شركة تكنولوجيا مالية برازيلية تهوي بعد رحلة نجاح دعمها "بافيت"

أندريه ستريت
أندريه ستريت المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تمتع رجلا الأعمال؛ أندريه ستريت، وإدواردو بونتيس، بنجاح هائل منذ تأسيس شركتهما "ستون كو" (StoneCo) قبل أقل من 10 سنوات. لقد غيرا الطريقة التي تتعامل بها الشركات في كل أنحاء البرازيل مع المدفوعات، لتحاكي شركة "سكوير" (Square) الأمريكية التي أسسها جاك دورسي.

جذب ستريت وبونتيس المستثمرين، بما في ذلك شركة "بيركشاير هاثاواي" (Berkshire Hathaway) المملوكة للملياردير وارن بافيت، إلى جانب عائلتي جاك ما، ووالتون، وأصبحا من أصحاب المليارات قبل بلوغهما سن الـ40.

أدى نجاحهما أيضاً إلى دعم الطموحات لتغيير الطريقة التي يتم بها العمل المصرفي، ليس في البرازيل فقط؛ ولكن في دول أخرى مثل: البرتغال، والمملكة المتحدة، والشرق الأوسط.

اقرأ أيضاً: رهان بافيت على شركات التجارة اليابانية يُؤتي ثماره مع أرباح قياسية

بعد ذلك؛ بدأ كل شيء يسير في الاتجاه الخاطئ، ثم ازداد الأمر سوءاً، ليبلغ مرحلة تدهور كبير.

بعد تألقها في مجال المدفوعات؛ سلطت شركة "ستون" أنظارها على ما رأت أنَّه مشروع أكثر ربحية، ألا وهو الإقراض. فعلى مدى السنوات القليلة الماضية؛ بدأت الشركة إقراض الأموال لصغار ومتوسطي العملاء في جميع أنحاء البرازيل، لكنَّها قللت من تقدير المخاطر المتمثلة في ارتفاع التضخم، والجائحة العالمية، وسلسلة الزيادات الحادة في أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي، وعودة الاقتصاد إلى مربع الركود. ارتفعت حالات التعثر في السداد، مما أجبر الشركة على التوقف عن تقديم القروض في العام الماضي.

اقرأ المزيد: "بيركشاير" تخفض استثماراتها في "فيزا" و"ماستركارد" وبعض شركات الأدوية

منذ ذلك الحين؛ تفاقمت المشكلات، ونفد صبر المستثمرين. وهوت أسهم الشركة، التي تتخذ من ساو باولو مقراً لها، بنحو 88% في العام الماضي حتى يوم الخميس في تعاملات بورصة نيويورك، وهو ما أدى إلى محو 25.6 مليار دولار من القيمة السوقية للشركة.

درس للشركات الأخرى

كانت الشركة واحدة من أسرع شركات تكنولوجيا الدفع نمواً في العالم ذات يوم، وأصبحت الآن مثالاً للتحذير من مخاطر محاولة التفوق على البنوك القديمة التي سيطرت على الأسواق على مدى عقود.

اقرأ أيضاً: البرازيل ترفع سعر الفائدة للمرة الثالثة في أجرأ دورة تشديد للسياسة النقدية

قال مالكولم دورسون، مدير الاستثمار في "ميراي آسيت غلوبال إنفستمنتس" (Mirae Asset Global Investments) في نيويورك: "إنَّه درس لكل البنوك الرقمية والمنصات المماثلة في البرازيل". وأضاف أنَّ "ستون" كانت "الأفضل" بين شركات التكنولوجيا المالية في أمريكا اللاتينية، لكنَّ "الأزمات الأخيرة أضرت بمصداقية الشركة".

تعرضت شركات برازيلية ناشئة أخرى في مجال الدفع لأزمات، فقد انخفضت أسهم شركة "باغسيغورو ديجيتال" (PagSeguro Digital)، وهي أكبر منافس لشركة "ستون"، بنسبة 73% خلال الاثني عشر شهراً الماضية. يسيطر الملياردير لويس فرياس (58 عاماً) على الشركة التي توسعت أيضاً في مجال الخدمات المصرفية.

تطور السوق

في الوقت الذي أعادت فيه شركات التكنولوجيا تشكيل التمويل في جميع أنحاء العالم، كان تأثيرها مهماً بشكل خاص في أمريكا اللاتينية، إذ تعاني المنطقة، التي يزيد عدد سكانها قليلاً على 8% من سكان العالم، من الخدمات المصرفية باهظة الثمن، وتهيمن عليها التكتلات. وساعد المستثمرون العالميون، بما في ذلك "سوفت بنك غروب" (SoftBank Group Corp)، وشركة "بيركشاير"، في تعزيز نمو المنافسين الجدد.

أحرزت شركة "ستون" تقدّماً في البداية من خلال تقديمها للقطاعات التجارية، طريقة أرخص وأسهل لقبول المشتريات بالبطاقات. ووفّرت الشركة نافذة على مقدار ما تجنيه هذه الشركات، مما سمح لـ"ستون" بتقدير إيراداتها المستقبلية، وتقديم قروض بناءً على تلك التوقُّعات، على أن يتم في المقابل، استخدام مستحقات بطاقات الائتمان لتسوية الديون.

بدا الأمر بالنسبة إلى "ستون"، وكأنَّه طريقة سهلة لتحصيل المزيد من الإيرادات من أكثر من 1.4 مليون عميل، لكنْ سرعان ما جاء ذلك بنتائج عكسية؛ فقد تعرّضت البرازيل لمزيج من جائحة "كوفيد-19"، وارتفاع متواصل لأسعار الفائدة والتضخم.

التهرب من سداد القروض

في غضون ذلك، بدأت قطاعات الأعمال في التحوّل إلى شركات مدفوعات أخرى، وهو ما يعني أنَّه لم يعد بإمكان "ستون" الوصول إلى مشتريات بطاقاتها. بالإضافة إلى ذلك؛ قال الرئيس التنفيذي تياغو بياو، في بيان عبر البريد الإلكتروني، إنَّ النظام على مستوى القطاع ككل، والذي اعتقدت "ستون" أنَّه سيكون بمثابة صمام أمان؛ لم يعمل بشكل صحيح. وأضاف: "ضغطت عمليات الإغلاق على التدفقات للكثير من الأعمال التجارية، والتي سعت في كثير من الأحيان إلى إيجاد طرق لعدم سداد القروض التي حصلت عليها".

كشفت الشركة عن الأضرار التي تعرضت لها في شهر أغسطس، أثناء الإعلان عن نتائج أعمالها في الربع الثاني، كما أعلنت أنَّها أوقفت الإقراض. وقال بياو، إنَّ فرصة تقديم القروض "ما تزال قائمة"، وإنَّه يتم إجراء التعديلات لاستئنافها مرة أخرى.

مع ذلك؛ لن يكون الأمر سهلاً، إذ تزداد السوق تنافسية، في وقت يتجه أيضاً اقتصاد البرازيل إلى الانكماش المحتمل في عام 2022.

بالنسبة إلى كل من ستريت (37 عاماً) وبونتيس؛ فإنَّ العودة إلى العمل تتطلب أكثر من ثروتهما الشخصية.

استخدم ستريت وبونتيس جزءاً كبيراً من عائدات بيع الأسهم الذي قاما به منذ الطرح العام الأولي لشركة "ستون" في عام 2018، لدعم مشاريع دفع أخرى، مثل "سولت باي" (SaltPay)، التي تعمل في أوروبا وجنوب أفريقيا، وتتوسع في الشرق الأوسط. بونتيس؛ هو الرئيس التنفيذي للشركة، التي قدِّرت قيمتها بنحو 9 مليارات دولار خلال جولة التمويل الأخيرة، وفقاً لما ذكره شخص مطلع على الأمر.

عاصفة قوية

تخلى كل من ستريت وبونتيس عن أدوارهما اليومية في "ستون" في السنوات الأخيرة، وانتقلا إلى مجلس إدارة الشركة. وشغل ستريت منصب رئيس مجلس الإدارة، لكنَّه قال، إنَّه تولى المسؤولية عن اجتماعات المستثمرين الرئيسية عندما اندلعت الأزمة. وأضاف أنَّ الشركة تراجعت عن الإقراض.

قال خوسيه أوغوستو ألبينو، مؤسس شركة "كاتارينا كابيتال" (Catarina Capital) التي تعمل في مجال التكنولوجيا: "تواجه (ستون) عاصفة حقيقية، ولكن كان ينبغي عليها أن تقوم بعمل أفضل في التواصل".

ساورت الشكوك بعض مُحبي شركة "ستون" القدامى، كمحللي "غولدمان ساكس" و"بانكو بي تي جي باكتشوال" (Banco BTG Pactual)، و"يو بي إس غروب" (UBS Group)، الذين كانوا قد أوصوا بشراء أسهم الشركة منذ الاكتتاب العام الأولي قبل ثلاث سنوات، إذ خفّضوا جميعهم هذا التصنيف في الأشهر الأخيرة، الأمر الذي انعكس سلباً على تقديرات الأرباح.

ذكر محللو "بي تي جي" بقيادة إدواردو روزمان، في تقرير صدر في 28 نوفمبر: "سيظل الطريق وعراً خلال الاثني عشر شهراً المقبلة، إذ تستغرق استعادة الثقة وقتاً، ويجب أن يتم ذلك بخطوات صغيرة".

قال بياو، إنَّ أسهم "ستون" تعكس "بيئة الأعمال في البرازيل، بمعدلات أعلى واقتصاد مليء بالتحديات، ولا علاقة لها بمصداقية مؤسسي الشركة".

أدت كارثة "ستون" إلى جعل بعض المستثمرين أكثر تشككاً على نطاق واسع في مجال التكنولوجيا المالية في أمريكا اللاتينية. فبعد سنوات من النمو السريع وجذب العملاء؛ بغضِّ النظر عن التكاليف، هل ستتمكّن الشركات الناشئة من بيع منتجات أكثر ربحية مثل الائتمان لهؤلاء العملاء؟

قال دورسون: "في هذا الشأن، نرى أنَّ القول، أسهل من الفعل".