الاقتصاد السعودي يحلق متجاوزاً حدود النفط

التحول الاجتماعي والاقتصادي يعيدان تشكيل المملكة مع تسارع وتيرة برنامج الإصلاح

منازل حديثة في الرياض.
منازل حديثة في الرياض. المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

خلال شهر واحد فقط جرى بيع أكثر من 300 شقة في مجمع الرياض الجديد التابع للمطور العقاري عبد السلام الماجد نقداً، دون أن يضطر حتى إلى الإعلان عنها.

هذه هي السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، لذا ليس من المستغرب أن يكون سوقها العقاري محموماً مع تدفق الدخل الناجم عن ارتفاع أسعار الطاقة عبر الاقتصاد.

لكن الماجد يقول إن التدافع على المنازل التي تبلغ تكلفتها مليون ريال يعكس شيئاً آخر أيضاً، وهو: التحول الاجتماعي والاقتصادي الذي يعيد تشكيل المملكة، وتتسارع وتيرته بفضل برنامج الإصلاح الشامل الذي يشرف عليه ولي العهد، (الدولار يعادل 3.75 ريال).

تغيير العقلية

أضاف الماجد، الذي يرأس شركة "الماجدية ريزيدنس" للتطوير العقاري المملوكة لعائلته: "هناك تغيير في العقلية" مع تبني بعض السعوديين أسلوب المعيشة الأكثر انفتاحاً الذي توفره شركته. واستطرد: "حالياً يوجد إبداع جميل في التصميمات السعودية".

طالع أيضاً: إنفوغراف..4 أسباب لاستقرار التضخم في السعودية

وخفف الأمير محمد بن سلمان، الذي يجمع في يده مختلف السلطات، القيود المفروضة على الترفيه وكيف يمكن للرجال والنساء الاختلاط، كما يحاول تقليص الاعتماد على النفط.

قبل 10 سنوات، لم يكن العديد من مالكي العقارات يؤجرون حتى للنساء، اللائي كن بحاجة إلى موافقة أولياء أمورهن من الرجال على العديد من قرارات الحياة. اليوم، تدخل النساء سوق العمل بأعداد أكبر، و30% من مشتري عقارات "الماجدية" من الإناث، ممن تشترين عقارات بغرض الاستثمار أو منزل خاص بهن.

نهضة اقتصادية

تساعد تلك النسوة في النهوض بالاقتصاد الذي تحول بفضل أسواق الطاقة. ومع شعور معظم العالم بالقلق من التضخم المتزايد الذي تدعمه الحرب الروسية في أوكرانيا والركود المحتمل، فإن وصول متوسط ​​سعر النفط إلى أكثر من 100 دولار للبرميل هذا العام يعني أن اقتصاد السعودية هو الأسرع نمواً في مجموعة العشرين.

اقرأ أيضاً: صندوق النقد يوصي السعودية بتحرير سعر البنزين والحكومة ترفض

توسع الناتج المحلي الإجمالي 11.8% في الربع الثاني من العام الجاري، عندما نما الاقتصاد غير النفطي 5.4% وهو الآن أكبر مما كان عليه في نهاية عام 2019، قبل اندلاع الوباء.

أعلنت شركة الطاقة السعودية المملوكة للدولة "أرامكو" عن أكبر أرباح ربع سنوية معدلة فصلياً مقارنة بأي شركة مدرجة على مستوى العالم. كما تتدفق مليارات الدولارات على الخزائن السعودية وتزيد من استثمارات الدولة، مما يعزز معنويات القطاع الخاص الذي يعتمد على العقود الحكومية.

انتعاش البناء

قفز الإنفاق الرأسمالي 64% على أساس سنوي في الفترة من أبريل إلى يونيو، مع بدء انتعاش كبير في قطاع البناء بالمملكة، بما في ذلك مراكز التسوق والحدائق بالإضافة إلى خطط هائلة لتشييد مدينة جديدة مبنية من الصفر، وتطوير مباني سياحية فاخرة على البحر الأحمر. وارتفع الإنفاق الإجمالي 16%، رغم توقعات انخفاضه في الميزانية الأولية لهذا العام.

عادةً ما تؤدي حرارة الصيف إلى سفر العائلات المترفة في السعودية إلى أجواء أكثر برودة في أوروبا، لكن أحدث المطاعم الراقية في الرياض أصبحت مكتظة بالزبائن. وفي "كويا" (Coya)، وهي سلسلة مطاعم أميركية لاتينية، تكون أكثر أوقات العشاء طلباً –التي تمتد من الساعة 8:30 إلى 9 مساءً- محجوزة بالكامل قبلها بشهر.

انتعشت عمليات السحب النقدي المجمعة ومعاملات نقاط البيع مجدداً -وهي مؤشر على نشاط المستهلك- مع صعودها بنسبة 9% على أساس سنوي في يونيو بعد ارتفاعها القياسي في مارس. وبلغ معدل التضخم الشهر الماضي 2.7%، أي نحو ثلث المعدل الموجود في الولايات المتحدة أو منطقة اليورو.

"عوامل إيجابية"

تحاول وزارة المالية التخلص من دورة الازدهار والكساد المرتبطة بالنفط، عبر ضخ الأموال في الصناديق السيادية والمشاريع طويلة الأجل مثل تصنيع السيارات الكهربائية والسياحة.

محتفلون يرقصون على أنغام الموسيقى في مهرجان غنائي بالرياض
محتفلون يرقصون على أنغام الموسيقى في مهرجان غنائي بالرياض المصدر: بلومبرغ

وفقاً لمسح أجرته "بلومبرغ" لخبراء اقتصاديين، من المتوقع توسع الاقتصاد بنسبة 7.6% هذا العام، لكن النمو قد يتهاوى مجدداً إلى 2.5% بحلول 2024. ويبلغ سعر النفط الخام الآن حوالي 90 دولاراً للبرميل مع استمرار المخاوف العالمية من التباطؤ الاقتصادي، واحتمال زيادة المعروض من إيران إذا استمر إحياء اتفاقها النووي في التخييم على السوق.

اقرأ المزيد: السعودية تخفض رسوم مطاراتها 35% لتعظيم تنافسيتها

قالت مونيكا مالك كبيرة الاقتصاديين في "بنك أبوظبي التجاري": "إذا حدث انهيار آخر في أسعار النفط؛ سيتباطأ النشاط مجدداً. لكن هناك عدداً من العوامل الإيجابية التي تتجمع في هذه المرحلة".

منافسة دبي

تقدم "الماجدية" عقاراتها للمحترفين الأثرياء ممن يريدون منازل ذات مخطط مفتوح مع وفرة من الضوء الطبيعي. وكان العديد من السعوديين يفضلون في السابق المنازل ذات الجدران العالية والنوافذ الصغيرة للحفاظ على الخصوصية. لكن الانفتاح الاجتماعي، إلى جانب العائلات الأصغر والميزانيات الأقل غير ذلك التوجه.

بُني أحدث مجمع تابع لشركة التطوير العقاري حول ساحات فناء مشتركة ويضم مقاهي وصالات رياضية وحضانة.

يعكس هذا الأسلوب في التصميم نظيره الخاص بعقارات الإسكان الراقي في دبي، وهي المركز الإقليمي الذي يريد الأمير محمد منافسته، معلناً عن خطط لمضاعفة عدد سكان الرياض وجذب ملايين المغتربين.

هذا هو السبب الرئيسي في تفاؤل الماجد، حيث قال إنه كلما زاد عدد الأشخاص؛ ارتفع عدد الشقق التي يحتاجون إليها.