مخاطر صدمات النفط باتت "كابوس" البنك المركزي الهندي

ينطلق سائق دراجة نارية من محطة غاز بهارات بتروليوم في بنغالورو، الهند.
ينطلق سائق دراجة نارية من محطة غاز بهارات بتروليوم في بنغالورو، الهند. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

من المحتمل أن يجبر تأثير الحرب في أوكرانيا على سلاسل التوريد العالمية البنك المركزي الهندي على رفع توقعاته لمعدلات التضخم، بيد أنه ربما يترك له نطاقاً محدوداً لتشديد السياسة النقدية في ظل توقعات النمو العالمي المتدهورة، بحسب خبراء اقتصاديين.

من المُحتم أن يغذي الصعود الهائل لأسعار النفط الخام وزيت الطهي التضخم الرئيسي، والذي تخطي بالفعل الحد الأقصى المسموح لنطاق البنك الاحتياطي الهندي المستهدف الذي يتراوح بين 2% و6%. بينما ألقى بنك الاحتياطي الهندي باللوم على أزمات العرض فيما يتعلق بالزيادة، ستؤثر الأسعار المرتفعة رغم ذلك على دخل المستهلكين المتاح للإنفاق، وهو بمثابة العمود الفقري للاقتصاد الذي لم يبدأ مرحلة الإنفاق الكاملة عقب تفشي وباء فيروس كورونا.

الروبية الهندية تهوي مع الأسهم إلى مستوى قياسي بعد صعود أسعار النفط

الكابوس

قال أنانث نارايان، كبير محللي الهند لدى "أوبزيرفاتوري غروب" (Observatory Group)، وهي شركة تقديم خدمات الاستشارات الاقتصادية والسياسية: "يُعد ذلك بمثابة كابوس لصناع السياسات – في ظل مخاطر الارتفاع المتواصل في معدلات التضخم، إلى جانب تسجيل نمو غير متوازن وبمعدل غير كاف تماماً".

ومع تخطي أسعار النفط الخام مستوى 100 دولار للبرميل في ظل الاضطرابات الجيوسياسية، يتوقع نارايان أن يبلغ معدل تضخم التجزئة 6% في المتوسط خلال العام المالي القادم الذي يبدأ في شهر أبريل المقبل- بدلاً من توقعات الاحتياطي الهندي البالغة 4.5%. من المتوقع أن تسمح الهند، التي تعوّل على الواردات للوفاء بحوالي 85% من متطلباتها النفطية، بزيادة أسعار البنزين في محطات الوقود بمجرد الانتهاء من الانتخابات الحكومية الرئيسية خلال الشهر الجاري.

"أكسفورد": الأزمة الأوكرانية قد ترفع التضخم فوق 6% في الهند

قالت سوميا كانتي جوش، خبيرة الاقتصاد في بنك الهند الوطني (State Bank of India): "من المرجح أن تتجه أرقام التضخم التي تعتمد فقط على أسعار النفط صوب مستويات أعلى في حال قررت الحكومة تمرير حتى نصف التأثير الناجم عن ذلك".

تشير تقديرات سوغاتا بهاتاشاريا، كبير خبراء الاقتصاد في "أكسس بنك" (Axis Bank) إلى أن صعود أسعار مبيعات التجزئة للبنزين والديزل وغاز البترول المسال بـ10% قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار المستهلكين الرئيسية بـ50 - 55 نقطة أساس على مدى السنة.

العجز

ورغم ذلك، ربما يتجنب البنك المركزي زيادة أسعار الفائدة، لأنه يعمل على التوفيق بين أدواره في مكافحة ارتفاع معدلات التضخم ودعم النمو وإدارة إصدارات السندات الحكومية. أخلّت تقلبات السوق العالمية عقب غزو روسيا لأوكرانيا بالفعل بحساب الميزانية في الهند، وهو ما نجم عنه مخاوف من أن الإدارة ربما تكون في حاجة إلى الاعتماد على مزيد من القروض لتعويض أي عجز.

تعيد حكومة رئيس الوزراء، ناريندرا مودي التفكير في توقيت الطرح المقترح لحصتها في شركة "لايف إنشورانس" (Life Insurance)، وهو ما قد يسفر عن حرمانها من الإيرادات، ويقود لارتفاع عجز الموازنة الذي يُعدُّ بالفعل ضمن الأكبر على مستوى العالم.

رغم أن الهند منعت، في الوقت الراهن، القيام بمزيد من الاقتراض خلال السنة المالية من أجل سد العجز، إلا أن خطة ديونها للسنة المالية التي ستنطلق مع مطلع شهر أبريل بلغت مستوى قياسياً، وهو ما يترك وجود سعر الفائدة الأساسي أرخص مسألة حتمية.

قال سومياجيت نيوغي، المدير المساعد في شركة "إنديا ريتينجز أند ريسيرش": "سيولد الصعود الهائل في أسعار الطاقة والتأثير على أسعار السلع الأخرى مزيداً من التحديات لديناميكيات النمو والتضخم". وأوضح: "رغم أنه مايزال لدى البنوك المركزية حول العالم إمكانية اللجوء إلى تشديد السياسة النقدية، فمن المتوقع على الصعيد المحلي أن يُبقي بنك الاحتياطي الهندي على سياسة الانتظار والترقب".

مخاطر أكثر

لم يَعد خام النفط المعضلة الوحيدة. حيث أدى بلوغ أسعار زيت الطهي مستويات قياسية في الأسواق العالمية إلى تعقيد مهمة صنّاع السياسات. بدأ الصعود الهائل في أسعار السلع الأساسية في الانعكاس على الأسعار في النطاق المحلي، في ظل زيادة أسعار زيت الطهي، لا سيما زيت عباد الشمس، بما يبلغ 25 روبية (33 سنتاً) لكل لتر. تشكل أوكرانيا وروسيا معاً نحو 80% من شحنات زيت عباد الشمس حول العالم.

الهند تتعهد باستخدام احتياطيات النفط لتهدئة الأسعار

تمت مراجعة أسعار غاز البترول المسال التجاري لأعلى بحوالي 105 روبيات مع مطلع الشهر الجاري، بينما تشير التوقعات إلى أن أسعار غاز الطهي ستشهد زيادة كبيرة في شهر أبريل القادم. زادت العلامة التجارية الشهيرة لمنتجات الألبان في الهند "أمول" من أسعار الحليب بحوالي روبيتين لكل لتر خلال الشهر الحالي، بحجة صعود تكاليف الطاقة والتعبئة والخدمات اللوجستية وأعلاف الماشية. في هذه الأثناء، تشير شركات الأجهزة المنزلية إلى أن تفاقم اضطرابات سلاسل التوريد سيؤدي إلى زيادة الأسعار.

من الممكن أن تُسفر أزمة أسعار النفط الخام عن خفض في النمو الاقتصادي الهندي بما يصل إلى 60 نقطة أساس، بحسب أنوبهوتي ساهي، كبير خبراء الاقتصاد المختصين بمنطقة جنوب آسيا في "ستاندرد تشارترد" والذي يقع مقره في مومباي.

رغم وجود ضغوطات الأسعار، أبقى بنك الاحتياطي الهندي على النهج التيسيري بهدف تعزيز النمو، وهو ما تسبب في انتقادات من قبل بعض الجهات بأنه ربما يتخلف عن الركب. قال جايانث راما فارما، المخالف الوحيد وسط صُنّاع السياسة النقدية في الهند، إن مصداقية البنك المركزي حيال استهداف معدلات التضخم باتت مهددة في حال استمر في السياسة التيسيرية لمدة زمنية طويلة.

رغم ذلك، قال محافظ البنك، شاكتيكانتا داس في خطاب ألقاه يوم الجمعة إن تحرك "الاحتياطي الهندي" جاء بما يتوافق مع ديناميكيات النمو ومعدلات التضخم المحلية.