حصيلة G20.. أميركا تراهن على الهند لمواجهة نفوذ الصين

نيودلهي تعتبر نفسها متحدثة باسم دول الجنوب.. وبايدن يصفها بأنها أفضل أمل لعزل بكين وموسكو

ريشي سوناك وزوجته أكشاتا مورتي أثناء زيارة معبد "أكشردام هيندو"، بتاريخ 10 سبتمبر 2023
ريشي سوناك وزوجته أكشاتا مورتي أثناء زيارة معبد "أكشردام هيندو"، بتاريخ 10 سبتمبر 2023 المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ربما كان هدف الرئيس الصيني شي جين بينغ بعدم حضور قمة "مجموعة العشرين" في نيودلهي، تفويت الفرصة على الهند للشعور بالزهو، لكن يبدو أن رئيس الوزراء ناريندرا مودي والولايات المتحدة وأوروبا، توصلوا إلى سبل لمواجهة الصين بشكل أكثر فعالية على الصعيد العالمي.

أشادت دول "مجموعة العشرين" بنجاح الهند في التوصل إلى اتفاق بشأن بيان مشترك ظل موضع شك قبل أيام فقط من اجتماع قادة العالم في أحد أهم الأحداث الدبلوماسية السنوية. وبصرف النظر عن التوصل إلى توافق بشأن الحرب الروسية في أوكرانيا، وهي القضية الأكثر تعقيداً، فقد قبلوا أيضاً بالعضوية الكاملة للاتحاد الأفريقي في المجموعة، واتخذوا إجراءات بشأن قضايا مثل تغير المناخ واستدامة الديون، وهما من أبرز الأولويات التي تشغل الأسواق الناشئة.

أثارت النتائج النهائية غضب أوكرانيا، التي اعتبرت الاتفاق بشأن لغة الحرب أضعف مما توصل إليه القادة قبل 10 أشهر فقط في مدينة بالي الإندونيسية. لكن بالنسبة إلى الولايات المتحدة وحلفائها، فإن انتقاد بيان كان مشابهاً لبيان بالي ولا تأثير له يُذكر على أرض الواقع هو ثمن ضئيل يجب دفعه مقابل منح مودي نصراً يعزز مكانة الهند كقوة صاعدة قادرة على كبح نفوذ الصين عالمياً.

قاد الرئيس جو بايدن هذه المهمة، حيث اعتبر الهند أفضل أمل لإدارته لعزل الصين وروسيا، وتوفير دفعة قوية للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة. وأظهرت النتيجة أن واشنطن تتعلم أخيراً لغة ما يُسمى بالجنوب العالمي، في ظل بروز الهند كقوة استرشادية أساسية لهذا المفهوم.

يشير ميلان فايشناف، مدير برنامج جنوب آسيا في مؤسسة "كارنيغي للسلام العالمي"، إلى أن "بعض المعلّقين يعتبرون اللهجة الضعيفة بشأن وصف الأزمة الروسية الأوكرانية دليلاً على "تراجع" الدور الغربي. لكن هناك طريقة أخرى لتصوره الأمر، وهي أن: الغرب بالتأكيد يستثمر أيضاً في تعزيز انتصار الهند. كان يمكن أن يكون عدم وجود توافق في الآراء بمثابة خيبة أمل كبيرة بالنسبة إلى نيودلهي".

الصورة الجماعية لزعماء قمة مجموعة العشرين ترمز لصعود الهند

شبكة الهند-الشرق الأوسط-أوروبا

إذا كانت هناك لحظة تبرز ديناميكيات القمة، فقد تمثلت في عرض بايدن للجهود التي يقودها البيت الأبيض لتقديم المزيد من التمويل للدول النامية.

ظهر في الصور أجاي بانغا، وهو أول أميركي هندي يتولى منصب رئيس البنك الدولي، جنباً إلى جنب مع بايدن ومودي والرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، ورئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوسا، وهم الأعضاء الرئيسيون في مجموعة "بريكس"، إلى جانب الصين وروسيا. وتوسعت "بريكس" في وقتٍ سابق من هذا الشهر، ما يشكل تحدياً لمجموعة الاقتصادات المتقدمة السبعة.

في وقتٍ سابق من اليوم نفسه، انتقد نائب مستشار الأمن القومي الأميركي جون فينير الصين من خلال وصفه هذه الدول بـ"الأعضاء الديمقراطيين الثلاثة في مجموعة بريكس"، قائلاً إنها والولايات المتحدة ملتزمون جميعاً بنجاح قمة مجموعة العشرين. وتابع فاينر: "إذا لم تكن الصين كذلك، فهذا أمر مؤسف للجميع. لكن الأمر الأكبر من ذلك بكثير، برأينا، أنه أمر مؤسف بالنسبة إلى الصين تحديداً".

الولايات المتحدة لم تكتفِ بهذا الحد.. فقد أعلنت بشكل أحادي عن اتفاق مع الهند والسعودية والاتحاد الأوروبي وإسرائيل ودول أخرى في الشرق الأوسط لتطوير شبكة سكك حديدية وبحرية طموحة. وأشاد بايدن بهذه المبادرة واصفاً إياها بأنها "استثمار إقليمي يغيّر قواعد اللعبة". وفي إشارة تعزز الاتفاق، تصافح الزعماء الثلاثة، الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الهندي، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي كان بايدن قال قبل الانتخابات الأخيرة بأنه غير مرغوب به.

من شبه المؤكد أن الإعلان عن مشروع سكة الحديد يراعي مصالح الشرق الأوسط أكثر من التشويش على موضوع حقوق الإنسان، حتى لو ظل الجدول الزمني للمشروع وتمويله غامضين. وبينما نفت الولايات المتحدة أن الهدف من المبادرة هو مواجهة النفوذ الصيني المتنامي في الخليج، أقرّ مسؤول فرنسي بأنها تهدف إلى خلق منافسة لمبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقها الرئيس الصيني عام 2016، قائلاً إن ذلك ليس بالأمر السيئ.

هذا التجاهل من جانب رئيس الصين لقمة مجموعة العشرين للمرة الأولى منذ تولّيه مهام الرئاسة في 2013 شكّل تحوّلاً في التوجهات عن نوفمبر الماضي، عندما وصف نفسه بأنه رجل دولة يتحمل مسؤولية "التوافق مع الدول الأخرى". كما خاطر المفاوضون الصينيون بالظهور بموقف ضعيف بينما كانوا ينظرون إحباط تقدم الهند، وذلك عبر اتخاذها مواقف بشأن قضايا ثانوية مثل استخدام مودي لعبارة سنسكريتية، ومحاولة واشنطن لاستضافة اجتماع مجموعة العشرين في عام 2026. ووصفت صحيفة "غلوبال تايمز"، التابعة للحزب الشيوعي، مبادرة الولايات المتحدة بشأن سكة الحديد بأنها "مجرد محاكاة" لخطة بكين للبنية التحتية في الشرق الأوسط.

تلطيف لغة الحرب

خلال القمة، انتقد رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك الصين لعرقلتها التوصل إلى بيان مشترك. وخلال المداولات خلف الأبواب المغلقة، أثارت بكين مسألة الوصول إلى أشباه الموصلات عند مناقشة الجهود المناخية، حسبما أفاد أشخاص مطلعون على المحادثات، ما دفع مستشار الأمن القومي جيك سوليفان -وهو من أبرز المدافعين عن قيود التصدير الأميركية على الرقائق وتقنياتها إلى الصين- لانتقاد "فكرة جعل المناخ رهينة" قضايا غير ذات صلة.

بينما قال رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ، الذي يمثل بلاده في القمة، في ظل غياب الرئيس شي، للقادة إن مجموعة العشرين "تحتاج إلى التوحّد بدلاً من الانقسام، والتعاون بدلاً من المواجهة"، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الرسمية "شينخوا". وجاء كلامه عقب تعليق نشرته قبل ساعات مؤسسة أبحاث صينية تابعة لأكبر وكالة تجسس في البلاد، والتي انتقدت فيه الهند لأنها "أفسدت أجواء التعاون" في مجموعة العشرين، من خلال دفع أجندتها الخاصة إلى المناقشات.

لكن الصين أبدت مرونة في معارضتها للبيان، وحظيت الهند بإشادة الجميع بسبب تفاوضها للتوصل إلى حل وسط. وأوضح أشخاص مطلعون على المناقشات أن النجاح الكبير حدث بعد أن تقدّمت الهند وإندونيسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا بشكل مشترك باقتراح بشأن اللغة المستخدمة لوصف الحرب في أوكرانيا.

ويرى سواستي راو، وهو زميل مشارك في مركز أوروبا وأوراسيا التابع لمعهد "مانوهار باريكار" (Manohar Parrikar) للدراسات والتحليلات الدفاعية: "هذا الإجماع بحد ذاته يُبرز دور الهند كنقطة ارتكاز جديرة بالثقة بالنسبة إلى عالم يغلب عليه الانقسام الشديد إزاء القضايا الجيوسياسية، مثل حرب أوكرانيا. لا شك بأن قوى النظام الوسطي ترغب في الحفاظ على النظام الاقتصادي العالمي متعدد الأقطاب وعدم الانزلاق في اللعبة الصينية للسيطرة عليه".

في حين أن اللغة الأخيرة بشأن أوكرانيا جعلت بعض حلفاء الولايات المتحدة غير راضين، فإن دعم التسوية أتاح فرصة أكبر للتوافق بشكل أوثق مع الديمقراطيات الكبرى في جنوب الكرة الأرضية التي تعمل في النهاية كدول رئيسية ترجّح كفة الميزان عندما يتعلق الأمر بحرب روسيا وقضايا عالمية أخرى. وأشاد قادة مجموعة السبع بالنتيجة، فيما أصرّ سوناك على أن اللغة التي اعتُمدت كانت "قوية جداً" وأن "روسيا معزولة تماماً".

روسيا ترى إعلان مجموعة العشرين "متوازناً" وتشيد بدور "بريكس"

استغلال ديمقراطيات الجنوب

بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن أي تحرك يعزز جهود الهند، ويبرز دور الديمقراطيات الأخرى في جنوب الكرة الأرضية يساعد على مواجهة نفوذ الصين وروسيا، خاصةً عندما يتعلق الأمر بتحقيق دعوة مجموعة العشرين من أجل "سلام شامل وعادل ودائم" في أوكرانيا. فبالعودة إلى قمة مجموعة السبع التي عُقدت في اليابان في مايو الماضي، بذلت الولايات المتحدة وحلفاؤها جهوداً حثيثة من أجل إقناع مودي، ولولا، والرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو بالوقوف إلى جانبهم في قضية أوكرانيا، محاولين انتهاز فرصة حضور الرئيس فولوديمير زيلينسكي، الذي لم تتم دعوته لإلقاء كلمة خلال قمة مجموعة العشرين في الهند.

مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي اعتبر أن الاتفاق أنقذ فعلياً قمة مجموعة العشرين، باعتبارها المنتدى العالمي الأخير الذي يجمع كافة القوى الكبرى. لافتاً إلى أن القمة ساعدت في سد الفجوة بين دول مجموعة السبع والأسواق الناشئة، التي ستكون الآن شريكة في محاسبة روسيا، إذا لم تواصل السعي من أجل سلام عادل يتماشى مع مبادئ الأمم المتحدة.

بينما رأى مسؤولون أوروبيون كبار آخرون أن الصين أضرّت بموقفها من خلال عدم حضور رئيسها شي القمة، ما أفسح المجال أمام الهند لتعزيز ريادتها للعالم الجنوبي، ومنح الولايات المتحدة وأوروبا مساراً لتعزيز العلاقات مع الأسواق الناشئة.

هل تنهي مجموعة العشرين الخلافات وتتحول إلى "عائلة واحدة"؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يصل لحضور الجلسة الصباحية لقمة مجموعة العشرين
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يصل لحضور الجلسة الصباحية لقمة مجموعة العشرين المصدر: بلومبرغ

اغتنام الفرصة

حتى روسيا، التي ترأس وفدها إلى القمة وزير الخارجية سيرغي لافروف، نظراً لغياب رئيسها فلاديمير بوتين، فقد رأت في الاتفاق انتصاراً. كانت موسكو راضية لتشكيل ديمقراطيات "بريكس" إطار حوار مع دول مجموعة السبع، وفقاً لشخص مطلع على الأمر، ما حوّل الصين إلى مراقب عن بُعد.

بطبيعة الحال، قد يتعثر سعي الولايات المتحدة لتعزيز مكانتها لدى دول الجنوب. فقبل مجموعة العشرين، تجاهل بايدن حضور قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا التي استضافتها إندونيسيا، فيما بدا وكأنه ازدراء للرئيس ويدودو.

وسعى الرئيس الأميركي لتدارك الأمر في نيودلهي، عندما أجرى لقاءًً مقتضباً مع الزعيم الإندونيسي، وتعهد بلقائه في البيت الأبيض في نوفمبر المقبل، عندما يتوجّه قادة الدول إلى واشنطن لحضور منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك).

لكن الأبرز خلال قمة مجموعة الشرين، كانت قدرة الهند على اغتنام الفرصة لتأكيد دورٍ قيادي عالمي. حيث أعلن مودي أن "التاريخ يُكتب من جديد"، بينما وصف كبير مفاوضيه أميتاب كانط بلاده بأنها" المتحدثة باسم كل دول الجنوب". وأضاف كانط حول نتائج القمة: "الأمر الأكثر أهمية هو إعلاؤها لصوت دول الجنوب. كما أثبتت أيضاً أن الهند لديها قدرة هائلة على جمع العالم والدول القيادية لمناقشة القضايا التنموية والجيوسياسية".