البرتغال تنهي برنامج التأشيرة الذهبية لكن الحوافز لن تنتهي

واضعو السياسات في جنوب أوروبا مستمرون في عرض الحوافز والتخفيضات الضريبية لجذب المستثمرين

لوحة جدارية لفن الشارع تزين الجدار الخارجي لمجمع سكني في منطقة مارفيلا في لشبونة، البرتغال، يوم الجمعة، 13 سبتمبر 2019
لوحة جدارية لفن الشارع تزين الجدار الخارجي لمجمع سكني في منطقة مارفيلا في لشبونة، البرتغال، يوم الجمعة، 13 سبتمبر 2019 المصدر: بلومبرغ
Rachel Sanderson
Rachel Sanderson

Rachel Sanderson is an Australian politician representing the seat of Adelaide in the South Australian House of Assembly for the South Australian Division of the Liberal Party of Australia since the 2010 election. Sanderson has served as the minister for Child Protection in the Marshall Ministry since 22 March 2018.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أنهت البرتغال برنامج التأشيرة الذهبية الذي وفّر الإقامة للأجانب مقابل استثمار لا يقل عن 350 ألف يورو (370 ألف دولار). مع ذلك؛ فلا ضرورة لقلق الرحالة الرقميين الأميركيين ولا الأثرياء الصينيين بشأن ضياع فرصتهم في اعتياد نمط حياة البحر المتوسط. فواضعو السياسات في جنوب أوروبا لن يتوقفوا عن عرض الحوافز لإغراء النخبة العالمية الراغبة في السفر والاكتشاف، إذ إنَّ المزيج السلبي المكون من النمو المنخفض طويل الأجل والمديونية المرتفعة والبطالة العنيدة يجعل منع هذه الحوافز خياراً لا يمكنهم تحمل عواقبه.

برغم أنَّ عدد المتقدمين للحصول على التأشيرة الذهبية لم يكن كبيراً، لكنَّ تأثيرهم أدى لإثارة موجة من القلق. في يناير الماضي لم يتجاوز عدد الطلبات بضع عشرات، وكان المتوسط الشهري أقل من 100 طلب شهرياً في العقد الماضي.

أعربت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، عن استيائها من برامج التأشيرات الذهبية بعدما أشارت التقارير إلى أنَّها تمثل ثغرة للأوليغارشية الروسية تمكّنهم من تجنب العقوبات. كما أوقفت ايرلندا مؤخراً برنامجاً مشابهاً، وشددت بريطانيا بعد "بريكست" من المعاملة الضريبية للأجانب المقيمين، برغم حاجتها الماسة للاستثمار الأجنبي.

ربما لا يريد الساسة الأوروبيون الاعتماد على الأجانب الأثرياء لتعزيز الأوضاع المالية للدول، لكنَّهم في الأغلب لا يملكون خياراً آخر، خاصة في جنوب أوروبا.

أخبرني رافاييل دومينيش، رئيس قسم التحليل الاقتصادي ببنك "بانكو بيلباو فيزكايا أرجنتينا" (Banco Bilbao Vizcaya Argentaria) الإسباني أنَّ جنوب أوروبا يحتاج عدة مليارات يورو في شكل استثمارات على مدى الـ10 إلى 20 عاماً المقبلة ليحقق أهداف الحياد الكربوني.

فرص متاحة في إسبانيا

من غير المفاجئ أنَّه مع إغلاق برنامج التأشيرة الذهبية البرتغالي لأبوابه على ما يبدو؛ يتوقَّع المستشارون الضريبيون أنَّ الفرص ما زالت متوافرة. قدّمت إسبانيا في يناير تحديثاً يخص الرحالة لما يدعى "قانون بيكهام" (تيمناً باسم لاعب كرة القدم الذي كان من أوائل من استفادوا من المعاملة الضريبية)، ويسمح هذا التحديث لمن انتقلوا إلى إسبانيا بدافع العمل أن يدفعوا الضرائب بصفتهم غير مقيمين لمدة 6 سنوات، كما يوجه دعوة لرواد الأعمال والمحترفين من ذوي المهن الحرة الراغبين في الانتقال إلى إسبانيا لدفع 24% ضريبة موحدة على الدخل حتى 600 ألف يورو، مقارنةً بمعدل الضريبة الحالي البالغ 47% على الدخل الأكبر من 300 ألف يورو والمطبق على غيرهم.

مستثمرون أميركيون قلقون من إنهاء البرتغال "التأشيرة الذهبية"

يقول دومينيش إنَّ الأمر سيستغرق مدة أطول من عام ليظهر حجم استثمار المستفيدين من المعاملة الضريبية الإسبانية في البيانات، لكنَّه يسمع قصصاً طريفة، خاصةً من مواطني لندن الأثرياء القادمين بكثرة من بريطانيا بعد "بريكست".

حول الإطار نفسه، تحدّثت مؤخراً مع خبير مالي برتغالي، وقال لي إنَّهم يتوقَّعون أن تستفيد اليونان– التي تُطبق معاملة ضريبية أخرى بمعدل ثابت- من تخلي البرتغال عن مكانتها كوجهة استثمارية.

ارتفاع جنوني لأسعار المنازل في لشبونة

خلال رحلة سابقة إلى لشبونة، عاصمة البرتغال، سمعت في كل مكان عدة شكاوى عن النزوح تلقي باللوم على تدفق آلاف العائلات الأجنبية الثرية في العقود الماضية إلى مدينة يسكنها 500 ألف نسمة فقط، ففي العام الماضي وحده، أشار تقدير صافي التدفق لوصول 1300 مليونير إلى البلد، وفقاً لبيانات شركة "نيو ورلد ويلث" (New World Wealth)، وكانت الشكوى الرئيسية هي الارتفاع الجنوني لأسعار المنازل.

قدّر مكتب الإحصائيات الوطني بأنَّ حاملي التأشيرة الذهبية ضخوا استثمارات بقيمة 6.8 مليار يورو، كان أغلبها في العقارات المحيطة بمدينة لشبونة ومدينة بورتو السياحية. لقد كانت التداعيات واضحة في كل مكان.

البرتغال تعتزم وقف منح التأشيرة الذهبية بعد ارتفاع أسعار المنازل

أخبرني أحد المديرين التنفيذيين أنَّ متوسط سعر الوجبة في المطاعم تضاعف على مدى العقد الماضي، مما يجعلها وجبة بعيدة المنال للعائلات المحلية التي تعيش على الحد الأدنى للراتب الشهري وقيمته 760 يورو. مدير آخر قال لي إنَّ الشواطئ التي كانت مفتوحة للعامة تتلقى حالياً عروضاً لتخصيص بعض الأجزاء في منتجع كاسكايس الساحلي- غرب لشبونة- للأثرياء الذين يرفضون الاختلاط بالمواطنين، بدلاً من أن يفضّلوا الاستمتاع بالشمس في شققهم مشددة الحراسة.

شبح المصير المرعب

المخاطرة في تجربة البرتغال تعيد نفسها في إسبانيا أيضاً، وفي دول أخرى في جنوب أوروبا. فالمعدل الضريبي الثابت في إيطاليا، والذي كان الغرض منه جذب المهاجرين الأثرياء، أدى لانتعاش اقتصادي في عاصمتها التجارية، ميلان، مما أدى لارتفاع أسعار المنازل هناك للدرجة التي دفعت المواطنين للشكوى من مغادرتهم المدينة لعدم قدرتهم على تحمّل تكاليف السكن.

سيضطر جنوب أوروبا إلى الموازنة بين تلك التوترات في العقد المقبل. كما سيكون مطالباً كذلك بتجنّب السيناريو الذي واجهته اقتصادات أميركا الجنوبية متباينة الأداء، حيث أدت الديون المرتفعة، وعدم المساواة، والنمو المنخفض إلى تمزيق النسيج الاجتماعي هناك. مع أنَّ ذلك هو أمر مستبعد، لكنَّه يدور في عقول نخبة المنطقة.

وصرّح لي فرانشسيكو غيافاتزي، الاقتصادي الإيطالي والمستشار السابق لرئيس الوزراء ماريو دراغي، منذ عدّة سنوات: "ظننا دوماً أنَّنا سنواجه مصير الأرجنتين".

يرى غيافاتزي ودومينيش أنَّ مؤسسات الاتحاد الأوروبي وضخ الأموال بعد جائحة كورونا يوفران ثقلاً معادلاً لتلك الرؤية المزعجة للدول الواقعة على أطراف أوروبا التي تسير فيها على خطى الأرجنتين والبرازيل وفنزويلا. مع ذلك؛ بينما يغازل جنوب أوروبا النخبة المتململة، يجب أن تكون دراسة اقتصادات أميركا الجنوبية محل بحث ضروري لساسة أوروبا الذي يسعون للموازنة بين الحاجة للاستثمار والاستقرار الاجتماعي.