علاقات مارين لوبان بروسيا قد تلاحقها

مرشحة الانتخابات الفرنسية، مارين لوبان، تتحدث بعد الجولة الأولى من الانتخابات في 10 أبريل، عام 2022
مرشحة الانتخابات الفرنسية، مارين لوبان، تتحدث بعد الجولة الأولى من الانتخابات في 10 أبريل، عام 2022 المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لم تشكّل العلاقات الدافئة التي تربط الزعيمة القوميّة، مارين لوبان، بالكرملين مشكلة بالنسبة لها حتى الآن، حتى بعد غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا. حيث انضمت لوبان إلى موجة الإدانة واسعة النطاق للحرب، واجتذبت الناخبين لتحتل المركز الثاني في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية.

لكن الآن، بعد أن أصبح لدى لوبان فرصة حقيقية لانتخابها زعيمة لفرنسا، في الوقت الذي تستعد فيه لمواجهة إيمانويل ماكرون في جولة الإعادة في 24 أبريل الحالي، فإن علاقاتها مع موسكو باتت تخضع لمزيد من التدقيق.

وفي حين أنها خففت من حماسها تجاه بوتين على مدى السنوات الخمس الماضية، ولم تلتق به خلال تلك الفترة، إلا أن تعليقاتها السابقة كانت تتسم بالتودد له، لدرجة أصبح من الصعب تجاوزها. كما أنها تواصل طرح آراء يُنظر إليها على أنها موالية لروسيا.

ما مدى قرب لوبان من الزعيم الروسي؟

أشادت المرشحة البالغة من العمر 53 عاماً بالرئيس بوتين في مقابلة مع "يورونيوز" حصلت بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014، حيث قال إنها أعجبت بـ"برودته" وبـ"حقيقة أنه نجح في إعادة الشعور بالفخر لأمة عظيمة تعرضت للإذلال والاضطهاد لمدة 70 عاماً".

لم تكشف لوبان علناً عن عدد المرات التي سافرت فيها إلى روسيا، لكن بوتين قال قبل خمس سنوات إنها كانت تفعل ذلك "بانتظام".

كيف اجتاح اليمين المتطرف انتخابات رئاسة فرنسا؟

كانت لوبان التقت ببوتين قبل شهر من الانتخابات الفرنسية لعام 2017 التي خسرتها أمام ماكرون، حيث أجرت في موسكو رحلة حظيت بتغطية إعلامية جيدة كانت تهدف إلى تعزيز مكانتها على الساحة العالمية. وهناك، قالت الزعيمة اليمينية المتطرفة إن وجهات نظرها بشأن أوكرانيا تتوافق مع آراء بوتين، وإن القرم "لم تكن أوكرانية أبداً". وعادت صور هذا اللقاء إلى الظهور مؤخراً، وظهرت إحداها في كتيب حملتها الانتخابية.

كانت تلك الزيارة مثيرة للجدل، حيث كانت روسيا تواجه اتهامات بأنها تدخلت في الانتخابات الأمريكية في العام السابق لمساعدة دونالد ترمب على الفوز. ونتيجة لذلك، بدأت لوبان تنأى بنفسها عن الزعيم الروسي ولم تجتمع معه مرة أخرى.

هل يمكن أن تصبح فرنسا مؤيدة لبوتين في ظل رئاسة لوبان؟

إذا تم انتخاب لوبان، فمن المرجح أن تعمل بمثابة كابح لمحاولات الاتحاد الأوروبي لمعاقبة موسكو على غزوها لأوكرانيا بعقوبات أشد. حيث تريد لوبان الاستمرار في شراء الغاز الروسي وتحذر من تأثير العقوبات الأشد على محافظ الأشخاص الذين ينتمون للشرائح الاجتماعية الأضعف.

أما بالنسبة لحلف الناتو، فقد وصفته لوبان بأنه منظمة "داعية للحرب" وهي تريد من فرنسا أن تترك منصبها القيادي فيه. وهو ما سيكون من شأنه إرسال موجات من الصدمات السياسية عبر المنطقة، لكنه سيكون أمراً يسعد بوتين.

خلال مؤتمر صحفي عقد في 13 أبريل، دعت لوبان إلى التقارب بين التحالف العسكري (الناتو) وروسيا بمجرد انتهاء الحرب في أوكرانيا، قائلةً إن الشراكة الاستراتيجية ستساعد في منع تعميق العلاقات بين روسيا والصين. وقالت إنها توافق على إرسال "معدات دفاعية إلى أوكرانيا"، لكنها حذّرت من تسليم أسلحة، قائلة إن ذلك سيجعل فرنسا "طرفاً في الحرب".

وعندما سُئلت مؤخراً عما كانت ستفعله بشكل مختلف عن ماكرون في التعامل مع بوتين، أجابت لوبان لإنه لا وجود لـ"تعويذة سحرية"، بل هناك فقط "دبلوماسية". كما تقول إنها لا تريد أن تكون خاضعة لروسيا أو لأي دولة أخرى.

ماذا كانت ردة الفعل؟

قبل الجولة الأولى من التصويت في 10 أبريل، ركزت لوبان في حملتها على مستويات المعيشة والقوة الشرائية، وهي القضايا التي تحتل المرتبة الأولى بين اهتمامات الناخبين الفرنسيين.

لكن حلفاء ماكرون، الوسطي المؤيد لأوروبا، يركزون على علاقة لوبان مع روسيا في الوقت الذي يصعدون فيه حملتهم قبل الاقتراع النهائي، حيث وصفها وزير المالية، برونو لو مير، بأنها "حليفة لبوتين" سيمكنها في حال انتخابها أن تغير مسار أوروبا. وهي استراتيجية قد تلقى صدى لدى المعتدلين الذين تحتاج لوبان لأصواتهم، أو لامتناعهم عن التصويت، إذا أرادت الفوز. وفي 13 أبريل، قاطعت ناشطة مؤتمر لوبان الصحفي وشككت في موقفها تجاه روسيا.

دعوة ماكرون بشأن "أوروبا القوية" تصطدم بـ"روسيا بوتين"

من جهة أخرى، على مر السنين، قال خصوم ماكرون إن بوتين قد تلاعب به – كانت آخر مرة خلال جهود الرئيس الفرنسي الفاشلة لتجنيب أوكرانيا الغزو الروسي - مع ذلك لا يبدو أن هذا قد أزعج ناخبيه.

هل دعم بوتين حركة لوبان مالياً؟

وفقاً للجريدة الإلكترونية المختصة بالصحافة الاستقصائية "ميديا بارت" (Mediapart)، حصلت لوبان في سبتمبر 2014 على قرض بقيمة 9.6 مليون يورو من شركة روسية، وهي صفقة تم التفاوض عليها مع مُشرّع مقرب من بوتين، وأُبرمت بعد ضم موسكو لشبه جزيرة القرم. لاحقاً، قامت شركة معدات الطيران الروسية "أفيازابتشاست" (Aviazapchast) بإعادة شراء القرض، وسعت مؤخراً إلى اتخاذ إجراء قانوني بعد أن فشلت حركة لوبان في سداده. في النهاية تمت إعادة هيكلة الدين بأقساط سداد حتى عام 2028.

من جهتها، تقول لوبان إن البنوك الفرنسية لم تكن ترغب بالتعامل مع حزبها في ذلك الوقت، وهو الحزب المعروف الآن باسم "التجمع الوطني". ولاتزال البنوك تشعر بالقلق بشأن الضرر الذي يُلحقه ذلك بعلاماتها التجارية. منذ عام 2017، تم حظر البنوك خارج الاتحاد الأوروبي من تمويل الأحزاب السياسية الفرنسية. وفي هذا العام، حصلت لوبان على قرض بقيمة 10.6 مليون يورو من بنك مجري مملوك لحليف رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، الزعيم ذو أقرب علاقات مع بوتين في الاتحاد الاوروبي.

هل لوبان الوحيدة التي تسعى إلى إقامة علاقات مع موسكو؟

تتجاوز المشاعر المؤيدة لروسيا السياسات الحزبية الفرنسية، وتعود إلى القرن التاسع عشر على الأقل، عندما أبرمت باريس اتفاقاً سياسياً وعسكرياً مع الإمبراطورية الروسية. يتضح ذلك اليوم في العلاقات الثقافية بين البلدين، وقد وافق جميع المرشحين البارزين في انتخابات هذا العام، إلى حد ما، على بعض أفكار بوتين على الأقل أو رحبوا بها.

ماكرون يعد بإصلاحات اقتصادية وتحسين الرعاية الاجتماعية إذا فاز بولاية ثانية

وقام ماكرون بمد السجادة الحمراء لبوتين مرتين، ودعاه إلى قصر "فرساي" بعد أسابيع من توليه منصبه، كما دعاه إلى مقر إقامته الصيفي قبيل اجتماع "مجموعة الدول الصناعية السبع" الذي استضافته فرنسا في عام 2019. كذلك التقى ماكرون وبوتين خلال بطولة كأس العالم لكرة القدم التي استضافتها روسيا، وفي منتدى اقتصادي في سانت بطرسبرغ في العام نفسه. ويقول فريق الرئيس إنه يتعين على ماكرون التحدث بانتظام إلى بوتين لأنه زعيم عالمي.

مع ذلك، بعد غزو روسيا لأوكرانيا، تبنّى ماكرون نهجاً أكثر صرامة مع استمراره بالحوار مع بوتين. في غضون ذلك، قالت لوبان إن الزعيم الروسي تجاوز "الخط الأحمر" وإن الحرب "غيرت جزئياً" نظرتها تجاهه. لكن كلاهما امتنع عن وصف بوتين بأنه ديكتاتور، بحجة أن مثل هذه التوصيفات لا تفيد بشيء.