طائرات الشحن الجديدة من "بوينغ" و"إيرباص" قد تواجه سماء مزدحمة

طائرة "إيرباص إيه 330" لتابعة لخطوط الطيران الكندية، أثناء تحويلها لتصبح طيارة شحن.
طائرة "إيرباص إيه 330" لتابعة لخطوط الطيران الكندية، أثناء تحويلها لتصبح طيارة شحن. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في السنوات الأخيرة، عندما كانت الناقلات الجوية وشركات صناعة وتأجير الطائرات في العالم تجتمع لحضور معرض دبي للطيران، كانت شهية "طيران الإمارات" ومنافساتها من شركات الطيران الخليجية للطائرات الجديدة، تحظى باهتمام كبير. لكن، في معرض هذا العام الذي انطلق في 14 نوفمبر، تتجه الأنظار إلى الشحن الجوي.

نظراً للنمو الهائل الذي سجلته التجارة الإلكترونية، وفي ظل زيادة الطلب على كل من السلع الاستهلاكية والصناعية مع انحسار الوباء، واضطراب سلسلة التوريد الذي أظهر الجانب السلبي للاعتماد الكلي على الشحن البحري، بدأت شركات الشحن والخدمات اللوجستية تتحول إلى الشحن الجوي. يمكن لهذه الطائرات العملاقة نقل كميات ضخمة من البضائع بسرعة، وبما يسمح بتجاوز تعقيدات الموانئ ونقص حاويات الشحن البحري أو عربات السكك الحديدية، وكذلك الندرة الحالية لسائقي الشاحنات لمسافات طويلة. ويحرص مالكو الطائرات على إضافة المزيد من طائرات الشحن إلى أساطيلهم، لأن آفاق نمو الشحن مشجعة. على سبيل المثال، تتوقع شركة "أفولون هولدينغز" (Avolon Holdings) المؤجرة للطائرات، أن تصل عائدات الشحن الجوي إلى 150 مليار دولار هذا العام، مع تضاعف حركة النقل على مدى السنوات العشرين المقبلة.

اقرأ أيضاً: "طيران الإمارات" قد تسرع صفقة إيرباص A350 في حال تأخر تسليم بوينغ 777 إكس

في دبي، ستلاحق "إيرباص" العملاء لدفعهم إلى شراء طائرة الشحن من طراز "إيه 350" لنقل الركاب ذات البدن العريض. كما تستعد شركة "بوينغ" لكشف النقاب عن الصفقة الأولية لطائرة شحن فقط من طراز "777 إكس" ذات البدن العريض. لكن هذا الإعلان قد يتم خارج المعرض الجوي، إذا غاب عميل الإطلاق المتوقع، أي الخطوط الجوية القطرية، عن الفعالية بسبب التوترات الجيوسياسية. كانت شركتا صناعة الطائرات تعقدان اجتماعات مع دائرة المشترين المحتملين الصغيرة ذاتها، وهي مجموعة تضم "فيديكس" و"لوفتهانزا" و"الخطوط الجوية السنغافورية" و"دي إتش إل"، وفقاً لأشخاص مطلعين على المساعي، والذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم بسبب سرية المحادثات.

طلب متزايد

تم الضغط على كل طائرة شحن صالحة للطيران تقريباً للعمل في تلبية الطلب المتزايد على الشحن الجوي. اشترت عملاقة الشحن، "أطلس إير وورلد وايد هولدينغز" (Atlas Air Worldwide Holdings)، 11 طائرة من طراز (747-400) خرجت من الإنتاج هذا العام. وتقوم شركة "أمازون دوت كوم" أيضاً بشراء طائرات شحن طويلة المدى من طراز "بوينغ 777" و"إيرباص إيه 330" ذات البدن العريض، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر، في أحدث دليل على طموح عملاق التجارة الإلكترونية لنقل المنتجات عبر الحدود بالاعتماد على قدراتها الذاتية.

اقرأ المزيد: "إيرباص" تتوقع طلبيات جديدة بأكثر من 39 ألف طائرة حتى 2040

كذلك، تشتري شركات التأجير طائرات ركاب مستعملة يمكن تفكيك مقاعدها ومقصوراتها العلوية وتحويلها إلى خدمة شحن. في الشهر الماضي، أعلنت شركة "أفولون" أنها ستعمل مع شركة "إسرائيل إيروسبيس إندستريز" (Israel Aerospace Industries) لتحويل 30 طائرة ركاب ذات بدن عريض من طراز "إيرباص إيه 330" لاستخدامها كطائرات شحن ستدخل الخدمة في الفترة بين عامي 2025 و2028.

أدى الطلب المفاجئ على الطائرات العملاقة القديمة مثل (747) والطائرات ذات الثلاثة محركات مثل "ماكدونالد دوغلاس إم دي 11"، وهي طائرة شحن كبيرة أخرى نجت من تحوّلها إلى خردة، إلى حالة من عدم اليقين للطائرات التي يُفترض أن تحلّ محلها. حطمت شركة "بوينغ" بالفعل رقمها القياسي لمبيعات طائرات الشحن السنوية في عام 2021، وتتطلع لتعزيز مبيعات طائرة "777 إكس" المتعثرة من خلال إطلاق طائرة شحن من طراز طائرة الركاب هذه. وتسعى شركة "إيرباص" إلى الاستحواذ على شريحة من السوق لطالما هيمنت عليها "بوينغ"، من خلال وضع طائرة الشحن "إيه 350 إف" كخيار صديق للانبعاثات يوفر تكاليف الوقود. يمكن لكليهما استخدام هذه التعزيزات في الوقت الذي أدى فيه الوباء إلى تباطؤ مبيعات طائرات الركاب الكبيرة.

اقرأ أيضاً: "بوينغ" تتلقّى طلبات لشراء وتعديل 150 طائرة شحن

ماذا عن المستقبل؟

مع ذلك، ليس هناك ما يضمن أن يبقى الطلب مستمراً عند وصول الطائرات الجديدة خلال بضع سنوات، بعد تسوية مشكلات سلسلة التوريد وعودة المسافرين مرة أخرى إلى التنقل في رحلات حول العالم -ووجود الكثير من مساحة الشحن الإضافية داخل طائرات الركاب التي سيستقلونها. قد تواجه شركتا "إيرباص" و"بوينغ" سوقاً متعثراً، خصوصاً إذا قامت شركات التأجير باعتماد برامج لتحويل المزيد من طائرات الركاب إلى طائرات شحن لنقل الطرود.

يقول جون بلوغر، كبير المديرين التنفيذيين لشركة "إير ليس" (Air Lease) ومقرها لوس أنجلوس: "نرى طلباً قوياً على الشحن اليوم وفي المستقبل المنظور، ولكن في الوقت ذاته، ستحلق الكثير من الطائرات خلال ثلاث أو أربع سنوات".

طوال سنوات، خسرت طائرات الشحن المتخصصة، المجال لصالح طائرات الركاب التي تحمل البضائع والأشخاص. يمكن لأكبر طائرة من طراز بوينغ بمحركين، "777-300 إي آر" أن تقلّ 396 مسافراً في المقصورة الرئيسية، مع حمولة من الشحن تعادل طائرة شحن متوسطة الحجم في الأسفل. ولكن مع كوفيد، أدى الانخفاض في رحلات الطيران إلى خفض قدرة الشحن فيها إلى جزء بسيط من مستويات 2019.

طلبت شركة "ايه بي مولر-ميرسك" (A.P. Moller-Maersk) الدنماركية العملاقة لشحن الحاويات للتو، أولى طائراتها من طراز "بوينغ 777" لتوسيع نطاق عمليات الشحن الجوي. وتشتري شركات تأجير الطائرات وصناديق التحوط والممولون الآخرون طائرات "777-300 إي آر" وطائرات إيرباص "إيه 330-300" الصغيرة والرخيصة لتحويلها إلى طائرات شحن مع انتهاء صلاحية عقود إيجارها.

تحويل الطائرات مستمر

يقول المستشار اللوجستي برايان كلانسي إن الاهتمام بتحويل الطائرات إلى طائرات شحن قوي جداً، لدرجة أنه تم حجز مواعيد التحويل حتى عام 2025. يمثّل هذا مصدر قلق لشركة "إير ليس" لأنها تدرس إن كانت ستنشئ برنامج الشحن الخاص بها. قال جون ديتريش كبير المديرين التنفيذيين لشركة "أطلس" في اجتماع إعلان الأرباح هذا الشهر: "لأكون صادقاً، لم أعد أعرف ما هو العالم الطبيعي بعد الآن".

في معرض دبي للطيران، ستتوصل شركة "إيرباص" إلى اتفاق بشأن الطلبات الأولية على طائرة "إيه 350 إف"، وفقاً لأشخاص مطلعين على خططها. أولئك الذين اطلعوا على الطائرة يصفون دخولها إلى السوق بالهائل، مع حمولة صافية تبلغ 109 أطنان ومدى يسمح بقطع المحيط الهادئ.

قال غيوم فوري، كبير المديرين التنفيذيين لشركة "إيرباص" في أكتوبر: "توصلنا مع عملائنا إلى استنتاج مفاده أن طائرة (إيه 350) هي منصة رائعة لطائرة شحن". سيجري توقيت وصول الطائرة لتلبية "موجة البدائل التي أمامنا في عام 2025 وما بعده، مع تطبيق اللوائح الجديدة بشأن انبعاثات الكربون".

لا يتعين على شركة "إيرباص" بيع عدد ضخم من الطائرات لتحقيق النجاح، وفقاً لساش توسا المحلل في "إيجنسي بارتنرز" (Agency Partners)، بل يكفي تسجيل 10 طلبيات سنوياً، أو 20 طلبية في عام جيد، لتغيير اقتصاديات برنامج "إيه 350" الأساسي. ويقول: "كانت هناك فجوة كبيرة في منتجات شركة (إيرباص) بسبب غياب طائرة شحن".

منافسة بنصف السعر

يُتوقع وصول طائرة "إيرباص" إلى العملاء في منتصف العقد تقريباً. وستواجه منافسة من طرازات طائرات الركاب "777" المعاد توظيفها والتي من المقرر أن تدخل السوق قريباً، ما يوفر سعة وموثوقية مماثلة بأقل من نصف السعر السائد البالغ 160 مليون دولار لطائرة شحن جديدة، وفقاً للمستشار ستيفن فورتشن.

يقول جورج ديميتروف، رئيس قسم التقييمات في شركة "أسيند باي سيريوم" (Ascend by Cirium)، إن انتعاش حمولة الشحن في طائرات الركاب يمكن أن يساعد في المحافظة على توازن السوق. مع عودة شركات الطيران إلى استخدام أساطيل طائرات الركاب ذات البدن العريض، يجب أن تنخفض أسعار الشحن. سيقلل ذلك من ربحية طائرات الشحن القديمة التي تستهلك الكثير من الوقود، ما يؤدي في النهاية إلى إخراجها من المنظومة، كما يقول. تظهر قاعدة بيانات "سيريوم" أن 523 طائرة شحن في الخدمة الآن مرشحة للتقاعد، نصفها من الجيل الأقدم من طراز "747 إس".

يقول توم كرابتري، المدير الإقليمي للشحن الجوي في "بوينغ": "هناك مجال كبير للتحديث. وستكون هناك ضغوط متزايدة على مشغلي الطائرات القديمة للحصول على معدات أكثر كفاءة أو حداثة".

البيئة واللوائح الجديدة

لكن في حين ستدخل قواعد الانبعاثات الجديدة التي يمكن أن تحظر تحليق العديد من طائرات الشحن القديمة حيز التنفيذ بحلول نهاية العقد، يمكن أن تتغير اللوائح. وقد طلبت شركة "بوينغ" بالفعل من وكالة حماية البيئة تأخير تطبيق القواعد على برنامج طائرات الشحن ذات البدن العريض "767 إف" الحالي، بحجة أن عدم اليقين المالي الناجم عن الوباء يتطلب مزيداً من الوقت المطلوب لترقية البرنامج أو استبداله. وأحياناً يخطئ صانعو هياكل الطائرات في قراءة الطلب ببساطة، كما فعلت شركة "إيرباص" مع البرنامج المنتهي الآن لطائرتها الضخمة العملاقة "إيه 380" ذات الطابقين، والتي شهدت تلاشي الطلبات، حيث فقدت شركات الطيران الدولية الاهتمام بإضافة طائرات عملاقة إلى شبكاتها المحورية.

يعد العدد الكبير من الطائرات الرخيصة المستعملة من العوامل التي تغذي طفرة التحويل. ودفعت الشركات المصنعة بإنتاج الطائرات ذات البدن العريض إلى مثل هذه الارتفاعات في العقد الماضي، حيث "شهدت طرازات "إيه 330" و"777" انهياراً هائلاً في القيمة السوقية" على حد قول ديميتروف. يمكن شراء طائرة من طراز "بوينغ 777–300 إي آر" لتحديثها كطائرة شحن مقابل 20 مليون دولار، بينما كانت تكلف طائرة جديدة منها أكثر من 150 مليون دولار قبل عقد من الزمن.

هل هناك تخمة مماثلة تلوح في الأفق لطائرات الشحن، حيث من المحتمل أن تبلغ أسعار الطائرات الجديدة عدة أضعاف تكلفة الطائرات المستعملة؟ يقول ديميتروف: "لست متأكداً من أنني أريد تصنيفها على أنها فقاعة. إنه خطر محتمل يتمثل في زيادة العرض على المدى المتوسط​​، ولكنه ليس شيئاً يمكن أن يظهر بين عشية وضحاها".