هل أنت ممن تنفعهم الاستقالة؟

في منتصف حياتك المهنية لا تتعلم كثيراً ولا تحصل على ترقية وقد تتراجع مهاراتك ومسؤولياتك

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أمضى غريغ ويلسون معظم خريف 2021 يحدّق إلى شاشة حاسوبه المحمول فيما تتنزه زوجته وأطفالهما الثلاثة الصغار في حديقة الحيوان أو ملعب قرب منزلهم في سانت لويس، ليعودوا بعد ساعات مبتسمين. قال الرجل الأربعيني: "كنت أغار لأنهم يقضون وقتاً ممتعاً يوميّاً، وأنا أرغب أن أشاركهم ذلك". لم يكن يستطيع ذلك لأنه مدير لبرنامج في شركة سمسرة مالية كبيرة، وهو مجال بدأ فيه في عشرينياته، وأشعره بأنه لا يمكنه أخذ فرصة، فاستقال في نوفمبر ليبدأ كتابة مدوَّنة عن أنماط الحياة.

قالت أليسون غابرييل، أستاذة الإدارة والمنظمات في جامعة أريزونا بتوسان، إن شعور ويلسون بالانزعاج جاء في وقته الصحيح. غابرييل واحدة من مجموعة متنامية من خبراء علم النفس والعمل الذين يقترحون إعادة تعريف العاملين لـ"الحياة المهنية"، بحيث يقسمونها لفترات من نحو 12 عاماً في مجال ما، يتبعها إعادة التقييم وتغيير للمسار. قالت: "نرى الناس يقررون تجربة شيء جديد تماماً بعد مرور 10 أعوام أو أكثر من حياتهم المهنية".

الموظفون خرجوا من الوباء بمطالب جديدة.. لكنهم يفتقدون القوة اللازمة لتحقيقها

يجب ألا يشكّل هذا الرأي مفاجأة كبيرة، فهي تقول إن تكيُّف الإنسان مع الأحوال الجديدة مثل الزواج أو الأبوّة أو رعاية الوالدين كبار السن أو مغادرة الأولاد للمنزل بعد اشتداد عودهم قد يحفز إعادة تقييم الاحتياجات والأهداف. يغذّي علم النفس البشري الأساسي التحوُّل بميول مثل إفراط التركيز على جوانب سلبية وتراجُع شعور الرضا المتأتّي من أمور كانت مثيرة في السابق. لقد تعاظمت هذه الاعتبارات أخيراً بعدما أتاح الوباء للعمال متسعاً من الوقت للتفكير في قيمهم واهتماماتهم وقناعاتهم.

استقالة لا تقاعُد

تنصح غابرييل بتجاهل الدافع إلى ترك كل شيء نهائيّاً، لأن "هذه هي الطريقة التي تحوّل بها استقالة عظيمة إلى أسف عظيم". تُظهِر الأبحاث أن بيئتك، وهذا يضمّ كل شيء من الأصدقاء إلى الأحداث الجيوسياسية، قد تؤثّر بشدة في مشاعرك حيال الحياة المهنية، لذلك من الضروري فهم الأمور المحفزة لعدم رضاك.

كما تقترح "صياغة وظيفة" أو تعديل دورك الحالي ليناسب أهدافك أكثر. يمكن مثلاً إعادة تكييف وظيفة مكتبية متوسطة المستوى لتصبح نقطة استناد لبلوغ منصب في إدارة المشروع عبر تولّي مهامّ قيادية كلما أمكن ذلك. قالت: "غالباً ما يمكنك تغيير أنواع الأشخاص الذين تتفاعل معهم، أو البحث عن علاقات جديدة"، يمكن لهذه التغييرات إجمالاً تجديد الطريقة التي تنظر بها إلى الوظيفة.

إن كنت قد بدأت تكره وظيفتك الجديدة فلا بأس بتركها

إن استمرّ تملمُلك، فإن بول فرينش، العضو المنتدب في شركة التوظيف "إنترينسيك إكسكيتيف سيرش" (Intrinsic Executive Search) الواقعة بالقرب من لندن، يحثّ الموظفين على التفكير في تغيير رئيسي يتكرّر كل عقد تقريباً. قال فرينش إن "الفوائد تفوق السلبيات"، وأوصى بالانتقال إلى صناعة نشطة من شأنها زيادة أجرك فيما تعزّز شبكاتك المهنية، قائلاً: "لكي تزدهر، عليك توسيع قائمة علاقاتك، والتغيير الوظيفي أحد أفضل طرق ذلك".

نقاط الضعف

ينصح فرينش بتخصيص وقت كافٍ لتعزيز المهارات، سواء عبر الإنترنت أو الكتب أو الدراسات العليا، وهي استراتيجية أيدها أشخاص خاضوا تجربة كهذه بنجاح.

ترك ويل هيلر، وهو شريك إداري في "إي إس تي فينتشرز دوت كوم" (EStVentures.com) في واشنطن العاصمة، مهنته في المجال السياسي بعدما قضى فيها أكثر من عقد لدخول مجال رأس المال الاستثماري، الذي استعد له بالقراءة والبحث عن مرشدين وإلقاء نظرة حازمة على قدراته الخاصة. قال هيلر: "حدّد نقاط الضعف التي ستضعها نصب عينيك واعمل بجد لتسدّ الفجوة".

10 أمور تمنيت معرفتها في بداية مسيرتي المهنية

أحد أسباب تبنّي عديد من الناس التغيير أن الأدوار رفيعة المستوى غالباً ما تكون أقل إرضاءً. يرجع ذلك جزئياً إلى أن المهام الإدارية بإمكانها إبعاد الموظفين عن الأنشطة العملية التي جذبتهم في البداية إلى المجال.

قال ويلسون، المدير السابق في مجال السمسرة: "كلما أصبحت أكثر خبرة زاد الوقت الذي أمضيه في السياسة واستطلاع أسباب عدم إتمام المهامّ. ليس هذا ما أريده".

بيّنت نيتيا تشاولا، الأستاذة المساعدة في كلية مايس للأعمال بجامعة "تكساس إيه آند إم"، أن كل هذا يمكن أن يجعلك تعاني، رغم أن تذمُّرك قد يكون علامة على الإتقان. أوضحت أنه "في منتصف حياتك المهنية، غالباً ما لا تتعلم كثيراً ولا تحصل على ترقية، وقد تتباطأ مهاراتك ومسؤولياتك"، لكن يفضل عدم انتظار مواجهة مثل هذه المشاعر، بخاصة إذا كان العمل يبدو رتيباً وينطوي على مسؤوليات مالية.

ادفعوا لي أكثر أو أستقيل: العمال يلعبون لعبة خطرة مع رؤسائهم

اقترحت تشاولا مقاربة منظمات تتماشى مع قيمك الراسخة، لأن معظم الناس يقدمون دوراً أفضل عند إيجاد هدف لأدوارهم ومنظماتهم. قالت: "من المهم تغيير وظيفتك، والمنظمات تريد ذلك أيضاً في النهاية، لأن الموظفين غير المتفاعلين في العمل يكونون أقلّ إنتاجية وأقلّ صحة، سواء جسدياً ونفسياً".

أخذ ويلسون في النهاية بنصيحة صديق من رواد الأعمال حثّه على اختيار مسار وظيفي يتطلب المشاركة والتعلُّم الواسع، فترك ويلسون خطط إعادة تشغيل المشاريع السابقة ليشتري "تشا تشينغ كوين دوت كوم" (ChaChingQueen.com)، وهي مدونة عن أنماط الحياة حول الاقتصاد في المعيشة.

تسير أموره جيدةً حتى الآن، كما ينصح الآخرين بمثل هذا التغييرـ لأن لديهم دائماً خطة أمان بيّنها ويلسون بقوله: "إن فشل ما باشرته فيمكنك أن تعود إلى حياتك المهنية القديمة".