الأميركيون لا يدخرون الكثير لكن شركاتهم تفعل العكس

يمكن لمدخرات الشركات المرتفعة حالياً أن تساعد في جعل الاقتصاد أكثر مقاومة للركود وتُسهم في تحسين المعيشة

دولارات يتم سحبها من جهاز الصراف الآلي
دولارات يتم سحبها من جهاز الصراف الآلي المصدر: بلومبرغ
Tyler Cowen
Tyler Cowen

Tyler Cowen is a Bloomberg Opinion columnist. He is a professor of economics at George Mason University and writes for the blog Marginal Revolution. His books include “The Complacent Class: The Self-Defeating Quest for the American Dream.”

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

قد يبدو معدل الادخار الشخصي المنخفض للأميركيين - الذي يبلغ حالياً 4.7% - سبباً للقلق. لكن الخبر السار هو أنه بإمكان الأميركيين الاعتماد على شركاتهم للقيام بالكثير من الادخار نيابة عنهم.

تعد الأعمال التجارية الكبيرة قوة رئيسية في الحياة الأميركية كما هو الحال في عدد قليل من البلدان الأخرى، وإحدى مزايا (وعيوب) هذا الأمر أنه يتيح للأميركيين الإنفاق بجنون، إذ ارتفع الإنفاق الاستهلاكي 1.1% الشهر الماضي، وهو أكبر ارتفاع لمعدل شهري في حوالي عامين. وكانت النتيجة هي اقتصاد مقاوم للركود - من الناحية النسبية على الأقل - ومستويات أعلى من الاستهلاك، وبالتالي مستويات معيشية أعلى.

عادات ادخار الأسر الأميركية

على مستوى الأسر، كان الأميركيون منذ فترة طويلة ضعيفي الادخار. في الغالب، انخفض معدل الادخار الشخصي في الولايات المتحدة منذ منتصف السبعينيات، على الرغم من ارتفاعه بشكل مؤقت خلال أزمة الركود الكبير التي بدأت في عام 2008. إذ انخفض من أعلى مستوى زاد عن 17% في منتصف السبعينيات، إلى أقل من 10% في أوائل القرن الماضي، وكان في أغلب التسعينيات أدنى من 5%.

لست مضطراً بعد إلى كبح جماح "إنفاقك الانتقامي"

بعد انهيار عام 2008، اضطرت الأسر إلى شد أحزمة إنفاقها، وانتعش لفترة معدل الادخار فوق 10%، لكن بحلول عام 2011 ظهرت من جديد عادات الإنفاق القديمة، وانخفض المعدل مرة أخرى إلى نحو 5%. لطالما كان توقع المزيد من الإنفاق الاستهلاكي ومعدل الادخار الأقل - في أعقاب ارتفاع المدخرات الناجم عن الوباء - هو الرهان الصحيح دائماً.

مدخرات الشركات الأميركية

هل معدلات الادخار المنخفضة هذه غير مستدامة بالنسبة لاقتصاد متقدم؟ كلا، إذا ما أخذنا في الاعتبار ادخار الأعمال التجارية الأميركية. بالنظر إلى سلسلة تقارير "الاحتياطي الفيدرالي" الأميركي حول أرباح الأعمال غير الموزعة، فقد بدأت تزداد بشكل ملحوظ في السبعينيات، وارتفعت بشدة حوالي عام 2000 (مع تراجع للأزمة المالية)، والتي تصل حالياً إلى ما يزيد عن 1.2 تريليون دولار. وهناك طرق أخرى لقياس معدلات ادخار الأعمال التجارية، لكنها تُظهر عموماً اتجاهاً تصاعدياً كبيراً خلال العقود القليلة الماضية.

علم الاقتصاد السلوكي يجب ألا يكون خسارة مطلقة

في المحصلة، تتراوح معدلات المدخرات الإجمالية في الولايات المتحدة بين 17% و18% من الناتج المحلي الإجمالي. مرة أخرى، هناك طرق مختلفة لقياس المتغيرات ذات الصلة. لكن وفقاً لأي منهج معقول، فإن الولايات المتحدة غير مضطرة لادخار سوى نسبة قليلة من الدخل الشخصي.

يرتبط الأمر بتلك القصص التي تتحدث عن بعض أنجح الشركات الأميركية التي لديها مدخرات تبلغ مليارات الدولارات. ربما تنظر إلى ذلك على أنه هدر أو إسراف. لكن الرد الأكثر نفعاً قد تكون: "من الأفضل أن يكون المال معهم بدلاً من أن يكون معي!".

نعمة مختلطة

عادةً ما تتجاهل البيانات المتعلقة بالمدخرات الشخصية خطط التقاعد ومكاسب رأس المال المحققة على الأصول المالية والمنازل. بهذا المعنى، يكون معدل الادخار الشخصي أيضاً أعلى مما يُقاس عادة. مع ذلك، يذهب الكثير من الفضل هنا أيضاً إلى الأعمال التجارية. إذا كانت الأسهم تتمتع بقيمة عالية بشكل عام، فهذا يعود بالأساس إلى إنتاجية الشركات أكثر من كونه بفضل الاستثمار الذكي.

كيف أصبحت الأصول الآمنة أكبر مخاطر المستثمرين

لسوء الحظ، فإن قوة الأعمال الأميركية تعد أيضاً نعمة مختلطة. يُسهّل الادخار المرتفع لنشاط الأعمال على الحكومات زيادة الديون دون أن تصل أسعار الفائدة الحقيقية للحدود العليا. يمكنك التفكير في هذا على أنه طريقة أخرى تدعم بها الأعمال الاستهلاك، من خلال الإنفاق الحكومي وبرامج المساعدات، وتمويلها من خلال الديون بدلاً من الضرائب المرتفعة.

المسألة الأخرى هي أن هذا التوزيع غير المتكافئ لعبء المدخرات يمكن أن يؤدي إلى مشكلات في توزيع الثروة بمرور الوقت. من السهل نسبياً في الولايات المتحدة الحصول على الكثير من الديون، وتُشجع إعلانات شركات التجزئة الأميركية على ذلك.

في المقابل فإن ضغوط الكيانات التجارية للادخار ليست بنفس القوة على الإطلاق. وهكذا ينتهي الأمر بالبلد لأن يكون فيه عدد كبير جداً من الأشخاص الذين لا تتراكم ثرواتهم بمرور الوقت، ما يحد من صعودهم في السلم الاجتماعي، وما يعني أيضاً أنهم سيجدون صعوبة أكبر في شراء المنازل أو بدء الأعمال التجارية.

مستويات توفير مطمئنة

مع ذلك، فإن أصحاب الأعمال وحملة الأسهم لديهم القدرة على تحقيق عوائد مالية أعلى بمرور الوقت، وكذلك الأمر بالنسبة لأولئك الذين يدخرون من خلال تملّك المنازل.

في أوروبا، عادة ما تكون معدلات الادخار لدى الأسر أعلى - كان معدل الادخار الإجمالي في "الاتحاد الأوروبي"، وهو مؤشر مفيد لكنه لا يماثل معدل الادخار الشخصي في الولايات المتحدة - عند 26.4% في سبتمبر، وعادة ما يكون دور الأعمال ونطاقها أكثر محدودية. لذلك يمكن أن يكون من السهل على الأشخاص ذوي الدخل المنخفض الارتقاء في توزيع الدخل، ببساطة من خلال التوفير عبر ضغط النفقات.

لماذا عدنا إلى ادخار النقود تحت الفراش؟

في غضون ذلك، يمكن للأميركيين أن يطمئنوا لأن نفقاتهم الاستهلاكية الشخصية تجعلهم في مستوى أفضل بكثير من معظم مواطني أوروبا الغربية. وأثناء احتفالهم بذلك، يجب ألا يدركوا فقط أن هذه صفقة مختلطة، ولكن يجب أن يشكروا أيضاً الشركات التي جعلت ذلك ممكناً.