ماكرون يرى الحل بتوزيع الشركات لأرباح على موظفيها

سيطالب الشركات بالدفع للعاملين لديها كلما دفعت للمساهمين متبعاً فكرة ابتدعها شارل ديغول

الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون
الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تزعّم الرئيس الفرنسي السابق شارل ديغول فكرة حشد العمال لتقف البلاد على قدميها مجدداً منذ سعي فرنسا لإعادة البناء بعد الحرب العالمية الثانية ووصولاً لأحداث الشغب في مايو 1968. اعتبر ديغول أن تقسيم الأرباح بإنصاف بين أرباب العمل والموظفين من شأنه إيجاد وسطية بين "السلطوية الراسخة والمستمرة" في النظام الشيوعي وبين الرأسمالية.

تشير تقديرات الجنرال نفسه إلى أن معارضة ائتلاف ممتد من الماركسيين إلى الليبراليين جعلت فلسفته الاقتصادية لا تتحقق إلا جزئياً إبان رئاسته. نفض الرئيس إيمانويل ماكرون الغبار عن كتاب الإرشادات الديغولي بعد أكثر من نصف قرن في محاولة لإنقاذ فرنسا وشخصه من الأزمة السياسية والاقتصادية عبر ما يسميه "توزيعات أرباح للعمال".

ماكرون يقترب من خسارة الأغلبية المطلقة مع صعود اليمين المتطرف

فاز ماكرون بالانتخابات الرئاسية الفرنسية في أبريل بفارق أقل مما كان عليه الوضع قبل خمسة أعوام، فهو عانى لإقناع الناخبين بأن لديه حلولاً للتضخم المتفشي. لم تكن الخلفية السياسية لولايته الثانية أسهل في 19 يونيو حين خسر حزبه أغلبيته المطلقة في الانتخابات التشريعية واختار الناخبون بدلاً منه تحالف يساري كبير للبرلمان، حيث اتحدوا لتطبيق سياسات معاقبة الأثرياء وزيادة الأجور. حصل حزب مارين لوبان اليميني المتطرف على أكبر عدد من المقاعد في تاريخه بعد التركيز على مخاوف تكلفة المعيشة خلال حملته الانتخابية.

يبحث ماكرون عن طرق لعقد التحالفات التي يحتاجها في البرلمان وتجنب تجدد الغضب الذي واجهه خلال احتجاجات حركة السترات الصفراء الشعبوية في 2018 مع ارتفاع معدل التضخم لأعلى مستوياته في 40 عاماً تقريباً وانخفاض ثقة المستهلك لأدنى مستوياتها خلال رئاسته.

للموظفين والمساهمين

يتمثّل الجزء الأساسي من استجابته لهذه الأزمات بتوزيعات أرباح على العاملين، حيث سيطالب الشركات بالدفع للعاملين لديها كلما دفعت للمساهمين. يمكن ذلك بعدة طرق، مثل المكافآت المعفاة من الضرائب التي فرضها ماكرون في 2019 وقاعدة تقاسم الأرباح الأصلية التي طورها ديغول لأول مرة. يأخذ هذا التدبير الأخير، المطلوب بالفعل في أكبر الشركات الفرنسية، بالاعتبار عوامل عدة مثل صافي دخل الشركة ورأسمالها وأجورها. كجزء من خطة توزيع الأرباح على العمال، تعهّد ماكرون بمضاعفة سقف المكافآت المعفاة من الضرائب ثلاث مرات إلى ما يصل إلى 6 آلاف يورو (6,299 دولار).

تكلفة المعيشة أكبر خطر يتهدّد إعادة انتخاب ماكرون

أثناء حملته الانتخابية المنعقدة قبل شهرين بشمال فرنسا، وهي معقل اشتراكي سابق حيث حظي اليمين المتطرف بشعبية في الأعوام الأخيرة وسط تدهور صناعي، قال ماكرون "إنها مسألة إعادة بناء العقد الاجتماعي بين العمل ورأس المال".

انخفضت تعويضات العمال عموماً كنسبة من القيمة المضافة في قطاع أعمال الاقتصادات المتقدمة منذ الثمانينيات. لطالما ناقش الخبراء أسباب هذا الانخفاض وعواقبه، إذ يلوم بعض الناس تراجع قوة النقابات العمالية، بينما يعزوه آخرون للاستثمار الأكبر في التقنية. ربما تلعب العولمة والتغيرات في إدارة الشركات وظهور شركات عالمية ضخمة ذات مراكز سوقية مهيمنة أدواراً أيضاً في هذا الانخفاض.

تتحدى فرنسا المقارنات الدولية، فقد أوضح بحث أجراه الاقتصاديان غيرمان غوتيريز وصوفي بيتون أنه بمجرد استبعاد آثار العقارات والعمل الحر، ظلت حصة العمالة من القيمة المضافة في الأعمال التجارية في فرنسا ثابتة نسبياً في العقدين الماضيين، حتى أثناء انخفاضها في الولايات المتحدة.

علاقة معقدة

يواجه ثيبو لانكساد، الذي عيّنته الحكومة لتعزيز تقاسم الأرباح، تحدياً أكبر وهو علاقة فرنسا المعقدة بالرأسمالية، التي تركز على النفور من المساهمين والشك في الشركات الناجحة. يحث لانكساد الرئيس الفرنسي على المضي قدماً في توزيعات أرباح العاملين عبر تبسيط قاعدة ديغول لتقاسم الأرباح وتطبيقها لتغطية الشركات الأصغر التي يقل عدد موظفيها عن 50. قال إن الفوائد المحتملة تتراوح من زيادة الإنتاجية وتحفيز العمال لخلق علاقات أفضل بين الموظفين والإدارة.

قال لانكساد: "نحن الدولة الوحيدة في العالم التي لديها مشكلة مع الشركات التي تدفع أرباحاً... بعد خمسين عاماً من بدء تطبيق قاعدة ديغول، يمكننا المضي قدماً لتهدئة مجتمع غير هادئ".

يمكن للوسط محاربة الشعبوية بالشعبوية

تخطط حكومة ماكرون للانتهاء من وضع التدابير في يونيو كجزء من ميزانية منقحة تتضمن مخصصات لتعويض الأسر عن ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة. يعطي المسؤولون الأولوية لوعود الإدارة بربط أرباح المساهمين والعمال ورفع سقف المكافآت المعفاة من الضرائب، وقال الوزراء إنهم يرحبون بأي تحسينات.

سيواجه ماكرون على الأرجح عصبة معارضين كالتي واجهت ديغول مهما كان هيكل هذه المبادرة.

ما يزال الاتحاد العام للعمال اليساري متشككاً حيال توزيعات الأرباح، رغم قطع علاقته بالحزب الشيوعي في التسعينيات وتوقيع صفقات عدة لتقاسم الأرباح. تحث قيادته على زيادات شاملة في الأجور عوضاً عن ذلك، محذرة من أن مقترحات ماكرون قد تعني حصول العمال على معاملة غير متكافئة، استناداً إلى مكان عملهم ووظائفهم.

قال فابريس أنجيه، أمين الاتحاد العام للعمال، إن خطة ماكرون لا تتصدى لمعدلات التضخم المرتفعة لكنها تستند إلى فكرة "تمييزية وخطيرة" في التوظيف.

أثارت فكرة توزيع الأرباح على العاملين انتقادات مجتمع الأعمال الذي قد يكون خصماً قديماً لاتحاد العمال، لكنها ترتبط أيضاً بالانقسام بين رأس المال والعمل. تشعر الشركات الصغيرة بشكل خاص بالقلق تجاه تغييرات القواعد التي قد تعرض قدرتها على البقاء للخطر.

قال إريك شيفيه، نائب الرئيس للشؤون الاجتماعية في اتحاد الشركات الصغيرة "سي بي إم إي" (CPME): "نتخيل إمكانية توزيع الأموال بأي طريقة... لا يمكن أن يدفع إخبار الموظفين بأنهم سيحصلون على أرباح فيقولون فجأة إن لديهم وظيفة عظيمة في شركة رائعة".