أنجح مديري الأموال مثل "أشبال النمر" يتعثرون مع تغير مزاج السوق

حتى أنجح الأشبال بات مهدداً بسحب ثقة المستثمرين مع السوق المتقلبة
حتى أنجح الأشبال بات مهدداً بسحب ثقة المستثمرين مع السوق المتقلبة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تعيش الأسواق ما يمكن وصفه بأكبر تحوّل في المزاج العام منذ الأزمة المالية العالمية. ففي هذا العام، تراجع مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنسبة 16%. وانخفض مؤشر "ناسداك 100" الذي يركز على التكنولوجيا بحوالي 27% تقريباً. وعلى عكس الانخفاض الحاد الذي دام لفترة قصيرة في بداية أيام الوباء، فإن هذا التراجع الحالي ليس ناجماً عن صدمة اقتصادية. بل يبدو أن المستثمرين يعيدون حساباتهم إزاء المبالغ التي يرغبون بدفعها مقابل الأصول بشكل جدي.

وهذا يعني أن العديد من الإستراتيجيات الاستثمارية التي جرى اعتمادها طوال السنوات الماضية انقلبت رأساً على عقب. تعليقاً، يقول جون هولتون، نائب الرئيس المساعد لشركة "ويلشاير أدفايزرز" (WILSHIRE ADVISORS) التي تساعد الأثرياء والمؤسسات على الاستثمار في صناديق التحوط إن "الشراء عند انخفاض السعر لم يعد مجزياً اليوم"، وأضاف: "حالياً التقلبات مستمرة والتراجع في سوق الأسهم بات أكثر ثباتاً". هذا الوقت صعب على المستثمرين كافة، حتى أن بعض كبار نجوم عالم صناديق التحوط يواجهون صعوبة في التأقلم مع ما يجري.

اقرأ أيضاً: الأموال تفر من الأسواق وسط تزايد مخاوف الركود

ضحايا الهبوط

أول مجموعة بارزة من الضحايا كانت تلك المعروفة باسم "أشبال النمر" (TIGER CUBS) التي كانت تعمل تحت إشراف اسطورة الاستثمارات جوليان روبرتسون في شركته "تايغر مانجمنت" (TIGER MANAGEMENT). فعلى مدى سنوات، جنى أفراد هذه المجموعة مليارات الدولارات لأنفسهم وللمستثمرين لديهم من خلال التركيز على الاستثمار في شركات التكنولوجيا، حيث لجؤوا أحياناً للاستدانة من أجل زيادة رهاناتهم. وتشمل الشركات المفضلة لدى هذه المجموعة "جي دي.كوم" و"ميتا بلاتفورمز" و"نتفلكس" و"شوبيفاي". وانطلاقاً من مواقعهم كصناديق تحوط، يمكن لهذه المجموعة المراهنة ضد الشركات أيضاً، ما يمنح المستثمرين الفرصة لتحقيق الأموال في أسواق صعبة. إلا أن رهانات "الأشبال" على انخفاض الأسعار كانت أقل وأصغر من رهاناتهم على ارتفاعها. بدلاً من ذلك، اندفعوا نحو رأس المال المغامر للاستثمار في شركات التكنولوجيا فيما كانت لا تزال شركات خاصة. وحالياً تعيش هذه الشركات سقوطاً حراً.

اقرأ أيضاً: أزمة أسهم التكنولوجيا تسحق صناديق "أشبال النمر"

فخسر صندوق التحوط الرئيسي الذي تديره شركة "تايغر غلوبال مانمجمنت" التابعة لتشايس كولمان 44% في الأشهر الأربعة الأولى من العام، ما أدى إلى خسارة بقيمة 16 مليار دولار على امتداد استثمارات الشركة. كذلك، تراجع الصندوق الرئيسي لـ"مافريك كابيتال" (MAVERICK CAPITAL) %33 في الفترة عينها، فيما انخفض صندوق "كواتو مانجمنت" (COATUE) %15. وسجلت شركة "دي 1 كابيتال بارتنزر" (D1 CAPITAL ) لدان سوندهايم، التي يُطلق عليها أحياناً تسمية "الشبل الحفيد" لأنها نشأت عن إحدى الشركات المتحدرة من "تايغر"، انخفاضاً بنسبة 19% في محفظتها الأكثر شعبية.

تعليقاً على ذلك، قال أندرو بير، المدير العضو في شركة "دايناميك بيتا انفستمنتس" (DYNAMIC BETA) في نيويورك: "من قدم من خلال الأفعال العنيفة، فإنه سيهلك منها أيضاً". وأضاف: "إذا كنت استثمرت بكلّ قوة في أسهم التكنولوجيا خلال السوق الصاعدة، فعلى الأرجح أن ستتمسك بها بشدة خلال السوق الهابطة".

تغيّر المزاج

بعد أزمة عام 2008، ازدهر مالكو الأسهم في حقبة من أسعار الفائدة المنخفضة باستمرار والعولمة وقلّة أزمات الائتمان، في وقت كانت المصارف المركزية فيه جاهزة لفعل أي شيء من أجل دعم الأسواق. يقول هولتون من شركة "ويلشير" في إطار الحديث عن مديري الأموال بشكل عام "لا تبدو هذه أرضاً خصبة من أجل بروز مديرين ماهرين، ولا تعرف ما إذا كان نجاحهم مجرد انعكاس "بيتا" مقنعة". ويستخدم مصطلح "بيتا" في وول ستريت من أجل الإشارة إلى العوائد والمخاطر من الاستثمار في السوق. إذ كانت العديد من الصناديق قد ازدهرت ببساطة بسبب تناغمها مع توجهات السوق، فيما كانت تتقاضى رسوماً تبلغ عادةً 2% من الأصول في السنة إضافة إلى 20% من الأرباح مقابل خدماتها. وكان الأمر يحقق نجاحاً إلى حين لم توقف عن ذلك فجأة.

المراهنة العكسية

لا يعني ذلك بالضرورة أن المراهنة ضد السوق أتت بنتيجة أفضل. فقد انقلب حال غايب بلوتكين بشكل أسوأ حتى. على الرغم من أنه ليس واحداً من "الأشبال"، إلا أنه كان معروفاً كمستثمر ماهر جداً، يتمتع بموهبة خاصة في العثور على أسهم لبيعها على المكشوف في سوق صاعدة. وقد حققت شركته "ميلفين كابيتال مانجمنت" (MELVIN CAPITAL) عوائد ضخمة في سنواتها الأولى. ولكن في عام 2021، اختار الجانب الخطأ من فورة أسهم الميم. حين أقبل المتداولون الأفراد على أسهم شركة ألعاب الفيديو "غايم ستوب" التي كان يبيعها بلوتكين على المكشوف. وفي يناير 2021، سجل صندوق "ميلفين" انخفاضاً بنسبة 55%، ما أدى إلى محو نحو 7 مليارات دولار في شهر واحد. في نهاية المطاف، لم يستطع الصندوق الخروج من الأزمة، وأنهى عام 2021 بتراجع بنسبة 39%. وقرر بلوتكين التخفيف من رهانات البيع على المكشوف الكبيرة التي تنطوي على كثير من المخاطرة.

اقرأ أيضاً: صناديق التحوط تخالف اتجاه مديري الأصول في رهانات سندات الخزانة

انسحابات

ثمّ جاء عام 2022، حين أمكن لمثل هذا الرهان على السوق الهابطة أن ينقذه. لكن بعد أن انخفض صندوقه بنسبة 23% إضافية هذا العام، قرر بلوتكين إغلاقه. وقال للمستثمرين في 19 مايو "قمت بكل ما بوسعي، ولكن مؤخراً لم يعد هذا كافياً من أجل تحقيق العوائد التي يجب أن تتوقعوها".

حذّرت كريستين فان غيلدر، نائبة كبير المستثمرين في "إفانستون كابيتال" (EVANSTON) التي تستثمر في صناديق التحوط من أن احتمالات الانسحاب ترتفع في القطاع. وقالت: "يحدث ذلك، حين يرى أحد المديرين أن حجم خسارته أكبر من أن يتمكن من الخروج منها". وأشارت إلى أن "أشبال النمر" ربما يتمكنون من الاستفادة من فرص الشراء طويلة الأجل خلال فترة الانكماش هذه إذا لم يتخل عنهم المستثمرون.

مع ذلك، ثمّة صناديق تمكنت من الاستفادة من التحولات التي طرأت في السوق. فبعض صناديق التحوط التي تركز على الاقتصاد الكلي، مثل تلك المنخرطة في توجهات اقتصادية كبرى، حيث تراهن على أمور مثل أسواق سندات الخزينة أو العملات، كانت من بين أكبر الرابحين هذا العام. كذلك، الصناديق متعددة المديرين ومتعددة الإستراتيجية التي تستثمر في فئات متعددة من الأصول. فحقق الصندوق الرئيسي لشركة "سيتاديل" (CITADEL) التابع لكين غريفن عوائد بنسبة حوالي 13% خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام. مع ذلك، فإن الخسائر الفادحة التي منيت بها بعض الصناديق البراقة سوف تخيب آمال الكثير من العملاء. فيقول بير من "دايناميك بيتا": "نظراً إلى الرسوم التي تتقاضاها صناديق التحوط، يجب أن تكون قادرة على رؤية ما هو قادم والقيام بالتصرف المناسب ببراعة".