الحصة السعودية في "كريدي سويس" ليست مجرد عملية إنقاذ

خبرة البنك السويسري بإدارة الثروات وتقنياته تمثّل قيمة كبيرة لـ"رؤية 2030" ولأعمال البنك الأهلي السعودي

جدارية تعرض شعار رؤية 2030 وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الظهران، السعودية.
جدارية تعرض شعار رؤية 2030 وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الظهران، السعودية. المصدر: بلومبرغ
 Anjani Trivedi
Anjani Trivedi

Anjani Trivedi is a Bloomberg Opinion columnist covering industrial companies in Asia. She previously worked for the Wall Street Journal.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تدخل السعوديون لمساعدة "كريدي سويس" بينما يخضع لعملية إصلاح. لكن قد ينتهي المطاف بالبنك السويسري بلعب دور المنقذ لنفسه أيضاً.

البنك المتعثر، والمحاصر بالفضائح والخسائر، يبرم صفقاتٍ مع مستثمرين خارجيين لزيادة رأس ماله، والعودة لنشاطه الأساسي المتمثل بإدارة الثروات. وعرض البنك الأهلي السعودي، المملوكة غالبية أسهمه لصندوق الاستثمارات العامة، وأكبر بنوك المملكة ضخّ 1.5 مليار دولار ليصبح مستثمراً استراتيجياً جديداً بحصة 9.9% في "كريدي سويس"، حيث يخضع هذا العرض لموافقة المساهمين الحاليين.

خطط جريئة

مستنداً إلى شكيمةٍ سعوديةٍ متجدّدة، فإن خطوة البنك الأهلي ليست مجرد عملية إنقاذ من مستثمرٍ خليجي يتمتع بسيولة وفيرة، فولي العهد السعودي ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، يمضي قدماً في برنامج تحديثٍ يقوم على خطط كبيرة وجريئة. وبينما يستمر في عملية الإصلاح الداخلي، ويشدّد الإنفاق، ويسعى لتحويل مخططه الاقتصادي "رؤية 2030" حقيقةً، فإن النظام المصرفي والشبكة المالية لهما أهمية قصوى في هذا الإطار.

وبينما هناك وفرة في الأموال لدى أثرياء سعوديين، فإن البلاد لا تزال تعتمد بشكلٍ أساسي على مديري الثروات والبنوك الأجنبية لتوظيف رؤوس الأموال.

تأسس البنك الأهلي السعودي في وقتٍ سابق من العام الحالي، عبر اندماج البنك الأهلي التجاري ومجموعة سامبا المالية. الكيان المُدمَج، الذي يدير ما يناهز ثلث الأصول المصرفية للبلاد، يمثّل مزيجاً لبنك تجزئة ومقرض كبير للشركات. وصرّح رئيس مجلس الإدارة عمار الخضيري، مستعرضاً قوة البنك المالية، أن الاستثمار في "كريدي سويس" كناية عن "تجلٍّ لملامح السعودية الجديدة".

إدارة الثروات

تطوير البنك الأهلي السعودي لوحدة مصرفية استثمارية لجمع الأموال من الخارج من أجل مشروعات في الداخل هو أمر مفيد للغاية لتحقيق رؤية الأمير محمد بن سلمان، والتي تشمل مدينة "نيوم" فائقة التكنولوجيا بتكلفة 500 مليار دولار في الصحراء. (تعمل السعودية مع "لازارد" على دراسة خيارات تمويل مشاريع "نيوم" كما أفادت "بلومبرغ نيوز"). لكن على المعنيين التركيز أولاً على استخدام الأموال المحلية بشكل أفعل وتقديم الحوافز لبقائها.. وهنا يأتي دور الحصة في "كريدي سويس".

تُعدّ إدارة الثروات أعمالاً مربحة تُدرّ إيرادات ثابتة ومتكررة، بما يُفترض أن يكون جاذباً لبنك مثل الأهلي السعودي. فعلى سبيل المثال، تبلغ العائدات السنوية على الأموال المستثمرة لدى مؤسستي إدارة الثروات السويسريتين "جوليوس بير غروب" (Julius Baer Group) و"يو بي إس غروب" (UBS Group) أكثر من 30% حالياً، وفق محللي "مورغان ستانلي".

"كريدي سويس" يعتمد على الاستثمارات السعودية لدعم خطط تجديده

أما عائدات إدارة الثروات في "كريدي سويس"، فبلغت 15% فقط في العامين الماضيين، بحسب "مورغان ستانلي" أيضاً، حيث أضرّت فضائحه المتواصلة والمشكلات الإدارية بعمليات البنك على نطاق واسع. علماً أنه في السنوات التي سبقت جائحة "كورونا"، كان قسم الثروات الدولية التابع له يحقق ​​عوائد تقارب 30% كمتوسط.

قيمة كبيرة

يُمكن أن تشكّل خبرة "كريدي سويس" بإدارة الثروات، والتكنولوجيا التي يحوزها، قيمة عالية للبنك السعودي -كما لخطط الأمير محمد بن سلمان- حيث ازدادت أهمية التكنولوجيا التي توفر التكاليف، على مدار السنوات الماضية، مع الضغوط التي تعرّضت لها الرسوم بفعل عوائد الاستثمار المنخفضة والشفافية المتزايدة. وبموازاة ذلك، يرغب حتى أكثر العملاء تعقيداً بشكلٍ متزايد في استخدام هواتفهم المحمولة أو الأجهزة الرقمية الأخرى لمتابعة إدارة أموالهم. وبالتأكيد، يُمكن للبنك الأهلي السعودي الاستفادة من بعض الدعم لتطوير هذه العمليات بسرعةٍ أكبر.

إلى ذلك، فإن أعمال إدارة الثروات تبشّر بالنمو، إذ تُعدّ منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا سوقاً صغيرة نسبياً في هذا المجال، حيث لا تتجاوز أصولها عُشر أصول أميركا الشمالية. لكن الشرق الأوسط يمكن أن ينمو بنحو 5% سنوياً خلال السنوات الخمسة المقبلة، وهي نسبة أفضل من جميع المناطق باستثناء آسيا والمحيط الهادئ وأميركا اللاتينية، وفق تقديرات شركة الاستشارات "أوليفر وايمان" (Oliver Wyman).

تواجه السعودية أيضاً منافسة إقليمية متنامية في القطاع المالي. فقد تقدّمت الإمارات، المتمكّنة على صعيد الخدمات المالية، بخطوات كبيرة لجذب البنوك ومديري الأصول العالميين والمواهب لبناء مركز مهارات بهذا المجال، وتعمل دبي وأبوظبي على إنشاء أرضية استثمارية صلبة، وإثبات أنهما قادرتان -على الأرجح - على تنويع اقتصادهما وتوجيهه ليصبح أكثر من مجرد اقتصاد معتمد على النفط والتجارة. كما أنهما تدركان كيفية استخدام أموالهما جيداً.

في غضون ذلك، لم تنل السعودية، صاحبة الاقتصاد الأسرع نمواً في العالم العام الجاري، شهرةً واسعة كمستثمر رأسمالي حصيف، رغم كميات الأموال التي تحوزها أو تستثمرها.

السعودية والإمارات تقودان طفرة الطروحات الأولية في المنطقة

يسعى الأمير محمد بن سلمان جاهداً لجذب مصرفيين ومستثمرين ومحامين أجانب، ولتعميق النظام المالي في البلاد. ومع خطوة امتلاك حصة في "كريدي سويس"، أصبح لديه ولوج أكبر إلى قاعدة معرفة مالية متضرّرة لكنها لا تزال متطورة. كما سيستفيد أيضاً من وجود مايكل كلاين -المصرفي البارز والمتخصص في الشرق الأوسط- الذي من المقرر أن يصبح رئيساً لبنك الاستثمار شبه المستقل "سي إس فيرست بوسطن" (CS First Boston) التابع لـ"كريدي سويس".

عليه، فإن تحقيق المملكة الإفادة القصوى من بيت الخبرة هذا، يزيد من فرص تحقيق رؤية 2030.