ارتفاع النفط فوق 100 دولار قد يضر بالتحول إلى الطاقة النظيفة

حقل نفطي تابع لشركة "روسنفت" الروسية قرب قرية سوكولوفاكا في جمهورية أودمورت في روسيا، في نوفمبر 2020
حقل نفطي تابع لشركة "روسنفت" الروسية قرب قرية سوكولوفاكا في جمهورية أودمورت في روسيا، في نوفمبر 2020 المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في ظل ارتفاع تكلفة برميل النفط فوق 100 دولار، واندلاع حرب روسيا في أوكرانيا التي تبرز خطر الاعتماد على الوقود الأحفوري، فقد يظهر أنَّ الوقت مناسب للإسراع بعملية التحوّل بعيداً عن الوقود الملوّث للبيئة. على أرض الواقع لا يعتبر الأمر بهذه البساطة.

يُعد الدعم الحكومي للجهود المناخية أكبر من أي وقت مضى في غالبية البلدان، بيد أنَّ هذا لا يخفف الألم الاقتصادي عندما تزداد تكلفة كل شيء، بدءاً من الغذاء ووصولاً إلى النقل. قال تشارلي دونوفان، أستاذ التمويل الزائر في جامعة واشنطن: "يعد هذا الجانب سلبياً تعيساً بالنسبة إلى الاقتصاد الذي لدينا، والمعتمد على استخدام الوقود الأحفوري".

اقرأ أيضاً: عقوبات روسيا تُربك أسواق الطاقة وتشعل أسعار النفط مجدداً

هذه الاعتمادية تترك أي حالة عدم توازن بين العرض والطلب، مصدراً لحدوث تقلبات في الأسعار، بما فيها الارتفاع في الوقت الراهن. في سنة 2020؛ تخلت شركات النفط العملاقة بطريقة هائلة عن الاستثمارات في عملية رفع مستوى الإنتاج، وذلك بناء على فرضية أنَّ عمليات الإغلاق الناجمة عن تفشي وباء "كوفيد-19" سينتج عنها تراجع في الطلب على منتجاتها. بيد أنَّ توزيع اللقاحات بطريقة سريعة في الدول المتقدمة، أسفر عن تعافٍ جاء أسرع من المتوقَّع، فضلاً عن عجز في الإمدادات.

اقرأ المزيد: أسعار النفط المرتفعة نعمة لميزانيات المُصدِّرين الخليجيين

في الوقت الحاضر، زاد غزو روسيا لأوكرانيا من المخاطر التي تهدد إمدادات النفط، مع تصاعد العقوبات الاقتصادية. يقول المحللون، إنَّه كلما طال أمد الحرب؛ زادت فرصة بقاء سعر النفط فوق مستوى 100دولار.

اقرأ أيضاً: أنباء الاتفاق الإيراني تدفع أسعار النفط للهدوء..والمواد الأولية تواصل الارتفاع

عوامل سابقة

هناك نظرية أخرى تقوم على أنَّ شركات النفط، ربما كانت تضخ استثمارات بقدر أقل في عملية زيادة الإنتاج على مدى العقد الماضي، وهو ما زاد من ارتفاع الأسعار لتسجل مستويات أعلى، نظراً لأنَّ مستثمري تلك الشركات يمارسون ضغوطاً عليها لكي تصبّ تركيزها على الطاقة الخضراء. برغم ذلك؛ ليس هناك إجماع على هذه النظرية. قال إد مورس، الرئيس العالمي لوحدة أبحاث السلع الأساسية لدى "سيتي غروب": "حتى بعد طرح الضغط المتصاعد الذي تضيفه الحرب جانباً؛ فإنَّ زيادة أسعار النفط تعود كلياً إلى الأمور التي حدثت خلال فترة تفشي الجائحة". لكن، ماذا تعني تكاليف النفط المرتفعة بالنسبة إلى عملية التحول نحو طاقة نظيفة في المستقبل؟

تتمثل واحدة من بين الحجج في أنَّ صعود أسعار الوقود الأحفوري، يعتبر مسألة جيدة - قد تُحفّز المستهلكين على التحول إلى سيارات أكثر كفاءة في استهلاك الوقود أو سيارات كهربائية، والقيام بعدد أقل من الرحلات الجوية، ودراسة استبدال الغلايات التي تعمل بالنفط.

السياسات الحكومية

ينطبق الأمر ذاته على صنّاع السياسات. قالت آيمي مايرز جافي، رئيسة "مختبر سياسة المناخ" في جامعة "تافتس": "عندما يزداد سعر النفط إلى مستوى مرتفع للغاية؛ تضع الحكومات سياسات للابتعاد عن النفط". ويعد هذا أيسر حالياً بالمقارنة بما كان عليه الحال في فترات زيادة الأسعار السابقة. كانت المرة الأخيرة التي تجاوز فيها سعر النفط 100 دولار للبرميل قبل عقد من الزمن، عندما كانت الطاقة النظيفة ما تزال باهظة التكلفة، ولم تكن السيارات الكهربائية ذات الأسعار المعقولة بادية للعيان، ولم تكن هناك دول موقِّعة على "اتفاقية باريس" للمناخ.

برغم ذلك، أبطأت الطاقة النظيفة فقط من نمو الطلب على الوقود الأحفوري، ولم تسفر بعد عن تراجع ملموس في استهلاك النفط في غالبية البلدان. يعود ذلك إلى أنَّ استبدال البنية التحتية المستهلكة للوقود الأحفوري يحتاج إلى وقت طويل. مع الأخذ في الاعتبار ما يجري في النرويج، إذ كان 65% من إجمالي السيارات المباعة في سنة 2021 تعمل بالكهرباء، وبرغم ذلك؛ هبط الطلب على النفط بنسبة بلغت أقل من 10% منذ سنة 2013. علاوة على ذلك، يوجد طلب متنامٍ لدى البلدان النامية التي تحتاج إلى طاقة أكثر من أجل تقوية الاقتصادات النامية.

ضرر ارتفاع الأسعار

يقول بوب مكنالي، رئيس مجموعة "رابيدان إنرجي" (Rapidan Energy Group)، إنَّ هناك طرقاً عديدة يمكن من خلالها لأسعار النفط المرتفعة أن تلحق الضرر بالتحول إلى الطاقة النظيفة.

لندرس ما جرى في سنة 2021. مع بلوغ سعر الغاز الطبيعي مستويات قياسية في أوروبا؛ ضخت الحكومات مليارات الدولارات في صورة دعم للتأكد من أن تظل الطاقة في متناول الجميع. في نهاية المطاف ذهبت غالبية هذه الأموال إلى جيوب شركات الوقود الأحفوري، التي أعلنت عن أرباح هائلة. لم تحقق شركات توليد الكهرباء من مصادر طاقة خضراء، والتي من المعتاد أن تكون محصورة في نطاق أسعار تعاقدات طويلة الأمد، أرباحاً بنفس قدر أسعار الكهرباء التي بلغت عنان السماء. حالياً، وعقب صعود الأسعار مرة أخرى جراء اندلاع الحرب في أوكرانيا؛ يدرس أكبر بلدين في أوروبا من المستوردين للغاز الروسي؛ وهما ألمانيا وإيطاليا، زيادة تشغيل محطات توليد الكهرباء باستخدام الفحم، حتى مع بنائهما المزيد من مصادر الطاقة المتجددة على المدى البعيد.

أما في الولايات المتحدة؛ فإنَّ مؤيدي المناخ المتحفزين أيضاً، دعوا إلى زيادة إنتاج النفط الصخري بتقنية التكسير الهيدروليكي لمواجهة زيادة أسعار البنزين. ووجّه الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي شارك في برنامج جريء للتحرك الأخضر، النداء لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) من أجل ضخ نفط أكثر، حتى في الوقت الذي أيد فيه فرض المزيد من التدابير في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ "كوب 26" (COP26).

ضغوط التضخم

كما يسفر تصاعد أسعار النفط عن تزايد معدلات التضخم، وهو ما قد يضطر البنوك المركزية إلى زيادة أسعار الفائدة الأساسية. يرفع هذا من تكلفة رأس المال للجميع -بما في ذلك شركات الطاقة المتجددة، التي يتعين عليها دفع المزيد للاقتراض، لتغطية التكاليف الأولية العالية لبناء محطات طاقة الرياح والطاقة الشمسية. من المفترض أن يلحق ذلك الضرر بشركات النفط أيضاً، بيد أنَّ العوائد العالية تعني أنَّها في حاجة بقدر أقل إلى الحصول على تمويل من خلال أسواق الدين.

في الوقت الراهن، تتمثل المعضلة الأكبر لأسواق النفط فيما يجري بأوكرانيا. في حال هدأت الأوضاع؛ فإنَّ جافي وماكنالي ومورس يتوقَّعون أن تتراجع الأسعار على الأرجح إلى مستوى أقل من 100 دولار في وقت لاحق من السنة الجارية. ما الذي سيحدث بعد ذلك؟

توقعات متباينة

بالنسبة إلى جافي؛ فإنَّها تتوقَّع هبوط الأسعار، وأن تواصل تراجعها. وتقول، إنَّ إنتاج النفط سيزداد وسيواكب الطلب. من المفترض أن يكون هذا في مصلحة تحول الطاقة؛ لأنَّه يوفر الثقة للمستثمرين. بيد أنَّه ربما يكون بمثابة أمر سيئ لتحول الطاقة، في حال بات الناس على قناعة بالسردية القائمة على أنَّ زيادة الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة ستسفر عن تراجع الاستثمارات في الوقود الأحفوري، ومن ثم ستتسبّب في صعود أسعار الطاقة مرة أخرى. قالت: "برغم أنَّ هذا لا يعد صحيحاً من وجهة نظري؛ إلا أنَّه يخلق وعياً بالواقع على الأرض".

من جهته؛ يتوقَّع مورس أن تصبح التقلبات في الأسعار هي القاعدة، ويقول، إنَّه سيتوجب على الحكومات التدخل لإبقاء الأسعار تحت السيطرة. قال: "ستكون عملية تحول الطاقة، بحسب ما يقوله بعض الناس، طريقاً صعبةً". وأضاف: "هذه بمثابة كناية عن التغير بطريقة تخريبية. وعندما تحصل على شيء يؤدي إلى حدوث اضطراب؛ فإنَّه سيسفر عن حدوث تشرذم، سواء داخل البلدان، أو تشرذم فيما بين البلدان".

أما ماكنالي؛ فيتوقَّع انتعاشاً قادماً، إذ تنهار أسعار النفط في البداية، لترتفع بعد ذلك إلى نحو 150 دولاراً للبرميل ربما مع حلول سنة 2024 أو 2025. يقول، إنَّ السياسات الحكومية ستدفع بالفعل باتجاه تقلص الطلب على النفط، وهي مسألة يتوقَّع ماكنالي أن تحقّقها أوروبا. بيد أنَّ ذلك، لا ينطبق على الولايات المتحدة أو الصين.

هذه مجموعة كبيرة للغاية من الاحتمالات، وهذا لا يعد أمراً جيداً على الإطلاق بالنسبة إلى المستثمرين. قال دونوفان من جامعة واشنطن: "في الأمد البعيد؛ سيشكّل التخلص من الوقود الأحفوري الحل الوحيد للخروج من براثن هذا التقلب". بيد أنَّ أسعار النفط العالية في الوقت الحاضر، "تُسبّب الضرر، وتقود صنّاع السياسات بطريقة منطقية إلى تأجيل القيام بالأنواع المختلفة من عمليات الإنفاق الضرورية لإجراء عملية التحول".