كيف يهدد النمو المتعثر في الصين أسواق السلع؟

التجار يواجهون أزمة ممتدة في سوق العقارات والانكماش وضعف الصادرات وانخفاض قيمة اليوان

عمال يستعدون لرفع حزمة من قضبان التسليح الفولاذية برافعة جسرية في ساحة مخزون معدني في شنغهاي، الصين
عمال يستعدون لرفع حزمة من قضبان التسليح الفولاذية برافعة جسرية في ساحة مخزون معدني في شنغهاي، الصين المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أصبح الاقتصاد الصيني المتعثر الآن أكبر تهديد للطلب على السلع عالمياً، إذ يتدهور النشاط الاقتصادي والتدفقات الائتمانية لدى أكبر مشتر في العالم بشكل حاد، مما يعرض أهداف النمو المتواضعة التي حددتها بكين للخطر.

تماسكت السلع حتى الآن بشكل أفضل من الأصول الأخرى في ظل تدهور الاقتصاد. فبعد التحرر من قيود الوباء، ارتفع استهلاك الوقود.

كما ساهمت التوقعات بأن الحكومة ستضطر إلى زيادة التحفيز لإنقاذ النمو، فضلاً عن بداية الانتعاش الموسمي في الطلب، في دعم بعض الأسواق.

لكن الوضع يظل مثيراً للقلق؛ حيث يواجه التجار أزمة ممتدة في سوق العقارات والانكماش وضعف الصادرات وانخفاض قيمة اليوان.

تشمل التحديات الهيكلية رغبة الحكومة في التحول إلى اقتصاد بقيادة الاستهلاك بدلاً من الاستثمار، وهو أمر مفيد للطلب على الوقود والغذاء وليس معادن الاقتصاد التقليدي التي يحركها البناء.

أسواق المعادن تواجه صيفاً قاسياً مع تراجع الطلب في الصين

يقدم إنفاق الصين الهائل على الطاقة النظيفة إنقاذاً، مما يزيد من استهلاك المواد المرتبطة بالتحول نحو الأخضر مثل النحاس. وتوجد دائماً مقايضات، وفي هذه الحالة يخفض الطلب على الوقود الأحفوري.

المعادن الأساسية

تراجعت المعادن الأساسية من أعلى مستوياتها خلال يناير مع فقدان الاقتصاد قوته، مما أدى إلى سحق هوامش الربح في المصاهر والشركات المصنعة.

يعد انخفاض الربحية في النصف الأول هو أسوأ أداء لها منذ أكثر من عقد. من المقرر صدور بيانات أرباح الشركات الصناعية لشهر يوليو يوم الأحد ومن المرجّح أن تظهر المزيد من المتاعب في القطاع.

قال وانغ رونغ، المحلل في شركة "غواتاي جونان فيوتشرز" (Guotai Junan Futures Co)، إن الانخفاض في هوامش الربح لدى الشركات المصنعة، وخاصة بالنسبة للألمنيوم، هو "نتيجة للمنافسة الشرسة وحرب الأسعار في بعض القطاعات".

في الوقت نفسه، انخفض مخزون النحاس والألمنيوم، وهما المعدنان الأساسيان الأكثر استخداماً على نطاق واسع، مع اقتراب مخزون الألمنيوم من المستويات الحرجة السابقة، حسب مصرف الاستثمار العالمي "غولدمان ساكس".

في مذكرة بحثية خلال الشهر الجاري كتبت " أيه إن زد غروب هولدنغز" ( ANZ Group Holdings Ltd) أنه مع توقف المحركات التقليدية للاستهلاك، "دعمت مصادر النمو الجديدة من جانب قطاعات الطاقة النظيفة الطلب على المعادن".

الحديد والصلب

يمثل البناء نحو 40% من الطلب على الصلب في الصين، ويشكل خام الحديد، المادة الأساسية لأفران الصهر، رمز الاقتصاد القديم.

ساعدت الرهانات على التحفيز في إبقاء الأسعار فوق 100 دولار للطن، رغم أن التردد في تحميل الحكومات المحلية المزيد من الديون يقوض احتمال لجوء بكين إلى الإنفاق الكبير على الأشغال العامة.

يتزايد الطلب الموسمي مع إنقضاء فترة الهدوء إبان الصيف إلى ما يسمى بالأشهر الذهبية لنشاط البناء، مما يؤدي إلى رفع معدلات التشغيل في أفران الصهر وتقلص مخزون الخام.

مع ذلك، فإن حالة سوق العقارات تعني أن شركات صناعة الصلب ربما تكون حذرة بشأن استغلال المزيد من الواردات لتجديد الإمدادات، حسبما قال ستيفن يو، المحلل في شركة "ماي ستيل" (Mysteel).

خام الحديد يهبط دون 100 دولار للطن بعد خفض الفائدة في الصين

و"في حين أن هذا (الوضع) قد يجعل المصانع معرضة للخطر بشكل كبير حال حدوث انتعاش مفاجئ في الطلب على الصلب، إلا أن هذه نقطة مثيرة للجدل نسبياً في ضوء ضعف أداء الاقتصاد الصناعي بالصين"، وفق قول أتيلا ويدنل، العضو المنتدب لشركة "نافيغيت كوموديتيز" (Navigate Commodities Ltd).

النفط الخام

أصبحت شحنات النفط الخام نقطة مضيئة بين واردات الصين من السلع في النصف الأول، ومن المتوقع أن يمثل نمو الطلب هذا العام 40% من الإجمالي عالمياً. لكن التعافي قد يكون الآن بطيئاً مع قيام مصافي التكرير بتقليص الواردات والتحول إلى تقليص المخزون.

قد تؤدي الحاجة إلى تجديد المخزون لإعادة تنشيط الواردات، التي انخفضت إلى أدنى مستوى لها منذ ثلاثة أشهر في يوليو.

لكن الكثير من الطلب على المنتجات النفطية يظهر في أسواق التصدير، وليس في الداخل. على سبيل المثال، ارتفعت صادرات الصين من الديزل في يوليو أكثر من ثلاثة أضعاف على أساس شهري.

النفط يسجل أدنى مستوى في أسبوعين بسبب أزمات الصين

على الصعيد الداخلي، تبدو الصورة أكثر قتامة؛ حيث تراجع استهلاك الديزل بسبب ضعف النشاط الصناعي، في حين يواجه الطلب على البنزين تحدياً يتمثل في الانتشار السريع للسيارات الكهربائية. شهد قطاع البتروكيماويات في الصين، الذي يقوم بتصنيع البلاستيك والمطاط، انخفاضاً نادراً في المبيعات والأرباح خلال النصف الأول، وما يزال يعتمد كثيراً على سلامة (أداء) سوق العقارات.

الفحم والغاز

يعتمد النشاط الاقتصادي في الصين على الفحم، وهو الوقود الأساسي. عززت بكين الإنتاج والواردات على حد سواء لتحقيق انتعاش جاء مخيباً للآمال في نهاية المطاف، مما أدى إلى حدوث وفرة من المعروض، دفعت الأسعار إلى التراجع.

الآن بعد أن مرت ذروة احتياجات التبريد في الصيف -يمثل استخدام مكيفات الهواء استنزافاً كبيراً لإمدادات الكهرباء- يمكن لمحطات الكهرباء أن تختار التخلص من المخزون إذا ظلت المؤشرات الصناعية قاتمة، مما يزيد من الضغط على السوق.

من المرجح أيضاً أن تؤدي الضائقة الاقتصادية في الصين إلى كبح جماح الوتيرة السريعة للشحنات الواردة، والتي تضاعفت تقريباً عن العام الماضي.

الصين تزيل كافة القيود على واردات الفحم من أستراليا

من المرجح كذلك أن تتباطأ مشتريات الغاز الطبيعي المسال، وهو وقود بديل، في ضوء وفرة الفحم. يمثل انخفاض قيمة اليوان، الذي يجعل السلع المقومة بالدولار أكثر تكلفة، صعوبة أخرى للمشترين.


لحم الخنزير

لم تحقق إعادة فتح الاقتصاد بعد الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الحكومة للسيطرة على الوباء، إقبالاً شديداً على شراء لحوم الخنزير المفضلة في الصين بخلاف توقعات الكثيرين. في المقابل، احتفظت الأسر بالنقود مع تصاعد حالة عدم اليقين الاقتصادي.

إن ضعف سوق لحم الخنزير له تداعيات على الاقتصاد بوجه عام. يمثل اللحم وزناً ثقيلاً في سلة أسعار المواد الغذائية في الصين، وهو ما ساهم بشكل كبير في انكماش أسعار المستهلكين خلال يوليو.

انكماش الأسعار في الصين يهدد بتقويض خطط التحفيز

أدى الانتعاش المخيب للآمال إلى تكبد مربي الخنازير الخسارة معظم هذا العام، ووجود فائض في سوق لحم الخنزير. سيكون موسم المهرجانات، الذي يبدأ مع عطلة العيد الوطني في بداية أكتوبر ويستمر حتى رأس السنة الصينية، هو الاختبار التالي لشهية عموم الشعب للإنفاق التقديري على المواد الغذائية الأعلى سعراً.

معادن أساسية