاء في توقيت صعب للغاية: ارتفاع في مستوى التضخم من نيوزيلاندا إلى المملكة المتحدة يحتمل أن يسرّع من وتيرة الانتقال إلى سياسة نقدية تقشفية في مختلف أنحاء العالم المتقدم، بينما تتباطأ وتيرة النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة. إن التباطؤ الاقتصادي في الصين مشكلة لا يحتاج صنّاع السياسة إلى مواجهتها.

يقول المسؤولون في الصين، إن المخاطر التي يتعرض لها الاقتصاد تمكن السيطرة عليها والتعامل معها. فلنأمل أن يكونوا على حق: فقدرة الاقتصاد العالمي على الانتعاش، ربما تعتمد على ذلك. وربما تنتهي آلام بكين إلى دفع الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي إلى تأجيل خروجهما النهائي من سياسة التيسير النقدي –حتى وإن كان التضخم أعلى كثيراً من المستوى المرغوب.

اقرأ المزيد: الصين غير قادرة على التعامل مع أكثر من أزمة في آن واحد

يوم السبت الماضي، قالت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، إن ارتفاع التضخم حالياً "ظاهرة مؤقتة وانتقالية إلى حد كبير".

تراجع حتمي

كان حتمياً، بل ومرغوباً فيه، أن يحدث بعض التراجع عن الوتيرة السريعة والعنيفة التي شهدناها في بداية العام. فقد كان أداء الصين صاخباً في بداية العام، وحققت نمواً قياسياً بلغ 18.3% في الفترة من يناير وحتى نهاية شهر مارس. غير أن برودة النشاط الاقتصادي، جاءت أكثر حدة من التوقعات، كما ظهرت توترات عنيفة في الوقت ذاته. وضغطت القيود المتشددة التي فرضتها الحكومة على قطاع العقارات على جانب كبير من النشاط الاقتصادي، بينما تحاصر أزمة الديون شركة "تشاينا إيفرغراند غروب" (China Evergrande Group)، وهي شركة تطوير عقاري كبرى، وتمتد أزمتها للتأثير على بقية القطاع. فقد انخفض مجموع مبيعات أكبر 100 شركة تطوير عقاري في البلاد بنسبة 36% على أساس سنوي في شهر سبتمبر الماضي، الذي يعتبر عادة ذروة موسم مبيعات المنازل. واضطرت المصانع إلى الإغلاق تماماً أو تخفيض إنتاجها بسبب أزمة نقص الكهرباء. وتسبب تكرار انتشار عدوى كوفيد-19 في انخفاض إنفاق المستهلكين انخفاضاً شديداً.

اقرأ المزيد: أزمة الكهرباء الصينية تقلب الطاولة على خطط الرئيس "شي" بشأن الطاقة

زادت أوجاع الصين، من اعتماد العالم على الولايات المتحدة، التي أسهم برنامج التحفيز لديها في قيادة انتعاش اقتصادي قوي في بداية العام.

وفي حين يتوقع صندوق النقد الدولي أن يسجل الاقتصاد العالمي خلال العام الحالي معدل نمو قوياً يبلغ 5.9%، بدأ النمو الاقتصادي يفقد قوته الدافعة. ويخفض الاقتصاديون تقديراتهم للنمو في الولايات المتحدة، حتى إن اثنين من الأكاديميين المشهورين تساءلوا عمّا إذا كنا قد بلغنا ركوداً اقتصادياً آخر. يضع كل ذلك بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في موقف صعب، في ضوء التزامه بتخفيض حزم التحفيز النقدي واستمرار ارتفاع التضخم الذي يتجاوز بوضوح نسبة 2% المستهدفة.

رغم أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يستمد تفويضه من الأوضاع المحلية التي تحدّد واجبه، أصبح يُنظر إليه باستمرار باعتباره الحارس الأول للاقتصاد العالمي. وقد يواجه رئيسه الحالي، جيروم باول، أو خليفته – إذ إن مدة باول تنتهي أوائل العام القادم– موقفاً لا يحسد عليه للاختيار بين أن يدعم ويحفز التعافي الاقتصادي، أو يقاوم صعود معدل التضخم. إن أوجاع الصين الاقتصادية أوجاع عالمية أيضاً، مثلما هي محلية.