"الاحتياطي الفيدرالي" تأخر في التحرك مرة جديدة.. فماذا بعد؟

الخفض السريع لوتيرة زيادة أسعار الفائدة من 75 إلى 25 نقطة أساس يهدّد مصداقية البنك المركزي الأميركي

جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي
جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي المصدر: غيتي إيمجز
Mohamed El Erian
Mohamed El Erian

Mohamed A. El-Erian is a Bloomberg Opinion columnist. He is the chief economic adviser at Allianz SE, the parent company of Pimco, where he served as CEO and co-CIO. He is president-elect of Queens' College, Cambridge, senior adviser at Gramercy and professor of practice at Wharton. His books include "The Only Game in Town" and "When Markets Collide."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أثارت أرقام التضخم التي جاءت أعلى مما كان متوقعاً في أعقاب تخفيضين متتاليين لمقدار الزيادة في أسعار الفائدة، نقاشاً مثيراً للاهتمام حول الخطوة المقبلة التي يجب على الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أن يتخذها، سواء كانت عودة جديدة إلى رفع سعر الفائدة بدرجة أكبر (50 نقطة أساس)؛ أو الإبقاء على وتيرة أضعف (25 نقطة أساس) ولكن مع الإبقاء على أسعار فائدة مرتفعة لمدة زمنية أطول.

المسألة صعبة من الناحية التحليلية، ومع ذلك، فإنها باتت أكثر تعقيداً في ظل تأخّر البنك ثلاث مرات في عامين حتى الآن في تحرّكه لمكافحة التضخم، مع ما يعنيه ذلك على صعيد مصداقيته المتضرّرة أصلاً.

أصحاب النظرية القائلة بأن على الاحتياطي الفيدرالي أن يعود من جديد في وقت لاحق من الشهر الجاري إلى رفع أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، يستندون في رأيهم إلى مجموعة من أرقام الاقتصاد الكلي التي صدرت أخيراً، والتي تشير إلى أن التضخم أصبح أكثر رسوخاً في الاقتصاد ككل، وليس فقط في قطاع الخدمات.

مبالغة في التفاؤل

من خلال الاتجاه العكسي الذي ظهر الأسبوع الماضي، والمتمثل في هبوط مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي، وهو مقياس التضخم المفضل للاحتياطي الفيدرالي، ومن خلال الزيادة الملحوظة يوم الثلاثاء في بند "الأسعار المدفوعة" في مدخلات الإنتاج، وهو جزء من مقياس معهد إدارة التموين الخاص بنشاط المصانع، يتبيّن أن هناك اعترافاً كبيراً حالياً بأن الاحتياطي الفيدرالي كان مبالغاً في تفاؤله خلال الاجتماع الأخير للجنة السياسة النقدية، عندما أشار إلى أن الانحسار الحاصل لمعدل التضخم، هو ما يتحدث عنه الجميع.

ثلاثةٌ من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي على الأقل، تحدثوا بصراحة عن أنهم منفتحون على فكرة رفع أسعار الفائدة لمقدار 50 نقطة أساس، بعدما كانوا جميعاً قد اختاروا زيادة بمقدر 25 نقطة أساس في مطلع فبراير. أما المسؤولون الآخرون فلم يحسموا موقفهم بعد، وربما يقفون على الحياد في ظل النظرية المضادة التي تفيد بأنه من المبكر تقييم التأثير الكامل لإحدى أكثر دورات رفع أسعار الفائدة حدة منذ عقود، والتي اتسمت انطلاقتها بالتردّد.

لكن، وبعد كل شيء، تظل الحكمة السائدة، هي أن أثر السياسة النقدية يظهر على "المدى البعيد والذي يخضع لعوامل متغيرة"، ما يعطي أهمية أكبر للبيانات الاستشرافية التي تشير إلى احتمال تباطؤ الاقتصاد.

العريان: الأسواق تشك في قدرة الفيدرالي على خفض التضخم إلى 2%

يفضل الجانب المتردد الإبقاء على الخيار البديل المتمثل في زيادات أسعار الفائدة لفترة أطول وبمعدل ثابت قدره 25 نقطة أساس. وهذا الخيار، علاوة على أنه يمنح الاحتياطي الفيدرالي مزيداً من الوقت لتقييم تأثير إجراءات سياسته النقدية، ربما يحدّ أيضاً من مخاطر زعزعة استقرار أسواق المال على نحو قد يعود بآثار سلبية على الاقتصاد. إلا أن هذا الخيار يعني ترك التضخم لفترة أطول، ربما يترسّخ خلالها في النظام الاقتصادي بشكل أكثر حدة، ما قد يضطر معه الاحتياطي الفيدرالي إلى الاستمرار في زيادة أسعار الفائدة في اقتصاد ضعيف، يزداد ضعفاً يوماً بعد يوم.

ذروة الفائدة والتحرك البطيء

ومن اللافت للانتباه أن ذروة أسعار الفائدة النهائية، آخذة بالارتفاع مع كل من هذين الخيارين المتاحين أمام السياسية النقدية. لكن، يُفترض أن تبقى تلك الذروة سائدة لفترة أطول كلّما كان التحرك بطيئاً.

شخصياً، ومع دخول لجنة السياسة النقدية إلى اجتماعها الأخير، كنت شبه واثق بأن على الاحتياطي الفيدرالي الأميركي ألا يخفّض زيادة الفائدة من 50 إلى 25 نقطة أساس. لكن اليوم، وبعدما فعل ذلك، بات من الصعب للغاية معرفة ما هو الخيار الجيد للسياسة النقدية خلال الاجتماع الذي سينتهي في 22 مارس الجاري.

الأمر غير مرتبط فقط بالحجتين أو النظريتين الاقتصاديتين المتكافئتين المذكورتين آنفاً، بل يتصل أيضاً بمدى صِدقيّة السياسة النقدية.

"الفيدرالي" لا يكترث كثيراً بالأسواق ومؤشراتها بقدر ما تفعل "وول ستريت"

سيشكل استئناف زيادة أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، والتخلي عن الكثير من التوجهات المعلنة سابقاً بشأن السياسة النقدية، خسارة فادحة جديدة لمصداقية بنك الاحتياطي الفيدرالي المتضررة. لكن عدم الاستجابة لمجموعة من مفاجآت بيانات التضخم المعاكسة، سيحمل معه أيضاً ضرراً لمصداقية البنك.

مصاعب أكبر

تكشف هذه المعضلات المتعددة عن وجود مصاعب أكبر بكثير على صعيد السياسة النقدية طويلة الأجل، وستكون لها تداعيات تتمثل في مجموعة إجراءات جديدة، بعيداً عن الاستجابات الأولية الأفضل للسياسة النقدية. يُعزا ذلك لخطأ السياسة النقدية على مراحل متعددة، بدءاً من خطأ الاحتياطي الفيدرالي الأول عندما استمر لفترة طويلة بوصف معدلات التضخم العالية بأنها "مؤقتة"، وصولاً إلى تحركه بطريقة بطيئة للغاية لتعديل أسعار الفائدة بمجرد أن "سحب" كلمة مؤقتة من مفرداته. ثم ها هو يتأخر مجدداً في التعامل مع مشكلة السياسة النقدية للمرة الثالثة، عن طريق خفض وتيرة زياداته بسرعة هائلة من 75 إلى 50 ثم إلى 25 نقطة أساس.

كثيراً ما نسمع مقولة "إذا وجدت نفسك في مأزق، فإن أول ما عليك فعله هو أن تتوقّف عن فعل ما يزيد الأمر سوءاً". بعدما وصل الاحتياطي الفيدرالي إلى هذا الموقف الصعب نتيجة تحركاته السابقة، لم يعد واضحاً بما فيه الكفاية بالنسبة إليّ ما هو التحرك السليم على صعيد السياسة النقدية الذي ينبغي القيام به في الوقت الراهن. وأعتقد أن هذا ليس موقفي أنا وحدي.

حالة عدم وضوح الرؤية هذه، ليست مجرد مشكلة لبنك الاحتياطي الفيدرالي وسياسته النقدية فقط، بل إنها تمثل أيضاً معضلة لسلامة كل من الاقتصاد الأميركي والعالمي. وكما هي العادة، فإن الشرائح الأكثر ضعفاً، هي الأكثر عرضة للمخاطر.