ما هي الدروس المستخلصة من محاكمة رئيسة "ثيرانوس"؟

إليزابيث هولمز
إليزابيث هولمز المصدر: أسوشيتد برس
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عندما نتعرّض لعمليات احتيال، نرغب في أن ننظر إليها لاحقاً على أنَّها لحظات مهمة في حياتنا، وقد أعطتنا دروساً عميقة.

نود أن نعتقد أنَّ عمليات الاحتيال تحدّد لحظات مهمة في حياتنا، وتعلّمنا الدروس العميقة. تمادت شركتا "وورلد كوم" (WorldCom)، و"إنرون" (Enron)، وأخذتا بعيداً الجشع الذي رافق طفرة "دوت كوم"، ليشير سقوطهما لاحقاً إلى العودة إلى أوقات أكثر واقعية ورصانة. كذلك، توّجت نهاية بيرني مادوف فترة من الهندسة المالية الإجمالية، وذكّر الأمر الجميع أنَّ العوائد التي تبدو جيدة جداً لدرجة يصعب تصديقها، هي كذلك عادة. والآن لدينا إدانة بالاحتيال لمؤسِسة شركة "ثيرانوس" (Theranos)، إليزابيث هولمز، التي ربما تسلط الضوء على نهاية... "لا شيء".

اقرأ أيضاً: إدانة مروِّجة اختبارات الدم إليزابيث هولمز بالاحتيال على المستثمرين

الأساليب ذاتها

لن يغير مستثمرو وادي السيليكون أساليبهم بسبب هولمز. أوضح أعضاء الفصل الدراسي لرأس المال الاستثماري، أنَّهم لم يصدقوا هولمز قطّ، ولا الحكاية المعجزة التي روتها عن شركتها الناشئة لفحص الدم في المقام الأول. فوتت كل شركة رأسمال استثماري تقريباً فرصة الاستثمار في "ثيرانوس". وقع الأثرياء الأغبياء أصحاب الأموال العائلية القديمة في سحرها وتفاخرها العلمي، مما سمح لـ"ثيرانوس" بجمع أكثر من مليار دولار. ونظراً لأنَّ أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية لا يرون أي صلة بين هولمز والشركات الإشكالية الأخرى التي دعموها؛ فإنَّهم يعتزمون المضي قدماً لكونهم من العباقرة المعصومين عن الخطأ، وترك الجواهر على حالها.

اقرأ المزيد: مشاهير سياسة وبيزنس أمام القضاء في 2021.. إليك القائمة

لم يكن المستثمرون فقط ضحية خداع "ثيرانوس". بدأت الشركة، التي تأسست في عام 2003، في تلقي قدر كبير من الاهتمام من الصحافة التقنية والتجارية في عام 2014 تقريباً. كانت تلك أبسط حقبة وأكثر سذاجة، إذ بدأ فيها الصحفيون في كل قصة، مفترضين أنَّ التكنولوجيا كانت قوة من أجل الخير، وليست مصدر أمراضنا الحديثة. لكنَّنا في الصحافة التقنية لا نخطط لتغيير طرقنا بسبب "ثيرانوس" أيضاً، لأنَّنا أقنعنا أنفسنا بأنَّنا استوعبنا بالفعل دروس تلك الحقبة. نحن الآن أكثر اجتهاداً وسخرية، ولم نعد من النوع الذي ينخدع بقصة جيدة، وقائد غير عادي يتمتع بشخصية "كاريزمية".

اقرأ أيضاً: ما بين الاحتيال والجنون.. كيف ينخدع المستثمرون في شركات "وادي السليكون" الناشئة؟

ذكاء وجاذبية

أما بالنسبة إلى مجلس إدارة "ثيرانوس" -وهو يضم أسماء بارزة من المجالات السياسية والعسكرية، مما أعطى الشركة مصداقية، في حين لا تستحق أي شيء من ذلك- فأود أن أجرؤ على الإشارة إلى أنَّ أنواع السادة البيض المسنين البارزين الذين وقعوا في غرام هولمز، ربما ما يزالون ينجذبون إلى سحر النساء الشابات الذكيات والجذابات.

إن أدت إدانة هولمز إلى شيء إيجابي، فسيكون ذلك بمثابة كبح لثقافة وادي السيليكون القائلة: "تظاهر حتى تنجح". كتب ديفيد ستريتفيلد في صحيفة نيويورك تايمز: "يشير الحكم إلى نهاية حقبة. في وادي السيليكون، حيث الخط الفاصل بين الحديث والإنجاز غالباً ما يكون غامضاً، هناك حد للادعاء والتظاهر أخيراً". ما يزال بإمكانك التظاهر، بل التظاهر بشكل كبير جداً، ولكن هناك الآن فرصة لوقوعك في ورطة حقيقية. لذلك ربما ترغم نفسك على الأقل على التظاهر بدرجة أقل قليلاً مما فعلته هولمز.

وعود.. بلا حدود

إذا كنت مقتنعاً بهذه النظرية؛ عليك تجاهل الكثير مما يحدث مع التكنولوجيا والتمويل. صُمم التجسيد الحالي لشركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة لإدخال الشركات إلى الأسواق العامة في أيامها المبكرة الأكثر خطورة، حتى تتمكن من الحصول على استثمارات، ليس من العائلات القديمة التي تملك المال فقط، ولكن من كل شخص لديه تطبيق "روبن هود" على هاتفه. ما تزال الشركات الناشئة تقدم وعوداً جامحة بشأن العقود الآجلة المجيدة. تأخذ نكهات التمويل الجديدة مثل العملات البديلة، وأسهم الميم، والرموز غير القابلة للاستبدال، وغيرها، الوضع برمته إلى المستوى التالي. فيمكن تصنيف بعض ما يحدث في هذا العالم على أنَّها مخططات "بونزي" صريحة بأسلوب مادوف، وهناك مدرسة فكرية تقول، إنَّه من الجيد الآن تشغيل مخطط الضخ والتفريغ، طالما أنَّك تعترف به بصوت عالٍ. لا يشعر المرء باكتشاف حدود جديدة من أي نوع.

في الواقع، هذا الموقف رغوي للغاية، لدرجة أنَّه يجعلك تقريباً تتوق لشخص مثل هولمز. على الأقل أظهرت بعض البراعة، وبذلت بعض الجهد في عملية الاحتيال. إن قام شخص ما ببيعك عملة مشفَّرة بناءً على ميم الكلب، فيجب أن يتمتع باللياقة لارتداء زي لطيف، واعتماد لكنة مختلفة، والقدرة على شدك إلى نظراته التي لا ترمش بدلاً من قضاء بضع دقائق في كتابة منشور على "ريديت" (Reddit) يشرح فيه كيف يمكنك أن تكون غنياً أيضاً.

تأثير يطال الآخرين

تكمن الحقيقة المحزنة في كارثة "ثيرانوس" في أنَّ نتيجتها الرئيسية والدائمة، قد جعلت الحياة أكثر صعوبة على بعض الأشخاص الذين يمكن أن تساعدهم هولمز الناجحة أكثر من غيرهم؛ مثل رائدات الأعمال والمديرات التنفيذيات، وخصوصاً اللواتي يعملن في صناعة التكنولوجيا الحيوية. لننظر إلى حالة سيلين هاليوا، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة "سيلولار لونغيفيتي" (Cellular Longevity)، وهي شركة تتطلع إلى إطالة عمر الكلاب، وربما البشر يوماً ما تحت العلامة التجارية "لويال" (Loyal). تقول هاليوا: "كل مؤسسة تعمل على شيء غريب أو صعب من الناحية التقنية تُقارن بـ"هولمز". لقد واجهت هذا مرات عدة. وغالباً ما تُصاغ على أنَّها مزحة، لكنَّها في الواقع ليست كذلك".

أثناء جمع الأموال مؤخراً، سمعت هاليوا الكثير من الإشارات إلى هولمز من أحد المستثمرين المحتملين، لدرجة أنَّها رفضت أمواله في النهاية. فقد رأت انتقاداته اللاذعة على أنَّها علامة على تمييزه الجنسي، وهي انعكاس لعدم ثقته بشأن قدرته حقاً على فهم تقنية "لويال".

إثبات الحالة الشاذة

برغم أنَّ الأمر غير عادل، إلا أنَّ الأمر متروك الآن لأشخاص مثل هاليوا لتوضيح أنَّ هولمز كانت حالة شاذة في صناعة التكنولوجيا الحيوية. تقول هاليوا: "الأمر الإيجابي الوحيد الذي شعرت به، هو في الواقع الدافع لأن نكون قدوة حسنة. إنَّها تسلط الضوء على أهمية النماذج التي يحتذى بها، ومدى تأثير وجود رئيسة تنفيذية مؤسِّسة ومليارديرة ناجحة حقاً".

في النهاية، قد يكون من الصعب استخلاص الدروس من سقوط هولمز؛ لأنَّ قصتها كانت استثنائية إلى حدٍّ ما. حتى في صناعة مليئة بالدسائس والجشع، من النادر أن يظهر ذلك الشخص القادر على حبك مثل هذه الرواية الرائعة طوال 15 عاماً، واللجوء إلى الكذب بحماسة ثابتة. لا يتعلق المغزى من قصة هولمز ببعض الحقيقة حول صناعة التكنولوجيا، أو إلى أين يتجه العالم، إذ إنَّه بين الحين والآخر يُقبض على شخص ما يقوم بحيلة سخيفة.