استعدّوا.. البرازيل على وشك أن تهزّ الأسواق

المصدر: بلومبرغ
David Fickling
David Fickling

David Fickling is a Bloomberg Opinion columnist covering commodities, as well as industrial and consumer companies. He has been a reporter for Bloomberg News, Dow Jones, the Wall Street Journal, the Financial Times and the Guardian.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ربما تعتقد بأن العوامل الأهم التي تقود أسواق السلع حالياً، هي السرعة التي يعمل بها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على إلغاء برنامج التحفيز، أو وضع قطاع العقارات في الصين، أو الصراع الجيوسياسي داخل منظمة "أوبك". لكن، لا تستبعد أهمية مدفوعات الإعانات الاجتماعية في البرازيل.

اقرأ أيضاً: "رابو بنك" يتوقع بقاء أسعار الغذاء قرب مستوياتها القياسية في 2022

كان الريال البرازيلي يُتداول عند أدنى مستوى قياسي له في الأشهر الأخيرة، والفضل في ذلك يرجع بشكل كبير إلى جهود الرئيس، جايير بولسونارو، في إلغاء القيود المالية، وتقديم برنامج لمكافحة الفقر قبل الانتخابات المقررة في عام 2022.

بالفعل، وافق مجلس النواب في الكونغرس البرازيلي على قوانين من شأنها السماح بتمرير الإجراءات -المتمثلة في إعادة تفعيل مدفوعات الرعاية الاجتماعية التابعة لبرنامج "بولسا فاميليا" (Bolsa Familia) الذي قدّمه الرئيس السابق إيناسيو لولا دا سيلفا، والتي يريد بولسونارو رفعها إلى حوالي 400 ريال (71 دولاراً) في الشهر- وهذه القوانين تشقّ طريقها الآن نحو مجلس الشيوخ.

انقر هنا للاطلاع على أسعار السلع الزراعية

ثقة المستثمرين

هذا التغيير يُعدُّ انعكاساً ملحوظاً من الناحية السياسية. فقد كان إصلاح نظام المعاشات التقاعدية للدولة واحداً من السياسات المركزية التي تبناها بولسونارو لدى توليه السلطة في عام 2018، لكي يستطيع سدّ عجز الميزانية واستعادة التصنيف الائتماني بدرجة استثمارية الذي خسرته البرازيل في عام 2016. كانت استعادة ثقة المستثمرين بمثابة القوة الدافعة وراء سقف الإنفاق العام الدستوري الذي لم يعد بولسونارو يتبعه الآن، للمضي قدماً في برنامجه الخاص بالرعاية الاجتماعية.

اقرأ أيضاً: ارتفاع أسعار الغذاء لأعلى مستوى منذ 60 عاماً يؤرق حكومات العالم

بعد أن سجلت أكبر معدلات وفيات جراء كوفيد-19 بعد الولايات المتحدة، أصبح التزام البرازيل بالقيود المالية مبتذلاً للغاية، إلى الحد الذي جعل القرارات المهنية لوزير الاقتصاد التقليدي، باولو غيديس، بمثابة مؤشر مؤثر في السوق. ومع ذلك، فإن التأثير العالمي الأوسع نطاقاً ربما يظهر في أسواق السلع الأساسية.

علاوة على علامات انفراج أزمة سلسلة الإمداد الأمريكية وعودة أسعار الطاقة في الصين إلى مستوى قريب من المستويات الطبيعية، فإن ضعف الريال البرازيلي ربما يساعد على تخفيف الضغوط التضخمية التي يعاني منها الاقتصاد العالمي.

تأتي هذه المساهمة في ظل الدور الكبير الذي تلعبه البرازيل في مجموعة واسعة النطاق من المواد الغذائية والمعادن الأساسية في العالم. فعند انخفاض قيمة العملة، تنخفض تكاليف الإنتاج بالنسبة إلى المنتجين البرازيليين أيضاً، وبالتالي تصبح سلعهم أكثر تنافسية، ويزداد جانب العرض.

يمكن النظر إلى فول الصويا، وهو أكبر صادرات البلاد، باعتباره مثالاً على ذلك، حيث ارتفعت أسعار العقود الآجلة للولايات المتحدة إلى أعلى مستوياتها في تسعة أعوام في شهر مايو. وعادة ما تمثل الأرض حوالي ربع التكاليف بالنسبة إلى مزارعي فول الصويا البرازيليين، لكن السعر لا يرتفع حقاً في ظل ضعف قيمة الريال، وذلك على عكس الأسمدة ومبيدات الآفات الزراعية، فضلاً عن السلع العالمية التي تتحرك أسعارها بالتوازي مع الدولار الأمريكي. والأمر ذاته ينطبق على الإنفاق على العمالة والضرائب والنفقات المحلية الأخرى.

محاصيل زراعية قياسية

نتيجة لذلك، من المتوقع أن يسجل إنتاج فول الصويا في موسم زراعة المحاصيل الحالي رقماً قياسياً يزيد على 5 مليارات بوشل. كما أنه من المتوقع أن تشهد الذرة، التي ارتفعت كذلك أسعار عقودها الآجلة في مايو، إنتاجاً قياسياً أيضاً.

يعدّ الوضع مماثلاً عندما يتعلق الأمر باللحوم، حيث تتوقع وزارة الزراعة الأمريكية أن تشهد البرازيل، وهي أكبر مُصدر للدجاج ولحوم الأبقار وثالث أكبر دولة في تصدير لحم الخنزير، زيادة في إنتاج الأنواع الثلاثة خلال العام المقبل.

خلال نوفمبر الجاري، ذكرت وزارة الزراعة أن إجمالي الصادرات سيبلغ 2.66 مليون طن متري في العام التسويقي 2022، ما أدى إلى زيادة حصة البرازيل من التجارة العالمية من 18% تقريباً في عام 2017 إلى 22% الآن.

ربما تكون هذه مجرد البداية. فعادة ما تستغرق الأبقار أعواماً عدة للوصول إلى مرحلة النضج. والجدير بالذكر أيضاً أن معدل نمو قطيع الماشية في البرازيل أسرع من معدل نمو صادراتها، حيث شهدت البلاد إضافة أربعة من كل خمسة أبقار إلى القطيع العالمي منذ عام 2017، وهو ما يوضح أن الأعوام المقبلة ستشهد المزيد من التوسع في الصادرات.

في ما يتعلق بالدجاج، فقد خفّت الآثار من خلال الطريقة التي أثر بها انخفاض قيمة العملة والوباء والتضخم على مستويات المعيشة. وارتفع استهلاك الدجاج المحلي في الأعوام الأخيرة ليحل محل السعرات الحرارية للحوم الأبقار التي لم يعد باستطاعة البرازيليين تحمّلها. ومع ذلك سيرتفع الإنتاج إلى 4.2 مليون طن العام المقبل.

الحديد والبنّ

في الوقت ذاته، لم يتراجع شيء سوى خام الحديد من بين صادرات البرازيل من السلع الأساسية. ويتوقع المحللون نمو إنتاج شركة التعدين "فالي" (Vale)، التي تسيطر عليها الدولة، بنحو 20 مليون طن متري العام المقبل. لكن توقعات الشركة قد تكون أقل من ذلك عند الإعلان عنها في وقت لاحق من هذا الشهر، حسبما ذكرت "بلومبرغ نيوز". ومن المنتظر أن تستحوذ أستراليا، وهي المنتج الرئيسي، على حصة أكبر من نمو الإنتاج العام المقبل، ووتيرة نمو أسرع أيضاً.

مع ذلك، من المرجح أن تكون حبوب البنّ هي أكبر رهان للسلع الأساسية على عملة الريال، خصوصاً أنه من المعروف أن البرازيل كانت منتجاً مهيمناً لحبوب بنّ الأرابيكا التي تُصنع منها المشروبات عالية الجودة، بحيث يستخدمها المضاربون كوسيلة للمراهنة في الواقع، والعكس صحيح. وعندما تضعف قيمة العملة، يرتفع الإنتاج وتنخفض أسعار الأرابيكا.

هذا الأمر يبدو وكأنه تراجع تماماً في الأعوام الأخيرة. فمع اقتراب الريال من أدنى مستوياته القياسية، وصلت القهوة إلى أعلى مستوياتها منذ عقد من الزمان. ولا يتوقع المستثمرون أن يكون هذا الأمر مختلفاً أيضاً، ففي ظل التقارير التي توضح الأداء الضعيف للمحاصيل مقارنة بالقهوة، فإن مراكز الشراء الصافية طويلة الأمد للعقود الأمريكية الآجلة لقهوة الأربيكا لا تتجاوز المستويات القياسية، ما يشير إلى أنهم يتوقعون زيادة الأسعار.

مما لا شك فيه أن هذه المراهنة تعتبر جريئة. فقد أدى الاضطراب المالي في البرازيل وانخفاض قيمة العملة إلى تقلب أسواق فول الصويا ولحوم الأبقار والدجاج بالفعل، وبالتالي لا تندهش إذا تكررت هذه الحيلة مع القهوة.