مصابيح برلين الغازية تخبو بعد قرون مع قطع روسيا للإمدادات

تضم برلين 23 ألف مصباح غاز.. يستهلك كل منها ما يعادل احتياجات منزل يقطنه شخص واحد

مصباح غاز خارجي في برلين
مصباح غاز خارجي في برلين المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بدأت برلين بتركيب مصابيح غاز على امتداد شوارعها وأزقّتها في مطلع القرن التاسع عشر، حالها في ذلك حال عديد من مدن العالم. لكن رغم أن بقية الكوكب انتقلت منذ فترة طويلة إلى مصابيح الصوديوم والهاليد وإل إي دي، فإن العاصمة الألمانية حافظت بعناد على التقليد القديم ولا يزال نحو 23000 مصباح غاز يتوهج ليضيء المدينة.

سعت الحكومة المحلية على مدى سنوات للتخلص من مصابيح الغاز واستبدالها تقنيات أكثر استدامة بها، لكنّ محبي الوهج الدافئ وأعمدة الإنارة المزخرفة تمكنوا من عرقلة تلك الجهود. تسببت الحرب الروسية في أوكرانيا في تسريع وتيرة توقف الاعتماد على هذه التقنية.

قال بينيديكت لوكس، النائب عن حزب الخضر في برلمان المدينة: "الغاز باهظ التكلفة وكثيف الاستهلاك، وكان يجب استبدالها مصابيح إل إي دي به منذ فترة طويلة".

ترشيد الاستهلاك

يعكس تحوُّل الإضاءة التغييرات التي تشهدها ألمانيا من تهديد الحرب لإمدادات الطاقة لأكبر اقتصاد في أوروبا، إذ تراجعت واردات ألمانيا من نفط روسيا بمقدار الثلثين منذ فبراير، فيما لا تحصل على أي غاز الآن من روسيا التي تساهم بأكثر من نصف إمداداتها من الغاز الطبيعي والفحم.

أزمة الطاقة تهدد بانكماش الاقتصاد الألماني في 2023

أطفأت برلين الأنوار في المعالم الأثرية مثل بوابة براندنبورغ والكاتدرائية وعمود النصر في تيرغارتن مع ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء والبنزين، كما طبقت المدينة إجراءات لتوفير الطاقة مثل وقف العمل بأجهزة تنظيم درجة الحرارة في المكاتب، وحددت لحرارة حمامات السباحة سقفاً عند 26 درجة مئوية، وأطفأت مصابيح الغاز.

قال المستشار أولاف شولتس للصحفيين في أغسطس: "نواجه أوقاتًا عصيبة، وأعتقد أن كل شخص في هذا البلد يعرف ذلك".

بدائل ضارة

يتدافع سكان برلين بحثاً عن بدائل للتدفئة، خصوصاً الحطب، فيما يستعدّون لشتاء بارد وليالٍ مظلمة، إذ لا يزال في عديد من الشقق القديمة بكل أنحاء المدينة أفران حطب وفحم عمرها قرن ولم تُزَل لدى تحوُّل المباني إلى التدفئة المركزية. كما يسعى من لا يملك فرناً للحصول على مواقد حطب جديدة، رغم احتمال حصول قليل منهم على واحد قبل الصيف بعدما امتدت أوقات التسليم إلى نحو 8 أشهُر، بعدما كانت أسبوعاً فقط الشتاء الماضي.

ألمانيا والمملكة المتحدة تكشفان عن خطط إنقاذ لاحتواء تداعيات أزمة الطاقة

تضاعف سعر الحطب تقريباً العام الماضي لمن أمكنهم الحصول عليه. قال بيتر إنغلك، بائع جذوع الأشجار وكرات الخشب والفحم وزيت التدفئة بحي تمبلهوف في برلين، إنه غارق بالرد على المكالمات الهاتفية. وبينما اعتاد بيع الكميات التي يريدها العملاء مهما كانت، اضطر هذا العام إلى الحد من شحنات قوالب الخشب بحد أقصى نصف طن. قال إنغلك: "لا يمكنني استقبال عملاء جدد، فبالكاد يمكنني تلبية طلبات عملائي".

كما يقول منظفو المداخن إنهم تردهم مكالمات من سكان يسألون إذا كان بإمكانهم حرق أشياء مثل روَث الخيول ويجيبون بـ"لا"، أو حرق صناديق الخضار القديمة، وهو أمر يعتمد على جودتها، وكرات الجاودر، وهو ممكن لكن ينتج عن ذلك كثير من الرماد، فيما حذرت "الرابطة الفيدرالية لتنظيف المداخن" من استخدام أنواع وقود غير تقليدية قد تلحق الضرر بالمواقد، وتؤدي إلى تراكم مواد قابلة للانفجار في المداخن، وتملأ السماء بجزيئات تؤدي إلى تفشي الربو.

التغيير صعب

رغم ذلك يتطلب الاستبدال بمصابيح الشوارع وقتاً طويلاً، فعلى مدى العقد الماضي حوّلت برلين أكثر من 20 ألفاً منها إلى مصابيح إل إي دي، لكن يبقى آلاف منها قيد الاستخدام وكلها تقريباً في الغرب، إذ تحولت برلين الشرقية إلى الكهرباء منذ عقود في ظل الحكم الشيوعي. يستهلك كل مصباح غازاً يُعادل استهلاك منزل يقطنه شخص واحد. يضم عمود الإنارة نحو 9 مصابيح، وهي تحترق خلال أقل من عام ولا يمكن الاستبدال بها سوى من مورد وحيد بالهند، كما يعمل نحو 1000 مصباح طوال اليوم لعدم إمكانية إغلاق صمامات التحكم بها.

تقول نينا ليرش، نائبة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم في المدينة: "بتزامن نقص الغاز الذي يلوح في الأفق مع خطر انقطاع الكهرباء، يتعين على برلين توفير أكبر قدر ممكن من الطاقة".

أجواء رومانسية

يرى بعض المؤيدين أن الضوء الأصفر الخافت المنبعث من المصابيح يخلق أجواء رومانسية تستحق تلك التكلفة. اقترحت رابطة المواطنين التي تجتهد للحفاظ على المصابيح، "غاس ليخت كولتور"، وقف المدينة شبكة الغاز مؤقتاً وتثبيت مصابيح إل إي دي تعمل بالطاقة الشمسية على الأعمدة، مع إعادة تشغيل المصابيح بمجرد تراجع حدة نقص إمدادات الغاز، والخيار الثاني تقليل تدفق الوقود الذي يجعل الأضواء خافتة بما يوفر ملايين الأمتار المكعبة من الغاز سنوياً. قال برتولد كويات، وهو مهندس وعضو في المجموعة: "لا ينبغي استغلال أزمة الغاز ذريعة جديدة لوقف المصابيح، ويتعين على برلين عدم إزالتها واستبدالها مصابيح كهربائية بها ليس لها قيمة حضارية".

منظمة الطاقة الألمانية تحذّر من زيادة استهلاك الغاز الأسبوع الماضي

يحاجج مسؤولو المدينة بشأن مزايا مصابيح الغاز ويشيرون إلى إمكانية الحفاظ على أعمدة الإنارة التقليدية مع استخدام مصابيح إل إي دي الأكثر كفاءة. تقول المدينة إنّ آلاف المصابيح التي استبدلت بها تشبه بإضاءتها لون ودفء مصابيح الغاز تقريباً، ولكن بأقل من 10% من تكلفة الوقود والصيانة.

قال لوكس، النائب عن حزب الخضر: "عليك التفريق بين بعض الحالات التي نحاول فيها الحفاظ على المصابيح كتراث يجب حمايته، وبين حرق الغاز الذي لا يحمل قيمة تراثية ولم يكن كذلك قط".