كيف ضيعت "ميرك" فرصة الاستفادة من اختراعها الذي يقف خلف نجاح دواء "فايزر" المنتظر

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تقريباً بالسرعة نفسها التي اندلع بها الوباء أوائل عام 2020، كانت سرعة محاولات إيجاد أدوية لعلاجه، سواء كانت قديمة أو جديدة، وذلك في محاولة للسيطرة على تفشي عدوى كوفيد-19 حول العالم.

وبينما وجد الباحثون بعض العقاقير التي تسهم في السيطرة على أعراض المرحلة المتأخرة من المرض، أو تقيِّد انتشار الفيروس بشكل قليل. يبدو أن عقار "باكسلوفيد" (Paxlovid)، الذي تنتجه شركة "فايزر"، سيستطيع قيادة السوق المربحة لعقاقير معالجة فيروس كورونا، و"باكسلوفيد" هو عبارة عن حبوب دوائية تحمي من خطر الإصابة الشديدة بالمرض.

مع ذلك، فإن أحد المكونات الهامة في عقار "فايزر" المضاد للفيروسات هذا، يرتبط بعقار آخر تنتجه شركة "ميرك" المنافسة. وهو عقار معروف باسم "بوسيبريفير" (Boceprevir) طُور منذ عقود زمنية لمكافحة التهاب الكبد الوبائي سي. ويُقدِّر الباحثون أن هذا المكون مسؤول عما لا يقل عن 20% من قوة "باكسلوفيد" في مكافحة فيروس كورونا - وربما أكثر من ذلك بكثير - فضلاً عن أن براءة الاختراع الرئيسية للجُزيْء الذي يشكل الجزء الأكبر حجماً منه، ما زالت تتبع لشركة "ميرك".

لاحظت مختبرات عديدة الإمكانات التي يحملها عقار "بوسيبريفير"، وهو مثبط لإنزيم "بروتياز"، كانت شركة "ميرك" باعته سابقاً تحت اسم العلامة التجارية "فيكتريليس" (Victrelis). وبينما بدأ مطورو الأدوية في الجامعات بالبحث عن طرق لاستخدام العقار والتركيبات المماثلة لصنع عقاقير علاج كوفيد خلال العامين الماضيين، بقيت "ميرك" بعيدة عن ذلك.

الموافقة على حبوب "فايزر" المضادة للفيروسات لمكافحة كورونا في المملكة المتحدة

تفويت الفرصة

مما لا شك فيه أن ترك شركة "ميرك" لهذا العقار خلفها، في الوقت الذي يحقق فيه المنافسون أرباحاً ضخمة بسبب أحد مكوناته الرئيسية، يعزز من صورة إدارة الشركة العبثية فيما يخص جائحة فيروس كوفيد. ففي وسط أكبر أزمة يعيشها العالم للأمراض المعدية منذ قرن من الزمن، تبدو "ميرك" بالإضافة إلى شركتي "سانوفي" (Sanofi) و "غلاكسو سميث كلاين" (GlaxoSmithKline)، من شركات الأدوية الكبرى التي فشلت حتى الآن بإيجاد لقاح فعَّال ضد فيروس كورونا، والمشاركة في سوق لقاحات كوفيد الذي تقدر شركة التحليلات الصحية "إيرفينتي" (Airfinity) وصول قيمتها هذا العام إلى 85 مليار دولار.

تتوقع شركة "فايزر" وحدها عائدات تصل إلى 31 مليار دولار من لقاح كوفيد في عام 2022. كما ستشهد "فايزر" تدفق نحو 17 مليار دولار من مبيعات عقار "باكسلوفيد" هذا العام، بينما سيحقق عقار كوفيد "مولنوبيرافير" (molnupiravir) الخاص بشركة "ميرك"، والقائم على آلية مختلفة، نحو 2.5 مليار دولار فقط، حسب تقديرات "إيرفينتي".

في 3 فبراير الحالي، قلَّصت "ميرك" توقعاتها لمبيعات عقار "مولنوبيرافير" خلال عام 2022 إلى 6 مليارات دولار، وذلك بانخفاض عن توقعاتها السابقة البالغة 7 مليارات دولار بحلول نهاية العام.

براءة اختراع

ما زالت "ميرك" تحتفظ ببراءة اختراع عقار "بوسيبريفير"، والتي يتوقع انتهاؤها في عام 2024، بحسب المتحدث الرسمي للشركة. وبحسب ما قال المتحدث أيضاً، فإن الباحثين بالشركة قاموا مع بداية تفشي الوباء، بدراسة أرشيف مكتبتها لإيجاد العقاقير المرشحة، والتي كان من ضمنها "بوسيبريفير"، الذي لم تثبت فعاليته لمكافحة كوفيد.

وأوضح المتحدث باسم "ميرك" أن الجرعة اللازمة من عقار "بوسيبريفير" لتحقيق تأثير مضاد للفيروسات في حالة كورونا، قدرت بأنها أكبر بكثير من الكميات الموضحة في البيانات الوصفية للعقار، أو يتوجب استخدامها مع علاجات أخرى لتعزيز فعاليتها.

وفيما يبدو أن هذا التقييم دفع "ميرك" للسعي لإيجاد علاج لفيروس كورونا في مكان آخر، فقد دُمج جزء من اكتشافها في عقار "فايزر" الذي من المحتمل أن يلقى رواجاً كبيراً.

مشكلة متكررة

وضع شركة "ميرك" لا يعد غريباً في القطاع، إذ غالباً ما يتوفر لدى شركات الأدوية ملايين المركبات التجريبية، وتتمثل إحدى التحديات في مطابقة الجزيئات المتوفرة مع المرض الصحيح الذي تعالجه.

دراسة: "كورونا" قد يستمر شهوراً بعد انتشاره في كل أعضاء الجسم

تقول آشلي براون، الخبيرة في العقاقير المضادة للفيروسات في "جامعة فلوريدا" والتي تعمل على إعادة تطويع العقاقير، إن المختبرات والشركات الأخرى غالباً ما تكتشف الاستعمالات المناسبة للعقاقير أو مكوناتها قبل مكتشفيها أنفسهم. تضيف براون: "تجد مركباً ما تم اختباره على فيروس معين، يمكنك شراؤه وتجربته بنفسك على شيء آخر".

لم تذكر شركة "ميرك" سبب عدم تحقيقها في مكونات "بوسيبريفير"، كما فعلت "فايزر"، أو ما إذا كانت ستفرض براءة اختراعها على المكوِّن.

وبالنسبة لعقار "باكسلوفيد"، فإن الكثير يتوقف على الكيفية التي كُتبت بها براءة اختراع "ميرك" وكيفية وصفها للجزء الذي تستخدمه "فايزر" في منتجها، حسبما يقول مايكل كاريير، أستاذ القانون في "جامعة روتجرز".

ويوضح أن السؤال الرئيسي يكمن فيما إذا كان المكوّن الموجود في "بوسيبريفير"، هو "واحد من المكونات المحمية من قبل براءة اختراع "ميرك" أو أنه غير محمي، وبالتالي تكون "فايزر" حرة في استخدامه"، كما يمكن أن تتوصل الشركتان لتسوية قد لا تُكشف تفاصيلها بالضرورة.

ماذا فعلت "ميرك" لعلاج كورونا؟

باعتبارها رائدة في مكافحة الأمراض المعدية منذ فترة طويلة، بدا أن شركة "ميرك" تتجه لمكافحة كوفيد من خلال شراكة توسط فيها منصف السلاوي، كبير العلماء في "عملية السرعة القصوى" (Operation Warp Speed) خلال فترة إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب. حيث دمج السلاوي بين شركة "ميرك" و"أونكوإميون" (OncoImmune)، وهي شركة صغيرة تطور عقاراً مضاداً للالتهابات بهدف التصدي لبعض أسوأ آثار كوفيد.

دفعت شركة "ميرك" ما يصل إلى 425 مليون دولار في عام 2020 للاستحواذ على "أونكوإميون"، كما وافقت الحكومة الأمريكية على دفع 356 مليون دولار لصانع الأدوية مقابل الحصول على إمدادات العقار التجريبي المعروف باسم "إم كيه – 7110" (MK-7110).

وبعد بضعة أشهر، قالت الجهات التنظيمية إن العقار لن يأخذ الموافقات اللازمة وفقاً للبيانات المتاحة على الأرجح، ومن ثم أوقفت شركة "ميرك" تطوير العقار، بينما تحملت "ميرك" تكاليف إلى 207 ملايين دولار.

منذ ذلك الحين، ركزت جهود "ميرك" المتعلقة بفيروس كوفيد على تطوير عقار "مولنوبيرافير" بالشراكة مع شركة "ريدجباك بايوثيربيوتكس" (Ridgeback Biotherapeutics). يعمل هذا العقار على مكافحة الفيروس من خلال إحداث خلل جيني في عملية التكاثر الخاصة به، وهي آلية أثارت مخاوف بشأن إثارتها لمتحورات جديدة مقاومة للعقاقير من كوفيد أو إحداثه لتلف في الحمض النووي الخاص بالأجنة والأطفال في طور النمو.

علاوة على ذلك، فإن فعالية عقار "مولنوبيرافير" في منع حالات الوفاة الناتجة عن الإصابة بفيروس كوفيد وحالات دخول المستشفيات بين مرضى الحالات الخطرة تقدر بنحو 30% فقط، مقارنة بفعالية عقار "باكسلوفيد" البالغة 90%.

وتنص المبادئ التوجيهية للمعاهد الوطنية للصحة الأمريكية على أن عقار "مولنوبيرافير" هو الخيار الأخير لعلاج المصابين بفيروس كوفيد في العيادات، فهو لا يستخدم إلا في حالة عدم التمكن من إعطاء المريض عقاقير أخرى، مثل "باكسلوفيد" و "غلاكسو" و"سوتروفيماب" (Sotrovimab) التابع لشركة "فير بيوتكنولوجي" (Vir Biotechnology) و"ريمديسيفير" (remdesivir) التابع لشركة "غيلياد ساينسز" (Gilead Sciences).

مُكتشف مكوِّن العقار الأساسي

يعد كل من التهاب الكبد الوبائي سي وفيروس كورونا، من فيروسات الحمض النووي الريبي (RNA viruses) التي تستخدم أنزيمات "بروتياز" متماثلة، لتمزيق البروتينات واستنساخ نفسها.

يقول أليكس دوملينغ، مبتكر العقاقير في "جامعة غرونينغن" في هولندا، إنه بدأ أولاً في البحث عن عقاقير بإمكانها التكيف مع عملية علاج "سارس-كوف-2" (SARS-CoV-2) في بداية تفشي الوباء، كما أنه قدم طلباً للحصول على براءة اختراع بشأن استخدام "بوسيبريفير" لعلاج كوفيد بعد بضعة أشهر من بدء عام 2020.

كذلك، بحثت مختبرات منفصلة في جامعات "روتجرز" و"ستانفورد" و"أريزونا" في نشاط العقار المضاد لفيروس كوفيد، لكن شركة "ميرك" اعترضت على الأمر.

عن ذلك، يقول جورج نجوروغ، وهو عالم ولد في كينيا واكتشف عقار "بوسيبريفير": "كنت اعتقد أنهم سيبدؤون فوراً باختباره". وتابع: "كنت متفاجئاً قليلاً".

في الوقت نفسه، تواصل المختبرات حول العالم النظر إلى عقار "بوسيبريفير" باعتباره مدخلاً محتملاً للسوق المربحة لعقاقير كوفيد، ويقول دوملينغ إن المركَّب لا يزال يوفر إمكانيات. ويوضح دوملينغ، الذي يقول إنه ينظر أيضاً إلى جزيئات أخرى غير مترابطة، إن "اختبار العقار سيكون أمراً سهلاً. ولن يكون باهظ التكلفة، وستكون رؤية النتيجة أمراً مثيراً للاهتمام".

البحث جارٍ عن لقاح شامل يتغلّب على "أوميكرون" وسائر الفيروسات التاجية

بدأت قصة "بوسيبريفير" في منتصف التسعينيات عندما كان الباحثون يسعون باستماته لإيجاد علاجات جديدة لالتهاب الكبد الوبائي سي، المرض المسؤول عن عدوى ربما تكون قاتلة، كانت تنتشر في ذلك الوقت. حينها كان نجوروغ، ذو الـ 67 عاماً، عالماً في شركة "شيرينغ بلاو" (Schering Plough)، وهي شركة الأدوية التي اشترتها "ميرك" مقابل 40 مليار دولار تقريباً في عام 2009. كان نجوروغ قد حقق بالفعل بعض النجاح في رحلة بحثه عن العقاقير المضادة للسرطان، وأرسلته شركة "شيرينغ" إلى الخارج من أجل البحث عن عقار جديد لمرض الكبد الذي أصاب الملايين حول العالم.

قرر نجوروغ البحث عن طرق لمنع عمل إنزيم "بروتياز"، حيث يعد الإنزيم حيوي لتكاثر الفيروس، وخلافاً لبعض البروتينات الفيروسية الأخرى فهو لا يتطور كثيراً، ما يعني أن المثبطات بإمكانها الاحتفاظ بقوتها ضد المتحورات الفيروسية. وكان نجوروغ يحتاج لشيء يتداخل مع الإنزيم ويقيد عمل الجزئية التي تلتصق بالبروتينات المستهدفة عادةً، وقد درس بدقة كيفية ترابط انزيم "بروتياز" مع بروتينات الخلايا البشرية، ووجد أن استبدال جزء أساسي في أحد المثبطات التجريبية استطاع حل هذا اللغز البيولوجي.

يعمل هذا الجزء المستبدل، المتمثل في بنية حلقية معدلة تشمل برولين الحمض الأميني، على تحسين استقرار الدواء ومنع تكسره بسهولة، فضلاً عن إتاحة إمكانية استخدامه في شكل أصغر حجماً، هذا هو العنصر الرئيسي الذي كان يبحث عنه نجوروغ.

يوضح نجوروغ، الذي تقاعد منذ ذلك الحين، وهو يؤسس معهداً خارج نيروبي لتدريب علماء العقاقير الأفارقة الطموحين، أن هذا الجزء "عزز مستوى الفاعلية، وجعل المكون شبيهاً بالعقار، ومنحه وزناً جزيئياً يجعله يصل إلى الخلايا مع احتفاظه بالنشاط الدوائي". يضيف نجوروغ: "لقد قلت بأننا نمتلك الدواء".

بطل الكيمياء

كان هذا النهج سبباً في حصول نجوروغ على عدد كبير من الأوسمة العلمية، بما في ذلك منحه لقب بطل الكيمياء لعام 2012 من قبل الجمعية الكيميائية الأمريكية. لكن بعد ظهور عقار "فيكتريليس" لأول مرة، تكدس المنافسون على علاج التهاب الكبد الوبائي سي، وابتكروا عقاقير قوية مثل "هارفوني" (Harvoni) التابع لشركة "غيلياد ساينسز".

ويوضح نجوروغ أن مبيعات "فيكتريليس" بلغت ذروتها في عام 2012، حيث وصلت إلى نحو 500 مليون دولار، قبل أن تسحبه شركة "ميرك" من السوق في عام 2015. ويضيف: "تنتهي من الأعمال الصعبة، ثم يتعين عليك نشر كيفية قيامك بذلك، لتمهد الطريق للجميع".

ومن ثم أتى فيروس كوفيد.

تقول براون، الباحثة في "جامعة فلوريدا"، إن "فايزر" لديها مثبط "بروتياز" مختلف تحت تصرفها، والذي كان باستطاعته استهداف فيروسات كورونا، لكن "ميرك" كان عليها العمل بجد أكثر على "بوسيبريفير" للانتهاء من صنع عقار كوفيد. تضيف: "فايزر لم تبدأ من "بوسيبريفير"، بل كان لديهم شيء يربط ويثبط الجزء النشط" من الإنزيم الفيروسي.

من جهتها، قالت "فايزر" في بيان إن عقار "باكسلوفيد" كان نتاج عملية اكتشاف العقاقير التي بدأت في عام 2020، موضحة أن مكونات العقار التي تحاكي تلك الموجودة في "ميرك" تتحد مع مكونات أخرى لإنتاج عقار "أقوى بمئات المرات من "بوسيبريفير"".

لا يخدعون أحداً

بالنسبة إلى مايكل لين، باحث العقاقير في "جامعة ستانفورد"، الذي يقول إنه قرأ كافة أوراق العالم نجوروغ، فإن عقار "بوسيبريفير" هو بمثابة بطل رائد علمياً وهو يستحق الثناء. ويقول إن حلقة "برولين" التي ابتكرها نجوروغ جعلت العقار أقل تفاعلاً مع الخلايا والأنسجة الموجودة في جسم الإنسان مثل المعدة، وهذا ما سمح بأخذ عقار "بوسيبريفير" - ويسمح الآن لـ "باكسلوفيد" أيضاً - كحبوب عبر الفم، بدلاً من الحقن.

يضيف لين أن "فايزر" أجرت عملاً هاماً وكبيراً لصنع عقار "باكسلوفيد"، لكنها لم تعترف بشكل كافٍ بمساهمة عقار "بوسيبريفير" فيه. ونوه أن "فكرة أنهم يقولون إن تطوير العقار كان كله أمراً داخلياً بدون الاستعانة بأفكار خارجية، هي فكرة مستبعدة فكرياً للغاية"، موضحاً أن حلقة البرولين "نُسخت تماماً من عقار "بوسيبريفير"، متابعاً: "من يحاولون الخداع بذلك؟".