تكلفة التحوط من مخاطر ديون مصر تقفز إلى مستويات قياسية

حوالي 86% من سندات مصر الخارجية تتداول عند مستويات التعثر

سيدة تهم بوضع نقود في محفظتها بعد شرائها الخضار في سوق المنهل بحي مدينة نصر، القاهرة
سيدة تهم بوضع نقود في محفظتها بعد شرائها الخضار في سوق المنهل بحي مدينة نصر، القاهرة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تمر أسواق الدين المصرية بحالة تأهب لم يسبق لها مثيل وسط قلق متزايد من احتمال التخلف عن سداد مدفوعات سندات في غضون عام.

تتزايد المخاوف من اقتراب وقوع أزمة، إذ تراجعت ثقة بعض المستثمرين في قدرة الحكومة التي تكافح للحصول على التمويل الخارجي بعد الأزمات المتعاقبة. أدى ذلك إلى ارتفاع تكلفة التأمين ضد مخاطر التخلف عن سداد الديون السيادية في الأشهر الـ12 المقبلة إلى مستوى قياسي، مما تسبّب في زيادة العلاوة على عقود السنوات الخمس إلى أعلى مستوى على الإطلاق.

ضغط الديون وخفض آخر لسعر الجنيه المصري يؤججان مخاوف المستثمرين

يُتداول نحو 33.7 مليار دولار من سندات "اليوروبوند" المصرية- أي ما يقارب 86% من أوراقها المالية الدولية القائمة- بأكثر من 1000 نقطة أساس فوق سندات الخزانة الأميركية، وهو حد تُعتبر عنده الديون في حالة تعثّر.

وقال غوردون باورز، المحلل في "كولومبيا ثريد نيدل إنفستمنتس" ومقره لندن، إنَّ انعكاس منحنى الائتمان يدل بالتأكيد على أنَّ السوق ترجّح بشكل أكبر التخلف عن السداد على المدى القريب.

ضغوط متلاحقة

أرجأ صندوق النقد الدولي مراجعة برنامج إنقاذ لمصر الذي تبلغ قيمته 3 مليارات دولار. وفي الوقت نفسه، لم تحصل البلاد على تعهدات تمويل بمليارات الدولارات وعدت الدول الخليجية بتقديمها، إذ تنتظر هذه الدول أدلة أكبر على أنَّ الحكومة المصرية تمضي قدماً في تنفيذ الإصلاحات التي أعلنت عنها في ديسمبر الماضي. كما أنَّ الغموض يصعّب على الحكومة المضي قدماً والحصول على السيولة التي تحتاجها لتغطية احتياجات الإنفاق.

اقرأ المزيد: S&P ترسم لوحة قاتمة لاحتياطيات مصر الدولارية وقيمة الجنيه

كما تزايدت الضغوط بعدما خفّضت وكالة "ستاندرد أند بورز" نظرتها إلى تصنيف مصر الائتماني البالغ "B" إلى سلبية بنهاية الأسبوع الماضي، كما أبدت نظرة أكثر تشاؤماً حيال وضع البلاد المالي مقارنة برؤية صندوق النقد الدولي.

نفاد صبر السوق

ويرى باورز أنَّ "صبر السوق بدأ ينفد بسبب عدم إحراز تقدّم، فضلاً عن ظهور إشارات على عدم مرونة الحكومة في وقت ليست لديها الأفضلية في المفاوضات".

قفزت عقود مقايضة العجز الائتماني في مصر لمدة عام 1000 نقطة أساس هذا الشهر لتصل إلى 2283 نقطة عند إغلاق التداول في نيويورك أمس الأربعاء. وفي الوقت نفسه، صعدت العقود التي يبلغ أجلها خمس سنوات بنحو 390 نقطة أساس لتصل إلى 1703 نقطة.

تم تداول السندات المستحقة في مايو 2024 عند أدنى مستوياتها على الإطلاق عند 82 سنتاً للدولار يوم الأربعاء، وهوت ديونها للآجال الأطول لتصل إلى مستويات التعثّر، ليتداول الإصدار المستحق في 2061 عند نحو 49 سنتاً.

يفوق عدد سكان مصر 100 مليون نسمة. وقد تأثرت البلاد بشدة بالصدمات الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا. وتعرضت مصر لأسوأ أزمة صرف أجنبي منذ سنوات.

ينتظر صندوق النقد الدولي إتمام صفقات خصخصة أصول الدولة، ومرونة حقيقية للجنيه المصري، قبل إجراء المراجعة الأولى التي كان قد اقترح في السابق أن تجري في مارس.

اقرأ المزيد: صندوق النقد ينتظر إصلاحات مصر قبل مراجعة أولى لبرنامجها

تحديات التمويل

يعتقد كان نازلي، المدير المالي في "نيوبرغر برمان" (Neuberger Berman) في لاهاي بهولندا أنَّ "السوق قلقة بشكل متزايد بشأن تحديات التمويل"، على الرغم من أنَّه من غير المرجح أن تتخلف مصر عن السداد في المدى القريب.

ويقول: "لكي تتغير المعنويات بشكل حاسم، سنحتاج إلى رؤية المزيد من الدعم الخارجي، عبر تعزيز برنامج صندوق النقد الدولي، أو تسريع مبيعات الأصول أو الدعم الخليجي، أو كليهما، وهو ما سيكون أمراً مثالياً".

وفي تقييم صارم للمخاطر التي تواجه مصر، حذرت وكالة "موديز إنفستورز سيرفيس" أيضاً يوم الأربعاء من أنَّ المخاطر على "القدرة على تحمل تكلفة الديون، واستدامة الديون" للحكومة آخذة في الارتفاع، في ظل التقدم الأبطأ من المتوقَّع في مبيعات الأصول، واستئناف سحب السيولة الأجنبية.

وبينما يُضخم ضعف الجنيه قيمة التزامات الديون المقومة بالعملات الأجنبية، ستكافح مصر لتحقيق "خفض ذي مغزى" في نسبة الدين الحكومي العام إلى الناتج الاقتصادي، وهو ما تتوقَّع "موديز" بلوغه 91.3% للعام المالي 2023.

عبء الديون

قدّرت شركة التصنيف الائتماني إجمالي ديون مصر الخارجية بنحو 155 مليار دولار كما في سبتمبر 2022، منها 27.5 مليار دولار التزامات قصيرة الأجل. وتجدر الإشارة إلى أنَّ "موديز" منحت مصر أقل تصنيف سيادي بين خبراء تقييم الائتمان الثلاثة الرئيسيين بعد أن خفّضت التصنيف في فبراير إلى "B3".

"ملف استحقاق الدين الخارجي الكبير في مصر أصبح يمثل تحدياً متزايداً"، وفقاً لـ"موديز" التي أوضحت: "بينما أحرزت الحكومة تقدّماً كبيراً في وضع اللمسات الأخيرة على مصادر التمويل الخارجي للسنة المالية 2024؛ تعتمد خطة التمويل أيضاً على الوصول المستمر إلى أسواق رأس المال، وهو أمر ما يزال غير واضح في ظل العوائد المرتفعة الحالية".

من جانبه، قال باورز إنَّه على الرغم من أنَّ المستثمرين أصبحوا أكثر قلقاً حيال مصر في الأشهر الأخيرة، لكنَّ البلاد لديها الوقت "لإصلاح مشكلاتها" في غضون العامين المقبلين، وتجنّب التعثر في السداد، خاصة أنَّ وضع السيولة لديها أفضل من دول نامية متعثرة أخرى، مثل باكستان.

ويرى باورز أنَّ مصر تتمتع باحتياطيات نقدية كافية لتغطية إجمالي احتياجات التمويل الخارجي البالغة نحو 27 مليار دولار خلال السنة المالية المنتهية في 30 يونيو 2024. ويقول: "من الواضح أنَّ السحب من الاحتياطي ليس الأمر المثالي، ولكن في أسوأ السيناريوهات، ما يزال بالإمكان أن نتوقَّع الوفاء بالمزيد من مدفوعات الفائدة قبل إعادة الهيكلة".