لماذا يثير ناشطو البيع على المكشوف الجدل؟

الناشطون في هذا المجال يستخدمون منصات التواصل الاجتماعي للترويج لنتائج أبحاثهم

ناثان أندرسون، مؤسس شركة "هيندنبرغ ريسيرش" (Hindenburg Research)
ناثان أندرسون، مؤسس شركة "هيندنبرغ ريسيرش" (Hindenburg Research) المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يستحوذ الناشطون في مجال البيع على المكشوف، أمثال ناثان أندرسون من شركة "هيندنبرغ ريسيرش" (Hindenburg Research)، وكارسون بلوك من شركة "مادي ووترز كابيتال" (Muddy Waters Capital) على اهتمام متزايد، إذ يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل متنامٍ لإقحام مزاعم موقوتة بشأن أساسيات ضعيفة أو مخالفات محاسبية أو احتيال مباشر يشوب الشركات المُدرجة بالبورصة.

غالباً ما يطرح هؤلاء البائعون على المكشوف نتائجهم في صورة أبحاث، حتى أن بعضهم يستخدم كلمة "البحث" في أسمائهم، لكنهم أيضاً من أصحاب المصلحة الذين يحققون مكاسب إذا انخفض سهم الشركة المستهدفة بأبحاثهم.

على الرغم من أن بعض الاتهامات التي يكيلها البائعون على المكشوف قد دفعت عدداً من الجهات التنظيمية أو القانونية إلى اتخاذ إجراءات في السنوات الأخيرة، فقد تبيّن أن البعض الآخر منها لا سند له وتشوبه دوافع مريبة.

1. ما تعريف الشركات الناشطة في مجال البيع على المكشوف؟

معظم عمليات البيع على المكشوف التقليدية، أي التي تراهن على انخفاض سعر السهم، تتم من قبل صناديق التحوط والمؤسسات الاستثمارية بهدف تحصين استثماراتهم أمام تراجع أسعار الأسهم أو المراهنة على أن قيمة الأسهم مبالغ فيها.

على النقيض من ذلك، يبحث الناشطون في البيع على المكشوف عن شركات لإيجاد أهداف يزعمون أنها تنطوي على ممارسات تجارية أو محاسبية احتيالية، ونشر تقرير بشأن ذلك (بشكل مجهول أحياناً)، وإذا سارت الأمور كما هو مخطط لها، فإن ذلك يدفع بالأسهم إلى الانخفاض. على الرغم من أن شركات أبحاث البيع على المكشوف النشطة ظلت تفضح شركات على مدار عقود، إلا أن أعدادها تزايدت مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي كمنصة لنشر هذه النظريات والتحليلات.

2. لماذا يُعد الناشط في مجال البيع على المكشوف مثيراً للجدل؟

يضطلع البائعون على المكشوف بدورٍ مهم في اكتشاف السعر من خلال تقليل النوبات التضخمية وتحديد العيوب التي يتجاهلها المحللون والمدققون والمستثمرون. لكن بعض عمليات البيع على المكشوف مخادعة، إذ يتربح ممارسوها ضعيفو التقييم الدقيق، من خلال نشر شائعات كاذبة تؤدي إلى إلحاق الضرر بالشركات وخفض ثروة المساهمين. إلى جانب ذلك، فإن الهدف الأساسي من البيع على المكشوف هو خفض السعر، وهو ما يتعارض مع التفاؤل الطبيعي للمستثمرين في الأسهم وغير مرحب به بشكل خاص أثناء فترات الذعر العام التي تنتاب السوق. حُظرت هذه الممارسة لأسهم الشركات المالية خلال أسوأ أزمة شهدها العام 2008، وكانت هناك دعوات لم تؤتِ ثمارها من أجل حظر آخر خلال انهيار بنك إقليمي هذا العام.

3. ما مدى نجاح هذه الشركات؟

أحرزت بعض الانتصارات الملموسة. والمثال الكلاسيكي على ذلك هو شركة "إنرون" (.Enron Corp)، التي جرى التشكيك في بياناتها المالية خلال عام 2000 من قبل أصحاب شركات ناشطة في البيع على المكشوف، بمن فيهم جيم تشانوس من شركة "كينيكوس أسوشيتس" (Kynikos Associates). تسبب تشانوس بتراجع أسهم "إنرون" والتي افتُضِحت مخالفاتها المحاسبية، فانخفض سهمها من حوالي 79 دولاراً إلى 60 سنتاً.

وبرز ديفيد أينهورن، من "غرين لايت كابيتال" (Greenlight Capital) إلى دائرة الضوء في عام 2008 بعد أن أثار شكوكاً حول ممارسات إدارة المخاطر في مصرف "ليمان براذرز" (Lehman Brothers)، قبل أشهر قليلة من انهياره.

ما هو البيع على المكشوف ومَن أباطرته؟

البائعون على المكشوف يجنون ثروات بكافة القطاعات عدا الطاقة

وفي عام 2020، كشف ناثان أندرسون من "هيندنبرغ ريسيرش" عن أن شركة "نيكولا كورب" (Nikola Corp) قد زيّفت عرض فيديو لإحدى سياراتها الكهربائية عن طريق جعلها تتدحرج رأساً على عقب. وأُدين الرئيس التنفيذي لـ"نيكولا" لاحقاً بتهمة تضليل المستثمرين.

أما مايكل بيري، من شركة "سيون كابيتال" (Scion Capital) فلا يُطلق عليه عادةً اسم ناشط في مجال البيع على المكشوف، لكنه اشتُهر بتوقعه بانهيار سوق العقارات في عام 2008 الذي أجّج الأزمة المالية العالمية آنذاك، وجعله محوراً للكتاب والفيلم الأكثر مبيعاً، واللذين يحملان اسم "ذا بيغ شورت" (The Big Short).

4. هل هم مخطئون؟

نعم. أحد الأمثلة البارزة على ذلك، وهو بيل أكمان، من "بيرشينغ سكوير كابيتال مانجمنت" (Pershing Square Capital Management)، الذي هاجم شركة "هيربالايف" (.Herbalife Ltd)، المتخصصة في صنع مشروبات إنقاص الوزن والفيتامينات، حيث وصفها بأنها تقوم على مخطط احتيال هرمي. دفعت ادعاءاته هذه إلى فتح تحقيق من قبل لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية التي وجدت في عام 2016 أن "هيربالايف" خدعت العملاء لكنها لم تصل إلى حد وصفها بأنها مخطط احتيال هرمي. واصل السهم ارتفاعه. وبحلول عام 2018، تخارج أكمان من حيازاته (البيع على المكشوف) في "هيربالايف" وخسر مئات الملايين من الدولارات.

اعترف مايكل بيري، الذي لاقت دعوته بشراء الرهن العقاري عالي المخاطر صدى كبيراً لدى عددٍ من المتابعين من المستثمرين الأفراد في مارس، بأنه أخطأ في توصية العملاء ببيع الأسهم على المكشوف بشكل عام وذلك قبل اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الذي كان مرتقباً عن كثب. في اليوم السابق لتغريدته التي اعترف فيها بخطئه، سلك مؤشر "ناسداك 100" مساره رسمياً نحو السوق الصاعدة.

5. لماذا استحوذت "هيندنبرغ" على عناوين الأخبار مؤخراً؟

بعد نجاحها في فضح شركة "نيكولا"، تحول اهتمام "هيندنبرغ "إلى أهداف أكبر. ففي فبراير الماضي، أصدرت الشركة تقريراً من 100 صفحة يتهم الشركات التابعة للملياردير الهندي غوتام أداني باستخدام شبكة من الشركات في الملاذات الضريبية لتضخيم الإيرادات وأسعار الأسهم. ردّ أداني بالقول إن هذه المزاعم لا سند لها، واصفاً إياها بأنها "هجوم ممنهج ضد الهند". وبعد ذلك في مايو، اتهمت الشركة الناشط المؤسسي كارل أيكان بامتلاك "سجل مبهم للاستثمارات الخاصة" بتقييمات متضخمة في شركته الاستثمارية المُدرجة في البورصة، وغيرها من الادعاءات الأخرى. أدى ذلك إلى انخفاض أسهم شركة "أيكان إنتربرايزس" (Icahn Enterprises) بأكبر قدر على الإطلاق ومحو 10 مليارات دولار من ثروة أيكان. الملياردير البالغ من العمر 87 عاماً، وصف "هيندنبرغ" بأنها شركة "الحرب الخاطفة"، مضيفاً أنها كانت "تدمر الممتلكات بشكل متعمد وتُلحق الأذى بالمدنيين الأبرياء".

6. هل هناك أي جهد لكبح جماح هذه الشركات؟

جمعت وزارة العدل الأميركية كمّاً هائلاً من المعلومات عن عشرات الشركات الاستثمارية والباحثين المنخرطين في عمليات البيع على المكشوف وذلك في إطار ملاحقة أميركية واسعة ضد الانتهاكات المحتملة، حسبما أفادت "بلومبرغ نيوز" العام الماضي. على سبيل المثال، لا يسمح القانون للبائعين على المكشوف بتنسيق تداولاتهم مع بعضهم بعضاً، أو تضليل الجمهور بشأن تمويلهم لما يبدو أنه بحث مستقل. كانت النتيجة أن أياً من الشركات التي جرت تحريات بشأنها اتُهمت بارتكاب مخالفات. وفي الوقت نفسه، أصبحت الشركات التي انتقدها البائعون على المكشوف أكثر جرأة في الردّ، وأحياناً تشنّ معارك قانونية حتى في الوقت الذي تواجه فيه تحقيقات تنظيمية تدعم في النهاية أطروحات البائعين على المكشوف.