هل يُحسّن ارتفاع أسعار الأسمدة الزراعة؟

شح الأسمدة وارتفاع أسعار المحاصيل قد يجلب تدبراً أفضل في إدارة استخدام المغذيات الصناعية

رسم تعبيري
رسم تعبيري المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يعتبر جيمس كوكس نفسه محظوظاً، لأنه ابتاع أسمدة تكفيه لهذا العام الزراعي، قبل ارتفاع الأسعار الأخير بأمد طويل، فهو يملك مزرعة مساحتها 2.78 كليومتر مربع في غلوستشر، وهي مقاطعة ريفية جذّابة متموجة التضاريس بجنوب غرب إنجلترا. يعني مخزونه أن لديه ما يكفي لتغذية محاصيل القمح والشوفان، وكذلك الشعير الذي نبت تواً، كما أنه لا ينوي استخدام كل هذه الأسمدة.

قال كوكس مشيراً لارتفاع أسعار المغذيات الاصطناعية: "نحن نفكر بالفعل بخفض كمية الأسمدة التي نستخدمها في محصول هذا العام إلى حد ما، ليتبقى بعضها للعام المقبل". إنه يحاول حساب إمكانية زيادة مدى احتياطياته بدقة دون المساس بجودة وكمية محصوله. تسائل قائلاً: "إلى أي مدى نجرؤ على خفض كمية السماد عما كنّا نخطط لاستخدامه؟ إلى أي مدى سيؤثر ذلك على هوامش محاصيل هذا العام؟".

المحاصيل الزراعية في الصين قد تكون الأسوأ تاريخياً هذا العام

يطرح المزارعون التجاريون حول العالم السؤال ذاته. كانت تكاليف الأسمدة الكيماوية اللازمة للزراعة الحديثة، التي تتكون من النيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم قد ارتفعت في 2021 لأسباب عديدة وهي، ارتفاع سعر الغاز الطبيعي، وهو المادة الأولية لكثير من الأسمدة النيتروجينية، والعواصف التي ضربت ساحل الخليج الأمريكي في أواخر الصيف متسببة بإغلاق مؤقت لمصانع المنطقة، وفرض عقوبات حكومية على منتج رئيسي للبوتاس في بيلاروسيا رداً على اعتقال أحد الصحفيين، وتزايد تأميم الموارد في دول مثل الصين، أكبر منتج للفوسفات، التي بدأت بتقييد الصادرات العام الماضي.

أزمة أوكرانيا

حدثت كل هذه الأمور قبل غزو روسيا لأوكرانيا، وهي مُصدّر رئيسي منخفض التكلفة لكل أنواع مغذيات المحاصيل، ما شكل صدمة جديدة للأسعار. يُظهر أحد المقاييس في أمريكا الشمالية أنها تضاعفت تقريباً عن العام الماضي.

أصبح العالم في العقود الأخيرة يعتمد بشكل متزايد على روسيا لاحتياجاته من الأسمدة، كما هو الحال بالنسبة لعديد من السلع الأساسية الأخرى. بلغ إنتاج روسيا من النيتروجين في 1992، أي بعد عام من انهيار الاتحاد السوفيتي، 4.9 مليون طن، وهو ما يعادل نحو 7% من الاستهلاك العالمي، حسب بيانات جمعتها الرابطة الدولية لصناعة الأسمدة (IFA) وشركة "غرين ماركتس" (Green Markets)، إحدى شركات "بلومبرغ"، ثم ارتفعت النسبة لنحو 10% بحلول 2019. زادت حصة البلاد العالمية أيضاً من الفوسفات والبوتاس إلى حوالي 8% و20% على التوالي.

مزارعو القهوة يعيشون "حالة طوارئ كبرى" بسبب ارتفاع أسعار الأسمدة

تعطلت شحنات الأسمدة من روسيا بشكل كبير منذ اندلاع الحرب، فقد عمد بعض المنتجين المحليين لإيقاف الإمدادات رداً على العقوبات الغربية، كما أن عديداً من خطوط الشحن الرئيسية لم ترغب بالتعامل مع هذه المنتجات حتى إن كان متاحاً.

قد يخفض نقص الأسمدة في البرازيل، الوجهة الأولى للشحنات الروسية، وغيرها من الدول المعتمدة على الإمدادات الروسية ومنها الهند والصين، المحاصيل وارتفاع تكاليفها. حذّرت منظمة الأغذية والزراعة "فاو" في تقرير الشهر الماضي من إمكانية ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأعلاف 22% في موسم التسويق 2022-2023 نتيجة الصراع في أوكرانيا، ما يزيد من مخاطر سوء التغذية بل حتى المجاعة.

تفاؤل فظ

قد يبدو الحديث عن بعض الجوانب المشرقة أمراً فظاً وسط هذه التنبؤات الأليمة. مع ذلك، فإن صدمة الأسمدة في 2022 قد تفضي في النهاية لأرباح كما كان الحال مع الصدمات النفطية المزدوجة في السبعينات، فقد أدى حظر النفط العربي لتعرض الاقتصاد الأمريكي لفاجعة كبيرة، لكنه أطلق أيضاً حملة للحفاظ على الطاقة أعادت تشكيل صناعات السيارات والبناء الأمريكية، على سبيل المثال لا الحصر.

قدمت أكبر ثلاث شركات لصناعة السيارات في ديترويت سيارات مدمجة ومقتصدة في ظل ضغط المنافسين الآسيويين، فيما أدى تقدم الإضاءة والمواد العازلة والأجهزة لخفض استهلاك الطاقة المحلية.

ارتفاع أسعار الأسمدة يهدد بزيادة تكلفة الغذاء عالمياً

لقد أصبح الاقتصاد العالمي أقل اعتماداً على النفط من ذي قبل بسبب هذه الابتكارات. استخدم في 1973 أقل بقليل من برميل نفط واحد لإنتاج ما قيمته 1000 دولار من الناتج المحلي، وفقاً لأسعار 2015، ثم انخفض ذلك إلى 0.43 برميل بحلول 2019، بانخفاض قدره 56%.

يمكن أيضاً أن يدر الاستخدام الأكثر كفاءة للأسمدة فوائد كبيرة للكوكب. حازت طريقة هابر-بوش على براءة اختراع في أوائل القرن العشرين، فهي استُخدمت في إنتاج الأمونيا من الهيدروجين والنيتروجين، لتعد بذلك أحد أهم الاكتشافات في التاريخ. تشير التقديرات إلى أنه بدون الأسمدة النيتروجينية، لن يكون الكوكب قادراً على دعم سوى نحو نصف سكانه البالغ عددهم حالياً 7.9 مليار نسمة. لكن هناك جوانب سلبية، إذ ينبعث عن إنتاج الأمونيا الاصطناعية ثاني أكسيد الكربون بشكل أكثر من أي عملية تصنيع كيميائية أخرى.

البيئة تعاني

لا يتوقف الضرر عند هذا الحد، بل تتسبب الميكروبات الموجودة في التربة بإفساد السماد، وإطلاق أكسيد النيتروز في الغلاف الجوي، والذي يعادل تأثير الرطل منه 300 ضعف تأثير ثاني أكسيد الكربون في الاحتباس الحراري. كما يشكل النيتروجين الصناعي تهديداً للتنوع البيولوجي، فالأمطار أو الفيضانات تجرف كثيراً من النيتروجين المستخدم في المحاصيل ليجد طريقه نحو الأنهار والبحيرات والمحيطات، حيث يطلق العنان لتكاثر الطحالب التي تخلق مناطق ميتة ينضب فيها الأكسجين، ولا يمكن للحياة الاستمرار فيها. تُعدّ منطقة خليج المكسيك الميتة أحد أكبر المناطق، إذ تقارب الكويت بمساحتها.

وكالات إغاثة: الملايين في غرب أفريقيا يواجهون أزمة غذاء غير مسبوقة

يستخدم باتريك هيفر، نائب المدير العام للرابطة الدولية لصناعة الأسمدة، نهج "إنتاج المزيد بتكلفة أقل" لتحديد أبعاد التحدي الذي يواجهه المزارعون. لقد اختبر مزارعون في دول عديدة طرقاً لاستخدام المغذيات الصناعية للمحاصيل بكفاءة أعلى، إذ يمكن أن يستخدم منتجو الأغذية تقنيات مثل اختبار التربة الصارم، وما يسمى بالزراعة الدقيقة لتحديد مقدار الغذاء اللازم لأراضيهم في موسم زراعي معين دون أي زيادة، حتى لو كانت ضئيلة.

تشمل الابتكارات ما يسمى بتركيبات خاضعة للتحكم، وتأتي عادةً على هيئة كبسولات صغيرة تذوب تدريجياً عند ملامسة التربة الرطبة، ثم تطلق المغذيات اللازمة.

قال ريناتو ألفيس فيلهو، الرئيس التنفيذي لشركة "لابوراتوريو سولو آند بلانتاس" (Laboratório Solos & Plantas)، أكبر سلسلة تحليل زراعي في البرازيل، إن الطلب على اختبار التربة في البلاد، حيث ينمو استخدام الأسمدة بوتيرة أسرع من الولايات المتحدة، بلغ أعلى مستوياته على الإطلاق هذا العام. قال إن شركته تعاملت مع 21 ألف عينة في أول 90 يوماً من العام، مقارنة مع 12 ألف عينة في نفس الفترة من العام الماضي.

اختبارات أمريكية

يتوقع كوري لاسي، رئيس رابطة اختبار المختبرات الزراعية (Agricultural Laboratory Testing Association) ومدير مختبر "يونايتد سويلز" (United Soils) في فيربري بولاية إلينوي، أن يشهد هذا العام أحد أكبر معدلات اختبار منذ عقود في الولايات المتحدة.

كما يلعب التعليم دوراً، فقد حقق مشروع تجريبي في الصين مدته 10 أعوام، ودرّب 21 مليون من صغار ملاك الأراضي على كيفية إدارتها، زيادة بأكثر من 10% في العوائد في المتوسط على مدى العقد، بينما انخفض استخدام الأسمدة النيتروجينية 18%.

فيما يمكن استخدام السياسة الحكومية لتحفيز التغييرات أيضاً، نظراً لإنفاق كبار المنتجين الزراعيين في العالم مبالغ كبيرة على الإعانات الزراعية. فقد صوّت البرلمان الأوروبي في نوفمبر على تبني استراتيجية "من المزرعة إلى الشوكة" الهادفة لخفض استخدام الأسمدة بنسبة 20% بحلول 2030.

أسعار الأسمدة تقفز بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا

أظهرت سريلانكا لبقية العالم أهمية عدم اتخاذ خطوات متسرعة، فقد فرضت حكومتها في أبريل حظراً على الأسمدة الصناعية كجزء من محاولة لتحويل البلاد سريعاً نحو الزراعة العضوية، ثم تراجعت عن هذه السياسة في نوفمبر استجابة لاحتجاجات المزارعين وارتفاع أسعار المواد الغذائية، لكن الضرر كان قد وقع. يتوقع المسؤولون أن ينخفض إنتاج الأرز بما يبلغ 30% في الموسم الحالي، بينما تضرر محصول الشاي، وهو أحد الصادرات الرئيسية.

قد لا يتمكن البشر على الإطلاق من التخلص تماماً من الأسمدة الصناعية، خاصة أن التوقعات تشير لضرورة زيادة إنتاج الغذاء بنسبة 70% بحلول 2050 للحفاظ على النمو السكاني في كوكب الأرض. تمتاز منطقة أفريقيا جنوب الصحراء بأعلى معدلات مواليد في العالم، لكن متوسط استخدام الأسمدة هناك يقارب ثُمن المتوسط العالمي، ويعتقد كثيرون أن هذا المستوى منخفض للغاية.

يستعد عديد من مزارعي البرازيل لموسم مخيف من التجربة والخطأ. ينتظر نابلياو روتيلي، الذي يزرع 17 كيلومتراً مربعاً في منطقة ديامانتينو في قلب حزام الحبوب، نهاية موسم حصاد الذرة الشتوية في يونيو تقريباً قبل اختبار التربة وتحديد كمية السماد التي سيحتاجها لموسم زراعة فول الصويا التالي. لا شك في أن هذه الاختبارات ستكون أساسية بالنسبة له، خاصة أنه لم يشترِ بعد أي مغذيات للزراعة التالية. يقول المزارع الذي ورث مهنته عن أبيه: "سأغير طريقة عملي... نحن بحاجة لتحسين أنفسنا".