العملات التقليدية تستحوذ على صدارة السوق من العملات المشفرة

عززت أسعار الفائدة والمخاطر الجيوسياسية سوق الصرف الأجنبي

أوراق نقدية حديثة الطباعة غير مقطعة من فئة دولار أميركي
أوراق نقدية حديثة الطباعة غير مقطعة من فئة دولار أميركي المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كانت الأجواء في مؤتمر متخصصي سوق العملات مختلفة بصورة ملحوظة مقارنة بالأعوام القليلة الماضية، إذ بدت مفعمة بالمناقشة الحيوية.

ساد شعور بالتفاؤل بين كبار المسؤولين التنفيذيين من البنوك وشركات الوساطة إزاء مستقبل تداول العملات الأجنبية في تجمعهم الأخير في أمستردام. فقد أمضوا أعواماً وهم يراقبون عالم العملات المشفرة بعين الحسد، إذ ازدهرت الأصول المشفَّرة في ظل سوق شديدة التقلب، بينما بقيت سوق النقد التقليدية راكدة.

تصدّرت العملات حالياً مقدمة المشهد. وذلك لأنَّ الزيادة السريعة في مخاطر أسعار الفائدة بأنحاء العالم كافة وتفاقم التوترات الجيوسياسية دفعت إلى زيادة التداول بنسبة 30% مع تحركات تاريخية، مما أنعش قطاعاً قضى العقد الماضي وهو يعاني في ظل أحجام تداول تراوح مكانها.

نشاط كبير

قال راسل لاسكالا، الرئيس العالمي لوحدة تداول العملات الأجنبية في "دويتشه بنك"، أكبر لاعب حول العالم من حيث الحصة السوقية: "استعادت العملات الأجنبية كفئة أصول نشاطها فعلاً في العام الجاري، وأعتقد أنَّ كثيراً من صناديق التحوط الكلية كانت تتعامل السنة الماضية في أصول مختلفة، بما فيها العملات المشفَّرة".

إنفوغراف.. أداء النفط والذهب والعملات المشفرة في 2022

تراجعت التقلبات الشديدة في أسواق العملات المشفَّرة خلال السنة الحالية، إذ هبط مؤشر تقلب “بتكوين” بما يفوق 50% منذ بلوغه مستوى الذروة في مايو الماضي. في المقابل؛ فإنَّ مقاييس "دويتشه بنك" و"جيه بي مورغان تشيس أند كو" لتقلب العملات هي الأعلى خلال عقد عدا الصعود المفاجئ عندما تفشى وباء كورونا.

أحدثت التحركات صدمة؛ ففي اليابان، باعت السلطات الدولارات لدعم الين لأول مرة منذ 1998، في حين تراجع سعر اليورو دون مستوى التعادل مع الدولار ليبلغ أدنى مستوى له في 20 سنة. وفي لندن، مركز تداول العملات الأكبر في العالم، هبط الجنيه الإسترليني لأدنى مستوى له في التاريخ.

الدولار القوي

قال كيت جوكيس، الرئيس العالمي لوحدة استراتيجية العملة في مصرف "سوسيتيه جنرال": "إنَّ التقلب يشبه قليلاً حافلة لندن: فإما لا نجد أي باص مقابل الحب أو المال، أو تصل ثلاث حافلات في وقت واحد".

قوة الدولار تجبر بلدان العالم على العمل منفردة للدفاع عن عملاتها

اجتذب هذا النشاط اللاعبين المضاربين على غرار صناديق التحوط الكلية، ولفت انتباه مستثمري الأموال الحقيقية، الذين تتعرض تقييمات محافظهم حالياً لتقلبات مفاجئة. زادت التحركات جراء الحرب في أوكرانيا والارتفاعات الكبيرة في أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جاذباً الأموال للدولار كملاذ آمن ومؤثراً على الأسواق الأخرى بداية من “بتكوين” وصولاً إلى الأسهم.

قال إبراهيم رحباري، الرئيس العالمي لتحليل العملات الأجنبية في "سيتي غروب": "بات تداول العملات الأجنبية محل تركيز أكبر كثيراً، حتى بالنسبة للمستثمرين الذين لا يركزون في العادة على العملات الأجنبية لسببين أساسيين: كان الدولار هو أصل التحوط الفعال الباقي في مختلف الأسواق، وكان صعود الدولار قابلاً للتداول بصورة هائلة بالنسبة للمستثمرين المضاربين".

في مؤتمر أمستردام، "تريد تيك أف إكس"، ملأ المسؤولون التنفيذيون الجلسات بعناوين على غرار "كيف يمكنك أن تُعد مكتب تداول العملات الأجنبية للتقلبات الشديدة" قبل أن يصعدوا إلى طابق مخصص للحفلات التي تعقب الفعاليات وتحظى بمشروبات إسبرسو مارتيني.

العملات الرئيسية

العملات المشفرة

بدا مضاربو العملات المشفَّرة في أعقاب المناقشات حول ما إذا كان "الشتاء" قد أعاق تقدّم عملية بناء نظام بيئي مؤسسي متجهمين، وكانوا يتذمرون في الزوايا. فقد بقيت عملة “بتكوين” ثابتة حول 20 ألف دولار على مدى شهور، مما يمثل انهياراً من ذروتها خلال السنة الماضية قرب 70 ألف دولار.

مسؤول في "المركزي الأوروبي": "شتاء العملات المشفرة يجب ألا يبطئ وتيرة تنظيمها

قال تانفير ساندو، كبير محللي المشتقات العالمية في "بلومبرغ إنتليجنس": "على ما يبدو أنَّ العملات المشفَّرة كانت تحظى بالانتعاش حتى بدأت البنوك المركزية في تحطيم كل شيء، بدأ التضخم في القضاء على تدهور مزمن في تقلب العملة، إذ أطلقت البنوك المركزية العنان لأعوام من كبح التضخم. أما التقلب فهو يصنع الفرص وهو أفضل صديق للمتداول".

من الناحية الواقعية، لا تستحوذ العملات المشفَّرة إلا على قدر محدود من أحجام أسواق صرف العملات الأجنبية، برغم كل الاهتمام الذي تثيره. فقد وصلت قيمة تداولات العملات الورقية 6.6 تريليون دولار يومياً تقريباً، بحسب بنك التسويات الدولية، وذلك مقارنة مع أقل من تريليون دولار لـ”بتكوين” والرموز الأخرى، بحسب موقع البيانات "كوين ماركت كاب".

تقلبات أكثر

قال جوكيس من "سوسيتيه جنرال" إنَّه من المحتمل أن تنتقل الأسواق حالياً إلى نطاق أعلى من أسعار الفائدة وعوائد السندات، وسيواكب ذلك تقلبات أعلى بالعملة في المتوسط.

رفع الفيدرالي الأميركي الفائدة يرسم صورة قاتمة لعملات جنوب شرق آسيا

يفيد ذلك الشركات التي تهيمن على المجال. فقد صعد نشاط التداول في البورصات الكبرى بالمقارنة مع السنة الماضية، في حين أنَّ أرباح أكبر بنوك تداول العملات بلغت أعلى مستوياتها خلال عدة أعوام.

سجلت منصة "إي بي إس ماركت" (EBS Market) المملوكة لشركة "سي إم إي غروب" ارتفاعاً للتداول الفوري بنسبة 30% في سبتمبر الماضي مقارنة بالسنة الماضية، في ظل تداول العقود الآجلة عند مستوى قياسي. وصل حجم التداول الفوري 76 مليار دولار، وهو المستوى الأعلى منذ تفشي وباء كورونا في مارس 2020. كما حظيت المنصات الكبيرة الأخرى بانتعاشة، حيث شهدت "يورونيكست إف إكس" (Euronext FX) زيادة بنسبة 20% في أغسطس الماضي، بحسب موقع "ليكويدتي فايندر" الإلكتروني.

لم تكن كل الأمور سهلة. أوضح رحباري من "سيتي غروب" أنَّ السيولة المالية ما زالت في بعض الأحيان تمثل تحدياً.

قال: "كانت توجد مناسبات تحركات كبيرة في أسعار الأصول مع تدفق ضئيل نوعاً ما، وهي مشابهة لأنماط بأسواق أخرى في السنة الجارية".

أنشطة جيدة

بصفة عامة، أفادت قفزة التقلبات مصارف "دويتشه بنك"، و"يو بي إس غروب"، و"جيه بي مورغان"، أكبر 3 بنوك من حيث حصتها في السوق، والتي تسيطر على 30% من السوق، بحسب استطلاع رأي سنوي لبنوك تداول العملات من قبل مجلة "يورو ماني".

حقق "جيه بي مورغان" زيادة 15% في أعماله بأسواق الدخل الثابت خلال الربع الثاني من العام الحالي. وأبرز "يو بي إس" العملات الأجنبية كمحرك للإيرادات التي صعدت 19% بقسم الأسواق العالمية التابع له. في غضون ذلك، سجل الدخل الثابت والعملات في "دويتشه بنك" نمواً بنسبة 32%، وهو أفضل ربع ثان منذ عقد.

قال لاسكالا: "كنت أقوم بذلك لفترة طويلة، فنشاط العملاء يزداد عندما تكون الأسواق متقلبة، ولكنَّها ليست فوضوية، وعادة ما يكون ذلك جيداً في أداء القطاع".