شركات في "وول ستريت" تتحول إلى مالكة للعقارات الأمريكية

مجموعة من المنازل المعروضة للإيجار في مدينة فينيكس، طرحتها في السوق شركة "بروغريس ريزيدانشال"، أحد أكبر ملاك العقارات في "وول ستريت"
مجموعة من المنازل المعروضة للإيجار في مدينة فينيكس، طرحتها في السوق شركة "بروغريس ريزيدانشال"، أحد أكبر ملاك العقارات في "وول ستريت" المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بدأ خافيير فيدانا عمله وكيل عقارات في عام 2013، عندما كانت منطقة "وادي نهر الملح" (Salt River Valley) في أريزونا مفتوحة على مصراعيها. كان ذلك عقب انهيار سوق الإسكان وانخفاض قيمة المنزل النموذجي في منطقة فينيكس الحضرية بأكثر من 50%، بحيث كان يمكن لأحد الوالدين ممن يعيش من دون شريك، الاستفادة من برامج القروض المخصصة لمشتري المنازل للمرة الأولى، والعيش في مكان لائق جداً، لمجرد أنه يتمتع بمستوى جدارة ائتمانية جيد.

اقرأ أيضاً: نقص المعروض يقود أسعار المنازل الأمريكية إلى الارتفاع بأسرع وتيرة منذ 2005

كان التحدي بالنسبة إلى فيدانا يتمثل في إقناع العملاء المحتملين بأن المنزل شيء مهم، يجب امتلاكه، إذ يقول: "كنا نتوسل إلى الناس عبر الهاتف ليشتروا، ولم تكن لدى المشترين ثقة على الإطلاق".

نما الاقتصاد بعد ذلك ومعه سوق الإسكان. وتخصص فيدانا في تعليم المشترين الصغار أساسيات الاستثمار العقاري. وسرعان ما زاد دخله إلى جانب العمولة عن طريق بيع ملفات "PDF" على موقعه الإلكتروني، وجمع إيرادات من الإعلانات على قناته على "يوتيوب". ثم أطلقت جائحة كورونا طفرة جديدة، أعطته الفرصة للقيام بشيء جديد.

اقرأ المزيد: معركة إخلاء المنازل الأمريكية من مستأجريها تشتعل مجدداً

استجاب الأمريكيون لعصر جديد يعملون ويتسوقون فيه من المنزل، ولم تكن هناك مدينة كبيرة بسوق مزدهرة أكثر من فينيكس، فقد بلغ سعر المنزل في المتوسط 285 ألف دولار في بداية تفشي الوباء، ثم بعد عامين ارتفع السعر إلى 435 ألف دولار. وكان طبيعياً ان يتلقى البائع 50 عرضاً أو أكثر، أو أن يقدم المشتري المحتمل عروضاً على عشرات المنازل المختلفة قبل إبرام صفقة الشراء.

اقرأ أيضاً: ارتفاع الفائدة على قروض الرهن العقاري الأمريكية إلى أعلى مستوى في عامين

مستثمرو "وول ستريت"

بدأ المشترون المحبطون من فينيكس توجيه أصابع الاتهام، إذ شكا بعضهم من تشويه سكان كاليفورنيا للسوق بسبب توافد الموظفين الذين يعملون عن بُعد على الولاية، فيما ركز آخرون على شركات التكنولوجيا، ومن بينها مجموعة "زيلو" (Zillow Group) التي كانت تشتري المنازل وتُعيد تأهيلها على نطاق واسع. لكن لا شيء يثير غضب السكان المحليين بقدر تزايد أعداد الملاك ممن يحصلون على أرباح ضخمة من "وول ستريت"، ويعملون على بناء محافظ ضخمة من المنازل بهدف التأجير. وتراقب تلك الشريحة الأخيرة ما يقوله فيدانا.

حصل المستثمرون العقاريون باستخدام ما لديهم من سيولة على خصومات لأسعار المنازل التي تحتاج إلى كثير من أعمال الصيانة. لكن الملاك الجدد يشترون منازلهم من السوق، ويؤجرونها مرة أخرى لأشخاص لا تسمح أوضاعهم المالية بشراء تلك المنازل.

منافسة الشركات

يقول ريك بالاسيوس، مدير الأبحاث في شركة "جون بورنس للاستشارات العقارية" (John Burns Real Estate Consulting)، إن العائلات بدأت ترى الشركات الاستثمارية تتفوق عليها في الشراء، بحيث يمكنها أن تدفع 450 ألف دولار مقابل منزل تبلغ قيمته 400 ألف دولار، ما أدى إلى ارتفاع إيجارات المنازل المستقلة في منطقة فينيكس بنسبة 19% في أثناء الجائحة، وكانت النتيجة أن الراغبين في الشراء كانوا يخسرون فرصة شراء منزل ما بسبب ارتفاع سعره، ليصبح بعد ذلك معروضاً للإيجار بزيادة تقارب مئات الدولارات شهرياً، مقارنة بالقسط الذي كانوا سيدفعونه لتملك المنزل عن طريق قرض برهن عقاري.

يقول فيدانا: "وفق رؤيتي لهذا الأمر، إنهم يسرقون المنزل من المشتري الذي يشتري منزلاً للمرة الأولى، ويحاولون الترويج لفكرة أن ما يجب عليك القيام به، هو عدم التفكير في شراء منزل بعد الآن، وإنما الاستئجار".

انتقادات من كل صوب

وسط القلق بشأن التضخم وارتفاع أسعار المساكن، لم يعُد فيدانا الوحيد الذي يشعر بذلك. فقد وصف المدافعون عن حقوق المستأجرين ملاك العقارات في "وول ستريت" بأنهم منبوذون اجتماعياً، وانتقدهم الخبراء من المحافظين مثل تاكر كارلسون من قناة "فوكس نيوز" لإخراجهم المشتريين العاديين من السوق، محذرين من أن مصير عقارات الولاية نفسه على المحك. واتفق معهم الديمقراطيون أيضاً، إذ أدانت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ممارسات كبار المستثمرين الذين يجعلون مشاركة جزء مهمّ من الحلم الأمريكي صعباً على العائلات .

الأمر أكثر من مجرد مخاوف، إذ إن ملكية المنازل تمثل جانباً كبيراً من الثروة الأمريكية، خصوصاً للعائلات ذات الدخل المتوسط ​​التي تملك قليلاً من الفرص الأخرى لتوظيف الأموال للاستثمار في الأصول التي يمكن أن ترتفع قيمتها بمرور الوقت. ولكن ارتفاع سعر المنازل يمنح المالكين تجميع الثروة، والاستفادة من أملاكهم إذا تعيَّن عليهم زيادة نفقاتهم بشكل كبير أو غير متوقع.

نماذج الدول الغنية

لكن في الدول الغنية الأخرى، ومن بينها ألمانيا والدنمارك، حيث معدلات ملكية المنازل أقل من الولايات المتحدة، تعوض تلك الدول ذلك بشبكات أمان اجتماعي قوية وأنظمة معاشات تقاعدية، وهو أمر لا يشمل جميع الأمريكيين الذين يستخدم كثير منهم الثروة العقارية لدفع تكاليف الجامعات ونفقات الرعاية الصحية والتقاعد.

يقول سكايلار أولسن، كبير الاقتصاديين في شركة "تومو" (Tomo) المتخصصة في الرهن العقاري عبر الإنترنت: "إنّ تملُّك عقار يتيح للعائلة أكثر من مجرد التملك، إذ يسمح لها بامتلاك وسائل إنتاج خاصة بها يمكنها استخدامها كمكتب للعمل من المنزل، أو تأجير غرفة عبر منصة "(إير بي إن بي-Airbnb) أو زراعة الخضار في الفناء الخلفي". ويضيف أولسن: "نحن جميعاً نشعر كأننا ملوك عندما نمتلك الأرض".

شركة يابانية تدخل المنافسة

في البداية، لم يشعر فيدانا بالقلق بشأن المشترين الجدد، لأن المنازل كانت لا تزال بأسعار معقولة، إذ ساعد فيدانا في عام 2019 عميلاً في بيع منزل في منطقة سوربرايز التي تبعد 30 ميلاً شمال غرب وسط مدينة فينيكس، لصالح شركة "ياماسا" (Yamasa) اليابانية العائلية، التي أعادت تجديد المطبخ وطرحت المنزل للإيجار بسعر بدا غير واقعي، لكنها نجحت في تأجيره. وعاد وكيل العائلة لإرسال بريد إلكتروني إلى فيدانا، وعرض عليه مزيداً من السيولة النقدية لشراء منازل أخرى. أصبحت "ياماسا" التي لم تستجِب لطلبات التعليق منذ ذلك الحين، مشترياً نهماً للعقارات المؤجرة، واستحوذت على مئات المنازل في ضواحي فينيكس، وآلاف العقارات الأخرى في جميع أنحاء الولايات المتحدة.

وفقاً للموقع الإلكتروني للشركة، فقد تأسست "ياماسا" منذ أكثر من قرن من الزمان لتعمل في مجال الأخشاب، ثم توسعت بعد ذلك لتشمل محطات الوقود وصالات البولينغ، وصالات الألعاب الإلكترونية (باتشينكو)، ومزارع الطاقة الشمسية.

الرهان الجديد

أشار فيدانا إلى عدم قلقه بشأن تفاصيل منشأ الشركة، وقال: "كنت آمل فقط ألا يحذو مزيد من الشركات حذوها". لكنها تبدو في ظاهر الأمر غريبة بعض الشيء؛ لماذا تريد شركة يابانية لديها عمليات تشغيلية في صالات الألعاب الترفيهية امتلاك منازل صغيرة في ضواحي فينيكس؟ والإجابة تظهر عندما ننظر إلى الشركة التي تعاونت معها "ياماسا" لإدارة وتشغيل مشروع تأجير المنازل، وهو ما يقودنا إلى فهم رهان "وول ستريت" الجديد على الإسكان.

" إنه مجتمع رأسمالي، فما الخطأ حقاً؟".

كباقي الناس، ساد القلق بين أصحاب العقارات السكنية في مارس 2020، عندما توقع الجميع أن يلي عمليات التسريح الجماعي للعمال توقف عن دفع الإيجارات، وعمليات إخلاء واضطرابات مجتمعية. لكن بدلاً من ذلك حصل الأمريكيون المعزولون في بيوتهم على شيكات تحفيزية وأموال وفروها في أثناء الإغلاق، وبدؤوا في البحث عن منازل بمساحات أكبر من تلك التي يعيشون فيها.

لم يتأخر رأس المال كثيراً عن مجاراة الاتجاه، إذ يقول بالاسيوس الباحث في مجال العقارات إنه بحلول منتصف عام 2021 استحوذت المضاربة على قرابة نصف إجمالي مشتريات المنازل في فينيكس، وكان الدافع وراء ذلك الزخم الملاك الصغار ومشترو المنازل بغرض البيع، الذين استهدفوا منازل بأسعار معقولة بالقرب من المدارس الجيدة، حيث يبحث عملاء فيدانا في العادة عن منازل.

تدفق المستثمرين

اندفاع الجميع نحو "الذهب" في الضواحي لم تستطع مقاومته شركات الاستثمار العملاقة وصناديق الثروة السيادية وشركات التأمين على الحياة وغيرها.

بدأت شركة "باغايا تكنولوجيز" (Pagaya Technologies)، التي تستخدم برامج الذكاء الصناعي لتقييم الائتمان الاستهلاكي، في مساعدة العملاء على شراء المنازل. وكذلك بدأت "بوسطن أوماها" (Boston Omaha)، الشركة القابضة التي تقدم خدمة الإنترنت ذات النطاق العريض للمشتركين في ولايتي أريزونا ويوتا، ومعها شركات أخرى، في وضع خطة لتطوير مشاريع الإيجار. وكذلك فعلت "بيور سايكل" (Pure Cycle) في دنفر.

يقول بالاسيوس: "أصبحت إضافة تقديم خدمة إيجار المنازل المستقلة، أو شيء مرتبط بالسكن إلى اسم شركتك هذه الأيام، تشبه إضافة (دوت كوم) في عام 1999".

لكن إدارة المساكن المؤجرة أمر صعب، خصوصاً إذا كان في المعروض بالسوقنقص، إذ يمكن لأصحاب العقارات رفع الإيجارات من دون أن يترتب على ذلك أي عواقب. وحتى يسارعوا إلى بدء الاستثمار، اعتمد الوافدون الجدد على شركات قائمة. وكانت شركة "بروغريس ريزيدانشال" (Progress Residential) للتأجير –التي اختارتها مجموعة "ياماسا"- أحد أكبر اللاعبين في ذلك المجال. و"بروغريس" شركة تأجير مملوكة لشركة "بريتيوم بارتنرز" (Pretium Partners) ومقرها نيويورك، ويقودها دون مولن الذي عُرف بالإشراف على الرهان "الكبير وقصير الأجل" المربح بشكل استثنائي، إذ حقق أرباحاً طائلة من توقعاته ضد سوق الإسكان، ما عزز سمعة مجموعة "غولدمان ساكس" في صدارة قائمة المفترسين في "الغابة المالية".

انطلاقة "بريتيوم"

ترك مولين"غولدمان ساكس"، وأسس شركة "بريتيوم" في عام 2012، وجمع الأموال من المستثمرين وضخها في منازل للإيجار، إضافة إلى المراهنات على قروض الشركات والرهون العقارية.

اشترت "بريتيوم" في أيامها الأولى عقارات بأسعار منخفضة، ومع تعافي السوق تعلمت كسب الصفقات من خلال التحرك بسرعة واستخدام برامج تفحص قوائم العقارات كل 15 دقيقة. وعندما يرى فريق الاستحواذ منزلاً جيداً يقدّر ميزانية الإيجار والإصلاحات المطلوبة، ويسعى إلى تقديم عرض نقدي في غضون ساعات من طرح المنزل في السوق. كما تعمل "بريتيوم" أيضاً مع شركات التطوير العقاري على بناء منازل جديدة للتأجير.

لم تكن "بريتيوم" معروفة بشكل كبير خارج "وول ستريت" قبل الجائحة، ولم تلقَ دعماً من مستثمري العقارات سوى من شركة تأجير المنازل المستقلة، "إنفيتيشن هومز" (Invitation Homes) التي طُرحت أسهمها للاكتتاب العام عن طريق "بلاكستون" (Blackstone) في عام 2017.

في عام 2019، جمعت "بريتيوم" 2.5 مليار دولار لتمويل أعمالها الخاصة بتأجير المنازل المستقلة، وكان من بين التمويل جزء كبير من شركة "لاندمارك بارتنرز" (Landmark Partners) ومقرها كونيكتيكت، ما عزز استعداد الشركة التي يقودها مولن لموجة شراء هيمنت بها على أهمّ سوق للإسكان في تاريخ الولايات المتحدة. فقد فازت بصفقات رفيعة المستوى لشراء منازل عن طريق "زيلو" و"فرونت يارد ريزيدينشال" (Front Yard Residential)، وأضافت إلى محفظتها 35 ألف منزل العام الماضي، ليصل مجموع المنازل إلى أقل بقليل من 75 ألف منزل، وتصبح بالتالي ثاني أكبر مالك منازل مستقلة للإيجار بعد "إنفيتيشن".

أثارت تلك التطورات حسد المنافسين، وغضباً تجاه شركة "بريتيوم" من وكلاء العقارات من أمثال فيدانا ودعاة حماية مصالح المستأجرين والمسؤولين المنتخبين.

انتقادات واسعة

الجدير بالذكر أن فكرة إطلاق شركات الخدمات المالية التي أُتخمت بالرهون العقارية قبل أزمة الرهن العقاري، واستغلّت تلك الكارثة لاحقاً كنقطة انطلاق نحو أعمال جديدة، لقيت انتقادات منذ فترة طويلة باعتبارها فكرة غير منطقية.

في عام 2019، اتهمت السناتور إليزابيث وارين، النائبة الديمقراطية عن ولاية ماساتشوستس، أصحاب العقارات في "وول ستريت" بـ"الاستفادة من الدمار الذي تسببوا فيه". وزعم ناشطون في قطاع الإسكان بأن تلك الشركات كانت تتبع طريقة عمل الشركات الخاصة من تكديس الرسوم وخفض تكاليف الصيانة، لتعزيز أرباحها النهائية.

تقول صوفيا لوبيز، نائبة مدير الحملة في "مركز العمل حول العرق والاقتصاد"، وهي مجموعة مؤيدة لحقوق المستأجرين: "انظر إلى (بريتيوم) وأقرانها على أنها جعلت الإسكان قطاعاً تجاريا محضاً. يبدو أنه من غير المريح لهذه الشركات أن يعيش الناس في منازلهم".

من جهة أخرى، يمكن النظر إلى الموضوع بطريقة أخرى. قبل 40 عاماً من اليوم، عندما أصبح أطفال الطفرة السكانية كباراً وبدؤوا تكوين أُسَرهم، ابتكرت "وول ستريت" مجالاً جديداً عن طريق هندسة مالية تقوم على تحويل رأس المال الكبير إلى قروض للمستهلكين. في تلك الفترة كانت في البحث عن الاستقرار طفرة بالنسبة إلى أولئك الشباب، لكن نقص المنازل، وركود الأجور، وتشديد معايير منح القروض، كلها جعلت امتلاك المنازل أمراً صعباً على العائلات الشابة. ولذلك خلقت "وول ستريت" آلية جديدة تتمثل في تجميع الإيرادات المتأتية من الإيجارات، وضخها في قالب جديد قادر على توليد الإيرادات للمستثمرين من المؤسسات.

شراء أم استئجار؟

لكن، وفي خضمّ ذلك التحوّل، لم تكن هناك منازل معروضة للإيجار بما يكفي لتلبية الطلب من العائلات التي ترغب في العيش في مناطق جيدة ولا تملك في الوقت ذاته القدرة على توفير الدفعة الأولى المطلوبة لشراء منزل. علاوة على ذلك، لم يكن الجميع راغباً في شراء المنازل، ما يعني ضرورة إيجاد حل لأولئك الباحثين عن منازل، بما يحمله ذلك من تعرض لمخاطر سوق العقارات.

تقول غيني شويتز الزميلة في "معهد بروكينغز": "بالنسبة إلى أولئك الذين يعيشون في مناطق حضرية ساحلية حيث ترتفع الأسعار باستمرار، قد يمكنهم التعايش مع الأمر، لكن في أجزاء أخرى كثيرة من البلاد قد يكون من الأفضل للشخص أن يستأجر منزلاً، واستثمار ما يملكونه من أموال في أحد صناديق المؤشرات".

تشير شويتز، وهي مؤلفة كتاب "منزل يحتاج إلى إصلاح: كيف يمكن إصلاح نظام الإسكان الأمريكي الفاشل"، إلى أن المكاسب من ملكية المنازل لم تتراكم بالتساوي بين المجموعات العرقية والإثنية. وتضيف أن قواعد إعادة التخطيط التمييزية التي نفذتها الحكومة الفيدرالية في الثلاثينيات من القرن الماضي أبعدت العائلات من أصحاب البشرة السوداء عن ثروة الإسكان الناتجة عن طفرة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وحتى اليوم، يميل المشترون السود إلى الشراء لاحقاً في دورة سوق الإسكان، ويرجع ذلك نسبياً إلى أنه من غير المرجح أن يتمكنوا من الاستفادة من ثروة الأسرة لتوفير الدفعة الأولى اللازمة لشراء المنزل.

خيارات جديدة

ترى دانا هاميلتون رئيسة قسم العقارات في "بريتيوم" أن صعود كبار الملاك للمنازل المستقلة لا يزيح باقي المشترين، وأن "بريتيوم" تمتلك نسبة ضئيلة من المنازل المؤجرة في البلاد، كما أنها تقدم بديلاً قيماً للشراء. وتقول هاميلتون: "في السابق، الأمر الذي كان سائداً هو أنه إذا أردت أن تقطن في منطقة معينة فعليك أن تكون قادراً على الشراء في تلك المنطقة. أما اليوم فإذا أردت العيش في أي مكان فيمكنك الشراء أو الاستئجار، وهي من الأمور التي لا يقدرها الناس بشأن ما نقوم به".

استطاعت "بريتيوم" في العام الماضي شراء وتجديد ما معدله 100 منزل في اليوم، وهذا يعتبر عملاً معقداً، ويتطلب عملية لوجستية قوية لشراء الإمدادات وإدارة العمالة. كانت المهمة أكثر صعوبة في أثناء تفشي الوباء، عندما شحّت في الأسواق السلع والمواد كافة، بما في ذلك الخشب والثلاجات وطلاء الجدران ومواد تنسيق الحدائق، حتى إن بعض عمال البناء قالوا إنهم واجهوا صعوبة في العثور على التراب الذي يستخدم في الحدائق المنزلية.

تجديد المنازل

تنفق "بريتيوم" في الغالب 30 ألف دولار على إصلاح المنزل عند شرائه، وهي تركز في ذلك على الأرضيات الخشبية التي تجعل المنزل يبدو وكأنه جيّد، وغير ذلك من المجالات، كالأجهزة الكهربائية الجديدة التي تجعل عملية التأجير أسرع. وفي هذا السياق قال مسؤول تنفيذي في "بريتيوم" خلال مقابلة عبر بودكاست العام الماضي، إن عملية تجديد المنزل تستغرق مدة تتراوح بين 20 و25 يوماً.

تتميز "بروغريس"، ذراع إدارة الممتلكات في "بريتيوم"، بأداء متخصص وجيِّد في تأجير المنازل. خلال جولة على المنازل المتاحة للإيجار في غيلبرت بولاية أريزونا، التي تتراوح إيجاراتها بين 2100 دولار و3100 دولار شهرياً، رأينا ملصقات على الجدران تحث المستأجرين على طلب مساعدة "سيري" على الهواتف النقالة، لمعرفة المالك والوصول إليه (عندما تسأل "سيري"، خدمة المساعدة الصوتية لشركة "أبل"، تظهر لك روابط للموقع الإلكتروني للشركة، مع معلومات عن سياسات "بروغريس" المتعلقة بالكلاب والحيوانات الأليفة، والتركيز كذلك على توفير منازل قريبة من المدارس الجيدة). كذلك كانت هناك ملصقات عليها رمز الاستجابة السريعة (QR) الذي يسمح للمستأجرين المحتملين بتحميل تطبيق خاص بالتأجير على هواتفهم الذكية.

في أثناء الجولة التي كان يقودها مدير في شركة "بروغريس"، حاول أمام أحد المنازل العثور على الصندوق الخارجي الذي يوضع فيه المفتاح، وهو صندوق مغلق برمز خاص يُستخدم عادة لتمكين الوسطاء العقاريين الذين يصطحبون زبائنهم من الدخول إلى المنزل. لكنه عندما لم يعثر على الصندوق اتصل بالمكتب وطلب من أحد زملائه فتح الباب عن بُعد.

راحة المستأجر

للتأجير من الشركة إيجابيات أخرى تتجاوز مسألة التفوق في إظهار التقنيات. فلدى "بريتيوم" أسطول من 850 سيارة خدمة للإصلاحات الأكثر شيوعاً، وهو ما يجعل الحياة مثالية للمستأجر. على سبيل المثال، قد يتصل المستأجر صباحاً للإبلاغ عن تسرب المياه من الصنبور، فيحضر عامل الصيانة ومعه أنبوب تصريف بديل في الصندوق الخلفي لسيارته، ويدخل إلى المنزل ويجري الإصلاحات المطلوبة، حتى لو لم يكن المستأجر في المنزل، إذ يُفتح له الباب عن بُعد للدخول .

تقول "بريتيوم" إنّ 80% من المشكلات يجري إصلاحها في أول زيارة صيانة. ورغم ذلك يظل كثير من العملاء غير راضين. على "فيسبوك" مجموعة تضم أكثر من 4000 عضو، تسمى "ضحايا بروغريس ريزيدنتال"، إذ يشكو المستأجرون من ارتفاع الإيجارات والرسوم غير المتوقعة، ويقدمون النصائح حول التعامل مع بيروقراطية الشركة التي لا مفر منها، والتي تأتي مع كونك واحداً من 75 ألف عميل.

شكاوى كثيرة

ماكنزي كروز، البالغة من العمر 29 عاماً، استأجرت من "بريتيوم" منزلًا من 3 غرف نوم في مجمّع مسوّر ذي بوابة خاصة، بعدما أنهى مالك في مكان آخر تأجيرها بسبب كلبها "أوكلي" من فصيلة جيرمان شيبرد. ولكن التجربة التي تلت ذلك تشبه استئجار منزل من شركة اتصالات (إذا نجحت شركة "بوسطن أوماها"، فقد تختبر ذلك يوماً ما). تقول كروز إنه كانت هناك رسوم تأخير بالخطأ نتيجة خلل في نظام الكمبيوتر، وقضت ساعات طويلة في "جحيم" خدمة العملاء، ثم جاءت التكلفة الإضافية الكبيرة: طلبت كروز وزوجها من المالك تمديد عقد الإيجار لمدة شهرين حتى يتمكنا من انتظار استكمال بناء المنزل الجديد الذي كانا يشتريانه، واستجابت "بريتيوم" لكنها رفعت الإيجار من 1900 دولار شهرياً، إلى 3100 دولار، بما في ذلك الرسوم والتكاليف الأخرى.

تقول كروز: "طوال الوقت الذي كنا فيه هناك كنت أعمل بلا توقف لتجنب منحهم أموالاً أكثر مما كان من المفترض أن أفعل، حتى إنني كنت أعمل 3 وظائف، وأصبحت أقضي كل وقتي بين دوام العمل ومهامي كأم".

قد تكون تجربتك مع شركة "كايبل" مزعجة كفاية، إذ تؤثر في قدرتك على متابعة مسلسل "سيلينغ صن سيت"، لكنها تكون أكثر إزعاجاً عندما يتعلق الأمر بفقدان منزلك. دين زولير مثلاً، الذي استأجر منزلاً من إحدى الشركات التي استحوذت "بريتيوم" عليها في يناير 2021، امتنع عن دفع الإيجار بعد تجاهل المالك طلبه للمساعدة في إصلاح سقف تتسرب منه المياه. لقد كانت لديه مشكلات أخرى في المنزل سابقاً، وتقدم بشكوى بشأنها في نوفمبر 2020، بعد الإعلان عن صفقة استحواذ "بريتيوم"، لكنه لم يتلقَّ رداً لأشهر عدة.

يقول زولير: "ما يقلقني هو أنهم سيأتون في أي لحظة ويقولون عليك أن تغادر الآن. فهناك كثير من المشكلات بسبب عدم القدرة على التواصل معهم".

يقول ممثل عن "بريتيوم" إنّ الشركة عملت مع كروز على حل مشكلة الرسوم الخاطئة، لكن ليس لديه سجل بخصوص الشكوى من زولير، إذ أشار إلى أن المستأجر دخل مؤخراً في برنامج مساعدة الإيجار الذي يوفر له الحماية من الإخلاء بموجب قانون الولاية.

جني أرباح من الصيانة

لم تكن تلك الشكاوى هي الوحيدة، ففي بداية تفشي الوباء بدأت مجموعة مناصرة للمستأجرين، تسمى "مشروع أصحاب المصلحة الخاصة" (PESP)، بنشر بحث حول دعاوى الإخلاء في أكثر من 20 مقاطعة، وفقاً لبيانات المحكمة المتاحة بسهولة على الإنترنت. أشارت المجموعة إلى رفع الشركة التي يقودها مولين عديداً من قضايا الإخلاء في تلك المقاطعات خلال فترة حظر الإخلاء الفيدرالي. وقد رفع المدعي العام لولاية مينيسوتا، كيث إليسون، دعوى قضائية في فبراير يتهم فيها "بريتيوم" و"هافينبروك هومز" (HavenBrook Homes)، وهي الشركة التي كانت تملك عقار زولير، لتنفيذهما خطة "لجني أرباح أكبر من المستأجرين بدعوى تكلفة الصيانة المبالغ فيها لمنازلهم".

قال ممثل عن "بريتيوم" إنّ الشركة لا تزال تراجع الدعوى، مشيراً إلى مضاعفة الشركة فريق الصيانة في مينيسوتا 4 أضعاف منذ استحواذها على "هافينبروك" مطلع عام 2021. ووصف مجموعة "مشروع أصحاب المصلحة الخاصة" بأنها "متحيزة بشكل علني"، وليست "مصدراً موثوقاً لقطاع الإسكان".

التهديد بالإخلاء

في يوليو، شكت الشركة في رسالة إلى النائب جيمس كليبيرن، الديمقراطي من ولاية ساوث كارولينا، من خلط مجموعة "مشروع أصحاب المصلحة الخاصة" بين إفصاحات الإخلاء التي لا تنتهك الحظر الفيدرالي، والإخلاء الفعلي، وهو ما يحدث في كثير من الحالات. وقالت "بريتيوم" إنها كانت ملتزمة القانون.

في المقابل، أرسل جيم بيكر المدير التنفيذي لمجموعة "مشروع أصحاب المصلحة الخاصة" إلى كلايبورن رسالة خاصة، يوضح فيها أن "بريتيوم" أساءت التفسير، وأن التهديد بالإخلاء يمكن أن يكون في كثير من الأحيان كافياً لجعل المستأجر يشعر بأنه يتعين عليه المغادرة.

يقول متحدث باسم "بريتيوم" إن الشركة زودت المستأجرين بأكثر من 30 مليون دولار من دعم الإيجار وغيرها من المساعدات المالية، وساعدت المستأجرين في الحصول على 50 مليون دولار إضافية من خلال البرامج الحكومية.

أعلنت "بريتيوم" في فبراير عن تعيين غوسلين مور، مديرة تنفيذية جديدة لشؤون الشركة، التي كانت قد شغلت منصب كبير مسؤولي الاتصالات في "اتحاد كرة القدم الأمريكي" خلال فترة كان فيها دوري كرة القدم المحترف يتعرض لاحتجاجات بشأن العدالة العرقية وسلامة اللاعبين. قالت مور في أول مقابلة لها مع تليفزيون "بلومبرغ" بعد انضمامها إلى الشركة إنّ استثمار "بريتيوم" في تأجير المنازل "جلب رأسمالاً خاصاً لمواجهة أحد أكبر تحديات المجتمع".

التعامل مع الشكاوى

بمرور الوقت أصبح لدى الشركة سبب جديد للتفكير بشأن سياستها العامة، إذ كانت الشكاوى من المستأجرين تصل إلى صناديق التقاعد التي تمول رأسمال شركة تأجير المنازل المستقلة.

ظهرت مجموعة مستأجرين في مينيسوتا تحمل اسم "يونايتد رينترز فور جاستيس" (أو مجموعة المستأجرين المتحدين من أجل العدالة)، ونجحت في عقد اجتماع مع مجلس إدارة صندوق معاشات الولاية في أغسطس الماضي، إذ طالبت بإلغاء استثمار مخطط له للصندوق بقيمة 100 مليون دولار في شركة "لاندمارك بارتنرز" (Landmark Partners) التي تستثمر في "بريتيوم" (رفضت لاندمارك التعليق). وقد وافق المجلس على الاجتماع بهم في ديسمبر مرة أخرى برئاسة حاكم ولاية مينيسوتا تيم فالز الديمقراطي، الذي بدا متجهماً عبر مكالمة أُجريت عبر تطبيق "زووم" في أثناء حديث المستأجرين عن قصصهم. لكن في نهاية الأمر قدم كبير مسؤولي الاستثمار في صندوق الولاية استشارة لمجلس الإدارة، تفيد بضرورة عدم تأخر الاستثمار مرة أخرى، لأنه قد يفوت الفرصة على الصندوق. وكان رد فالز بأنه مقتنع بأن "لاندمارك" كانت تتصرف بحسن نية لمعالجة المخاوف. وفي نهاية الأمر صوّت مجلس الإدارة لصالح إتمام الصفقة.

في اليوم الذي سبق التصويت، كان خافيير فيدانا يتأمل صعود "بريتيوم" في أثناء تناوله الغداء في مطعم مكسيكي في ليتشفيلد بارك، إحدى ضواحي غرب فينيكس، على بُعد 30 ميلاً في سكوتسديل، إذ اجتمع مديرون تنفيذيون في مجال تأجير المنازل المستقلة، في مؤتمر يحتسي بعضهم كوكتيلاً بقيمة 70 دولاراً وهو ينظر من النافذة، إذ تُناقَش حلول بشأن ما وصفه أحد المقرضين بأنه مبلغ "وفير أو زائد" من تدفق رأس المال إلى قطاع الأعمال الخاص بهم.

عمليات الشراء مستمرة

أبطأت "ياماسا" مشترياتها في فينيكس، لكن شركة "مولين" لا تزال قوة لا يستهان بها محلياً، إذ استحوذت الكيانات الخاصة بشركة "بريتيوم" على 5% على الأقل من كل مشتريات المنازل في 17 رمزاً بريدياً في منطقة فونيكس العام الماضي، وفقاً لتحليل أجرته شركة "ريدفين" (Redfin Corp).

يعلق فيدانا بأنه من الصعب القول ما إذا كان ذلك أكثر من اللازم، وقال: "هل هذا خطأ؟ إنه مجتمع رأسمالي، فما الخطأ حقاً؟".

نشأ فيدانا في منطقة ماريفال القريبة، التي طورتها مجموعة تضم فيكتور غروين، المهندس المعماري الذي كان رائداً في تصميم مراكز التسوق المغلقة. وعندما كان عمره 21 عاماً قبل 8 سنوات من الآن اشترى هو وزوجته منزلهما الأول باستخدام قرض بدفعة مقدمة منخفضة. بلغ قسط الرهن العقاري الخاص بهما 600 دولار شهرياً، إذ كان منزلهما قديماً ومن دون تكييف مركزي، لكنها كانت البداية.

سمح ارتفاع أسعار المنازل للزوجين الشابين، ببيعه والانتقال إلى منزل أفضل بعد عامين. اشتريا وباعا مرة أخرى في عام 2018، وانتقلا إلى جانب آخر من المدينة يتمتع بمنطقة تعليمية أفضل، وبأشجار الحمضيات الموزعة في الشوارع. قد لا تنجح تلك الطريقة مع كل أسرة، لكنها نجحت معه. فقد ساعدت هذه الطريقة فيدانا في الشراء عندما كانت السوق في أدنى مستوياتها، تماماً كما كانت الحال مع "بريتيوم".