هل يستفيد الذكاء الاصطناعي من درس استهلاك "بتكوين" للطاقة؟

العملة المشفرة تتسبب في 72 مليون طن من الانبعاثات.. واستفسار واحد من التكنولوجيا الجديدة يفرز 500 طن

شخص يمرّ أمام لافتة تحمل كلمة "الذكاء الاصطناعي" خلال معرض "تايبيه كومبيوتكس" في تايبيه، تايوان، بتاريخ 30 مايو 2023
شخص يمرّ أمام لافتة تحمل كلمة "الذكاء الاصطناعي" خلال معرض "تايبيه كومبيوتكس" في تايبيه، تايوان، بتاريخ 30 مايو 2023 المصدر: بلومبرغ
Tim Culpan
Tim Culpan

Tim Culpan is a Bloomberg Opinion columnist covering technology. He previously covered technology for Bloomberg News.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

الاهتمام المتزايد بتبنّي أنظمة الذكاء الاصطناعي من شأنه أن يصعّد الضغط على شبكات الكهرباء عالمياً، مع إمكانية أن تدخل هذه التكنولوجيا حلبة المنافسة من حيث الاستهلاك الهائل للطاقة الذي تقوده عملية تعدين "بتكوين". ولحسن الحظّ كشفت لنا أبرز عملة مشفرة طريقة لتخفيف هذا التأثير.

تُظهِر الإيرادات المضاعفة التي حقّقها مركز البيانات التابع لـ"إنفيديا" (Nvidia Corp) خلال الربع الثاني، أن الطلب على التطبيقات التوليدية، مثل "تشات جي بي تي"، لم يصل بعدُ إلى ذروته. تُعَدّ شركة صناعة الرقائق الأميركية المزود الرئيسي للشرائح المضغوطة لتلبية هذا النهم على الذكاء الاصطناعي، لكن هذه المعالجات ليست رخيصة ولا هزيلة، إذ إن أحدث طراز أنتجته الشركة، وهو شريحة "جي إتش 200 غريس هوبر سوبر شيب" (GH200 Grace Hopper Superchip)، تأتي بحجم بطاقة بريدية، وتستهلك طاقة بما يصل إلى 1000 واط، ما يعادل سخاناً محمولاً.

رغم أن معظم العملاء سيختار شيئاً أقلّ فخامة من شريحة "سوبر شيب"، فإنهم يشترونها بكميات كبيرة لأغراض الاتصال بينهم عبر خادم ضخم للذكاء الاصطناعي، ومن هنا بدأ النهم للكهرباء حقّاً. رصدت إحدى الدراسات التي نُشرت العام الماضي استهلاك طاقة تطلّبته عملية تدريب نموذج كبير وحيد اللغة يُستخدم للحصول على النصوص بلغات متعددة.

نموذج "بلوم" (BLOOM)، من شركة "هوغينغ فيس" (HuggingFace) الناشئة، كان ينفّذ 176 مليار معاملة استناداً إلى 1.6 تيرابايت من البيانات. احتاج الأمر إلى 384 معالجاً رسوميّاً من طراز "إنفيديا إيه 100" (Nvidia A100)، وهي وحدات مخصصة لمعالجة الرسومات، على مدار أكثر من 118 يوماً لتجميع هذا الكمّ الهائل من البيانات، ومن ثَم تحليلها، وفقاً لمؤلفي الدراسة.

يُحتمل أن يكون استهلاك الكهرباء اللازم لتشغيل عديد من معالجات الرسومات لفترة طويلة قد تسبب في انبعاث 24.7 طن متري (54 ألف رطل) من ثاني أكسيد الكربون، حسب تقديراتهم. لكن التكلفة الحقيقية تتضاعف إلى 50.5 طن عندما تأخذ في الاعتبار اتصالات الشبكة ووقت خمول النظام بأكمله.

إنفوغراف.. تعدين بتكوين يستهلك طاقة في مصافّ دول متقدمة

تدريب النموذج مجرد بداية

حتى ذلك الحين، فإن تدريب النموذج هو مجرد البداية. وفقاً لأحد تقديرات شركة "أمازون"، التي تدير خوادمها للذكاء الاصطناعي، فإن 90% من تكلفة تشغيل الذكاء الاصطناعي في المرحلة التالية تتسبب بها عمليات استفسارات المستخدمين من النموذج بغرض الحصول على نتائج بعينها، مثل طرح استفسار على منصة "تشات جي بي تي" للسؤال عن وصفات إعداد كعكة الشوكولاتة.

يتعذّر احتساب نفقات الطاقة الناجمة عن تنفيذ البيانات، الذي يسمى الاستدلال، ولكن يُعتقد أنها تقارب 10 أضعاف الإنفاق اللازم في مرحلة التدريب الأولى، مما يعني انبعاث 500 طن من ثاني أكسيد الكربون.

قد تتسبب عملية استعلام واحدة باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في إحداث بصمة كربونية أكبر بمقدار أربع مرات من البحث باستخدام "غوغل"، وفقاً لأحد التقديرات.

اعتمدت عملية معالجة البيانات بهذه القوة المفرطة على نموذج التصميم الذي قامت عليه "بتكوين"، وهو ما يفسّر نشر هذه الموجة من أشباه الموصلات والخوادم في جميع أنحاء العالم أملاً في تعدين هذا الذهب الرقمي.

تقدّر دراسة جارية في جامعة كمبريدج أن "بتكوين" تتسبب في انبعاث 72.5 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون. يمكن أن يتقلص هذا الرقم بمقدار 3 ملايين طن إذا شُغّلَت جميع منصات تعدين "بتكوين" باستخدام الطاقة الكهرومائية. بالمقارنة مع الإهدار الناجم عن تعدين العملة المشفرة، يبدو أن انبعاث 500 طن من ثاني أكسيد الكربون من عملية واحدة من التدريب والنشر لا شيء. مع ذلك لا يزال هذا يعادل القيادة بسيارة عاملة بالبنزين لمسافة مليون ميل، أو 500 رحلة من نيويورك إلى فرانكفورت.

مرحلة مبكرة

كل ذلك ولا نزال في مرحلة مبكرة، فما لا يقلّ عن اثنتي عشرة شركة تكنولوجيا كبيرة تمضي بخطى متسارعة نحو بناء ونشر منتجات الذكاء الاصطناعي التوليدية، بما في ذلك "أمازون" و"ألفابت" و"مايكروسوفت" و"أوبن إيه آي" و"ميتا بلاتفورمز" و"بايدو" و"تينسنت هولدينغز"، و"علي بابا". لأنها جميعاً تتنافس في سباق ليتفوق بعضها على بعض، فلن تتوقف عند حدّ تدريب النماذج، بل ستستمرّ في شراء معالجات متعطشة للطاقة من أجل تحليل كميات هائلة متزايدة من البيانات. بمجرد الانتهاء من ذلك، ستتنافس لتقديم النتائج للمستهلكين في شكل مقالات جامعية ومقاطع فيديو مفبركة وإصدارات اصطناعية من موسيقى "بينك فلويد".

تعاملات "بتكوين" عمل قذر يضر المناخ بشدة

مما يزيد الطين بلة حقيقة أن معظم تدريب الذكاء الاصطناعي في الوقت الحالي مدعوم بالوقود الأحفوري، وقد توسعت مزارع الخوادم هذه بسرعة في المواقع الحالية، وغالباً ما تكون على بعد آلاف الأميال من السدود الكهرومائية أو مصفوفات الطاقة الشمسية. لأن زمن انتقال الشبكة يمثل مشكلة عند الاستجابة لطلبات الإنترنت، فلابد أن تكون قريبة من المستخدم النهائي، ولا تبعد كل آلاف الأميال هذه.

المناطق الباردة الخيار الأمثل

لكن "بتكوين" أفسحت بالفعل مجالاً حذت حذوه صناعة الذكاء الاصطناعي، فقد أصبحت المناطق المناخية الباردة التي تعتمد على قدر كبير من الطاقة المتجددة مكاناً مثالياً للتخلص من منصات التشفير المتعطش للكهرباء، بفضل هواء القطب الشمالي والطاقة الحرارية الوفيرة في أيسلندا مما يجعل البلاد خياراً مثالياً لهذا الغرض.

قد تجد الصين أيضاً استخداماً جديداً لعديد من محطات الطاقة الكهرومائية التي جذبت منصات التعدين، لكنها خسرت أعمالها بعد أن شنّت بكين حملة قمع ضد العملات الرقمية. لن يتمكن مزودو الذكاء الاصطناعي الأجانب من الاستفادة بطبيعة الحال، لكن عمالقة التكنولوجيا الصينيين يعرفون أن لديهم مثل هذا المورد قريباً مع ارتفاع احتياجاتهم من الطاقة.

يوجد توجُّه متزايد آخر لاستبدال الذكاء الاصطناعي بـ"بتكوين" في محطات الخوادم هذه. رغم أن العملة المشفرة استقطبت عدداً هائلاً من المضاربين واستثمارات بمليارات الدولارات، فإنها لا تزال عاجزة عن إضافة قيمة كبيرة إلى العالم. هذه المشكلة ليست في الذكاء الاصطناعي التوليدي، وليُسأل في ذلك "تشات جي بي تي".