بصيص أمل في البحث عن مُسكن ألم لا يسبب الإدمان

تعمل "فيرتكس" على دواء يمكنه تثبيط نظام الإنذار في الجسم دون دفع المرضى لطلب مزيد منه

معمل فيرتكس في سان دييغو.
معمل فيرتكس في سان دييغو. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لا شيء يفوق المواد الأفيونية تسكيناً للألم، وقد استخدمها الناس لآلاف السنين كي يستبدلوا الشعور بعدم الراحة بفورة من الحيوية. لكن يَسهل أن تجعل مستخدميها مدمنين، خاصة لدى استخدام الأنواع المُصنعة معملياً مثل الفنتانيل. كما أن المواد الأفيونية مسؤولة عن ثلاثة أرباع الوفيات بالجرعات الزائدة في الولايات المتحدة. لم يكن لدى شركات صناعة الأدوية قبلاً بدائل لا تسبب الإدمان رغم سنوات من البحث، لكن اليوم يبدو أن هناك بصيص أمل في إيجاد بديل غير إدماني ما يزال قيد التجربة لدى شركة "فيرتكس فارماسوتيكالز" (Vertex Pharmaceuticals).

بدأت شركة تصنيع الأدوية، التي تتخذ في بوسطن مقراً لها، أخيراً المراحل النهائية من دراسات مُسكن الألم "في إكس 548" (VX-548)، الذي يُغلق قناة الصوديوم "ناف 1.8" (Nav1.8)، وهي تلعب دوراً حيوياً في نقل إشارات بوجود خطأ ما إلى الدماغ. لا تتواجد تلك القنوات قرب الدماغ، حيث ينشأ الإدمان، ما يجعل الأدوية التي تستهدف قنوات الصوديوم بدائل محتملة للمواد الأفيونية. إذا تمكنت "فيرتكس" من إثبات أن دواءها آمن وفعال فقد يُمهد الطريق لتغير في السوق العالمية للمواد الأفيونية التي تفوق قيمتها 22 مليار دولار.

خطر إدمان ملايين

تقول ليزا بايكو المحللة في "إيفركور أي إس أي" (Evercore ISI) إن "في إكس548" سيلقى إقبالاً حتى إن انحصر اعتماده للاستخدام لما بعد الجراحة لأن حجم سوق مُسكنات الألم كبير جداً. أضافت: "إن شريحة صغيرة من ذلك السوق تعني مبلغاً كبيراً من المال".

تشمل المواد الأفيونية المورفين، الذي يحمل أسماء تجارية مثل أوكسيكونتين وبيركوسيت وفيكودين، وكذلك الهيروين الممنوع قانوناً والفنتانيل، الذي يأتي بأنماط طبية وأخرى غير مشروعة.

شركة أدوية إسرائيلية تدفع أكثر من 4 مليارات دولار في تسوية المواد الأفيونية

الأفيون مشتق من نبات الخشخاش، الذي استُخدم منذ عام 3400 قبل الميلاد، حيث يلتصق بمستقبلات المواد الأفيونية في الجسم ما يتسبب بإيقاف الأجزاء التي تشعر بالألم في الدماغ، كما يُحفز إطلاق كمية هائلة من مادة الدوبامين التي تعطي شعوراً بالرضا، فيُقبل الناس عليه وعلى إدمانه نتيجة لهذا المزيج.

قال مايكل أوشينسكي، الذي يشرف على أبحاث الألم المبكرة في معاهد الصحة الوطنية، إن ما يتراوح بين 3% و5% ممن يتناولون مواد أفيونية بعد عملية طبية يستمرون على تناوله بعد مرور عدة أشهر، ما يعني احتمال تحول ملايين الناس إلى مدمنين.

محاولات مديدة

التحدي هو إنتاج دواء لاستبدال المواد الأفيونية يكون فعالاً في تخفيف الألم وانتقائياً بما يكفي لتفادي الآثار الجانبية السلبية. نجحت شركات مثل "أمغن" (Amgen) و"فايزر" و"روش" (Roche) باستكشاف أدوية غلق قنوات الصوديوم، لكنها لم تحرز سوى تقدم ضئيل. حتى "فيرتكس" التي بدأ علماؤها العمل على أدوية تسكين الألم في 1996 ألغت عديداً من المنتجات التجريبية. تعمل نفس المجموعة التي كانت وراء إنتاج أدوية التليف الكيسي الناجحة، التي اعتُمد أول إصداراتها في 2012، على مشروع مسكن الألم. قال بول نيغوليسكو، النائب الأول لرئيس الأبحاث في "فيرتكس" إنه كان يُفترض أن يكون مُسكن الألم هو "الدواء السهل... لكن النتائج جاءت عكس توقعاتنا".

تصاعد "حرب الأفيون" بين سلاسل الصيدليات والمقاطعات الأمريكية

يشبه دور قنوات الصوديوم داخل جسم الإنسان عمل البوابات التي تُفتح لتسمح بانتقال إشارات بوجود ألم من الأعصاب إلى الدماغ، وبالتالي تأتي فكرة تخفيف الألم عبر إغلاقها وهي نظرية يعززها علم الوراثة، حيث يمكن لأشخاص لديهم خمول في نشاط قناة "ناف 1.7" (Nav1.7) المشي على الجمر الساخن دون رد فعل أو ألم. أما من يعانون من فرط في نشاطها فهم يشعرون بأن أجسادهم تلتهب ناراً. تعتقد "فيرتكس" أن وظيفة قناة "ناف 1.8" (Nav1.8) التي تستهدفها قد تكون مشابهة.

صعوبة التسعير

في حال التأكد من فعالية الدواء في المراحل النهائية من التجارب، تخطط "فيرتكس" الحصول على موافقة لإنتاج علاج للألم الحاد أو الألم العارض الذي تزيد حدته عن الصداع، وعادةً ما يشعر به المرضى بعد إصابة أو الخضوع لجراحة مثل استبدال الركبة وإزالة ضرس العقل أو كسر الذراع.

قالت الشركة إن قيمة ذلك الجزء من السوق في الولايات المتحدة تبلغ 4 مليارات دولار، كما أنها تعمل على استكشاف فعالية الدواء مع أنواع أوسع من الألم مثل تلف الأعصاب الناجم عن الإصابة بمرض السكري.

موزعو المواد الأفيونية يمضون قدماً في تنفيذ اتفاق بقيمة 26 مليار دولار

تسعى الشركة في النهاية لأن تتأكد من فعالية "في إكس-548" في علاج الألم المزمن، وقد تستغرق الدراسات للإجابة على ذلك السؤال سنوات لكن النتائج ستكون هائلة، خاصة إذا عرفت أن واحداً من كل 5 أميركيين يعاني ألماً مزمناً.

ترى "فيرتكس" أن توقيت الحديث عن سعر محتمل للدواء ما يزال مبكراً، حيث تُعدّ الأدوية المستخدمة حالياً وأغلبها للحد من الألم بشكل عام رخيصة، ويتوقع محللو وول ستريت تكلفة أكبر لأي دواء جديد لتسكين الألم، بينما تقول الشركة إن ذلك التحدي ليس صعباً لأن كثيراً من الناس يبحثون بيأس عن راحة من الألم دون التعرض لخطر الإدمان.

مجرد خطوة

قال ستيفن واكسمان، مدير مركز علوم الأعصاب وأبحاث الطب التجديدي بكلية الطب في جامعة ييل إن "في إكس-548" قد يمثّل خطوة أولى أكثر من كونه نجاحاً مكتملاً. اكتشف واكسمان الطفرة الجينية المسؤولة عن متلازمة "الرجل المحترق" التي تُظهر مسؤولية كل من "ناف1.7" و"ناف 1.8" معاً عن الشعور بالألم، وهو يواصل المشاركة بقوة في جهود تطوير أدوية غلق قنوات الصوديوم. قال واكسمان: "أعتبر ذلك مثل أدوية ستاتين" الخافضة للكوليسترول "فلم تكن أوائل إصداراتها جيدة جداً إن نظرنا لها وفقاً للمعايير الحالية، لكنها كانت كفيلة بالتحفيز، وأتى بعدها أجيال إضافية من التقدم".

تُطور "فيرتكس" عدداً من الجزيئات بهدف تخفيف الألم، فهي تستكشف إمكانية الجمع بين عدة أدوية لاستهداف قنوات الصوديوم المختلفة على غرار استراتيجيتها الفعالة بالتعامل مع التليف الكيسي.

"بيوغين" (Biogen) هي إحدى الشركات التي تعمل أيضاً على استكشاف أدوية خاصة بها لغلق قنوات الصوديوم فيما تستكشف شركات أخرى طرقاً بديلةً لكبت الألم، كما تُسخّر معاهد الصحة الوطنية مئات الملايين من الدولارات بهدف استكشاف أدوية جديدة للحد من الألم وتعزيز جهود الشركات المتعلقة بتطوير الأدوية والأجهزة الطبية.

رغم بطء التقدم إلا أن واكسمان متفائل، وقال: "أثق موضوعياً بالقدرة على استكشاف مجموعة جديدة من مُسكنات الألم الأكثر فاعلية التي لا تسبب الإدمان. لن يحدث ذلك غداً أو الشهر المقبل أو حتى العام المقبل فلدينا كثير لنقوم به. الخبر الجيد هو أن هناك جيشاً صغيراً من المواهب المتميزة يعمل على ذلك الهدف".