الهيئات الناظمة تعجز عن مواكبة تطور "شات جي بي تي"

تسارع تطور الذكاء الاصطناعي التوليدي يطرح تحديات أمام الحكومات التي تسعى لتنظيمه

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تعالت أصوات تطالب الحكومات بتنظيم تقنيات الذكاء الاصطناعي قبل وقت طويل من طرح شركة "أوبن إيه أي" (OpenAI) لتطبيقها "شات جي بي تي" في نهاية 2022. مع ذلك؛ لم يتوصّل المسؤولون بعد إلى طريقة تتيح التعامل مع الإمكانيات المحتملة للذكاء الاصطناعي، ومن ضمنها قدرته على تمكين أعمال مراقبة جماعية، واحتمال تعاظم عدم المساواة المزمن أو تعريض الناس لخطر جسدي.

كانت هذه التحديات ما تزال جاثمة في الأفق حين تسبّب الانتشار المفاجئ لبرامج الذكاء الاصطناعي المعروفة بـ"التوليدية"، مثل روبوتات الدردشة التي تقوم بإنشاء محتواها الخاص، بطيف من المشاكل الجديدة.

قالت جانيت هافن، المديرة التنفيذية للمنظمة البحثية غير الربحية "داتا أند سوسايتي" (Data & Society) في نيويورك: "لا بدّ من تنظيم هذا القطاع، نحن نحتاج إلى القوانين...واعتبار أنَّ شركات التقنية قادرة على صنع كلّ ما تشاء وطرحه للعالم، وترك المجتمع يتخبط للتكيف مع ذلك لإفساح مجال له؛ هو تفكير رجعي".

قوانين ناظمة

وضع الاتحاد الأوروبي المقترحات الأكثر تطوراً حتى اليوم لتنظيم الذكاء الاصطناعي، مقدّماً مشروع "قانون الذكاء الاصطناعي" للمرّة الأولى في 2021. إذ يضع هذا التشريع الذي ما تزال صيغته النهائية محطّ نقاش ضمانات صارمة عند استخدام هذه التقنية في الحالات "عالية الحساسية"، مثل القرارات المتعلقة بالتوظيف أو بعمليات أجهزة إنفاذ القانون، فيما يفسح مجالاً لاختبار التقنية في الحالات الأقل خطورة.

في حين يسعى بعض المشرّعين من معدّي مشروع القانون إلى تصنيف "شات جي بي تي" على أنَّه عالي الخطورة، لكنَّ مشرّعين آخرين يعارضون هذا التوجّه. يركز القانون بنصّه الحالي على طريقة استخدام التقنية، وليس على تقنيات معينة بحدّ ذاتها.

إليك كل ما تحتاج معرفته عن "ChatGPT-4" الجديد

في الولايات المتحدة، بدأ المسؤولون المحليون والاتحاديون وعلى مستوى الولايات باتخاذ خطوات نحو سنّ قوانين ناظمة، فقدمت إدارة الرئيس جو بايدن مسودة "وثيقة حقوق الذكاء الاصطناعي" التي تتناول مسائل مثل التمييز والخصوصية وتمكين المستخدمين من اختيار عدم استخدام الأنظمة المؤتمتة.

لكنَّ توجيهات الوثيقة لها طابع طوعي، في حين يرى الخبراء أنَّ الذكاء الاصطناعي التوليدي بدأ بالفعل يثير بعض المشاكل، ومنها احتمال الانتشار الواسع للمعلومات المغلوطة، في حين لا تعالج المسودة هذه المسألة.

تتزايد المخاوف من أن تصعّب روبوتات الدردشة على المستخدمين الثقة بالمعلومات التي يتلقونها عبر الإنترنت. قال ويل ماكنيل، الأستاذ في جامعة ساوث هامبتون في المملكة المتحدة، المتخصص بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي: "هذا جزء من مسار يؤدي إلى عدم الاكتراث بالحقيقة".

حظر الاستخدام

تسعى بعض الوكالات الحكومية الأميركية للحدّ من استخدامات أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية قبل أن تفرض نفسها أكثر، على سبيل المثال؛ تحظر دائرة التعليم في مدينة نيويورك تنزيل تطبيق "شات جي بي تي" على أجهزتها وشبكاتها، كما منعت بعض المؤسسات المالية الأميركية أيضاً استخدام هذه الأداة.

أمّا فيما خصّ الذكاء الاصطناعي بشكل عام، فاتجهت الشركات سريعاً نحو تبني إرشادات في الأعوام الماضية لا تتضمن "زيادة كبيرة" في إجراءات الحدّ من المخاطر، بحسب استطلاع من "ماكنزي أند كو" في 2022.

كيف تتعامل الشركات الأميركية الكبرى مع الذكاء الاصطناعي؟

في ظلّ غياب السياسات الواضحة؛ فإنَّ الأمر الوحيد الذي يقيّد الذكاء الاصطناعي يتمثّل بالحدود التي تقررها شركات التقنية لنفسها. قال ستيفن ميلز، كبير مسؤولي أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في مجموعة بوسطن الاستشارية: "شخصياً، ما سيثير قلقي هو اتجاه المؤسسات نحو التسويق التجاري دون أن توضح كيف تجري عمليات التطوير بطريقة مسؤولة... لسنا متأكدين بعد ممّا يمكن لهذه التقنيات فعله".

مواجهة مع الصين

كانت شركات مثل "غوغل" و"مايكروسوفت" و"أوبن إيه أي" التي تعمل على تطوير الذكاء الاصطناعي التوليدي قد تحدّثت علناً عن جديتها في التعامل مع المخاوف الأخلاقية. لكن في الوقت نفسه؛ نبّه روّاد التقنية من مغبة فرض قواعد صارمة، إذ حذّرت الشركات الأميركية الحكومات الغربية من أنَّ المبالغة بردّة الفعل قد تؤدي إلى ميلان الدفة الجيوسياسية لصالح الصين التي تعمل بجهد على تطوير الذكاء الاصطناعي.

كان رئيس "غوغل" التنفيذي السابق إيريك شميدت، الذي يرأس حالياً منظمة غير ربحية تسمى مشروع الدراسات التنافسية الخاصة، قد شدد في شهادة أمام الكونغرس في 8 مارس على أهمية أن تعبّر أدوات الذكاء الاصطناعي عن القيم الأميركية، قائلاً إنَّ عمل الحكومة يجب أن يبقى على "الأطراف عند معالجة حالة سوء استخدام".

تعدّ الصين من جانبها قواعد لضبط تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، وقد منعت الشركات من استخدام التطبيقات والمواقع الإلكترونية التي تقود إلى "شات جي بي تي"، بحسب وسائل الإعلام المحلية.

يرى بعض الخبراء أنَّ المساعي الصينية تهدف إلى فرض رقابة على هذه الأدوات، أو منح الأفضلية للمنافسين الصينيين. مع ذلك؛ ربما يسير روّاد التقنية بشكل أسرع من قدرة المسؤولين على مواكبتهم. طرحت "أوبن إيه أي" في 14 مارس نسخة جديدة من التقنية التي يستند إليها تطبيق "شات جي بي تي"، إذ قالت إنَّها أكثر دقة وابتكاراً وتعاوناً.