"تيرا" لم تقض على العملات المشفرة لكن الأمر كان وشيك الحدوث

شعار "تيرا" على شاشة هاتف ذكي إلى جانب مسكوكتين رمزيتين للعملات المشفرة
شعار "تيرا" على شاشة هاتف ذكي إلى جانب مسكوكتين رمزيتين للعملات المشفرة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يبدو أن التكهنات القائلة بأن انهيار واحدة من أكبر التجارب في مجال التمويل اللامركزي يمكن أن يؤدي إلى موت العملات المشفرة كانت أمراً مبالغاً فيه. لو حدث انهيار "تيرا" (Terra) بعد بضعة أشهر إضافية من النمو، لولّد أزمة "تمويل لامركزي" في السوق مضاهية للأزمة المالية في عام 2008. لكن بدلاً من ذلك، قد ينتهي الأمر بالعملات المستقرة الخوارزمية رفيعة المستوى لأن تكون الضحية الرئيسية.

في تعثر بدأ في التاسع من مايو، خسرت "تيرا دولار" (TerraUSD) من "تيرافورم لابز" (Terraform Labs)، (وهي رمز يستخدم الخوارزميات بشكل أساسي، بدلاً من الضمانات، لضبط العرض والحفاظ على ربطها 1 إلى 1 بالدولار الأمريكي) ونظيرتها الرقمية "لونا" (Luna) تقريباً كل قيمتيهما، فيما تم تعليق نشاط سلسة الكتل (بلوكتشين) الخاصة بـ"تيرا" مرتين. بعد شهر من وصولها إلى مستوى قياسي بلغ 119 دولاراً، يجري تداول "لونا" الآن بالقرب من الصفر، في حين أن علق سعر "تيرا دولار" عند مستوى 20 سنتاً تقريباً.

تسبب الانهيار في تراجع أسعار العملات المشفرة في كل مكان؛ واستقرت في وقت لاحق وتعافت إلى حد ما، مبددة حوالي 300 مليار دولار أو نحو ذلك من القيمة السوقية الإجمالية للقطاع البالغة تريليون دولار. الأكثر أهمية هو أن ذلك تسبب في تذبذب حتى في أكبر العملات المستقرة المضمونة، والتي تدعم ارتباطها بالدولار بأصول مكافئة للعملة الأمريكية، لكنها عادت أيضاً إلى العمل كالمعتاد بحلول نهاية الأسبوع.

تعد العملات المستقرة جزءاً حيوياً من العملات المشفرة لأن المتداولين يستخدمونها كوسيلة للاحتفاظ بالقيمة دون ترك منظومة الأصول الرقمية. يلجأ إليها المستثمرون كملاذ آمن خلال فترات التقلب، أو حتى ببساطة كوسيلة للدفع الرقمي. الآن، لا تزال هناك أسئلة حول ما إذا كانت الآلية الفريدة وراء "تيرا دولار" قد تدخل مرحلة التقهقر.

قالت هيلاري ألين، أستاذة القانون في الجامعة الأمريكية: "لن أتفاجأ إن كانت هذه نهاية عملات الخوارزميات المستقرة. لا يمكن للتمويل اللامركزي العمل دون عملات مستقرة، حقاً. سيكون الافتقار إلى الثقة في العملات المستقرة كارثياً على منظومة التمويل اللامركزي".

قبل أن تفقد "تيرا دولار" ربطها بالعملة الأمريكية في 8 مايو، بلغت قيمتها السوقية الإجمالية حوالي 18.6 مليار دولار، وإن كان حجمها أصغر مقارنة بمنافسيها المضمونين "تيذر" و"يو اس دولار كوين" (USDC) عند 83.2 مليار دولار و48.7 مليار دولار، على التوالي، وفقاً لبيانات "كوين ماركت كاب" (CoinMarketCap). لم يحدث انهيارها عدوى دائمة على نطاق واسع، ولكن ربما يكون الوضع مختلفاً في أي وقت بعد ذلك.

ثمن الفشل

مع تزايد شعبية منظومة "تيرا"، قال الشريك المؤسس دو كون إنه يريد بناء احتياطي قد يدعم "تيرا دولار" في أوقات الإجهاد الشديد. أسس دو كون "لونا فاونديشن غارد" (Luna Foundation Guard) كمنظمة تهدف إلى الحفاظ على استقرار "تيرا دولار" وللعناية بعملات بتكوين كان يراكمها ببطء لتعمل كضمان لـ"تيرا دولار". وفي الوقت نفسه، استمر المطورون في بناء تطبيقات على بلوكتشين التابعة لها، وراهن المستثمرون على مستقبلها، وربط بعض كبار شخصيات العملات المشفرة نفسها بالمشروع بشكل لا رجعة فيه.

ما بين يناير ومارس، اشترت "إل إف جي" (LFG) عملات بتكوين بقيمة 3.5 مليار دولار، وفقاً لشركة "إيليبتيك" (Elliptic) المتخصصة بتعقّب سلاسل الكتل. في مقابلات إعلامية في مارس، قال كون إنه يعتزم زيادة حجم المشتريات إلى 10 مليارات دولار بحلول الربع الثالث من هذا العام. والفكرة هي أنه إذا تم التخلص من "تيرا دولار"، فيمكن للشركة أن تبيع مخزونها الحالي من بتكوين في محاولة لتثبيت "تيرا" في مواجهة عمليات البيع، رغم أنها قد تتطلب المزيد من رأس المال لإنقاذها.

لو كانت حيازات "إل إف جي" قد وصلت بالفعل إلى 10 مليارات دولار، فربما لم يكن فك الارتباط قاسياً للغاية على الأسواق. لكن هذا الكم من بتكوين الذي يضرب البورصات في تتابع سريع كان سيطلق موجات صدمة في جميع أنحاء القطاع. في الفترات الأكثر هدوءاً، مثل الأيام القليلة التي سبقت فك "تيرا" ربط عملتها، سجلت بتكوين متوسط ​​حجم تداول يومي بلغ حوالي 30 مليار دولار، ما جعل مخزون كون يعادل حوالي ثلث السوق بأكمله لو تم تسييله كاملاً دفعة واحدة.

قال كون في مقابلة مع قناة "فنغبل تايمز" (Fungible Times) للعملات المشفرة على يوتيوب في مارس: "إن سبب رغبتي في بلوغ 10 مليارات دولار هو أننا -إلى جانب ساتوشي- سنكون أكبر مستثمر في بتكوين عالمياً"، في إشارة إلى ثروة مؤسس بتكوين ذي الاسم المستعار التي لم تُنقل أو تتداول مطلقاً. مقطع فيديو المقابلة الذي شاهدته بلومبرغ، حذف في وقت لاحق يوم الجمعة بعد انهيار "تيرا".

أضاف كون: "في هذه الحالة -ضمن صناعة العملات المشفرة- فإن فشل "تيرا دولار" يضاهي فشل العملة المشفرة نفسها".

غير مستقرة

حتى مع إضافة بعض الاحتياطيات كدعم، فإن النموذج الحسابي الذي يحكم عملة "تيرا دولار" يعتمد على مجموعة من البرامج وحوافز المتداولين والمقايضات مع "لونا" للحفاظ على قيمتها. وذلك مقارنة مع العملات المستقرة المضمونة مثل "تيذر" و"يو اس دولار كوين" و"دولار بينانس" من "بينانس"، والتي تعتمد على القدرة على استرداد الرموز المميزة من احتياطي العملة الورقية. في حالة "تيذر"، جرى التشكيك سابقاً في جودة تلك الأصول، ولكن أثناء عدم الاستقرار الذي سببته "تيرا"، ساعدت تلك الأصول الرمز المميز على تجنب المصير نفسه.

قال سام بنكمان فريد، الرئيس التنفيذي لبورصة العملات المشفرة "إف تي إكس" (FTX)، في تغريدة يوم الخميس: "لا ينبغي لنا حقاً استخدام نفس الكلمة لكل هذه الأشياء. ما نسميه "العملات المستقرة الخوارزمية" ليس مستقراً حقاً بالطريقة نفسها مثل العملات المستقرة المدعومة بالعملات الورقية. إنها أشبه بالمنتجات المهيكلة، وهي بحاجة إلى تحسين إن كانوا يريدون تبرير المخاطرة".

مع استقرار الأمور بعد العاصفة، تشمل العواقب الأوسع لانهيار "تيرا" التدقيق المتزايد على قطاع العملات المستقرة بالكامل من جانب المنظمين الذين يعتبرون بالفعل الرموز المميزة مثل "تيذر" مخاطر شاملة محتملة. صرحت وزيرة الخزانة جانيت يلين يوم الخميس بأن هذا الحادث يظهر مخاطر العملات المستقرة الخاصة. ومع بقائها غير منظمة فإنها تقدم المخاطر نفسها مثل عمليات البنوك.

قال دينيل ديكسون، الرئيس التنفيذي لمؤسسة "ستيلار ديفيلوبمنت فاونديشن" (Stellar Development Foundation)، التي تدعم شبكة العملات المشفرة "ستيلار" (Stellar) "يو اس دولار كوين": "يجب أن تكون العملة المستقرة قادرة على الارتقاء إلى مستوى اسمها. ما رأيناه هذا الأسبوع أثبت لماذا من الضروري التمييز بين ما هو حقاً عملة مستقرة وما ليس كذلك".

لقد كان انهيار "تيرا" جزءاً من النظام الطبيعي للعملات المشفرة باستخدام تصحيحات السوق للقضاء على الفقاعات، وفق تعبير ريف كولينز، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي السابق لشركة "تيذر" التي تدير عملتها المستقرة المدعومة بأصولها.

وقال كولينز الذي يعمل الآن كشريك مؤسس لمنصة "بلوك في" (BlockV) للرموز غير القابلة للاستبدال، في مقابلة: "يظهر جمال السوق الصاعدة أنها تجذب المجانين، كما تجذب الأموال والأشخاص الأذكياء إلى السوق. بدون السوق الصاعدة، لن نجذب الانتباه والأدمغة إلى هذا المجال. وبدون السوق الهابطة، لن نتمكن حقاً من التخلص من الجموع الكبيرة".