بعد انفجار فقاعات بكين.. وول ستريت تتطلع إلى صعود الصين في 2022

المركز الأولمبي المائي في بكين، الصين
المركز الأولمبي المائي في بكين، الصين المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ساعدت محفزات الوباء على إثارة نوبات مضاربة في كل شيء، بدءاً من الأسهم إلى العقارات، عبر العالم في 2021، وسارت الصين في اتجاه مخالف، إذ اتخذ المسؤولون في بكين تحركات لتفريغ الفقاعات.

نتج عن ذلك تباين من أكثر التباينات تطرفاً بين أسواق المال الرئيسية في التاريخ الحديث، كما أدت عمليات البيع العام الجاري في الأسهم الصينية إلى تخلف مؤشر "مورغان ستانلي" لأسهم الصين عن نظرائه العالميين بنسبة 37%، وهي أكبر فجوة منذ عام 1998.

وتتخلف السندات الدولارية الصينية دون التصنيف الاستثماري عن العائدات العالمية المرتفعة بما يناهز 25%، وهي النسبة الأعلى في أكثر من عشر سنوات، وبرغم أنَّ أسعار المنازل ترتفع في أماكن مثل مانهاتن، وبريطانيا، وأستراليا، فهي تراجعت في الصين خلال الأشهر الأربعة الماضية.

زيادة الوزن

ونتيجة لهذا الأداء الضعيف، تتطلع "وول ستريت" بشغف إلى التقييمات الصينية الرخيصة، خاصة مع تحول بكين إلى السياسات الميسرة. وفي الشهرين الماضيين، أوصى كلٌّ من "غولدمان ساكس"، و"بلاك روك"، و"يو بي إس"، و"إتش إس بي سي" لزيادة وزن أسهم الصين، ونصح ماركو كولانوفيتش من "جيه بي مورغان تشيس أند كو" الأسبوع الجاري بالتحول بكل قوة نحو الصين في 2022، وتوقَّع أن يرتفع مؤشر "إم إس سي أي" للصين بنسبة 40% تقريباً.

"غولدمان ساكس": "وول ستريت" تراهن بقوة على صعود الأسهم الصينية

قال دالي نيكولز، الذي يدير استراتيجية المواقف الخاصة في الصين من هونغ كونغ في شركة "فيديليتي انترناشونال": "علّمنا التاريخ أنَّ هذه هي الفترات التي تقدّم لنا عادة أكثر الفرص جاذبية.. وبفضل فترة التشديد، يصبح هناك مجال هائل لتيسير السياسة، وكانت الفترة السابقة متقلبة بوضوح، لكنَّنا اختبرنا أوقاتاً مشابهة من قبل، وعلى الأرجح سنشهدها مجدداً".

اقتناص التيسير

تقوم الحجة المتفائلة على الترجيح بدعم صنّاع السياسات للاقتصاد في 2022 للحيلولة دون هبوط صعب، وهو ما يعني تخفيف الحملة التنظيمية التي قمعت تقييمات الأصول الصينية، وأكد بنك الشعب الصيني على هذا الإجماع الشهر الجاري عندما حرر السيولة للبنوك، وهناك تكهنات بأنَّ البنوك ستخفض فائدتها المعيارية على القروض يوم الإثنين المقبل لأول مرة منذ أبريل 2020.

توقعات بزيادة الصين التحفيز المالي عقب وضع أهداف عام 2022

ونظراً لأنَّ ممتلكات الأصول حالياً منخفضة للغاية؛ فمن المتوقَّع أن تتعافى الأصول الصينية نتيجة التحول في السياسات، وهذا هو التفكير السائد، فالصناديق النشطة حول العالم لديها تقريباً أدنى مخصصات للأسهم الصينية الخارجية في عشر سنوات بسبب التدفقات الخارجية الشديدة العام الجاري، نقلاً عن الاستراتيجيين في "غولدمان ساكس"، وكان هذا واضحاً بشكل خاص في عام أرسل فيه المستثمرون سيولة إلى صناديق الأسهم العالمية أكبر من السنوات الـ19 الماضية مجتمعة.

هل حانت اللحظة؟

ومع ذلك؛ فإنَّ العديد من العوامل التي تسببت في انهيار الأسواق المالية الصينية العام الجاري ما تزال قائمة، ولهذا قرر الاستراتيجيون في "مورغان ستانلي"، لاورا وانغ وجوناثان غارنر، عدم ترقية نظرتهم الحذرة للأسهم الصينية في منتصف نوفمبر، وفقد مؤشر "إم إس سي أي" للصين 10% منذ نشر توقُّعاتهم لـ 2022، وانضم لهم فريق "سيتي غروب" الأسبوع الجاري، قائلاً "لم يحن وقت الشراء بعد".

وسيظل المستثمرون معرضين لغموض الحزب الشيوعي، وعملية صنع السياسة غير القابلة للتوقُّع، وتبددت الآمال بأن تقترب بكين من نهاية الحملة على قطاع التكنولوجيا عندما طُلب من "ديدي غلوبال" شطب أسهمها من الولايات المتحدة، وعارضت الصين المحتوى المنشور على "وايبو" (Weibo Corp) - موقع التدوين المصغر- مما أدى إلى انخفاض أسهمها المدرجة حديثاً في هونغ كونغ بنسبة 10% تقريباً يوم الثلاثاء.

المخاطر

يهدد الانقسام المتزايد بين بكين وواشنطن أرباح الشركات. ويوم الأربعاء، تراجعت أسهم التكنولوجيا الحيوية الصينية بعد أن قالت صحيفة "فاينانشال تايمز"، إنَّ وزارة التجارة الأمريكية تخطط لحظر التكنولوجيا الأمريكية عن بعض الشركات في الصناعة.

تتفاقم الأزمة في سوق العقارات في الصين بعد تعثر "إيفرغراند غروب"، و"كايسا غروب" عن السداد، وهبطت أسهم وسندات الشركات العقارية الأسبوع الجاري وسط تكهنات غير مؤكدة بصعوبات في السداد من قبل "شيماو غروب"، التي كانت تعد واحدة من اللاعبين الأكثر صحة في القطاع، وأظهرت بيانات يوم الأربعاء أنَّ تباطؤ قطاع الإسكان ازداد عمقاً في نوفمبر، مؤثراً بشكل سلبي على الاقتصاد.

خفض تصنيف "شيماو" لدرجة غير استثمارية يعكس ضعف قطاع العقارات الصيني

أيضاً ربما يحد شبح الأموال الساخنة، وحذر بكين القائم من وقت طويل من الفقاعات، من تيسير السياسات. وبرغم تراجع الأسهم الصينية، والسندات الدولارية دون التصنيف الاستثماري الخارجية، استمر المستثمرون الأجانب في شراء السندات الحكومية الصينية، وتعمل هذه التدفقات على دعم اليوان، الذي يتداول عند أعلى مستوياته منذ 2015 مقابل سلة من عملات الشركاء التجاريين، واتخذ البنك المركزي الأسبوع الماضي إجراءات للحد من ارتفاعه، مما أجبر المقرضين على الاحتفاظ بمزيد من الاحتياطيات النقدية الأجنبية.

قال إسوار براساد، رئيس سابق لصندوق النقد الدولي في الصين، والآن هو أستاذ بجامعة كورنيل: "يسلط تباطؤ زخم النمو الصيني، وأحدث التقلبات في أسواقها المالية، الضوء على عدد من المعضلات التي تواجهها بكين.. وحتماً ستؤدي محاولات الدولة لحل هذه القوى المتناقضة بطبيعتها تحت ستار الاشتراكية القائمة على السوق إلى مزيد من التعثرات والحوادث".

الخسائر

وكان الرهان على أجزاء من الأسواق الصينية استراتيجية ناجحة خلال سنوات عديدة، وفي ذروتها في أكتوبر 2020، كانت "علي بابا" مرتفعة بنسبة 366% عن أول ظهور لها للتداول في 2014 في نيويورك، وهو ما يعادل ضعفي مكاسب مؤشر "ناسداك 100"، وهبط السهم منذ ذلك الحين بنسبة 60%، فاقداً حوالي 515 مليار دولار من قيمته السوقية.

أسهم "علي بابا" عند أرخص مستوياتها على الإطلاق

كانت الديون الصينية دون التصنيف الاستثماري واحدة من أكثر التداولات ربحية في الائتمان العالمي قبل العام الجاري، مع صعود مؤشر "بلومبرغ" الذي يتتبع تلك السندات بنسبة 100% في العقد حتى مايو، وفقد المؤشر - المليء بالمطورين العقاريين - 24% منذ ذلك الحين.

إنَّ النتيجة هي مداواة العديد من المستثمرين الذين ركبوا السوق الصاعدة في الصين لجراحهم من الخسائر الكبيرة، فقد انخفض صندوق "تشاينا أوبورتيونيتي" (China Opportunity) الذي تبلغ قيمته 8.2 مليار دولار والتابع لـ"يو بي إس"- وهو أحد أكبر وأقدم صناديق الاستثمار المشتركة التي تركز على الصين- بما يناهز 25% العام الجاري، وتفاقم التراجع في أسهم التكنولوجيا الصينية بسبب استرداد الأموال من الصناديق، ويغادر اثنان من مديري المحافظ لدى "يو بي إس" بعد أن خسر صندوق بقيمة 3 مليارات دولار نتيجة انهيار السندات الصينية ذات العائد المرتفع، ويتجه صندوق التحوط التابع لـ"بي إف إيه إم بارتنرز" (BFAM Partners)، الذي تزيد قيمته عن 4 مليارات دولار، إلى أول خسارة سنوية في تاريخه الممتد لتسع سنوات.

ومع ذلك؛ في عالم تهيمن عليه المخاوف من الارتفاع المفرط في قيم الأصول، واحتياج البنوك المركزية لتقليص المحفزات؛ فإنَّ احتمالية حدوث انتعاش كبير في الأسواق المالية الصينية أمر جيد للغاية، إذ لا يمكن تفويته بالنسبة للعديد من المحللين، ويتم تداول مؤشر "إم إس سي أي" للصين عند 12.2 ضعف الأرباح المتوقَّعة، أي بالقرب من أكبر خصم لمؤشر "ستاندرد أند بورز 500" وفقاً البيانات التي تعود إلى عام 2005.

وقالت ويندي لو، كبيرة استراتيجيي الأسهم الصينية في "جيه بي مورغان"، لتلفزيون "بلومبرغ" في مقابلة يوم الأربعاء: "يمكنك رؤية أنَّ السوق تحاول تحديد القاع، وقد حظينا بقاع السياسات، والآن ننتظر قاع الائتمان، وقاع الأرباح، وإذا ظهر بعض التحسن أو الاعتدال من القاعدة المنخفضة إلى حدٍّ ما الحالية، فسنحدد القاع بسهولة إلى حدٍّ كبير".