على الهند الحذر من السقوط في صفقة تبادل الروبية مقابل الروبل

روسيا تسعى لإقناع الهند بتبادل الروبية مقابل الروبل في المعاملات التجارية بينهما بعيداً عن الدولار
روسيا تسعى لإقناع الهند بتبادل الروبية مقابل الروبل في المعاملات التجارية بينهما بعيداً عن الدولار المصدر: أ.ف.ب
Andy Mukherjee
Andy Mukherjee

Andy Mukherjee is a Bloomberg Opinion columnist covering industrial companies and financial services. He previously was a columnist for Reuters Breakingviews. He has also worked for the Straits Times, ET NOW and Bloomberg News.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تسعى الهند لاستمرار علاقاتها التجارية مع روسيا، لعدة أسباب واقعية أكثر منها مجرد تصدٍّ لموقف الغرب.

ومن بين تلك الأسباب اعتماد نيودلهي بشدة على موسكو في المشتريات الدفاعية، تلك التبعية التي يصعب التخلص منها واستبدال الموردين الجدد بروسيا بين عشية وضحاها.

هذا بالإضافة إلى ما يُعلَن عنه من أن روسيا تقدم للهند خصماً قدره 35 دولاراً لبرميل النفط على أسعار خام الأورال الروسي عالي الجودة قبل الحرب، في الوقت الذي يمكن لواردات الطاقة الرخيصة أن تساعد رئيس الوزراء ناريندرا مودي في الحد من السخط المحلي المتزايد، نتيجة ارتفاع أسعار الوقود في المحطات.

روسيا تطرح على الهند نظام مدفوعات مقومة بالروبل بديلاً عن "سويفت"

الموقف يغضب الأمريكيين، لكنه ليس أكثر انتهازية من استمرار أوروبا في شراء الغاز الروسي، لأكثر من شهر، بعد غزو الرئيس فلاديمير بوتين لأوكرانيا.

التعامل بالروبل

وقد تواصل الهند اختبار مدى تسامح الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي معها إذا ما وافقت على تبادل الروبية مقابل الروبل، واستخدام النظام الروسي "إس بي إف إس" (SPFS) لتحويل الأموال، إذ سيكون بمثابة تحدٍّ مباشر لواشنطن، ولن يكون في مصلحة نيودلهي على المدى الطويل.

كانت روسيا قد اقترحت على حكومة مودي استخدام نظام "إس بي إف إس"، الذي تستخدمه البنوك الروسية لتحويل الأموال، بديلاً لنظام التحويلات المالية "سويفت" (SWIFT)، حسبما ذكرت "بلومبرغ نيوز".

بوتين: روسيا ستواصل ضخ الغاز مع التحول إلى الروبل

يُعَدّ "سويفت" أداة مهمة لمراقبة التحويلات، ويمكن عن طريقه فرض غرامات باهظة على البنوك العالمية، في حالة تحويلها الأموال لصالح كيان خاضع للعقوبات، كما يمثل منع البنوك من استخدام "سويفت" في حدّ ذاته عقوبة، نتيجة الاعتماد على النظام في كل مكان.

بالإضافة إلى ذلك، إذا كانت التسويات المالية مدفوعة بالدولار وجرت التسوية في نيويورك، بموجب نظام يُعرف باسم "تشيبس" (CHIPS)، فيمكن وقتها للولايات المتحدة أن تلحق أضراراً أكثر خطورة بتلك الكيانات، قد تصل إلى سجن الجناة.

وعلى المدى الطويل، يتعين على واشنطن إعادة تصور يعتمد على تعديل أو حتى الاستبدال بتلك القوة الشرطية المتمثلة في الثالوث: "سويفت" و"تشيبس" والدولار الأمريكي، نظاماً بديلاً أفضل وأسرع، مثل الدولار الرقمي الذي يُصمَّم بحيث يمكن استخدامه من العالم بأسره.

أما في الوقت الحالي، يتعين على الرئيس جو بايدن إحباط محاولات المنافسين الجيوسياسيين لتحطيم النظام القائم، قبل أن تتاح له الفرصة لتحديد وقيادة نظام جديد للمدفوعات العالمية في حقبة ما بعد "سويفت".

خطة الروبل مقابل الغاز تكشف سبب استبعاد "غازبروم بنك" من العقوبات

إذا نجح الاقتصاد الهندي صاحب الترتيب الحادي عشر عالمياً في إثناء العقوبات، فستكون الصين، ثاني أكبر اقتصاد، قادرة بالتأكيد على كسرها كما تشاء.

من السهل معرفة رغبة موسكو في تجاوز الهند لنظام "سويفت"، عقب منع البنوك الروسية من الوصول إلى الشبكة التي تتخذ من بروكسل مقراً لها، باستثناء "سبيربنك" (Sberbank PJSC) و"غاز بروم بنك" (Gazprombank)، التي يحتاج إليها الأوروبيون لإتمام معاملات استيراد الطاقة.

والسؤال الآن: ما الذي تحصل عليه نيودلهي في المقابل، غير النفط الرخيص والمعدات العسكرية مثل بطاريات نظام الدفاع الجوي "إس 400"؟ ليس هناك كثير، وإن كان فستخسر في المقابل أكثر.

الدولار أكثر سيولة

يغلب على تلك الصفقات أنها قصيرة الأجل، إذ تفتقر إلى تدفق السيولة التي يوفرها الدولار بشكل أساسي، فالدولار يُعَدّ وسيلة تبادل ومخزن للقيمة يقبلها كل الأطراف بحرّية، إلا إذا صادف وجودهم في روسيا، إذ لا يستطيع البنك المركزي الروسي الوصول إلى كثير من احتياطياته الأجنبية.

ومن دون سيولة تذبل التجارة، فعلى سبيل المثال اشترت الهند النفط من إيران بموجب إعفاء من العقوبات الأمريكية، عن طريق إيداع الروبية في البنوك الهندية، في المقابل استخدمت طهران الأموال لشراء الأغذية والأدوية من الهند.

ورغم ذلك، وبمجرد انتهاء الإعفاء، اضطرت الهند إلى التوقف عن استيراد النفط الإيراني، وبالتالي تضاءلت الأرصدة في الحسابات بالبنوك الهندية، وعادت الشركات الهندية إلى التوقف عن بيع الأرز أو السكّر أو الشاي لطهران لاحتمال عدم قدرتها على الدفع.

ولكن التجارة مع إيران كانت على الأقل مقومة بالروبية بالكامل. أما نظام التحويلات الروسي "إس بي إف إس" جرى تصميمه في الأساس للاستخدام محلياً في روسيا.

مجموعة السبع ترفض طلب بوتين الدفع بالروبل مقابل الغاز الروسي

وفي ظل اقتراح الاعتماد عليه في تسوية معاملات التجارة عبر الحدود، يمكننا افتراض أن موسكو ستفتح النظام لبنكين من الهند. وفي المقابل تفتح الهند حسابات مع بنكين في روسيا، من المرجح بشكل كبير أن يحصل المصدرون الروس على الروبية التي سيجري إيداعها في حسابات بنوكهم في الهند.

وبمجرد استخدام نظام التحويلات "إس بي إف إس" ستنتقل الأموال من نيودلهي إلى موسكو، وتمنح المكاتب الرئيسية للبنوك الروسية المصدّرين الروس والشركات المرتبطة بالدول الروبل. وفي المقابل سوف تتدفق التحويلات والمطالبات في الاتجاه الآخر في حالة الواردات الروسية من الهند.

سعر الصرف

سيكون هنا سعر الصرف أمراً مهماً. وبالعودة إلى الوقت الذي تبادلت فيه الهند التجارة مع الاتحاد السوفييتي سابقاً بنفس الطريقة، ذكرت ورقة بحثية للخبير الاقتصادي بروناب سين، نشرتها الهند في مارس 1990: "كان نظاماً معقداً للغاية لمعاملات العملة والسلع"، يجري خلاله ومن وراء الكواليس تحديد سعر صرف الروبل.

وسرعان ما انهار الاتحاد السوفييتي، وانخرطت الهند في أزمة ميزان المدفوعات، وفوجئ وقتها الطرفان بأنهما بحاجة إلى ما لا يمكن لأي منهما طباعته، وهو الدولار الأمريكي.

حتى لو ترك المسؤولون سعر الصرف تحدده الأسواق هذه المرة، فلن يكون واضحاً كيف ستجري تسوية المطالبات المالية الناشئة عن المعاملات التجارية بنهاية المطاف، إذ استوردت الهند بضائع من روسيا قيمتها تقارب 9 مليارات دولار العام الماضي، لكنها صدرت ما يزيد قليلاً على 3 مليارات دولار فقط.

فعلى المستوى الوطني قد تكون المبالغ ضئيلة، لكنها ستكون مهمة بالنسبة إلى البنوك التي تسهل هذه التجارة.

إذا استسلم الاتحاد الأوروبي لإنذار بوتين للدول "غير الصديقة"، وسمح لمشتري الغاز أن يدفعوا بالروبل، باستخدام حسابات في البنوك الروسية، فلن يكون هناك استثناء إذا قامت الهند بعمل مماثل، ولكن المبادرة واتباع نظام جديد في التعامل مع موسكو، حتى لو كان محكماً، ليس له أهمية من منظور جيوسياسي.

تعتبر الولايات المتحدة الهند الديمقراطية حليفاً محتملاً، ضمن تنافسها بين القوى العظمى مع الصين. إنها ليست علاقة عميقة بعد، وتتطلب بناء الثقة من كلا الجانبين.

وإذا كان امتناع نيودلهي عن إدانة عدوان بوتين في الأمم المتحدة أمراً عادياً، فإن دعم النظام الروسي في تجنب العقوبات أمر آخر، إذ تؤدي موافقة الهند على فتح نظام جديد للتحويلات المالية مع موسكو إلى عدم ثقة اقتصادات أكبر بكثير من روسيا في الهند التي تحتاج تلك الأسواق إلى انتقالها من حالة الدخل المتوسط ​​المنخفض إلى المستوى العالي المتوسط.

ويُعتبر هذا التحول أكثر أهمية لمصالحها الوطنية من خصم 35 دولاراً على النفط أو صفقة أسلحة بسعر مناسب.