الذكاء الاصطناعي يكتشف الاستخدام الأمثل للعملات المشفرة

روبوتات الذكاء الاصطناعي قد تلجأ إلى قطاع التشفير بصفته وسيلة أساسية للتبادل

أحد الموظفين يفحص آلات تعدين "بتكوين"
أحد الموظفين يفحص آلات تعدين "بتكوين" المصدر: بلومبرغ
Tyler Cowen
Tyler Cowen

Tyler Cowen is a Bloomberg Opinion columnist. He is a professor of economics at George Mason University and writes for the blog Marginal Revolution. His books include “The Complacent Class: The Self-Defeating Quest for the American Dream.”

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

هل تذكر "ويب 3.0" (Web 3.0)؟ لا تتذكره؟ اسمح لـ"تشات جي بي تي" بإنعاش ذاكرتك: "ويب 3.0"، حسب "جي بي تي- 4"، هو "الأفق الجديد لتكنولوجيا الإنترنت، ويتميز بالتطبيقات غير المركزية التي تركّز على المستخدم، ما يعطي الأولوية لخصوصية البيانات ويعزّز التجارب السلِسة المترابطة".

حالياً، يعتبر "ويب 3.0" من أكثر الأفكار التي طُعن في مصداقيتها في هذا العصر، فهو ابتكار راج لسنوات، حتى انهارت أسعار العملات المشفرة وجرّت معها عديداً من مشروعات قطاع التشفير. وكما حدث مع هذا القطاع، لم يتمكن مؤيدو "ويب 3.0" قط من تقديم حالة استخدام واقعية لتقنيتهم.

مع ذلك، فوراء طلبي من "جي بي تي-4" تعريف "ويب 3.0" سبب، فأنا متيقن من أن الأفكار خلف "ويب 3.0" ستعود لتحقق نجاحاً باهراً، على أنها الإطار القانوني والمؤسسي لروبوتات الذكاء الاصطناعي، وكيفية نجاح ذلك أمر يستحق التفكير.

الذكاء الاصطناعي يتجه إلى العملات المشفرة

لنفترض أنك تدير منظمة خيرية، وتريد أن تصنع وتوزّع روبوت ذكاء اصطناعي سيدرّس الرياضيات لأطفال المدارس الفقراء. هذا رائع، لكن الروبوت سيواجه بعض العقبات. فقد يحتاج في بعض المناطق إلى سداد رسوم الترخيص والتسجيل، وقد يحتاج إلى شراء إضافات لابتكارات التدريس الحديثة، وإذا كان يعمل في الخارج، فقد يرغب في ترقية قدرته على الترجمة. قد يحتاج المال إلى أسباب متنوعة.

سيكون إجراء تلك المعاملات في غاية السهولة إذا كان مسموحاً لروبوتات الذكاء الاصطناعي بامتلاك حسابات مصرفية. لكن حدوث ذلك في المستقبل القريب أمر مستبعد. فكم عدد البنوك المستعدة للتعامل مع مثل هذا الأمر؟ وتخيل الاحتجاجات الشعبية إذا انهار أحد البنوك وتعين على الحكومة إنقاذ بعض الحسابات المصرفية للروبوتات. لذا، ستظلّ الروبوتات على الأرجح "بلا حسابات مصرفية"، وهو ما سيدفعها إلى استخدام العملات المشفرة باعتبارها وسيلتها الأساسية للمقايضة.

"مايكروسوفت تتيح "جي بي تي-4" للوكالات الحكومية الأميركية

غالباً ما يشير المنتقدون إلى أن الدولار أكثر نجاحاً من العملات المشفرة باعتباره إحدى صور المقايضة. لكن إن لم تتمكن روبوتات الذكاء الاصطناعي من استخدام الدولار، فسيتعين عليها استخدام العملات المشفرة. نعم، بعض مالكي الروبوتات قد يمنحها حق الوصول إلى حساباتهم المصرفية، في حين أن آخرين قد يريدون الموافقة على كل مصروف ينفقه الروبوت عبر النظام المصرفي القائم على الدولار. لكنني أشك في أن الأغلبية ستفضّل أن تعمل الروبوتات وحدها، دون كل ذلك الخطر والإزعاج، ما يعيدنا إلى العملات المشفرة.

يدور بعض النقاشات الشهيرة عن سبب ارتفاع كفاءة روبوتات "التطوير الذاتي" (agentic) على روبوتات "الأداء" (tool)، وستحتاج إلى المال باستمرار مع درجة معقولة من استقلالية الروبوت. فضلاً عن ذلك، فإنه ربما لأسباب تتعلق بالمسؤولية القانونية (هل تريد أن تُتّهم في دولة أجنبية بسبب شيء قاله أو فعله روبوتك؟)، لن يكون هناك أي مالك لعديد من تلك الروبوتات، وهو ما سيشكّل دفعة أخرى للروبوتات للعمل في بيئة العملات المشفرة.

اقتصاد قائم على روبوتات الذكاء الاصطناعي

في البداية ستكون الأصول المشفرة أصولاً موجودة، مثل بتكوين و"إيثر". لكن بمرور الوقت قد تبتكر الروبوتات عملاتها الخاصة، استناداً إلى مبادئ الملاءمة (بالنسبة إلى الروبوتات بالطبع). المفترض أن تلك الروبوتات ستجيد العمليات الحسابية، لذا فقد تستخدم عدداً من الأصول الرقمية بغرض التنويع. وقد يتطور اقتصاد العملات المشفرة القائم على الروبوتات ليصبح أكثر تعقيداً من اقتصاد العملات المشفرة القائم على البشر بشكل كبير.

بنوك "وول ستريت" تستخدم الذكاء الاصطناعي لتجديد عالم التمويل

قد لا يمثّل ذلك الاقتصاد الموازي إلا نسبة ضئيلة من الناتج المحلي الإجمالي، لكنه سيساعد على تثبيت أسعار الأصول المشفرة. فضلاً عن ذلك، إذا تعامل البشر مع تلك الروبوتات (ربما أراد أحدهم التبرع لروبوتك الذي يدرّس الرياضيات)، فسيحتاجون أيضاً إلى بعض العملات المشفرة، بالتالي سينتشر اقتصاد العملات المشفرة القائم على الروبوتات تدريجياً إلى الاقتصاد العادي.

هنا ستتعقد الأوضاع، ففور ظهور اقتصاد الروبوتات القائم على العملات المشفرة، سيحتاج ذلك الاقتصاد إلى حقوق ملكية ومؤسسات قانونية، للأسباب ذاتها التي تحتاج إليها اقتصادات البشر. لنفترض أن روبوت التدريس اشترى خدمة لتحسين الترجمة من روبوت آخر، لكن اتضح أنها معيبة. سيريد روبوتك "استرداد ماله".

لتعزيز الثقة وخفض تكاليف التداول، سيوافق كثير من الروبوتات مسبقاً على خدمات التحكيم، التي سيقدمها عادةً روبوت آخر (لا يمكن لتلك الروبوتات الذهاب إلى المحكمة والمطالبة بالعدالة). وسيصدر الحكم القضائي النهائي عبر نقش على إحدى البلوكتشين، باستخدام العقود الذكية عند الحاجة، وستكون حقوق الملكية الجديدة حُددت.

كل هذا، بمنتهى البساطة، هو نموذج توضيحي لـ"ويب 3.0".

منافسة وتحوط

قد يرغب بعض الروبوتات في ترويج نفسه، أو إنشاء هويات أساسية له، وبعضها سيفعل ذلك بشراء سلع رمزية وإثبات ملكية تلك السلع على البلوكتشين، وهذا أيضاً من أفكار "ويب 3.0". في ذروة الحماسة لـ"ويب 3.0" اعتبر عديد من المنتقدين أن دفع البشر ملايين الدولارات مقابل "الرموز غير القابلة للاستبدال" (NFTs)، أمر سخيف. فلمَ تدفع كل هذا المبلغ مقابل مجرد إيصال مستند إلى بلوكتشين يثبت أنك أنفقت المال؟ فالمشترون لا يملكون بالضرورة أي حقوق ملكية فكرية مُصاحبة.

اضحك كما شئت، لكن الروبوتات ستنفذ صورة أخرى من ذلك. لنعُد إلى روبوتك مدرّس الرياضيات، لنفترض أنه ينافس روبوتات أخرى تدرّس الرياضيات، فقد يرغب في موقع ترويجي، "هذه هي سابقة أعمالي، تعالَ وتَعلَّم التفاضل والتكامل هنا". قد يضيف بعض الصور الرائعة لإسحاق نيوتن ولايبنتز من برنامج "ميد جورني" (Midjourney). على الأرجح ستُنفَّذ كل تلك الخطوات بأدوات "ويب 3.0" أو مشتقات عنها ابتكرتها الروبوتات.

الذكاء الاصطناعي يدعم أسهم التكنولوجيا تاركاً "بتكوين" وحيدة

سيعتمد نمو الروبوتات ونجاحها على سعر الكهرباء، فقد تتداول الروبوتات بنشاط في سوق لعقود الكهرباء الآجلة لحماية مراكزها الاستثمارية، والأرجح أنه سيتعين عليها التداول مع الروبوتات الأخرى والبشر معاً.

هل تذكر "المنظمة المستقلة اللا مركزية" (Decentralized Autonomous Organization)؟ لم أرَ بعد "منظمة مستقلة لا مركزية" يديرها البشر تحقّق نجاحاً كبيراً، ربما لأن البشر يحتاجون إلى سلطة أكبر، أو لأنها مجرد سلطة بشرية خفية في ثوب آخر (أي إن شخصاً واحداً يسيطر على 51% من الأصوات). قرأت الروبوتات بالفعل عن "المنظمات المستقلة اللا مركزية" وإخفاقاتها، وقد تجرّبها مرة أخرى. في غضون ذلك ستدرب الروبوتات نفسها على تَعلُّم كيفية إنجاح منظماتها المستقلة، وقد ينتهي المطاف بأن تصبح "مؤسسات" الروبوتات أكثر ديمقراطية من نظيراتها البشرية.

ابتكارات جديدة

قد يجد بعض الروبوتات أن استخدام صورة من المسؤولية المحدودة هو أكثر كفاءةً، فعند التعامل مع ذلك الروبوت، قد تشترط أنت أو روبوتك أنه لا يمكن مقاضاة الروبوت بما يزيد على مبلغ محدد. ولتوظيف روبوت لأداء مهامّ أكثر خطورة، قد تتفق أنت والروبوت على معيار أكثر صرامة للمسؤولية القانونية. "قوانين الشركات" هذه، إن جاز لنا أن نطلق عليها ذلك، ستحقّق كثيراً من الابتكار السريع وتنوع المقاربات. وعند مقارنتها بالمؤسسات البشرية، ستبدو الأخيرة أكثر بطئاً. وربما، مع مرور الوقت، يمكننا أن نتعلم من تجارب هذه الروبوتات.

"مايكروسوفت" تدعم توسع "AMD" برقائق الذكاء الاصطناعي

أنا متأكد من أن الروبوتات يمكنها التفكير في استخدامات كثيرة أخرى لـ"ويب 3.0"، لا سيما إذا درّبناها على ذلك.

يوجد درس أكبر: لا ترفض تطوراً تكنولوجياً أو مؤسسياً لمجرد صعوبة تحديد كيفية الاستفادة منه. ميكانيكا الكم ظهرت منذ عقود، وبدت بمثابة فضول مذهل، قبل أن تتحول إلى مبدأ أساسي يدعم الحوسبة الحديثة. هاجم المنتقدون الألعاب بحجة إفساد الشباب، لكن وحدات معالجة الرسوم المستخدمة حالياً في الألعاب المتطورة ساعدت على تطوير ذكاء اصطناعي أفضل، وقاربت القيمة السوقية لشركة "إنفيديا" تريليون دولار.

بالطبع، بحلول وقت حدوث كل ذلك، قد نطلق عليه "ويب 4.0"، لكن "ويب 3.0" سينال الفضل الذي يستحقّه في نهاية المطاف.