تعددت الأزمات التي مر بها سوق النفط على مدار العقد الماضي، فما بين تعثر منتجين أحياناً ووفرة المعروض في أحيان أخرى، ظهرت الحاجة لكيان قادر على ضبط إيقاع السوق من خلال تحقيق التوازن بين العرض والطلب.
ففي أواخر عام 2016، تسببت ظروف السوق -عندما تهاوت أسعار النفط بشكل حاد- في ظهور ما يعرف بـ"إعلان التعاون"، والذي جمع أعضاء منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" و10 دول منتجة للنفط من خارج المنظمة تشمل روسيا، بهدف المساعدة في إعادة التوازن إلى السوق وخفض مستويات المخزونات المتراكمة عبر خفض الإنتاج بهدف تحقيق استقرار دائم لصالح منتجي ومستهلكي الخام.
هكذا نشأ تحالف "أوبك+" الذي يسيطر على نحو 40% من إنتاج النفط عالمياً، وتؤول قيادته إلى السعودية وروسيا، إذ تنتج كل منهما أكثر من 10 ملايين برميل يومياً، وتمتلك طاقة إنتاجية تزيد عن ذلك.
كان أخر قرار للتحالف في اجتماع يونيو 2023 هو تمديد اتفاق خفض إنتاج النفط حتى نهاية العام المقبل، كما أعلنت السعودية عن تقديم خفضٍ طوعي إضافي بمقدار 500 ألف برميل يومياً اعتباراً من أول يوليو ولمدة شهر قابل للتمديد.
وبحسب القرار الأخير يكون إجمالي الخفض الرسمي والطوعي الذي أقره التحالف منذ أكتوبر الماضي ويمتد لنهاية العام المقبل هو 3.616 مليون برميل يومياً، بخلاف الخفض الطوعي السعودي الذي يمتد على مدار شهر يوليو.
السطور التالية تلقي الضوء على مسار التحالف منذ التأسيس ودوره في توازن الأسواق خاصة وقت الأزمات.
التحالف يضم الدول الأعضاء الحاليين في منظمة "أوبك" والتي تحتفظ دولها بأكثر من 80% من احتياطيات النفط المؤكدة عالمياً؛ وهم: السعودية والإمارات والكويت والعراق وإيران والجزائر وأنغولا وليبيا ونيجيريا والكونغو وغينيا الاستوائية والغابون وفنزويلا.
وكذلك يضم "أوبك+" منتجي الخام من خارج أوبك؛ هم: روسيا وأذربيجان وكازاخستان والبحرين وماليزيا والمكسيك وعمان وجنوب السودان والسودان وبروناي.
وهكذا يتكون "أوبك+" من 23 دولة مصدّرة للنفط، ويجتمع التحالف بشكل دوري لتحديد حجم النفط الذي سيضخه الأعضاء وبالتبعية حجم الخام الذي سيجرى بيعه للأسواق العالمية، بغرض تحقيق التوازن في السوق.
بالنظر إلى الحصة السوقية الكبيرة التي يتمتع بها "أوبك+"، فإن القرارات التي تتخذها المجموعة تتحكم في ظروف العرض والتي غالباً ما يتم تحديدها وفقاً لمتغيرات الطلب، فكما هو الوضع الحالي يشهد الاقتصاد العالمي حالة من عدم اليقين في ظل سياسة التشديد النقدي التي تنتهجها البنوك المركزية الكبرى وهو ما يعيق معدلات النمو الاقتصادي وبالتالي يؤثر على طلب النفط.
كذلك تؤثر زيادة المعروض على الأسعار بالانخفاض وهو ما يضر بالمنتجين سواء دول التحالف أو غيرها حيث إن الأسعار المنخفضة تعني تراجع الاستثمارات في قطاع النفط وبالتالي تمهد لأزمة أكبر في المعروض مستقبلاً، لذا أكد التحالف أكثر من مرة على أهمية الاستمرار في الاستثمار بقطاع النفط لتلبية الطلب المستقبلي على النفط.
منذ نشأة تحالف أوبك+ أواخر عام 2016، جرى الإعلان عن تعديلات في إنتاج النفط في مسعى لتحقيق هدف واحد مشترك وهو توازن السوق، لكن أعقب جائحة كورونا تعديلاً طوعياً للإمدادات هو الأكبر حجماً والأطول من حيث المدة الزمنية في تاريخ أوبك وصناعة النفط.
ويعني ذلك أن التحالف حينذاك أقر خفضاً في الإنتاج النفطي قدره 1.7 مليون برميل يومياً، فضلاً عن مواصلة العديد من الدول المشاركة وخاصة السعودية تخفيضات طوعية إضافية ليصبح إجمالي خفض الإنتاج 2.1 مليون.
مع ذلك، فشلت أكبر قوتين بالتحالف، السعودية وروسيا، في التوصل لاتفاق بشأن مستويات الإنتاج استجابة لأزمة كورونا، ما تسبب في اندلاع حرب أسعار النفط التي بدأت في مارس ودامت قرابة شهر قبل العودة لطاولة المفاوضات والتوصل لاتفاق تاريخي.
يشار إلى أن خط الأساس لحساب تعديلات الخفض التاريخي للإمدادات كان إنتاج النفط للدول في أكتوبر 2018، باستثناء السعودية وروسيا يكون خط الأساس 11 مليون برميل يومياً لكل منهما.
ورغم التوصل لاتفاق، لكن إخفاق التحالف في خفض الإنتاج بسرعة استجابة لصدمة الطلب التي خلفها الوباء، أدى لزيادة التقلبات وهبوط قوي في أسعار النفط ليسجل الخام الأميركي تداولات سالبة لأول مرة في جلسة 20 أبريل، كما تهاوى خام برنت لما دون 10 دولارات.
يذكر أنه خلال الفترة بين مايو ونوفمبر لعام 2020 خفض "أوبك+" الإمدادات العالمية بنحو 1.9 مليار برميل بما في ذلك التعديلات الطوعية، ما ساهم في إعادة توازن السوق.