رغم عدم معرفته.. "الفيدرالي" الأميركي مُطالب بالوصول إلى سعر فائدة "حيادي"

جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، يتحدث خلال مؤتمر صحفي عقب اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في واشنطن العاصمة، الولايات المتحدة، يوم الأربعاء 27 يوليو 2022.
جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، يتحدث خلال مؤتمر صحفي عقب اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في واشنطن العاصمة، الولايات المتحدة، يوم الأربعاء 27 يوليو 2022. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تسعى البنوك المركزية إلى إدارة الاقتصادات من خلال تحديد أسعار الفائدة عند مستويات تُسرّع أو تُبطّئ أشياء مثل مشتريات السيارات ومشروعات البناء.

لكن الهدف المنشود هو الوصول إلى مستوى أقل تأثيراً من ذلك بكثير، عبر تطبيق سعر فائدة لا يؤثر على نمو الاقتصاد بأي صورة، والمعروف باسم سعر الفائدة "الحيادي".

حالياً، يُعدّ هذا مؤشراً مهماً لأن معظم واضعي السياسات النقدية يحاولون تطبيق أسعار فائدة عالية بما فيه الكفاية لخفض التضخم، لكن ليست مرتفعة بالدرجة التي تُرسّخ للركود.

ومع تشديد الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبنوك المركزية الأخرى لسياساتهم النقدية أكثر مما فعلوا لعقود، يدور الجدل الرئيسي الآن حول ما إذا كان الوصول لسعر الفائدة "الحيادي" أصبح أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.

1) ما سعر الفائدة "الحيادي"؟

نظرياً يمكن القول إن سعر الفائدة "الحيادي" هو المستوى الذي لا تُحفّز فيه السياسة النقدية النمو الاقتصادي ولا تُثبّطه، حسبما وصفته لايل برينارد، نائبة رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، في خطاب ألقته خلال 2018، مضيفة: إنه "يحافظ على نمو الإنتاج بالقرب من معدله المحتمل في بيئة تتسم بالتوظيف الكامل والتضخم المستقر". (يُعرف المعيار الذي يستخدمه بنك الاحتياطي الفيدرالي لتوجيه السياسة النقدية بسعر فائدة التمويل الأميركية).

2) لماذا يُعدّ مهماً؟

هناك سببان، الأول: إنه على المدى الطويل ترغب البنوك المركزية في تحقيق التوافق بين سياساتها النقدية والمستوى الذي يتوقعون وصول سعر الفائدة "الحيادي" له. أما الثاني: فهو أنه يوجّه تفكيرهم أيضاً حول كيفية تحريك أسعار الفائدة على المدى القصير. فإذا عانى الاقتصاد من بعض التباطؤ؛ يحرصون على خفض أسعار الفائدة أقل من المستويات الحيادية حتى يسهموا في تعزيز النمو. والعكس صحيح، فإذا كان التضخم مرتفعاً للغاية؛ سيفضلون بقاء أسعار الفائدة فوق المستويات الحيادية من أجل إبطاء وتيرة الاقتصاد.

3) كيف يستدل "الفيدرالي" عليه؟

لا يعرف "الفيدرالي" سعر الفائدة "الحيادي" بالضبط، وإنما يُصدر تقديرات له وحسب. تميل البنوك المركزية إلى الاعتقاد بأن الاتجاهات طويلة المدى مثل الإنتاجية والتركيبة السكانية تسهم في تحديد هذا السعر.

اقرأ أيضاً: "جيه بي مورغان": سبتمبر آخر زيادات الاحتياطي الفيدرالي الكبيرة لأسعار الفائدة

خلال 2012، عندما بدأ مسؤولو الفيدرالي في نشر توقعاتهم له على أساس فصلي، قدّر أوسط آراء المشاركين في اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة وصوله إلى 4.25.% على مدى السنوات التالية، خُفض هذا التقدير بشكل مطرد حتى بلغ 2.5% في يوليو الماضي.

4) ماذا يقول مسؤولو "المركزي الأميركي"؟

رفع مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بسرعة هذا العام في محاولة لترويض التضخم، الذي وصل إلى أسرع وتيرة له منذ أوائل الثمانينيات. في يوليو، بلغ النطاق المستهدف لسعر فائدة التمويل الأميركية 2.25 إلى 2.5%. مهّد ذلك الطريق للمرحلة التالية من دورة التشديد النقدي، مع إشارة المسؤولين إلى عزمهم على الاستمرار في رفع أسعار الفائدة فوق هذا المستوى، على أمل أن يؤدي ذلك إلى إبطاء وتيرة الاقتصاد، والضغط على التضخم حتى يتراجع.

5. ما ردود الفعل على ذلك؟

ثار نقاشٌ محمومٌ في 2022 حول ما إذا كان سعر فائدة التمويل الأميركية بنسبة 2.5% يُعتبر حيادياً أم لا. وصف وزير الخزانة الأسبق، لورانس سامرز، هذا السعر في يوليو الماضي بأنه "لا يقترب إطلاقاً من الحياد"، بينما انحاز جيسون فورمان، الذي قاد مجلس المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض خلال عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، إلى الجانب الآخر. قال وليام دادلي، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك السابق، إنه "يشك أكثر من المعتاد" في أن سعر 2.5% حيادي، نظراً للشكوك المحيطة بالتقديرات. كما بدأ بعض مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي في الحديث بصورة أكبر عن "أسعار الفائدة الحقيقية"، وهي المستويات التي تُقدَّر بعد احتساب التضخم.

اقرأ المزيد: 3 مسؤولين بـ"الفيدرالي": مستمرون في زيادة الفائدة حتى يتراجع التضخم

خلال اجتماع يوليو للجنة صنع السياسات في الاحتياطي الفيدرالي، علّق بعض المشاركين على أن الأسعار الحيادية قصيرة الأجل قد تزداد ارتفاعاً خلال فترة التعديل هذه، بسبب الاضطرابات الناجمة عن الحرب والوباء، مقارنة بتقديراتهم على المدى الطويل، وفقاً لمحضر الاجتماع.

6) كيف تؤثر تقديرات أسعار الفائدة "الحيادية" على عمل "الفيدرالي"؟

لم يتضح هذا بشكل كامل. فحتى لو كان مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي يعتقدون أن 2.5% مستوى حيادي لأسعار الفائدة على المدى الطويل، إلا أنهم لا يتخذون قرارات مصيرية بناءً على ذلك. فهم يعرفون أنهم يتعاملون مع ظروف غير عادية، بما في ذلك تعطيل الوباء لسلاسل التوريد، وموجات الصدمات الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا. وبرز ذلك في تصريحات رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، خلال خطابه في 26 أغسطس ببلدة جاكسون هول بولاية وايومنغ، حيث قال: "في الظروف الحالية، مع ارتفاع التضخم إلى أكثر من 2% بكثير، وضيق سوق العمل الشديد، فإن التقديرات الخاصة بأسعار الفائدة الحيادية على المدى الأطول لا تُعدّ مؤشراً لوقف التشديد أو تأجيله".

اقرأ أيضاً: محاولات "الفيدرالي" لكبح جماح التضخم مستمرة بزيادة كبيرة متوقعة لسعر الفائدة

في نهاية المطاف، بمجرد عودة التضخم إلى الانخفاض، قد يحاول بنك الاحتياطي الفيدرالي الاقتراب مجدداً من سعر الفائدة الحيادي. تثير فكرة اتباع هذا النهج أسئلة حول مصطلح آخر جذب مزيداً من الاهتمام مؤخراً، وهو ما يُسمّى بسعر الفائدة "النهائي".

7. ما سعر الفائدة "النهائي"؟

هو سعر الفائدة الذي يمثّل ذروة التشديد النقدي في دورة عمل واحدة. عندما نشر مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي التوقعات الفصلية في يونيو، قدّر أوسط آراء المشاركين ​​في اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة ارتفاع سعر فائدة التمويل الأميركية إلى 3.8% بحلول نهاية العام المقبل، قبل أن يعود إلى 3.4% بختام 2024. لكن الفيدرالي سينشر تنبؤات محدثة في ختام اجتماع السياسة للجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة المتوقع عقده في يومي 20-21 سبتمبر.

بناءً على التداولات التي تجري في سوق العقود المستقبلية، توقع المستثمرون في منتصف سبتمبر الجاري وصول السعر إلى ذروته أوائل العام المقبل عند نحو 4.3%، وإنهائه 2023 عند قرابة 3.9.% على النقيض من ذلك، كان سعر الفائدة "النهائي" خلال فترة التضخم المرتفع التي بدأت في السبعينيات 20%، وهو وضع يحاول الاحتياطي الفيدرالي تجنب تكراره بشدة.