مصانع الصلب المملوكة لأغنى رجل في أوكرانيا تتحول لملاجئ لموظفيها

مصنع "أزوفستال" للصُلب" والذي تشغّله مجموعة "ميت إنفست" في "ماريوبول"
مصنع "أزوفستال" للصُلب" والذي تشغّله مجموعة "ميت إنفست" في "ماريوبول" المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تركّز شركة "ميت إنفست هولدنغ" (Metinvest Holding LLC) في الظروف العادية على صناعة وبيع الصُلب، لكن أوكرانيا تعيش هذه الأيام وضعاً استثنائياً.

أمس السبت وجّه يوري ريجينكوف، الرئيس التنفيذي للشركة، تركيزه على محاولة أخرى لإيصال المساعدات الإنسانية إلى مدينة ماريوبول على الساحل الشرقي لأوكرانيا، والتي حوصرت بالقصف الروسي على مدار الأسابيع الماضي. وغادرت قافلة تضم شاحنات إغاثة وحافلات فارغة للتو، مصنع الصُلب التابع للشركة في "زابوريجيه"، في رحلة ذهاب وعودة تبلغ 460 كيلو متراً (285 ميلاً).

أعرب "ريجينكوف" عن تفاؤله هذه المرة بأن الأمر سيكون مختلفاً، حيث سيُسمح للقافلة بالمرور، ولن تُستهدف بإطلاق النار عليها. وقال إن قساوسة من الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، التي تتبع رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في موسكو، شاركوا في الجهود، و"سوف يتقدمون مسيرة القافلة بشكل أساسي".

اقرأ أيضاً: إنفوغراف.. هل يصمد اقتصاد أوكرانيا في مواجهة الحرب؟

وتوجّه الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي بالشكر إلى القساوسة في كلمة ألقاها، ونشر مكتبه مقطع فيديو لهم وهم يباركون جهود الإغاثة، بينما كانت القافلة تستعد لمغادرة "زابوروجيه". من جانبها، قالت نائبة رئيس الوزراء الأوكرانية، إيرينا فيريشوك، إن القافلة التي كانت تحمل الماء والغذاء والدواء تم إيقافها في وقت لاحق عند نقطة تفتيش وستواصل رحلتها اليوم الأحد.

تحتضن مدينة "ماريوبول" مقر "ميت إنفست"، حيث كانت الشركة تركّز على وضع الخطط للمستقبل خلال الفترة التي سبقت اندلاع الحرب.

40 ألف موظف

تتبع الشركة في ملكيتها رينات أحمدوف، وهو أغنى رجل في أوكرانيا، وتمتلك مصنعين كبيرين للصُلب بالمدينة، بالإضافة إلى منشآت أخرى، ويعمل بها 40 ألف شخص. وكان عمدة المدينة مديراً سابقاً لـ"ميت إنفست"، وعندما سيطرت مجموعة من الأفراد الموالين لروسيا على المدينة لفترة وجيزة في عام 2014، أرسل مصنع الصُلب عماله في النهاية لإعادة ترتيبها.

على مدار الأسبوعين الماضيين، عاش أكثر من أربعة آلاف موظف وأفراد عائلاتهم في ملاجئ للحماية من القنابل أقامتها مصانع الصُلب بعد قصف مقار عملهم بنيران المدفعية من قبل الانفصاليين المدعومين من روسيا في عام 2015. ومنذ ذلك الحين، تم تزويد الملاجئ بالأطعمة والمياه والهواتف العاملة بالأقمار الصناعية.

اقرأ أيضاً: بعد الشيشان وجورجيا وسوريا.. خطة بوتين ربما تنتهي بتدمير أوكرانيا

قال "ريجينكوف" من العاصمة كييف، توضيحاً لسبب اختيار الموظفين للجوء إلى أراضي المصنع مترامية الأطراف باتجاه الطرف الشرقي للمدينة: "كانوا يبحثون أولاً عن الأمان، والآن دُمّرت الكثير من المنازل في ماريوبول".

وأضاف "ريجينكوف"، وهو خريج كلية لندن للأعمال، ويبلغ من العمر 45 عاماً: "كانت درجة الحرارة منخفضة هذا الأسبوع بين 8 إلى 10 درجات تحت الصفر. الوضع صعب للغاية هناك بدون تدفئة، وبدون كهرباء، لذا يعيش الناس حرفياً في الملاجئ ويحاولون تدفئة أنفسهم بأي طريقة ممكنة".

وأشار إلى أن الوضع على الأرض يتغير كل ساعة، لكن "منذ 30 دقيقة مضت"، ظلت المصانع وماريوبول على نطاق أوسع تحت السيطرة الأوكرانية.

غزو غير متوقع

في يناير الماضي، كان "ريجينكوف"، شأنه شأن كثيرين آخرين في ماريوبول، مقتنعاً بأنه لن يحدث غزو، وتحدث في ذلك الوقت عن خطط استثمار "ميت إنفست" بقيمة مليار دولار، بالإضافة إلى الخطط الاستثمارية للمصانع. ومنذ سقوط القذائف الأولى على "أزوفستال" في 24 فبراير الماضي، وهو أحد مصنعي الحديد والصُلب التابعين للشركة في ماريوبول، اختلف نطاق تركيزه تماماً.

اقرأ أيضاً: "النواب الأمريكي" يقر خطة إنفاق تتضمن مساعدات بـ13.6 مليار دولار لأوكرانيا

أُنفق الكثير لأول يومين في إغلاق هذه المصانع. وبحسب "ريجينكوف" فإنه: "إذا أصابت قنبلة أو صاروخ مصنعاً عاملاً، فإن ذلك ينطوي على خطر كبير للغاية من حيث حدوث كارثة تكنولوجية، لأن هناك الكثير من المواد الخطرة المستخدمة في الإنتاج".

واستغرق الأمر وقتاً أطول لإزالة مخزن للأمونيا من أحد المصانع، حيث ساد القلق من أنه يمكن، إذا استُهدف المصنع بقذيفة أو قنبلة، فسوف ينتج غاز الكلور شديد السُمّية.

بعد ذلك، تحوّلت المصانع إلى تصنيع كتل خرسانية لبناء الدفاعات ومصائد الدبابات، وتوزيع عوارض فولاذية على ورش العمل أسفل سلسلة التوريد التابعة للشركة لإنتاج المزيد، حتى أصبح القصف شديداً بحيث لا يستطيع العمال البقاء فوق الأرض.

أصابت المدفعية التي أطلقتها القوات الروسية والجماعات الموالية لروسيا، في منطقة دونباس، "أزوفستال" عدة مرات، ولم يعتقد "ريجينكوف" أن المصانع مستهدفة، بقدر ما كان القصف عشوائياً.

عندما قصفت الصواريخ الروسية أيضاً مطار زابوريزهيا، أوقفت الشركة مصنعها هناك، وفقاً لـ"ريجينكوف". وعندما بدأت القوات الروسية في التقدم نحو "كريفي ريه"، مسقط رأس زيلينسكي، قبل بضعة أيام، أغلقت "ميت إنفست" منجماً مفتوحاً لخام الحديد في المدينة. وأرسلت الشاحنات الضخمة المستخدمة في المنجم لإغلاق الطرق الرئيسية وإبطاء التقدم الروسي.

إيصال المساعدات

ينصب التركيز حالياً على إيصال الغذاء والمساعدات إلى المدنيين، لا سيما في المدن التي تعمل فيها "ميت إنفست". وفقاً لـ"ريجينكوف"، فإن مؤسسة "أحمدوف" (Akhmetov) التي أُنشأت في عام 2014، تعمل على توحيد المساعدات من جميع أنحاء أوروبا في منشآتها في بولندا وتقودها إلى زابوروزيهيا، حيث يتم إعادة تعبئتها للتوزيع.

في عام 2014، وجّهت انتقادات لـ"أحمدوف"، وهو مؤيد لحزب الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش، والذي فرّ من أوكرانيا إلى روسيا، بسبب نهجه بإرضاء جميع الأطراف بشأن قضية "دونباس". وفي الآونة الأخيرة، وصفه "زيلينسكي" قبل الغزو بأنه مشارك في مؤامرة انقلاب مزعومة، وإن كان عن غير قصد. ونفى "أحمدوف" أي صلة له بمثل هذا المخطط.

اقرأ أيضاً: الحرب في أوكرانيا تفاقم أزمة الجوع وتنذر بكارثة غذائية عالمياً

ووفقاً لـ"ريجينكوف"، فقد أُسيء تفسير معارضة طبقة الأوليغارشية لصراع "دونباس"، على أنها تناقض بشأن وضع المناطق الانفصالية. وقال: "منذ البداية كان (أحمدوف) يؤيد أوكرانيا الموحّدة، ومؤيداً لتبعية دونباس لأوكرانيا. في الوقت نفسه، كان مناهضاً للعنف".

يسود ماريوبول قلق من انفراد روسيا والانفصاليين بها، والذين يقاتلون في خنادق على بعد 20 كيلو متراً فقط من المدينة منذ عام 2015. وكانت المدينة بمثابة قاعدة أساسية للمدافعين الأوكرانيين.

يرى "ريجينكوف" أن ماريوبول، سرعان ما أصبحت بشكل مأساوي أقل غرابة في تكتيكات الحصار المستخدمة ضدها. وقال عن روسيا: "أي مواطن أوكراني اليوم هو بالنسبة لهم عدو. المقاومة تسود جميع أرجاء البلاد".