نظام الدفع عبر الجوال التابع لـ"المركزي البرازيلي" يجذب 110 ملايين مستخدم

المصدر: "فولها برس"
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في عصر يوم الأحد، عند تقاطع مزدحم في وسط برازيليا، عاصمة البرازيل، كانت هناك امرأة تطلب المال من سائقي السيارات المارة من خلال لافتة كتب عليها باللغة البرتغالية: "أحتاج إلى المساعدة. أشعر بالجوع. أنا أقبل بيكس".

يُعرف "بيكس" (Pix) بأنَّه نظام يسمح بتحويل الأموال بشكل سريع عبر الهواتف الذكية، وقد أصبح منتشراً بشكل كبير في غضون 11 شهراً منذ أن أطلقه البنك المركزي البرازيلي. فكل ما هو مطلوب لإرسال النقود إلى شخص ما، أن تملك مفتاحاً صغيراً مخصصاً لهذا الغرض، مثل عنوان بريد إلكتروني، أو رقم هاتف.

على غرار "زيل" (Zelle) المملوكة للقطاع الخاص في الولايات المتحدة، يعمل "بيكس" من خلال تطبيقات متعددة من البنوك، وخدمات المحفظة الرقمية الأخرى. وبالفعل، استخدم 110 ملايين من البرازيليين التطبيق مرة واحدة على الأقل، وجرى نقل حوالي 89 مليار دولار عبر الشبكة، وهو ما أسهم في تفوق البرازيل على الولايات المتحدة من ناحية عمليات التحويل الفورية.

اقرأ أيضاً: بنك التنمية البرازيلي: الحديث عن خصخصة "بتروبراس" لا يعدو كونه "جدلاً صحيّاً"

توقيت مناسب

تبيّن أنَّ توقيت إطلاق "بيكس" كان جيداً، فقد تقلص استخدام الأوراق النقدية في نقاط البيع بنسبة 25% في عام 2020 مع إغلاق الشركات أثناء الوباء، بحسب تقرير صادر عن مستشار التكنولوجيا "إف آي إس" (FIS). وازدهر العمل غير الرسمي، الذي يمثل 80% من الوظائف الجديدة في أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021، كما أنَّ "بيكس" جعل عمليات الدفع الرقمية بالسهولة ذاتها التي يتسم بها استخدام النقود الورقية.

من جانبه، يقول كارلوس إدواردو براندت، رئيس الإدارة والعمليات في "بيكس": "كنا نتوقَّع قبولاً كبيراً من الأفراد، وكنا ندرك أنَّ الشركات ستأتي لاحقاً. لكنَّنا تفاجأنا بحجم الإقبال".

اقرأ المزيد: صراع بين مليارديرين يشعل سوق الاستثمار الرقمي في البرازيل

مما لا شك فيه أنَّ النقود الرقمية السريعة تنطوي على بعض المخاطر المرتبطة بالنقد. فعلى سبيل المثال؛ تعد عمليات "الخطف السريع" جريمة موصوفة في البرازيل، إذ يصطحب المجرمون الضحايا إلى ماكينة صراف آلي، ويجبرونهم على سحب أكبر مبلغ ممكن، وهم تحت تهديد السكين أو السلاح.

يبدو أنَّ "بيكس" هي ماكينة الصراف الآلي الجديدة، فهذا التطبيق يجعل اللصوص يتخطون مشقة التوجه نحو ماكينة الصراف الآلي، لأنَّهم يجبرون الأشخاص على نقل مدخراتهم عبر تطبيق إلكتروني. وعلى الرغم من إمكانية تتبع معاملات "بيكس"، إلا أنَّ اللصوص ربما يستخدمون في بعض الحالات حسابات بأسماء أشخاص آخرين.

في حديثه خلال إحدى المناسبات في مدينة ساو باولو، أرجع رئيس البنك المركزي روبرتو كامبوس نيتو حالات السرقة إلى ارتفاع معدل الجريمة بشكل عام مع إعادة فتح الاقتصاد. وأضاف: "منصتنا تتيح لنا إجراء تعديلات بكل سهولة".

لتفادي مثل هذه الحوادث، فرض صنَّاع السياسة في أغسطس ضوابط مماثلة لتلك الخاصة بماكينات الصراف الآلي، مثل الحد من المبلغ الذي يمكن للفرد تحويله أثناء فترة الليل، والتي تكثر فيها عادة هذه الاعتداءات.

رقم قياسي جديد

في يوليو، حطَّم تطبيق "بيكس" رقمه القياسي البالغ 40 مليون عملية دفع في يوم واحد. ومعظم هذه العمليات كانت تحويلات من شخص إلى آخر، وهي الطريقة التي تستخدمها ريناتا دا سيلفيرا بيريس، صاحبة شركة صغيرة لرعاية القطط في أغواس كلاراس بالقرب من برازيليا.

تقول ريناتا: "قبل ظهور (بيكس)، كان لا بد أن امتلك حسابات في عدد من البنوك المختلفة، كي لا يضطر العملاء إلى دفع الرسوم اللازمة لإرسال الأموال إلى بنك آخر، التي قد تشكِّل 30% من تكاليف إحدى زياراتي، وهو أمر من شأنه أن يثقل كاهل العملاء. الآن أصبحت بحاجة إلى حساب واحد فقط، وهذا يساعدني على التحكم في شؤوني المالية".

غالباً ما تعمل ريناتا في عطلات نهاية الأسبوع والإجازات، عندما يسافر أصحاب الحيوانات الأليفة. وهي الآن باتت قادرة على تلقي أموالها على الفور بدلاً من الاضطرار إلى انتظار مواعيد عمل البنوك.

أحد أهداف البنك المركزي البرازيلي الكامنة خلف إطلاق "بيكس"، تتمثَّل في جذب المزيد من الأشخاص إلى النظام المالي الرسمي.

يقول براندت، من "بيكس": "نريد أن نوفر بنية تحتية قادرة على تلبية احتياجات مجتمعنا كافة، خصوصاً في تلك القطاعات التي لا تلبي الاحتياجات حالياً". لكن "بيكس" في حد ذاته لن يكون كافياً. فالبرازيليون ما يزالون بحاجة إلى حساب مصرفي، أو نوع من خدمات الدفع لاستخدامه، فضلاً عن أنَّ 30% تقريباً منهم لم يستخدموا هذا التطبيق بعد.

تقول ليليانا روجاس سواريز، وهي مديرة شؤون أمريكا اللاتينية لدى مركز التنمية العالمية، ومقره واشنطن، إنَّ مبادرات مثل "بيكس"، "تجعل المدفوعات أكثر كفاءة، خصوصاً بالنسبة إلى أولئك الذين يملكون بالفعل حسابات مصرفية، لكنَّ تحقيق الشمول المالي يعد أمراً مختلفاً تماماً". كما تشير إلى أنَّ دول المنطقة بحاجة أيضاً إلى معالجة اللوائح التنظيمية المكلفة، وضعف الثقة في النظام المالي.

سرعة وبساطة

تأمل "بيكس" في أن تسهم خطوة تسريع المدفوعات وتبسيطها، في تحفيز البنوك وشركات التكنولوجيا المالية على الابتكار وتقديم خدمات جديدة يسهل الوصول إليها.

تعتبر البرازيل مكاناً مثالياً للفرص، لا سيما تلك المتعلقة بالمدفوعات الرقمية، إذ يقضي البرازيليون وقتاً أطول على وسائل التواصل الاجتماعي مقارنة بقاطني أي بلد آخر في نصف الكرة الغربي، فضلاً عن أنَّ لديها خامس أكبر كثافة سكانية مستخدمة لشبكات الإنترنت، بحسب مؤسسة "غلوبال ويب إندكس" (GlobalWebIndex).

في الأعوام الأخيرة، استطاعت شركات التكنولوجيا المالية، مثل "نيوبنك" (Nubank) المدعومة من المستثمر الأمريكي وارن بافيت، جذب العملاء بعيداً عن البنوك البرازيلية التقليدية. كما يخطط "نوبانك" لطرح أسهمه للاكتتاب العام الأولي الذي يمكن أن يمنحه قيمة سوقية تقدر بـ55 مليار دولار.

اقرأ أيضاً: طرح "نيوبنك" الرقمي المدعوم من وارن بافيت بتقييم 50.6 مليار دولار

يواجه تطبيق "بيكس" منافسة بالفعل- مثل خدمة الدفع الجديدة عبر "واتساب"، وهو تطبيق المراسلة المملوك لـ"ميتا بلاتفورمز إنك" ("فيسبوك"سابقاً)- لكن البنك المركزي البرازيلي يخطط للاستمرار في توسيع نطاق "بيكس"، إذ سيقدِّم قريباً طرقاً تمكن المستخدمين من إجراء عمليات الدفع، حتى في حالة عدم الاتصال بشبكات بالإنترنت.

يسمح "بيكس" أيضاً بإجراء تحويلات دولية، بالإضافة إلى تمكين المستخدمين من الحصول على النقود من تجار التجزئة، واعتباره بديلاً لماكينات الصراف الآلي.

خلال مؤتمر استضافته صحيفة "فولها دي ساو باولو" البرازيلية في أغسطس، قال كامبوس نيتو: "لم نبدأ بعد. أود أن أقول، إنَّنا لم نستخدم سوى 5% فقط من إمكانات (بيكس)".