كيف يكون الربيع مخيفاً؟

سلامة الطبيعة تعتمد على عدم الإخلال بملايين الأحداث التي تأتي بتنسيق وتزامن دقيقين

الطقس المشمس في لندن يُسرِّع تفتح الأزهار.
الطقس المشمس في لندن يُسرِّع تفتح الأزهار. المصدر: بلومبرغ
Mark Buchanan
Mark Buchanan

Mark Buchanan, a physicist and science writer, is the author of the book "Forecast: What Physics, Meteorology and the Natural Sciences Can Teach Us About Economics."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تدلّ تباشير الربيع على استيقاظ الطبيعة، فيدفع الدفء وأشعة الشمس القوية أزهار الكرز لتتفتق فتكسو أشجاره وتبزغ البراعم على أشجار الكستناء بحماس فيعود شيء من الأمل مع طنين النحل فيما تبني الطيور أعشاشاً. لكن ذلك كله يحدث مبكراً هذا العام، ولا يصعب إدراك السبب.

بلغت أشجار الكرز الشهيرة في العاصمة الأمريكية، وهي هدية من اليابان أتت في 1912، ذروة إزهارها في 21 مارس، أي أبكر مما كانت عليه قبل قرن. أما في كيوتو حيث تعيش بنات عمومتها فتُظهر السجلات أن الإزهار الأول تقدّم بمقدار أسبوع خلال القرن الماضي مع زيادة درجة الحرارة بنحو 2.8 درجات مئوية. يقود احترار الكوكب اتجاهاً مشابهاً على مستوى العالم حيث يُغيّر توقيت ما يتخطى الورق والإزهار، ليؤثر في هجرات الطيور وتفريخ البيض، حيث تسارعت هذه التغييرات في العقدين الأخيرين.

"غوغل إيرث" تتيح رؤية عقود من تغيُّر المناخ في ثوانٍ

نفكّر بظاهرة الاحتباس الحراري في الغالب على أنها أمر يتضح فقط عبر قياسات علمية صعبة لمستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي أو متوسط ​​درجات حرارة سطح البحر، إلا أن علامات الاحترار تحيط بنا في كل مكان وتشوّه إيقاعات العالم الطبيعي التاريخية، كما تضفي درجات لون مشؤومة على خضار الربيع المبهج. تعكس كل هذه التحولات واقع الطبيعة التي ترزح تحت ضغط متزايد ولها عواقب لا يمكن استشرافها على رفاهنا ومناعة النظم البيئية العالمية في العقود المقبلة.

تُعرف دراسة توقيت الأحداث الحيوية المهمة باسم علم الأحداث الحيوية، ويأتي كثير مما نعرفه عنها من ملاحظات تطلّبت جهوداً مضنية على مدى قرون. أما أطول سجل لسلسلة زمنية في العالم فهي لأشجار الكرز في كيوتو؛ حيث يُذهل أنها تمتد من عام 812. تُظهر هذه البيانات ومجموعة سجلات أخرى، بما فيها بيانات المملكة المتحدة التي تمتد لأكثر من 250 عاماً، أن إزهار النباتات وتواريخ بداية الورق ظلت مستقرة إلى حد ما خلال القرن التاسع عشر ثم بدأت مع ارتفاع درجات حرارة الكوكب تظهر مبكرةً في النصف الأول من القرن العشرين.

الأبكر منذ 12 قرناً

منذئذ تسارع التغير مع ظهور تباين إقليمي كبير: تقدمت الأحداث الحيوية ستة أيام في الصين على مدى 35 عاماً مضت فيما تقدمت بمقدار 30 يوماً في سويسرا. بكّر إزهار أشجار الكرز في كيوتو في 2021 مسجلاً أبكر موعد له منذ 1200 عام، حسب السجلات دقيقة الإعداد.

يَصعب التكيف مع وتيرة احترار الكوكب وعدم القدرة على استشرافه ليس على الحيوانات والبشر فحسب، بل على النباتات أيضاً. رصدت دراسة حديثة التحولات في بداية ونهاية مواسم النمو في نصف الكرة الشمالي على مدى ثلاثة عقود خلت، وقارنت تغيرات درجات الحرارة مع استجابات النباتات. وجد الباحثون في نهاية المطاف أن معظم النباتات تأثّرت زمنياً بوتيرة الاحترار الأخير. بل إن بعضها غيّر توقيته بالاتجاه المعاكس، حيث أزهرت متأخرة وليس مبكراً، كما دخل بعضها في السبات قبل الخريف، رغم أنكم قد تتصورون أن خريفاً دافئاً قد يطيل موسم نموها.

5 علماء بارزون يكشفون لغز نماذج المناخ الساخنة في الأرض

كما كانت حالات عدم التطابق هذه أكثر وضوحاً في بيئات طبيعية تهيمن عليها الأنشطة البشرية مثل الزراعة المكثفة. لم يتضح سبب ذلك، لكن إليكم سبباً محتملاً: تُغيِّر الأنواع سلوكها ليس فقط كتفاعل مباشر مع متغيرات المناخ كدرجات الحرارة وأنماط هطول الأمطار وما إلى ذلك، لكن أيضاً استجابة لأنشطة متغيرة للأنواع الأخرى التي تتفاعل معها. حيث يمكن أن تعكس الاستجابات الأسرع للأنواع في المناطق غير المضطربة تعرّض هذه الأنواع لمجموعة أوسع من الإشارات حول البيئة المتغيرة الآتية من عديد من الأنواع النباتية الأخرى. قد تتكيّف النباتات البطيئة بالمقابل في المناطق التي تدهورت بفعل البشر ببطء لأنها لا تحصل على إشارات من نباتات أخرى.

تعدي الأثر

مهما كان السبب، فإن تأخر استجابة النباتات أمر مقلق وقد تكون العواقب غير حميدة على الطبيعة والبشرية على حد سواء. كما قد لا يكون موعد تفتح الأزهار أو فقس بيوض الطيور مهماً جداً بحد ذاته، إلا أن سلامة العالم الطبيعي تعتمد على ملايين الأحداث من هذا القبيل تحدث بتنسيق وتزامن دقيقين، فموعد تفتّح الأزهار يُؤثّر على موعد تلقيح النحل لها، ما يُحدِّد لاحقاً متى تعثر الطيور والحيوانات الأخرى على فاكهة لتربية صغارها، وهي قد تصبح مصدر طعام لحيوانات أخرى وللبشر. لا يحدث شيء في الطبيعة بمعزل عمّا سواه.

كيف سيؤدي الاحترار لاضطراب هذه العلاقات الدقيقة فيُسرِّع انقراض أنواع ويزيد تكاليف الزراعة؟ العلماء لا يعرفون بل لا أحد يعرف. إننا نُجري تجربة شاملة وخطيرة وسيكون أفضل لنا بكثير ألا نضطر للتعرف على خواتيمها.