قطاع التشفير يمكنه النجاة من وفاة "إف تي إكس" المحتملة

الانهيار قد يكون فرصة لإخضاع بورصات العملات المشفرة لإشراف الجهات التنظيمية

واجهة موقع بورصة "إف تي إكس" تظهر على شاشة جهاز حاسب آلي.
واجهة موقع بورصة "إف تي إكس" تظهر على شاشة جهاز حاسب آلي. المصدر: غيتي إيمجز
Tyler Cowen
Tyler Cowen

Tyler Cowen is a Bloomberg Opinion columnist. He is a professor of economics at George Mason University and writes for the blog Marginal Revolution. His books include “The Complacent Class: The Self-Defeating Quest for the American Dream.”

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

مع مواصلة انكشاف مزيد من الحلقات في الدراما المحيطة بأزمة بورصة "إف تي إكس" (FTX) للعملات المشفرة ورئيسها التنفيذي سام بانكمان-فريد، يركز معظم الناس على بعض الأسئلة المباشرة بشأن ماذا حدث بالضبط؟ ولماذا؟ لكنني أرغب في طرح بعض الأسئلة الأكبر حول الاتجاه الذي سيؤول إليه عالم التشفير وغرف المقاصة الموجودة داخله في ضوء هذا التغيير الجذري بالمشهد.

من بين الأسئلة المطروحة هنا هو ما إذا كانت بورصات العملات المشفرة ستتحول إلى وضع الاحتكار الطبيعي. فوفقاً لأحد التقديرات، لو دُمجت بورصتا "بينانس" و"إف تي إكس"، فإن الشركة المندمجة كانت ستشكل 80% من السوق، لكن إذا اختفت "إف تي إكس"، فلن تكون هناك كيفية محددة لقياس حجم السوق الجديدة، رغم أنه مما يتضح أن "بينانس" ستلعب دور الشركة المهيمنة على السوق إلى حد ما. ولا يبدو أن المشكلات التي تعاني منها "إف تي أكس" زعزعت الاستقرار الذي يتصوره البعض في "بينانس".

لطالما اعتقد الاقتصاديون بأن غرف المقاصة تميل إلى التطور لحالة الاحتكارات الطبيعية، سواء كانت عامة أو خاصة. وحتى تكون غرفة المقاصة فعالة، يجب عليها فرض المعايير على أعضائها، بما في ذلك معايير الملاءة المالية. وإذا لم يستوف الأعضاء هذه المعايير؛ يُطردون في النهاية ويفقدون الوصول إلى خدمات غرف المقاصة، وبالتالي يخسرون الكثير من قيمتهم لصالح عملائهم.

سيناريوهات محتملة

لكن الاتفاقات السرية (التواطؤ) لا تصب في مصلحة العملاء دائماً، فعلى سبيل المثال يمكن لغرفة المقاصة طرد الأعضاء لأسباب أخرى غير الملاءة المالية. وتكون غرف المقاصة صارمة في تطبيق المعايير، بغض النظر عما إذا كانت تصب في صالح العملاء أو لا.

الخلاصة من ذلك هي أن أعضاء غرف المقاصة ينتهي بهم الحال غالباً إلى سيناريوهين: الأول يتمثل في الفشل في تلبية المعايير والإفلاس، أما الثاني فهو الانضمام إلى تحالف مهيمن، أو على الأقل الاتفاق سراً معه.

توجد الكثير من الأمثلة على غرف المقاصة المتعددة وطبقاتها المختلفة في العالم "الحقيقي"، بما في ذلك بالولايات المتحدة. وذلك لأن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والسلطات الأخرى يلعبون دور الملاذ الأخير للإقراض في نظام المدفوعات، مما يسمح بظهور بعض من عدم التجانس للتحول إلى وضع الاحتكار الطبيعي دون نشوء أزمات لا يمكن التغلب عليها.

صراع المؤثرين على مواقع التواصل مهّد لكارثة "إف تي إكس"

يمكنك القول أيضاً إن الاحتياطي الفيدرالي نفسه كون تحالفاً في عملية المدفوعات، أو أن تصدق بدلاً من ذلك أنه يطبق فعلاً سياسة عدم التدخل في نظام المدفوعات التي أشرنا لها من قبل. وينطبق وصف سياسة عدم التدخل هذه تقريباً على مؤسسات قطاع التشفير الموجودة حالياً.

غرف مقاصة مهيمنة

قد تذهب إلى حد القول إن وجود غرفة مقاصة مهيمنة يصب في صالح قطاع التشفير. ويحتوي تاريخ العمل المصرفي على حالات لغرف مقاصة مهيمنة أو شبه مهيمنة عملت على استقرار الأسواق وساعدت في تقديم ابتكارات جديدة، مثل اختيار التوقيت المناسب والشفافية. وقد يستحوذ الاحتكار القائم على التواطؤ لنفسه على حصة كبيرة جداً من فائض السوق، ولكن يبقى لديه حافزاً للحفاظ على قوة تلك السوق وربحيتها، وغالباً لا تتعثر أسواق العملات المشفرة عند اتباع هذا الترتيب.

من الصحيح أيضاً أن إخضاع غرفة المقاصة المهيمنة للوائح التنظيمية يكون أسهل بكثير، وفي حقيقية الأمر فقد نشأت البنوك المركزية الحديثة غالباً بالاعتماد على ترتيبات غرف المقاصة الأولى. وعاجلاً أم آجلاً، تكون هناك ميول لإضفاء الصبغة القانونية وتحويل غرفة المقاصة الخاصة المهيمنة إلى جزء من بنك مركزي أكثر رسمية. وليس من قبيل المصادفة أن البنوك الأعضاء في مجلس الاحتياطي الفيدرالي لا يزال يطلق عليها اسم "المساهمين".

ضاع كل شيء.. مستثمرون في بورصة "إف تي إكس" يستعدون للخسائر

لكن أحد الجوانب السلبية للوضع الحالي هو أن "بينانس" ليست شركة أميركية، حيث تأسست في الصين ويقع مقرها الآن في دبي. وتأمل الجهات التنظيمية في ظهور نسخة أميركية أو غربية على الأقل منها، ربما لإنشاء احتكار مزدوج جديد بالسوق. ويمكن القول إن هذا هو ما كان المنظمون يتمنون حدوثه طوال الوقت في "إف تي إكس"، لذا فإن تنفيذ جانب واحد على الأقل من هذه الخطة السابقة يواجه تحديات كبيرة الآن. كما سيضع هذا مزيد من الضغط على عاتق "كوين بيس" -وهي شركة أميركية- إذ يمكن أن تنجح تجارياً لكنها تواجه عبئاً تنظيمياً أثقل، ومن المتوقع لها أن تلعب دوراً أكثر بروزاً في النظام.

مستقبل قطاع التشفير

إذا حاولت التنبؤ بمستقبل قطاع التشفير؛ يجب أن تضع في اعتبارك أن مستقبل بورصات العملات المشفرة شيء ومستقبل أصول التشفير شيء آخر تماماً. ففي كثير من الإخفاقات الكبيرة بقطاع التشفير، تحول الأمر في البورصات إلى عمليات بيع موسعة، ومصدر لإثبات أفضلية الطرق القديمة في التمويل والتسوية عليها.

ويمكن إخضاع البورصات للوائح التنظيمية والتحكم فيها وإخضاعها لإدارة جهات رسمية، لدرجة أنها قد تتعارض مع فكرة السيادة النقدية للأفراد. على النقيض من ذلك، تؤكد رؤية قطاع التشفير الجوهرية على فكرة أن "لكل شخص بنكه الخاص"، من خلال التعامل مع وسيط المحفظة الاستثمارية الشخصية، وبما يتجاوز اختصاصات السلطات المركزية المبدئية.

خطة منصة إف تي إكس لمواجهة العجز

لذلك؛ إذا تعرضت البورصات الرئيسية للانهيار أو خضعت لإشراف مؤسسي، قد تتحول إخفاقات قطاع التشفير الكبيرة إلى سبب للتفاؤل بدلاً من التشاؤم. بالتالي، من الخطأ توقع احتمال زوال قطاع التشفير على إثر الوفاة المتوقعة لبورصة "إف تي إكس". وبدلاً من ذلك، ستحصل الرؤية الجوهرية لقطاع التشفير على فرصة أكبر لإثبات نجاحها أو فشلها في هذا الصدد.