خيارات "الفيدرالي" النقدية تتضاءل مع تصاعد التوترات في أوكرانيا

أفراد من قوات الدفاع الإقليمية الأوكرانية أثناء التدريب في مصنع الأسفلت السابق في ضواحي كييف، أوكرانيا، يوم السبت 19 فبراير 2022
أفراد من قوات الدفاع الإقليمية الأوكرانية أثناء التدريب في مصنع الأسفلت السابق في ضواحي كييف، أوكرانيا، يوم السبت 19 فبراير 2022 المصدر: بلومبرغ
Mohamed El Erian
Mohamed El Erian

Mohamed A. El-Erian is a Bloomberg Opinion columnist. He is the chief economic adviser at Allianz SE, the parent company of Pimco, where he served as CEO and co-CIO. He is president-elect of Queens' College, Cambridge, senior adviser at Gramercy and professor of practice at Wharton. His books include "The Only Game in Town" and "When Markets Collide."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

"أصلِح السقف في حين ماتزال الشمس مشرقة"، هذه النصيحة التي كررتها كريستين لاغارد كثيراً، التي كانت آنذاك مديرة صندوق النقد الدولي، لم يلتفت إليها عدد كافٍ من صانعي السياسات في السنوات التي سبقت تصاعد التوترات الروسية الأوكرانية في الوقت الراهن.

الآن، لدى الاقتصاد العالمي مرونة أقل في السياسات للتعامل مع صدمة الركود التضخمي المحتملة، وليس لدى البنوك المركزية سوى القليل من الخيارات الجيدة لمواجهة الخلل المحتمل في الأسواق المالية الذي قد يؤدي إلى تضخيم التحديات الاقتصادية.

"الاحتياطي الفيدرالي"، أقوى بنك مركزي في العالم، يعتبر مثالاً رائداً على متلازمة المرونة المحدودة في السياسات، فبعد أن فاته العديد من الفرص للتطبيع المنظم للسياسات؛ وجد نفسه الآن في خضم توترات جيوسياسية متصاعدة مع أسعار فائدة منخفضة للغاية بالفعل، وميزانية عمومية متضخمة. مما يجعل الأمور أكثر صعوبة، ليفقد "الاحتياطي الفيدرالي" مصداقيته في مواجهة التضخم، وفقده السيطرة على مسار السياسة النقدية.

الاحتياطي الفيدرالي يتجه بالاقتصاد نحو سقطة مؤلمة

إنَّه وضع مؤسف للغاية في مواجهة صدمة محتملة من الركود التضخمي من شأنها أن تضعف النمو العالمي، وتعطي زخماً آخر للتضخم في حالة تفاقم النزاع المسلح بين روسيا وأوكرانيا- وهو الصراع الذي من المرجح أن يؤجج أسعار الطاقة، و بعض السلع الأخرى، ويحفز العقوبات الاقتصادية والمالية، وتراجع ثقة الأسر والأعمال. وهو ما قد يكون أسوأ إذا تداعت أعمال الأسواق المالية- للأسف، والذي يحمل بدوره مخاطرة مادية لثلاثة أسباب مهمة على الأقل:

  • أولاً: كان تحمّل المخاطرة ملحوظاً، وهو مشروط بضخ كميات هائلة ومتوقَّعة من السيولة، فقد غامر عدد قليل من المستثمرين على نطاق واسع بحثاً عن عوائد أعلى.
  • ثانياً: شهد العقد الماضي اختلالاً متزايداً في التوازن بين تزايد حجم وتنوع أصحاب الأصول، ومن جانب آخر، انخفاض قدرة النظام على استيعاب تحول مفاجئ معمم في حكمة الأسواق التقليدية.
  • ثالثاً: أدى التحول الناجم عن التيسير الكمي لـ "الأصول الآمنة" من الأسواق إلى ميزانيات البنوك المركزية إلى الحد من قدرة المستثمرين على "التأمين الذاتي" في الوقت المناسب.

لا يقترن خطر حدوث اضطرابات في الأداء السلس للأسواق المالية بمرونة سياسة "الاحتياطي الفيدرالي" في التصرف. ما تزال أسعار الفائدة منخفضة بالقرب من الصفر، كما تقترب الميزانية العمومية المتزايدة باستمرار بالفعل من 9 تريليونات دولار. ويتزامن كل ذلك مع أرقام تضخم مقلقة - سواء كانت 7.5% لمؤشر أسعار المستهلك، أو 9.7% لمؤشر أسعار المنتجين. يجب أن يقلق "الاحتياطي الفيدرالي" أيضاً بشأن تدهور مصداقيته في مكافحة التضخم.

البنوك المركزية بطيئة الحركة تخاطر بمكانتها القيادية

ومع افتقارها للتوجيه المناسب من "الاحتياطي الفيدرالي"؛ طالبت "وول ستريت" وقامت بتسعير عدد متزايد من زيادات أسعار الفائدة هذا العام. وقد رجح بعضهم أن تكون الزيادات الأولى من العيار الثقيل. وذهب عدد قليل منهم إلى حد التوقُّع بزيادات طارئة لأسعار الفائدة ما بين الاجتماعات المقبلة.

"جيه بي مورغان" يتوقع رفع "الفيدرالي" لمعدلات الفائدة 9 مرات متتالية

وللأسف؛ فإنَّ هذا السياق المؤسف للسياسات كان من صنع "الاحتياطي الفيدرالي" بنفسه، سواء على المدى القصير أو الطويل. ففي غضون الاثني عشر شهراً الماضية فقط، على سبيل المثال؛ قلل "الفيدرالي" عن طريق الخطأ من شدة التضخم واستمراره. عندما أقر البنك المركزي أخيراً بالحاجة إلى "الكف" عن وصفه للتضخم بـ"المؤقت" - وهو وصف خاطئ شامل - وبالكاد عدَّل موقف سياسته لمواجهة مخاطر تغيير توقُّعات التضخم.

جيروم باول: حان الوقت لإسقاط مصطلح "المؤقت" عند توصيف التضخم

أدى ذلك إلى إضعاف سمعة السياسة المالية، وتسبب في فقدان "الاحتياطي الفيدرالي" فرصة تلو الأخرى لإعادة بناء مرونته. على هذا النحو؛ تقترن الأدوات المحدودة لدى البنك المركزي لمواجهة أعطال السوق بمخاطر متزايدة من الأضرار الجانبية والظروف غير المقصودة. وبالتالي؛ فإنَّ البديل، المتمثل في الاعتماد على الإجراءات الحكومية، بعيد كل البعد عن الطمأنة بالنظر إلى مدى استقطاب السياسات.