عودة اقتصاديات العجز

جانب من مجلس الشيوخ في مبنى الكابيتول الأمريكي في واشنطن العاصمة، الولايات المتحدة
جانب من مجلس الشيوخ في مبنى الكابيتول الأمريكي في واشنطن العاصمة، الولايات المتحدة المصدر: بلومبرغ
Karl W. Smith
Karl W. Smith

Karl W. Smith is a Bloomberg Opinion columnist. He was formerly vice president for federal policy at the Tax Foundation and assistant professor of economics at the University of North Carolina. He is also co-founder of the economics blog Modeled Behavior.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ذكرت عدة مرات خلال السنوات القليلة الماضية أنَّه من السابق لأوانه الشعور بالقلق إزاء عجز الموازنة. في عام 2018، أكدت أنَّه ليست هناك حاجة للإصرار على أنَّ تخفيضات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الضريبية ستكون لها تكلفة في المقابل. كتبت في عام 2021 أنَّ الكونغرس الأمريكي ليس في حاجة إلى أن يبخل بجولة ثالثة من الإنقاذ للتصدي لتداعيات وباء فيروس كورونا.

أود حالياً أن أُعلن أني بدأت أشعر بالقلق حيال عجز الموازنة. لا يعد العجز المرتفع في الميزانية الأمريكية مشكلة حتى وقتنا هذا، بيد أنَّه من المحتمل للغاية أن يصبح كذلك في المستقبل القريب. يتعين على الكونغرس الأمريكي أن يفتش عن طرق لإيقاف كلٍّ من الإنفاق الزائد والإعفاءات الضريبية التي لا طائل منها، والمخصصة للأمريكيين من ذوي الدخل العالي.

"الفيدرالي الأمريكي" يتوقع رفع الفائدة قريباً مع تسارع معدلات التضخم

لإدراك ما حدث من تغيير، ومدى القلق الذي سيكون؛ من الضروري فحص الحجتين الأساسيتين على مدى العقد الماضي إزاء سياسة التقشف - ولماذا كانتا على خطأ.

الحجة الأولى؛ هي أنَّ الولايات المتحدة عانت من عجز في الموازنة بتخطي تكلفة خدمة الديون القائمة. كان الأمر مجرد وقت، بحسب هذه الحجة، قبل أن تزيد تكاليف الفائدة بشكل مضاعف، مما سيؤدي إلى زيادة العبء على كاهل الأجيال القادمة. بوجه خاص؛ توقَّع مكتب الميزانية في الكونغرس مع مطلع 2018، كنتيجة تعود جزئياً للتخفيضات الضريبية التي فرضها ترمب، أن تزيد تكاليف الفائدة على الدين بمقدار الضعف تقريباً من نسبة 1.4% في 2017 إلى 2.7% في 2022. وعلى الأجل الطويل؛ قفزت التوقُّعات بتلك النسبة إلى 6.8% في 2048 (التي ستوازي، في حال كانت دقيقة، إنفاق الحكومة الفيدرالية المتوقَّع على برنامج الضمان الاجتماعي في تلك السنة).

في الحقيقة- عقب تخفيضات ترمب الضريبية، وإلغاء سحب المخصصات، وثلاثة قوانين لبرامج إنقاذ متعلقة بالتصدي لانعكاسات وباء فيروس كورونا تقدّر بمليارات الدولارات – سارت تكاليف الفائدة على الديون في طريقها لتصبح 1.2% فقط من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الجاري.

لا يعد ذلك فقط صدفة بسبب الجائحة. فكثيراً ما بالغ مكتب الميزانية بالكونغرس الأمريكي في تقدير تكاليف الفائدة على الدين. وأخفق في تقدير أنَّه عبر العقود القليلة الماضية كان الاقتصاد الأمريكي غارقاً فيما يطلق عليه خبراء الاقتصاد الركود التضخمي المزمن، والذي يتسم بشكل جزئي بمعدلات فائدة تقل بشكل متواصل عن معدل النمو الاقتصادي.

أسعار الفائدة الأمريكية ترتفع في كل مكان باستثناء حسابات التوفير

يقودنا ذلك إلى الحجة الثانية؛ فقد أقر بعض أصحاب الرأي المتشدد حول العجز أنَّ الولايات المتحدة كانت تمر بفترة من أسعار الفائدة المنخفضة تماماً. بيد أنَّهم حذّروا من أنَّ هذه الظاهرة من الممكن أن تنقلب في أي توقيت. يتمثل الأمر الذي لم يفهموه في التأثير الناجم عن التصدي للركود التصخمي المزمن على الاقتصاد الكلي في الأجل القريب.

سيحتاج التحول إلى معدلات فائدة منخفضة إلى تسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي- الذي سيحتاج بدوره إلى تسجيل نمو حقيقي، أو ارتفاع معدل التضخم، أو تصاعدهما بمعدل أسرع بكثير من أي وقت على مدى عشرين سنة الماضية. حينما يتم ذلك؛ سينمو كل من القاعدة الضريبية، وحجم الاقتصاد الكلي بالنسبة للديون.

على الأجل القصير؛ سيجعل ذلك خدمة الدين بمثابة أمر سهل على الحكومة الفيدرالية. كما أنَّه يمنح صنّاع السياسات بعض العلامات على أنَّهم يحتاجون إلى إجراء تعديل على توقُّعاتهم.

هذا ما يحدث على وجه الدقة في الاقتصاد الأمريكي حالياً. في أعقاب الانهيار إلى سالب 8% عند المقارنة على أساس سنوي خلال ربيع 2020، ثم التعافي إلى موجب 16% عند المقارنة على أساس سنوي في ربيع 2021، وصل نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي إلى 11% عند المقارنة على أساس سنوي مع قرب نهاية 2021. قبيل الجائحة، كانت سنة 1984 هي آخر مرة يسجل نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي فيها نمواً يزيد على 11%.

نعم، يعود جزء كبير من ذلك إلى التضخم الذي يرتفع سريعاً. بيد أنَّه من منظور الميزانية؛ يسهم اندفاع معدل التضخم أيضاً في التخفيف من عبء الديون. لذلك السبب تراجعت فعلاً نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال السنة الماضية. ومن المفترض أن تسفر الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي الاسمي عن الحد من عبء الدين الإجمالي في 2022، بيد أنَّ التأثير لن يدوم لمدة زمنية أطول من ذلك بكثير.

شرع الاحتياطي الفيدرالي فعلاً في زيادة أسعار الفائدة. سيسفر ذلك عن تباطؤ في معدلات التضخم (ونمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي)، وزيادة تكلفة خدمة الدين. سيكون الصعود في أسعار الفائدة تدريجياً على الأرجح، نظراً لأنَّ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لا يود المخاطرة بدخول الاقتصاد في ركود.

يمتلك الكونغرس الأمريكي بعض الوقت للتصرف، بيد أنَّه وقت محدود. برغم أنَّ المخاوف الأسوأ لدى أصحاب الرأي المتشدد المرتبط بالميزانيات لم تحدث على أرض الواقع؛ إلا أنَّ فترة راحة البال نحو الإنفاق اعتماداً على الاقتراض قد ذهبت بلا رجعة. يتطلب الأمر من واشنطن أن تتكيّف مع الأمر الواقع الجديد.