كيف تستعيد أحبّة خسرتهم بعدما لجؤوا إلى التطرف؟

المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في صباح أحد أيام نوفمبر من عام 2018، استيقظت إيمي قبل انبلاج الفجر على صوت قرع شديد على باب منزلها، لتقفز من فراشها وتهرع إلى الخارج مع زوجها وهي ترتدي قميصاً وسروالاً داخلياً. كان ثلاثة عملاء من مكتب التحقيقات الفيدرالي على السلالم الأمامية للمنزل، وخلفهم مباشرة أشخاص آخرون مسلّحون.

اقتاد العملاء الفيدراليون إيمي وزوجها بعيداً عن المنزل، وأمروهما بالبقاء أسفل سطح مرتفع يطل على الفناء الأمامي، فهُم أتوا من أجل نجل الزوجين المراهق، جاك.

اقرأ أيضاً: ترمب والمؤامرة يسيطران على تصويت انضمام "أمازون" إلى اتحاد العمال

جرى تشخيص إصابة جاك بالتوحد في عمر الثالثة، ومثل عديد من الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد، كان يعاني من الهواجس، وأحبّ تعلّم الأمور المتعلقة بالثعابين، حتى إنه كان يحاول الإمساك بها كلما أتيحت له الفرصة.

بداية سلوك التطرف

كان والداه يحاولان حمايته، ولذلك فرضوا قيوداً على استخدامه لشبكات الإنترنت، ولم يسمحوا له بلعب ألعاب الفيديو العنيفة. لكن في الصف السابع بدأت مجموعة من رفاق جاك في المدرسة تريه مقاطع فيديو لمقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" وهم يقطعون رؤوس سجناء، الأمر الذي أثار اهتمامه. وسرعان ما أصبح جاك مفتوناً بالإسلام الراديكالي، إذ اشترى نسخة من القرآن الكريم، وطلب من معلمه أن يجد له مكاناً للصلاة، كما عثر على مزيد من مقاطع الفيديو المماثلة على الإنترنت، واستخدم مواد من عدة الخياطة الخاصة بإيمي لصنع علم تنظيم "الدولة الإسلامية".

إيمي وجاك اسمان مستعاران، فقد طلبت العائلة عدم الكشف عن هويتها لحماية خصوصيتها.

لدى مداهمة عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي لمنزل الزوجين في جنوب الولايات المتحدة، كان جاك يبلغ من العمر 16 عاماً، لكنه كان يعمل على المستوى التنموي لشخص أصغر منه بأعوام كانت لديه صعوبة في فهم المشاعر المعقدة. ويمكن أن تكون فكرة رؤية العالم بالأبيض والأسود تفسيراً لانجذاب جاك إلى الأفكار المتطرفة.

رغم أن إيمي كانت تشعر بالقلق -إذ إن الأسرة مسيحية ولم تستطع فهم سبب هوس ابنها بالإسلام الراديكالي- فإنّ المعالج النفسي لجاك تجاهل اهتمامه بـ"الجهاد"، واعتبره مجرد مرحلة يمرّ بها. لكنّ والدَي جاك وأطبّاءه لم يكونوا على دراية بمدى التطرف الذي أصبح عليه.

في رسائل عنيفة نشرها في غرف الدردشة الإلكترونية، كان جاك يهدّد بشنّ هجوم على البيت الأبيض ونُصب واشنطن التذكاري. وقبل أيام قليلة من مداهمة منزله، كتب جاك: "نخطط لاستخدام الأسلحة والسترات الواقية من الرصاص. سيستغرق الأمر أعواماً للتحضير".

اقرأ المزيد: "التحقيقات الفيدرالي" يحذر ضحايا القرصنة الإلكترونية من دفع "الفدية"

وفقاً لتقرير قُدّم لاحقاً في المحكمة، لم يجد مكتب التحقيقات الفيدرالي في أثناء المداهمة سوى القليل من الأدلة التي تشير إلى أن جاك قادر على شنّ هجوم إرهابي. فلم يكن هناك أدوات لصناعة القنابل، ولا أسلحة سرّية، بل فقط بعض أعواد ثقاب ربما كان يفكر في استخدامها كعبوة حارقة.

تقول إيمي: "كان يتحدث بتباهٍ عبر شبكة الإنترنت، مثل جهادي كبير وقوي، أو أياً كان ما يعتقده عن نفسه".

اتهام وحكم بالسجن

اتهمت محكمة الأحداث جاك بتوجيه تهديدات إرهابية إلى الحكومة الفيدرالية والتلاعب بالأدلة، نظراً إلى حذفه تطبيقاً للدردشة من هاتفه المحمول بمجرد وصول عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى المنزل. وحكم عليه القاضي بالسجن عاماً ووضعه تحت المراقبة. مع ذلك، لم تستطع العواقب القانونية أن تقلّل التزامه الإسلام الراديكالي. ورغم كل شيء، ظل ينظر إلى الحكومة الأمريكية باعتبارها قوة شريرة.

بعد ذلك قررت إيمي إرسال جاك إلى مدرسة داخلية للأطفال الذين يعانون من مشكلات سلوكية، وعرفته إلى أطباء ومعالجين نفسيين جدد. في بعض الأوقات كان جاك يعبّر عن ندمه، إذ كتب في إحدى المجلات في أواخر عام 2018: "كان يجب أن أبقى مع المسلمين الصالحين على الإنترنت. لماذا اخترت السيئين؟!".

قبل انقضاء فترة طويلة، عاد للانجراف نحو التطرف مرة أخرى، إذ كتب في مجلة أخرى بعد عام: "استجب للدعوة. اقتلهم جميعاً... حان الآن وقت النهوض... اذبحهم... شاهدهم وهم يموتون".

كانت إيمي تشعر بالعجز والإرهاق، وظلت ذكريات مداهمة الصباح الباكر تطاردها. وظلت تسأل نفسها مراراً وتكراراً: "إلى أين أذهب؟ مع مَن أتحدث للتخلص من هذا التفكير؟".

متطرّف آخر

قبل أعوام، تساءل ملفين بليدسو عن الأمر ذاته بعد تورط نجله كارلوس -الذي كان ذات يوم من محبي الهيب هوب اللامبالين- مع المتطرفين الإسلاميين عندما كان طالباً جامعياً في ولاية تينيسي. لقد ترك كارلوس المدرسة وانتقل إلى اليمن قبل عودته إلى الولايات المتحدة لمساعدة والده في توسيع أعمال الحافلات السياحية للعائلة إلى ولاية أركنساس.

اقرأ أيضاً: قطر قد تعاني لتقديم طالبان "الجديدة" إلى العالم

في أحد أيام ربيع عام 2009، انطلق بليدسو من ممفيس إلى ليتل روك للبحث عن كارلوس، الذي لم يكن يردّ على هاتفه. وبينما كان يتجه مسرعاً نحو الغرب على الطريق السريع، تلقّى مكالمة من عميل في مكتب التحقيقات الفيدرالي، قال له فيها إن نجله أطلق النار على جندي وقتله في مكتب التجنيد العسكري الأمريكي في ليتل روك.

عن ذلك يقول بليدسو: "شعرت فجأة بخيبة أمل ورعب شديد. أصعب شيء في العالم كان وقف تلك السيارة وإخبار زوجتي بما قاله لي هذا العميل للتو".

حينها حُكم على كارلوس بالسجن مدى الحياة، وظلت عائلته تعاني من مزيج من الغضب والحزن، فيما استمر بليدسو في التفكير في فرضية محيّرة، وهي ماذا لو كان وجد شخصاً لمساعدة كارلوس قبل فوات الأوان؟ لكن بليدسو يقول: "لم نكن نعرف إلى من نلجأ. لم يكن لدينا أي مساعدة".

"آباء من أجل السلام"

من هذا المنطلق، وفي عام 2015، أسس بليدسو منظمة "بارنتس فور بيس" (Parents for Peace)، أي "آباء من أجل السلام"، وهي منظمة غير ربحية متخصصة في التصدي للأفكار العقائدية لدى الأشخاص الذين ينجذبون إلى الأفكار المتطرفة، بداية من الجهاد وحتى "كيو أنون".

لم يكن الطلب على خدمات "بارنتس فور بيس" كبيراً، لكن خطّها الساخن الوطني شهد زيادة في عدد المكالمات بمقدار ثلاثة أضعاف خلال فترة تفشّي الوباء. كذلك بثت قناة "إم إس إن بي سي" (MSNBC) مقطعاً قصيراً عن المنظمة غير الربحية في أبريل، ما أدى إلى استقبالها 25 مكالمة في أربعة أيام.

يدرس الباحثون في جامعتي هارفارد وبوسطن الأساليب التي تتبعها هذه المنظمة، وسط محاولات الأكاديميين والمعالجين النفسييين والإخصائيين الاجتماعيين على مستوى البلاد التصدي للتطرف في مناخ سياسي يزداد استقطاباً. كثير من هذه الجهود ركّز على تحديد جذور التطرف في عصر الإنترنت ومكافحتها، مثل انتشار المعلومات المضلّلة على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن "بارنتس فور بيس" تركز على سؤال أضيق نطاقاً وأكثر واقعية، وهو كيفية التصرّف عند تأييد شخص عزيز لأيديولوجيا متطرفة.

تقول إلين ديفو، خبيرة العمل الاجتماعي بجامعة بوسطن، التي كانت تراقب أعمال "بارنتس فور بيس": "لسنا مجهزين جيداً لمعرفة ما يجب فعله إذا واجه شخص ما هذا النوع من المشكلات، فهؤلاء الأشخاص يسعون خلف شيء ما بالتأكيد".

طريق العلاج

استطاعت المنظمة، التي يديرها طاقم مكون من خمسة أشخاص ومجموعة متطوعين بالتناوب، صقل نهج علاجيّ يكمن عند نقطة تجمع بين الإرشاد الأسري والتعافي من الإدمان والعلاج التقليدي، وإنقاذ الأفراد من التطرف الديني.

قبل خمسة أعوام، سلّم بليدسو مقاليد إدارة منظمة "بارنتس فور بيس" إلى ميريم تشرشل، وهي مغربية فرنسية تتحدّث بسرعة، يعود تاريخها في الخدمة الاجتماعية إلى الثمانينيات، عندما قدمت المشورة إلى بائعات هوى في مرسيليا.

لكي تتمكن من تطوير خطة علاجية، أجرت تشرشل مقابلات مع متطرفين سابقين وأُسَر هؤلاء المتطرفين، لتدرك جزئياً أنها بحاجة إلى إيجاد طريقة للحديث عن التطرف الذي لا يَصِم الأُسَر التي تعاني منه. وتقول: "كآباء، جميعنا يرتكب أخطاء. لقد بدأت نوعاً ما أشعر بالشفقة، وأن أكون أقل إصداراً للأحكام".

في هذه الأيام، تقضي تشرشل ساعات على الهاتف كل أسبوع للتحدث إلى آباء المتطرفين أو أشقائهم، وكثيراً ما تكرر الإرشادات المخادعة ذاتها التي تبدو بسيطة، والتي تتلخص في عدم المجادلة أبداً مع المتطرفين وطرح أسئلة استقصائية مفتوحة عليهم، فضلاً عن معاملتهم باحترام ودون استخفاف، بالإضافة إلى العمل على حل مشكلاتك الخاصة. ففي بعض الأحيان يكون مفتاح مساعدة أحد أفراد الأسرة هو معالجة الخلل الوظيفي الشامل الذي تعاني منه الأسرة.

بين التطرف والإدمان

خلال هذه المحادثات تقارن تشرشل بين التطرف والإدمان، وتقول إنّ المتطرف مثل مدمن الكحول الذي يحاول الوصول إلى زجاجة مشروب كحولي، فهو يتجه إلى نظريات مؤامرة عبر الإنترنت أو خطاب كراهية عنيف لتخدير ألمٍ أعمق. وغالباً ما تكتشف أن الشباب يصبحون عرضة للتطرف نتيجة القلق الاجتماعي أو الشعور بالوحدة أو الصدمات السابقة. كما تشير إلى أن إعاقة النمو مثل التوحّد قد تجعل الأطفال بحاجة ماسّة إلى الشعور بالانتماء، وهو ما يجعلهم عرضة لأن يصبحوا فريسة قابلة للتجنيد. فالتطرف يصبح في هذه الحالة هو "الدواء المختار". وأضافت: "المسألة هي محاولة لإيجاد طريقة تكون بها شخصاً ما، وتتمتع بالسيطرة".

هذا الاعتقاد يعدّ موضوع عدد متزايد من البحوث الأكاديمية، فقد وجدت دراسة أجرتها مجموعة من علماء الاجتماع في عام 2017 أن المتطرفين الذين يتخلّون عن فكرة تفوق العرق الأبيض يعانون من "آثار طويلة الأمد" يقارن بعضها بالإدمان. لكن هذا البحث لا يزال بحثاً أولياً.

لا يزال الوقت مبكراً للغاية لتحديد المشكلة، حسبما يقول أندرو دريفوس، الرئيس التنفيذي لشركة "بلو كروس بلو شيلد أوف ماساتشوستس" (Blue Cross Blue Shield of Massachusetts)، ومستشار منظمة "بارنتس فور بيس". وأضاف أن "هذا هو المكان الذي كنا نقف عنده مع إدمان المواد الأفيونية منذ 10 أو 15 عاماً".

منذ تأسيسها، عملت منظمة "بارنتس فور بيس" مع 300 أسرة تقريباً، وتخاطب تشرشل الجهات المانحة من أجل طلب تمويل حكومي، في محاولة لتوسيع نطاق المنظمة.

دور المتطرفين السابقين

كما تحاول المنظمة أن تبقى بعيدة عن السياسة، وأن تقدّم المشورة إلى الأشخاص الذين ينجذبون إلى الإرهاب الإيكولوجي والعنف اليساري، بالإضافة إلى المتعصبين البيض وأتباع "كيو أنون". وفي أكثر الحالات تعقيداً تنشر تشرشل فريقاً من المتطرفين السابقين لتوجيه الأشخاص الذين لا يزالون يحتفظون بأفكارهم المتطرفة، من أجل تشجيعهم على الانسحاب من الجماعات التي تحضّ على الكراهية.

ريس باكلي، واحد من هؤلاء المتطرفين السابقين. فهذا الرجل البالغ من العمر 38 عاماً شارك في الحرب في أفغانستان، وكان زعيماً سابقاً من زعماء حزب "كو كلوكس كلان".

في منتصف العقد الثاني من هذا القرن كان باكلي من المتشددين البيض الملتزمين لدرجة أنه اصطحب ابنه البالغ 4 أعوام معه إلى اجتماعات كلان، وألبسه رداءً صغيراً وقلنسوة مشابهة لتلك التي يرتديها أعضاء الحزب.

أصبح حزب كلان منفذاً للغضب المكبوت لدى باكلي، وطريقة سهلة لتسهيل إدمانه المواد المخدرة التي كانت تتوافر بكميات كبيرة في الاجتماعات. لكن زوجة باكلي تدخلت في النهاية لإنقاذ زوجها ومعالجته من النزعة التطرفية، عبر اللجوء إلى مساعدة أحد النازيين الجدد السابقين الذين عثرت عليهم عبر شبكة الإنترنت.

يقول باكلي: "لم يتصدَّ للأيديولوجيا بقدر ما تصدى لمسألة إدماني التي كانت أكثر إلحاحاً. كنت أدرك تماماً أن ما كنت متورطاً فيه جنونيّ وغير منطقيّ، لكنها كانت دوامة مريبة للغاية".

طريق التعافي طويل

بعد أن غادر باكلي حزب كلان، انضم إلى منظمة "بارنتس فور بيس" ليقدم المشورة إلى الغير. وفي إحدى الحالات الأولى التي تولّى متابعتها سافر باكلي إلى حقول النفط في غرب تكساس لتقديم المشورة إلى مراهق يهتم بشكل متزايد بتفوق العرق الأبيض، ثم عمل مؤخراً مع طالب في مدرسة ثانوية في ولاية نيوهامشير الذي اعتنق النظريات القومية اليمينية المتطرفة.

يحاول باكلي أيضاً عقد صداقات مع من يساعدهم والمحافظة عليها، خصوصاً أنه تعلّم من تجاربه الخاصة أن التعافي عملية طويلة الأمد. فهو يقول: "ما زلت أجد أنني أعاني من أفكار سياسية عند مشاهدة شيء ما على قناة (فوكس). سأكون مثل الليبراليين السخفاء".

سمعت إيمي عن منظمة "بارنتس فور بيس" من أحد المستشارين الذين طلبت مساعدتهم من أجل جاك. يعرض الموقع الإلكتروني للمنظمة مقاطع فيديو لباكلي، وموبين شيخ، وهو أحد المؤيدين السابقين لحركة طالبان، انضم إلى المنظمة بعد العمل مع السلطات الكندية للتسلل إلى الجماعات المتطرفة.

في بداية العام الجاري، بدا جاك وكأنه يبتعد عن التطرف الإسلامي بمفرده بعد أن شاهد مقاطع فيديو للخطيب المناهض للإسلام ديفيد وود عبر موقع "يوتيوب". ثم في الربيع بدأ مرة أخرى في قراءة القرآن، ومناقشة الإسلام عبر الإنترنت. تقول إيمي إن جاك "عاد إلى ما كان يفعله في السابق".

في جلساتها الأولى مع تشرشل، سردت إيمي قصة انزلاق جاك نحو الإسلام الراديكالي، موضحة أنها لم تجد شخصاً تثق به على مدى أعوام. وعندما داهم عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي منزلها، كانت تشعر بإحراج شديد من فكرة طلب المساعدة من أسرتها، موضحة أن "الناس بإمكانهم تفهُّم الأفلام الجنسية، لكن لا يمكنهم تفهُّم انضمام ابنك إلى داعش".

صراع حتى الموت

تقول تشرشل: "إن هناك سوء فهم كبيراً. إنها حقاً قضية تتعلق بالصحة العامة، فهي مثل محاولة تناول مشروب. إذا ركزت على فكرة (لا تتناول هذا المشروب) فأنت تتصارع مع آلية التأقلم". وأوضحت أن أفضل الطرق التي يمكن اتباعها لمساعدة جاك، هي إظهار الحب وإيلاؤه الاهتمام، وعدم المبالغة في رد الفعل عندما يطلق دعاية متطرفة. وقالت: "لا أحد يفوز في الصراع ضدّ آلية التأقلم"، مشيرة إلى أن المتطرف "سيقاتل حتى الموت من أجل ذلك".

في السبعينيات، جذبت الجماعات الدينية الجديدة مثل الحركة التوحيدية للقسيس سون ميونغ مون أتباعاً من الشباب في الولايات المتحدة، ممن أدخلوا تغييرات جذرية في حياتهم، أحدثت بدورها صدمة لدى أصدقائهم وأقاربهم. وكانت النتيجة ذعراً أخلاقياً. فقد أنفق الآباء الأمريكيون عشرات الآلاف من الدولارات على خبراء الطوائف المعروفين باسم "معيدو البرمجة"، الذين يستخدمون في بعض الأحيان أساليب غير أخلاقية أو غير قانونية لعكس ما وصفوه بغسل الدماغ.

تقول ميغان غودوين، الباحثة في الدراسات الدينية بجامعة نورث إيسترن: "إنهم يختطفون الناس ويعزلونهم ويمنعونهم من الحصول على الطعام والماء. تُنفَق أموال كثيرة في أثناء محاولة مساعدة الأُسَر الثرية ذات البشرة البيضاء لاستعادة أطفالهم مرة أخرى".

لقد تغيرت صناعة "إعادة البرمجة" منذ السبعينيات، إذ اتخذت السلطات إجراءات صارمة ضد الطرق المثيرة للشكوك بشكل أكبر، كما أن عديداً من الممارسين يدعون أنفسهم بمستشاري الانسحاب أو إخصائيي التدخل الطائفي.

إعادة البرمجة

يقول باتريك رايان، المقيم في فيلادلفيا ويصف عمله بالتأمل الديني، إنه لن يستخدم القوة الجسدية على الإطلاق للتدخل في أزمة عائلية. ومع ذلك، أحياناً ما ينخرط في خدع متقنة، ويقحم نفسه تدريجياً في حياة أحد الأفراد الطائفيين، أو يصمم حيلة معقدة لجذب شخص ما إلى غرفة من أجل تدخّل محكم وعلى مراحل.

خلال فترة رئاسة الرئيس السابق دونالد ترمب، بدأ رايان وغيره من الخبراء المعروفين باسم "معيدو البرمجة"، باستخدام تقنياتهم لمحاربة الحركات اليمينية المتطرفة، بعد أن لجأت إليهم الأسر لعلاج أحبائهم الذين تبنّوا وجهات نظر عنصرية، أو اشتركوا في نظريات المؤامرة "كيو أنون".

لعل أشهر مثال على الانتقال من مجموعة إعادة الأشخاص من التطرف الديني إلى التشجيع للجوء إلى الأحزاب اليمينية هو ستيفن حسن، الذي يُعرف بأنه أحد الأتباع السابقين للقسيس مون، ومؤلف كتاب "طائفة ترمب" (The Cult of Trump). يتقاضى حسن 5 آلاف دولار في اليوم مقابل خدماته، وهو "مبلغ كبير من المال"، على حد قوله. ويوضح حسن أن "الآباء الوحيدين هم العملاء الذين لا يتناسبون مع نهجي، فإذا لم يكن لديهم أموال فهذا لا يناسبني".

يضع حسن، وهو ضيف متكرر على تليفزيون الكابل، عمله في إطار مكافحة السيطرة على العقول البشرية، وهو تفسير لدعاوى ترمب التي غالباً ما عارضها الخبراء الطائفيون، كما يتوقع أيضاً أن يقرأ العملاء كتبه. ويساعد كذلك خبراء إعادة البرمجة الهادفين إلى الربح والمجموعات مثل "بارنتس فور بيس" في ملء الفراغ الأمريكي بشكل خاص.

الأوروبيون سبّاقون

بدأت مجموعات القضاء على التطرف في أوروبا منذ التسعينيات، إذ بدأت جهودها في النرويج التي قدمت العلاج النفسي والمشورة الوظيفية للنازيين الجدد الذين كانوا يحاولون التحرر من تلك الأفكار. ولم تحظَ أي منظمات مماثلة بالاهتمام اللازم في الولايات المتحدة حتى عام 2010، حينما ساعد أحد حليقي الرأس السابقين، الذي يُدعى أرنو ميكايليس، في تأسيس منظمة "الحياة ما بعد الكراهية" (Life After Hate)، وهو تحالف من متطرفين سابقين مخصص لإبعاد الناس عن عنف اليمين المتطرف.

في عام 2012، غادر ميكايليس منظمة "الحياة ما بعد الكراهية" بعد نزاع حول جمع التبرعات، ثم تبعثرت المنظمة مؤخراً إثر معارك داخلية تصاعدت حتى وصلت إلى المحكمة، لكنها تظل -بجانب منظمة "بارنتس فور بيس"- إحدى المجموعات الأمريكية القليلة التي تقدّم خدمات مكافحة التطرف مجاناً.

أصبح العمل دقيقاً للغاية، إذ يعمل المتطرفون السابقون بشكل كبير استناداً إلى الغريزة، وهم قادرون على ارتكاب الأخطاء. وعلى مدى أعوام، كان ميكايليس يسدي نصيحة إلى عضو سابق في حزب "كلان"، أصبح أحد المؤيدين المتحمسين للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب. عن ذلك يقول ميكايليس: "لقد استُبدل ترمب بالسباق الأبيض. أنصار ترمب هم الأخيار والبقية مجرد حثالة شريرة في الأرض. كانت الكراهية بالقدر ذاته من الحدة".

خلال العام الماضي، تحولت العلاقة إلى علاقة عدائية، فقد طلب العضو السابق في حزب "كلانسمان" من ميكايليس الحضور من أجل ترمب، حتى ظهر رد فعل ميكايليس الذي فقد في النهاية السيطرة على أعصابه. وقال: "صرخت في وجهه. أخبرته أنه أحمق وأن ترمب حثالة، وأنني آمل أن يخسر الانتخابات". ومن ثم أوضح ميكايليس أن "أي تأثير كنت أستطيع توجيهه من خلاله انتهى تماماً".

"يوجد فرق بين الأخوّة الصحية والأخوّة غير الصحية"

إدراكاً منها لاحتمالية نشوب مواجهات مدمّرة، تحثّ تشرشل الأُسَر على اتباع نهج لطيف. فقد أجرت تشرشل مكالمات هاتفية هذا الصيف، حذّرت خلالها إيمي من اتخاذ رد فعل غاضب عند مشاهدة جاك لمقاطع فيديو مثيرة للإزعاج، وأخبرتها أن الاستجابة السلبية القوية قد تدفعه إلى التعمق والبحث عن محتوى أكثر إثارة للقلق على الإنترنت. وبدلاً من ذلك، قالت إنّ إيمي بحاجة إلى سؤال جاك بشأن الأمور التي شعر بها عند مشاهدة مقاطع الفيديو أو أسئلة أخرى مفتوحة.

من تطرّف إلى آخر

يبدو أن مثل هذه النصيحة تؤتي ثمارها، فمع التعمق بشكل أكبر في فصل الصيف، بدا جاك وكأنه فقد اهتمامه بالإسلام الراديكالي وتخلّى عن معتقداته القديمة، كما أنه يشاهد مزيداً من مقاطع الفيديو الخاصة بديفيد وود. لكن الحقيقة هي أنه كان يطوّر فتنة جديدة، وهي الكونفدرالية.

مما لا شك فيه أن منظمة "بارنتس فور بيس" غالباً ما تشهد تأرجح المتطرفين من شكل من أشكال التطرف إلى شكل آخر، إذ تقول تشرشل إن "الأيديولوجيا تعتبر إسعافات سطحية بشكل كبير لكل ما يمرّون به".

زيّن جاك غرفة نومه بتذكارات الكونفدرالية، بما فيها خنجر كان ملكاً لجده الأكبر الذي قاتل لصالح الجنوب في الحرب الأهلية، وبدأ أيضاً في ارتداء قبعة بيسبول عليها علم الكونفدرالية، ما أثار شكاوى الأفراد في الكنيسة.

في جدال مع أحد أشقائه في أغسطس، استخدم عبارة "القوة البيضاء"، وهو ما آثار قلق إيمي، التي طلبت منه بعد ذلك عدم ارتداء قبعته في الأماكن العامة، لكنه صدّها بشراسة وقال لها: "هذا هو تاريخي. هذا هو". تعليقاً على الأمر، تقول إيمي: "أشعر بقلق أكبر تقريباً تجاه أنني سأضطر إلى الاتصال مرة أخرى بمنظمة (بارنتس فور بيس) والتسجيل في جانب مختلف بداخلها".

مع ذلك، لم تكن تعتقد بأن ابنها جاك أصبح واحداً من المتعصّبين البيض، فهو لم يعبّر عن العداء تجاه السود، وبدا أنه يفهم أن العلم قد يسيء إلى الآخرين، خصوصاً أنه لم يكن يرتدي القبعة أمام مدربه في صالة الألعاب الرياضية الذي كان يتسم بكونه ثنائي العرق.

في معظم الأوقات، بدا أن هوسه بالكونفدرالية ينبع من اهتمام حقيقي بتاريخ أعلام الحرب الأهلية. لقد كان لغزاً تقليدياً، إذ لاحظ المشككون في عمليات إعادة البرمجة ونزع التطرف لفترة طويلة صعوبة تحديد ما إذا كانت مجموعة المعتقدات المقلقة تستدعي التدخل. ومن هذا المنطلق يتساءل جو أوسينسكي، عالم السياسة بجامعة ميامي، الذي يدرس نظريات المؤامرة: "ما الذي يمكن اعتباره تطرفاً؟.. إذا كنا نتحدث عن التطرف فما معنى التطرف؟ هل هو الرغبة الشديدة في التصرف بدافع عنيف أو أي شيء آخر؟".

الأخوّة الزائفة

في مساء أحد أيام شهر سبتمبر، وافق جاك على مقابلة تشرشل وباكلي وشيخ، المؤيد السابق لطالبان، عبر موقع الاجتماعات الافتراضية "زووم"، إذ أجرى جولة في غرفة نومه ووجّه جهاز الأيباد نحو مجموعة من الثعابين والسلاحف الموجودة في خزانات على أحد الجدران. اتضح أن باكلي كان متحمساً أيضاً للثعابين، فقد أخرج أفعى ذات ذيل أحمر وطولها 5 أقدام ولفها حول عنقه. وقال باكلي: "يبدو أنك من هذا النوع الذي يقول: يمكنني أن أذهب إلى منزلك، وسنمثل دور فتى الريف، وسنركض إلى الغابة، وسنشاكس الثعابين. أريد التعرف إليك أكثر".

وجّه شيخ سؤالاً إلى جاك بشأن توجهه نحو الإسلام الراديكالي. كان ردّ جاك أن جزءاً مما جذبه هو مقاطع فيديو لرجال يتعانقون ويقبل بعضهم بعضاً، وإحساس الأخوّة والصداقة الحميمة بين الأفراد بعضهم وبعض، فقد أراد أن يكون جزءاً من ذلك، خصوصاً أنه كافح طوال طفولته لتكوين صداقات، وأحياناً ما كان يتعرض للتنمر. وفي الصف السابع وضعت مجموعة من الأولاد بضائع سرقوها من متجر مستلزمات الجيش في حقيبته.

تعليقاً على الأمر، قال باكلي: "يوجد فرق بين الأخوّة الصحية والأخوّة غير الصحية. فلتبقِ هذه الجملة في ذهنك يا رجل". سكت جاك لوهلة، إذ بدا وكأنه كان يستمع بعناية، ثم أجاب: "سأفعل ذلك".

باعترافها الشخصي، تعتبر تشرشل أنها أفضل في مجال المشورة لا في جمع التبرعات. في عام 2020، حققت "بارنتس فور بيس" إيرادات تزيد قليلاً على 289 ألف دولار، معظمها من التبرعات، فيما بلغ إجمالي النفقات نحو 213 ألف دولار. وتقول تشرشل: "إنها مسألة فوضوية. المتبرعون سيتبرعون بسهولة للجراء والأطفال المصابين بالسرطان، لأن هذا الأمر يجعلهم يبدون جيدين".

على المدى الطويل، تأمل تشرشل أن تتمكن منظمة "بارنتس فور بيس" من التوسع في جميع أنحاء الولايات المتحدة وتدريب الأطباء المحليين، رغم أنها واجهت نكسات. ففي سبتمبر، رفضت وزارة الأمن الداخلي طلب المنظمة للحصول على 750 ألف دولار تمويل منح. والآن، أصبح لدى المنظمة نحو 20 حالة نشطة فقط، معظمها يتعلق بتفوق العرق الأبيض أو "كيو أنون".

خلال الصيف، عقد باكلي وشيخ سلسلة من اجتماعات الفيديو مع تي غاربين، وهو ميكانيكي طائرات في منتصف العشرينيات من عمره، وقد أقرّ بكونه مذنباً لمساعدته في تنظيم مؤامرة لاختطاف حاكم ميتشيغان غريتشن ويتمر في عام 2020. تواصل محامو غاربين مع المجموعة، لكن لم يكن الهدف هو نزع التطرف على وجه التحديد، فقد أعرب بالفعل عن ندمه، بل إن "بارنتس فور بيس" كانت تأمل في مساعدته على تجنّب الوقوع مرة أخرى في شباك التطرف في أثناء وجوده في السجن بعد صدور الحكم عليه.

في المكالمات الهاتفية، اندمج باكلي مع غاربين بشأن اهتمامهما المشترك بالأسلحة العسكرية، إذ ذكر باكلي قائلًا: "تحدثنا عن نوع بندقيته المفضلة، وطلقاته المفضلة، والدروع الواقية"، ثم تحولت الأحاديث إلى أمور أكثر أهمية، مثل الأخلاق والواجب والشرف والولاء. يقول باكلي: "سأفعل كل ما بوسعي للتأكد من بقائه بصحة جيدة. الرجل كان جيداً للغاية".

خلال جلسة النطق بالحكم في أغسطس، استشهد الفريق القانوني لغاربين بالاجتماعات التي عُقدت مع منظمة "بارنتس فور بيس" دليلاً على أن التزامه الإصلاح، يبرّر صدور حكم مخفف، وحصل في النهاية على 75 شهراً، وهو ما يقل بكثير عن الحد الأقصى للعقوبة.

مهاجمو الكابيتول

اتبع محامو مثيري الشغب في 6 يناير نهجاً مماثلاً، فقد أخبرت آنا مورغان لويد -أول من صدر حكم بحقها- القاضي بأنها كانت تقرأ كتباً عن تاريخ السود وتدرس عدم المساواة في أمريكا. وبنفس الطريقة التي قد يحضر بها سائق ثمل اجتماعات منظمة "مدمنو الكحول المجهولون" (Alcoholics Anonymous) لإقناع القاضي، يمكن للمتطرفين الموجهة إليهم اتهامات جنائية التذرع بعملية التخلص من التطرف لتجنّب الأحكام المطوّلة، وهذا الأمر يمكن أن يعرّض منظمة "بارنتس فور بيس" والمجموعات الأخرى للتلاعب.

تقول جيسيكا ستيرن، الزميلة البارزة بجامعة هارفارد، التي درست جهود نزع التطرف: "قد يحضر هؤلاء الأشخاص اجتماعات منظمة (مدمنو الكحول المجمهولون) بشكل حقيقي، أو قد يأمرهم المحامي بفعل ذلك، فهذا الأمر ينطوي على مخاطر كثيرة".

تخطط ستيرن لإجراء تقييم رسمي لـ"بارنتس فور بيس"، على أمل تقنين تقنياتها وتتبع النتائج. فعلى مدى أعوام، كانت المجموعة تفتقر إلى الموارد اللازمة للمحافظة على بيانات موثوقة طويلة الأجل حول الأُسَر التي سعت إلى الحصول على خدماتها.

تقول ستيرن: "نود التأكد من أن هذا الشخص ليس إرهابياً بعد أسبوعين فقط، بل بعد شهرين، ومن الناحية المثالية بعد أعوام عديدة".

مع كل حالة جديدة، تواجه منظمة "بارنتس فور بيس" ديناميات عائلية معقدة تفتقر إلى حلول واضحة، فقد عملت المنظمة مؤخراً على تدريب أُمّ يوجّه ابنها -الذي لا يزال في سن الدراسة الجامعية- انتقادات لاذعة إلى الشعب اليهودي، ويرفض التغطية الإخبارية السائدة باعتبارها دعاية من قِبل صحيفة "نيويورك تايمز"، التي يسميها "جو يورك تايمز" إشارةً إلى كلمة (Jew) التي تعني "يهودي". كانت الأم تشعر بالقلق بشأن تقديم ابنها إلى باكلي، وكانت تعتقد أن عقد جلسة يمكن أن يساعد ابنها، لكنها لم تكن متأكدة من ردّ فعله إذا اكتشف سعيها لجلب المساعدة اللازمة لمعالجته من التطرف. من جانبه، كان باكلي على اقتناع تام بأن الابن بحاجة إلى علاج ضروري لمعالجة صراعات الصحة العقلية التي يعاني منها، ولذلك أخبر تشرشل بعد مكالمة أجراها مع هذه السيدة في سبتمبر بأن "الأم بحاجة إلى وضع بعض القواعد الأساسية". وقال أيضاً: "عليك أنت تطلبي منه الذهاب إلى طبيب نفسي، وإذا قال إنه لن يذهب فعندئذ يتعين عليك الخروج".

قالت تشرشل إن "كثيراً من هذه العائلات الليبرالية يخشى وضع تلك الحدود". ثم هزّ باكلي رأسه وقال: "سيسمعها منك، كريس. ماذا عليّ أن أفعل؟ أحثه على الخروج؟.. نحن عالقون في حفرة مليئة بالطين الآن".

لا يدركون ما يفعلون

من المؤكد أن "بارنتس فور بيس" حققت مزيداً من التقدم مع جاك وإيمي. لا يزال جاك، البالغ 19 عاماً يعيش مع والديه، رغم أنه حصل للتو على وظيفة جديدة تتعلق برعاية النباتات في مشتل زراعي محلي، ولا يزال يحتفظ أيضاً بنسخ من القرآن الكريم على الرف في غرفة نومه. وفي إحدى النسخ سلط الضوء على مقاطع يفسرها بأنها عنيفة، لكنه يقول إنه يرفض بشدة الإسلام الراديكالي. يقول جاك إنه عندما بدأ الحديث مع المتطرفين الإسلاميين عبر الإنترنت كان متأكداً أنهم يعرفون ما الذي يتحدّثون عنه، موضحاً: "لكنهم لا يعرفون ما يفعلونه على الإطلاق. إنهم عالقون في القرن السابع".

في الآونة الأخيرة، انغمس جاك مرة أخرى في أحد هواجسه القديمة، وهي الأفاعي السامّة. كما أن المعلومات اللازمة للتواصل معه مسجلة في سجلّ المتطوعين الذين سجلوا للمساعدة في الإمساك بالثعابين التي رُصدت في المناطق السكنية.

في إحدى ليالي الجمعة من شهر سبتمبر، تلقى جاك رسالة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" من امرأة على بُعد 30 دقيقة شاهدت أفعى مجلجلة في فناء منزلها الخلفي، ما دفعه إلى قيادة السيارة إلى الموقع المذكور، إذ استخدم خطافاً طويلاً للإمساك بالثعبان. وبعد ذلك، استعدّ لالتقاط صورة بجوار الثعبان السامّ الأسير، إذ كان يرتدي في الصورة قبعة البيسبول الكونفدرالية.

في اليوم التالي، ذهب جاك إلى مرأب عائلته ليلقي نظرة أخرى على الثعبان الذي وضعه في صندوق بلاستيكي، ثم خطط لإطلاق سراحه في منطقة نائية في وقت لاحق من نهاية ذلك الأسبوع. بعد إزالة الغطاء الوردي بلطف، سقط على مؤخرته وحدق في الثعبان الثابت بلا حراك وهو ملتفّ في زاوية الصندوق وضوء الشمس الساطع بعد الظهيرة يضيء نصف جلده الذي يضفي عليه اللونين الرمادي والأسود.

كذلك وقفت إيمي بجانب ابنها تراقبه وهو يراقب الثعبان، إذ قال جاك: "أحياناً أعتقد أنني أستطيع لمسه فقط".

ردّت إيمي على ابنها وقالت: "هذا ما يُخيفني. يُخيفني أنك تعتقد ذلك". ثم التفت إليها جاك مبتسماً وقال: "لكنني لن أفعل".