هل يلهم عمّال مستودعات "أمازون" نظراءهم بتشكيل رابطة في الشركات الأمريكية؟

كريستيان سمولز، مؤسس اتحاد عمّال "أمازون" (ALU)، خلال مؤتمر صحفي خارج مكاتب مجلس علاقات العمل الوطنية في منطقة بروكلين في نيويورك، الولايات المتحدة، يوم الجمعة 1 أبريل 2022. صوّت العمّال في مستودع في نيويورك للانضمام إلى نقابة عمالية حديثة النشوء، وهو انتصار تاريخي يمنح العمال المنظمين موطئ قدم في عمليات الشركة في الولايات المتحدة، ويمكن أن يشجع العمال على الاقتداء بالخطوة لدى أرباب العمل الآخرين
كريستيان سمولز، مؤسس اتحاد عمّال "أمازون" (ALU)، خلال مؤتمر صحفي خارج مكاتب مجلس علاقات العمل الوطنية في منطقة بروكلين في نيويورك، الولايات المتحدة، يوم الجمعة 1 أبريل 2022. صوّت العمّال في مستودع في نيويورك للانضمام إلى نقابة عمالية حديثة النشوء، وهو انتصار تاريخي يمنح العمال المنظمين موطئ قدم في عمليات الشركة في الولايات المتحدة، ويمكن أن يشجع العمال على الاقتداء بالخطوة لدى أرباب العمل الآخرين المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

قبل عامين، في اليوم الذي قاد فيه كريستيان سمولز إضراباً للمطالبة بتوفير تدابير سلامة أفضل ضد فيروس "كوفيد" في مستودع لشركة "أمازون" في ولاية نيويورك، طردته الشركة، قائلة إنه هو نفسه من انتهك قواعد السلامة. كان هناك بعض الاحتجاجات المقلدة المنتشرة في جميع أنحاء البلاد بعد ذلك بوقت قصير، وتضررت العلاقات العامة للشركة، لكن قبضتها على علاقات العمل بدت سليمة إلى حد كبير. وبالنسبة إلى المدافعين عن العمل منذ فترة طويلة، بدا طرد سمولز مثالاً آخر على الفصل المُستهدَف الذي يحقق هدفه المتمثل في إخافة العمال الآخرين بعيداً عن التنظيم، حتى لو جرى عكسه.

عندما أعلن سمولز أنه سيحاول إنشاء رابطة جديدة ومحاولة تنظيم آلاف الموظفين في مكان عمله القديم في جزيرة ستاتن بنيويورك، بدا أن ذلك أيضاً مُقدَّر لتحقيق نتيجة مألوفة. فعلى مدار العقود القليلة الماضية كان مثل هذه الجهود في أبرز الشركات غير النقابية في أمريكا ينتهي دائماً بالفشل. وبدلاً من ذلك، حقق سمولز انتصاراً مدوياً. وفي الأول من شهر أبريل، عندما انتهى المجلس الوطني لعلاقات العمل من فرز الأصوات، فازت رابطة عمال شركة "أمازون" بنسبة 55% من الأصوات.

في أثناء جلسة الاستماع، رفع سمولز قبضة يده وقال أمام حشد من المؤيدين والمراسلين خارج مكتب الوكالة في بروكلين، قبل وقت قصير من فتح زجاجة شراب:

"نريد أن نشكر جيف بيزوس على ذهابه إلى الفضاء، لأنه في أثناء وجوده هناك كنا نجمع الأصوات".

تخيلَ عدد قليل فوز رابطة عمال "أمازون"، لكنها مفاجأة مذهلة قلبت الفكرة السائدة حول ما هو ممكن في هذه اللحظة في أمريكا، وما نوع هذه اللحظة. فإذا تمكنت "أمازون"، وهي شركة بارعة تتصدر القمة بين باقي الشركات، من الوصول إلى الأفضل بعد إنفاق 4 ملايين دولار العام الماضي على مستشاري علاقات العمل، فقد تكون الشركات الأخرى أكثر عرضة للتنظيم مما كانت تبدو عليه منذ فترة طويلة. وعلى الجانب الآخر، فإن هذا الإنجاز الذي حققته الرابطة، التي تمتلك أموالاً أقل بكثير وليس لديها سجلّ حافل مقارنة بقادة الرابطات السابقة، يعني أن قادة الحركة العمالية التي تقلصت منذ فترة طويلة في البلاد لديهم بعض حس البحث عن الذات للقيام به.

تقول سارة نيلسون، رئيسة رابطة عمال الاتصالات لمضيفات الطيران في أمريكا: "العمال أمامنا، وعلينا أن نركض للحاق بهم". فقد كانت حملتها لتوحيد شركة "دلتا إيرلانيز" (Delta) مدعومة بالفعل بتدفق الناشطين، والمستوحاة من الجهود في كل من "أمازون" و"ستاربكس"، إذ حقق العمال في عديد من المقاهي الآن انتصارات غير المتوقعة.

إجمالي راتب الرئيس التنفيذي لـ"أمازون" يصل إلى 212 مليون دولار في 2021

لا يزال أمام رابطة عمال "أمازون" الجديدة طريق شاق، فعادةً ما تقضي الرابطات التي تفوز في انتخابات المجلس الوطني للنقابات العمالية أكثر من عام في المفاوضات مع صاحب العمل قبل أن تتوصل إلى اتفاق بشأن المفاوضة الجماعية. ويُلزِم قانون الولايات المتحدة الشركات التفاوض بحسن نية مع الرابطات المعتمدة حديثاً، لكن العقوبات المفروضة على تأخير الأمور، وممارسة مزيد من الضغط على العمال الذين يحتاجون إلى شيكات رواتب، تميل إلى أن تكون ضعيفة. ففي أغلب الأحيان تكون أسوأ عقوبة يمكن أن تتوقعها الشركة لعدم التزامها المساومة بحسن نية هي أن تخبرها الحكومة بأنها يجب أن تساوم بحسن نية. ويمكن أن تثبت التأخيرات الطويلة التي استمرت لسنوات، جنباً إلى جنب مع معدل التبدّل السريع والتماسات إلغاء شهادة المنظمة، أنها كافية للقضاء على رابطة ناشئة قبل أن تفعل أي شيء على الإطلاق.

المخاطر كبيرة للغاية. يدرك المسؤولون التنفيذيون في "أمازون"، مثل أولئك في "ستاربكس"، أن الصفقة السخية مع الرابطات حديثة العهد ستكون بمثابة منارة لمزيد من التنظيم في مواقع أخرى.

إذا اعتقدت شركة "أمازون" بأن لديها لها فرصة أفضل لإحباط الرابطة في المحكمة، فقد لا تبدأ المفاوضات لفترة طويلة جداً. وفي غضون ساعات من فرز الأصوات، أصدرت الشركة بياناً قالت فيه إنها تدرس "تقديم اعتراضات استناداً إلى التأثير غير المناسب من قِبل المجلس الوطني لعلاقات العمل"، ما يشير إلى أن المجلس يوجه الانتخابات بشكل غير عادل نحو العمال. وحتى إذا رفض مجلس إدارة الشركة هذه الادعاءات، فلا يزال بإمكان "أمازون" رفض التفاوض مع رابطة عمالها، مما يجبر المجلس الوطني لعلاقات العمل على تقديم شكوى بأن الشركة يمكن أن تستأنف خطواتها في المحكمة العليا. وفي بيانها، قالت "أمازون" أيضاً إنها "أصيبت بخيبة أمل" في التصويت "لأننا نعتقد أن وجود علاقة مباشرة مع الشركة هو الأفضل لموظفينا".

بغض النظر عن الخطوة التالية التي اتخذتها "أمازون"، فقد اقتربت رابطة العمال بالفعل من التفاوض الجماعي مع الشركة أكثر من أي شخص آخر في الولايات المتحدة. فعلت ذلك جزئياً من خلال ممارسات التنظيم التقليدية. وأمضت لجنة مكونة من عشرات الموظفين شهوراً في سؤال زملائهم في العمل في أثناء نوبات العمل وفترات الراحة عما يريدون تغييره في وظائفهم، وما إذا كانوا يثقون حقاً بإدارة الموارد البشرية لتحقيق ذلك. كما قضى أعضاء اللجنة نحو 20 أو 30 ساعة أخرى في الأسبوع يتحدثون إلى زملائهم خارج مبنى الشركة، وفي محطات الحافلات، وفي منازلهم، كما يقول كونور سبينس، عامل المستودعات ونائب رئيس العضوية في رابطة عمال "أمازون".

أكد النشطاء فعل الأمور بأنفسهم، والطبيعة التي يقودها العمال لمجموعتهم، واغتنموا الفرص لتنظيم مواجهات مع الإدارة، مثل حضور الاجتماعات المناهضة للرابطات التي لم تجرِ دعوتهم إليها. ويقول سبنس: "كان لدينا رابطة بالفعل قبل إجراء الانتخابات، وكانت العملية الانتخابية مجرد وسيلة لإضفاء الطابع الرسمي عليها".

يقول سبنس إنه جرى تعزيز الحملة بسبب الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة مؤخراً، مثل الاتصال بالشرطة عندما جاء سمولز لتسليم الطعام للعمال في ساحة انتظار السيارات، والإعلان عن تشديد قواعد الملبس، بحيث يتعين على العمال البدء في ارتداء أحذية السلامة المعتمدة من شركة "زابوس" (Zappos) التابعة لـ"أمازون". دعم هذا الجهد أيضاً عدد من الموظفين الجدد الذين جرى تعيينهم على وجه التحديد في المستودع، على أمل مساعدة الرابطة في الفوز.

"أمازون" تواجه اتهامات بالتمييز بسبب عدم توظيف قاتل سابق

لكنّ جزءاً رئيسياً من استراتيجية رابطة عمال "أمازون"، الذي بدا مشكوكاً فيه، كان طلب تصويت المجلس الوطني لعلاقات العمل بمجرد حصوله على توقيعات على عرائض احتجاج من 30% كحدّ أدنى من القوة العاملة. لقد احتاجوا إلى أكثر من 50% من الأصوات للفوز، ويميل المنظمون القدامى إلى السعي إلى مستوى كبير من الدعم (على سبيل المثال، 70% من الأصوات) قبل السعي للتصويت، للحصول على حماية ضد جهود الإدارة لتقويض الدعم، إذ يسمح قانون الولايات المتحدة لأصحاب العمل بإجبار العمال على حضور محاضرات حول أضرار الرابطة بالنسبة إليهم، وأنه من غير المعتاد أن تتطابق الأصوات النهائية المؤيدة لتكوين الرابطات مع أرقام الالتماس الأولية، ناهيك بتجاوزها.

يقول سبينس: "لقد تحملنا مخاطر أكثر مما قد تتوقعه في حملة عادية، ولكن جرى التحسب لهذه المخاطر". لقد جعل حجم مبيعات "أمازون" هذه الاستراتيجية ضرورية، ويقول سبينس: "مع مغادرة المؤيدين للشركة بأسرع ما يمكن للحصول على توقيعات أعضاء جدد، فإن السعي لتحقيق أغلبية ساحقة سيستغرق وقتاً طويلاً. وبمجرد تحديد موعد الانتخابات سيكون هناك موعد نهائي لا ينضم بعده الموظفون الجدد إلى مجموعة الناخبين، لذلك لم يعُد الفوز هدفاً متحركاً.

إنّ نجاح أي مساعٍ مخاطرة في مكان آخر يعتمد جزئياً على مدى تجسيد انتصار الموظفين في جزيرة ستاتن أو تشجيعه على تحول أوسع في استعداد العمال الأمريكيين للكفاح معاً. تاريخياً، لا ينمو حجم العمالة المنظمة في الولايات المتحدة إلا على شكل موجات، أي إنه يميل إلى التراجع تدريجياً، باستثناء اللحظات النادرة عندما يتضخم بشكل كبير. يقول غابرييل وينانت، المؤرخ في جامعة شيكاغو، إنّ أحد الانتصارات المذهلة في "أمازون" ليس ضماناً لمثل هذه الطفرة، لكنه من النوع الذي تتوقع رؤيته إذا كنا في واحدة من تلك الشركات. من بين العمال الذين عانوا من وطأة ضغوط الوباء، الذين يرون الآن طلباً قوياً على عملهم، يقول وينانت إنّ فوز الرابطة "يشير إلى أن هناك رغبة أكبر في التنظيم أكثر مما كانت عليه منذ وقت طويل".

قد تفشل رابطة العمال في المضيّ قدماً مع "أمازون"، ويمكن أن تفوز الشركة في إعادة التصويت المقرر إجراؤه في مستودع ثانٍ في جزيرة ستاتن في وقت لاحق من أبريل. انخفض التنظيم النقابي العامّ في الولايات المتحدة العام الماضي، على الرغم من موجة تصاريح الإضراب البارزة والاستقالات الجماعية والجهود التنظيمية الأخرى في 2021. لكن فوز سمولز يشير إلى أن هناك فرصة للعمال، وهي واحدة من المرجح أن يستكشفها آخرون كثر. يقول شارون بلوك، رئيس سياسة العمل السابق في وزارة العمل خلال ولاية الرئيس باراك أوباما، الذي يدير الآن برنامج العمل والحياة العملية في كلية الحقوق بجامعة هارفارد: "لا يمكن المبالغة في الأهمية النفسية والرمزية للفوز". ويضيف: "إنّ الشيء الرائع في بداية الموجة هو أنك لا تعرف أنها موجة".