غلاء المركبات الكهربائية يدفع الأميركيين نحو الهجينة

مخاوف البنية التحتية المحدودة لشحن المركبات الكهربائية وكذلك ارتفاع أسعارها تعيدان رواج السيارات الهجينة

أمبر لومباردي تستخدم سيارتها الهجينة من طراز "فورد إف-150" لقطر عيادتها "ماينلي تيث" المتنقلة لعلاج الأسنان في مدينة فالموث بولاية مين
أمبر لومباردي تستخدم سيارتها الهجينة من طراز "فورد إف-150" لقطر عيادتها "ماينلي تيث" المتنقلة لعلاج الأسنان في مدينة فالموث بولاية مين المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

حين اختارت أمبر لومباردي سيارتها الجديدة العام الماضي أدركت أنها تحتاج مركبةً تستهلك الوقود بكفاءة وتستطيع جر مقطورة عيادة علاج الأسنان المتنقلة التي تعمل فيها، وأن روعتها تزيد إذا كانت قد ساعدت بتوفير الكهرباء لتشغيل بعض معداتها في المقطورة.

تتضمن شاحنة "فورد إف-150" الصغيرة التي اختارتها أمبر بقدرة قطر كبيرة، كما يمكنها أن تمد أجهزة حفر وتنظيف الأسنان بالكهرباء من مولدة مدمجة في قاع صندوق الشاحنة قدرتها 7.2 كيلووات وتعتمد على بطارية السيارة لتقلع.

لم تختر لومباردي إحدى الشاحنات الكهربائية الرائجة لدى شركة "فورد" من طراز "إف-150 لايتنينغ"، بل ركنت إلى نسخة هجينة تعمل بالوقود والكهرباء من طراز "إف-150"، التي يمدحها الكثير من الشراة لانخفاض سعرها واقتصادها في استهلاك الوقود. قالت لومباردي، وهي رئيسة شركة "ماينلي تيث" التنفيذية في بورتلاند بولاية مين: "لم يكن شراء سيارة كهربائية في متناولنا حالياً. لذا، كان هذا حلاً وسطاً نوعاً ما".

لومباردي داخل سيارتها الهجينة من طراز "فورد إف -150"
لومباردي داخل سيارتها الهجينة من طراز "فورد إف -150" المصدر: بلومبرغ

طرحت شركة "تويوتا" طراز "بريوس" قبل أكثر من ربع قرن، وزودته بتقنية كانت جديدة حينها تعتمد على محرك بنزين صغير جمعت بينه وبين بطارية كبيرة نسبياً. أصبح الطراز مفضلاً لدى أنصار حركات حماية البيئة. مع ذلك، تراجعت شعبية السيارات الهجينة خلال السنوات الأخيرة في ظل احتدام المنافسة بين صانعي السيارات على تطوير سيارات كهربائية.

كانت الأخيرة قد جذبت حزم تحفيز حكومية سخية وأطلقت العنان لخيال السائقين التقدميين، غير أن السيارات الهجينة عاودت الظهور الآن مع تزايد العزوف عن اقتناء السيارات الكهربائية بسبب ارتفاع الأسعار وعدم اكتمال البنية التحتية لشحن هذه السيارات.

شعبية مفاجئة

تضاعفت مبيعات السيارات الهجينة في الولايات المتحدة منذ 2020، حيث يُتوقع أن تشهد مبيعاتها زيادة جديدة بواقع 35% هذا العام، وفقاً لشركة "غلوبال داتا" (GlobalData) للاستشارات وتحليل البيانات. قال جيف شوستر، نائب الرئيس التنفيذي لقطاع السيارات في "غلوبال داتا": "لا تعمل صناعة السيارات بشكل يسمح بأن يتغير كل شيء بضغطة على زر"، وبين أن السيارات الهجينة هي "سبيل السوق الجماهيرية لتبدأ التحول إلى السيارات الكهربائية".

لكسب بعض هؤلاء العملاء، تعمل "فورد" على مضاعفة إنتاج سيارتها الهجينة من طراز "إف-150" التي كانت طرحتها قبل ثلاث سنوات، فضلاً عن خفض سعرها بمقدار 1900 دولار، بحيث يساوي تقريباً ثمن الطراز التقليدي الذي يعمل بالوقود فقط، وأرخص بنحو 10% مقارنةً بسعر النسخة الكهربائية من الطراز ذاته التي طرحتها صانعة السيارات الأميركية في 2022.

أربع عقبات كبرى في الانتقال للسيارات الكهربائية في أميركا

تستهدف "فورد" زيادة مبيعاتها من السيارات الهجينة بمقدار أربعة أضعاف على مدى السنوات الخمس المقبلة، بالإضافة إلى إتاحة دمج التقنية سالفة الذكر عبر مختلف طرز سياراتها، حتى فيما تقيد الخطط الطموحة لإنتاج نسخ معدلة تعمل بالكهرباء فقط. قال جيم فارلي، رئيس "فورد" التنفيذي خلال مكالمة أرباح في يوليو: "بصراحة، لقد فوجئنا بشعبية" السيارات الهجينة.

يعتبر معظم من يسعى لقطر مقطورات ضخمة أن السيارات الهجينة خيار أفضل مقارنة بالكهربائية لأن الأحمال الثقيلة تستنزف البطارية، فيقصر ذلك مدى شاحنات النقل الكهربائية الصغيرة.

تجمع "إف-150" الهجينة بين محرك كهربائي ومحرك "V6" سعته 3.5 لتر، ما يجعل قوتها 430 حصاناً لتكون من بين أقوى سيارات مجموعة "إف-150". يبلغ متوسط استهلاك السيارة سالفة الذكر لعام 2023 نحو 40 كيلومتراً لكل 4 لترات من الوقود، مقارنةً باستخدام سيارة "فورد إف-150" التقليدية التي تعمل بالمحرك ذاته البالغ 34 كيلومتراً لكل 4 لترات، وفقاً لوكالة حماية البيئة.

لومباردي أثناء شحن أجهزة عيادتها لعلاج الأسنان باستخدام مولد مدمج داخل صندوق الشاحنة الهجينة
لومباردي أثناء شحن أجهزة عيادتها لعلاج الأسنان باستخدام مولد مدمج داخل صندوق الشاحنة الهجينة المصدر: بلومبرغ

نمو مرتقب

تتوقع "غلوبال داتا" ارتفاع مبيعات "تويوتا" من السيارات الهجينة بمعدل 7.5% هذا العام لتتجاوز 600 ألف سيارة. تُشكل السيارات الهجينة نحو ثلث مبيعات "تويوتا" في الولايات المتحدة، بل أن بعض الطرز لا تتوافر إلا كسيارات تعمل بالوقود والكهرباء معاً، ومنها شاحنة "سيينا" الصغيرة وسيارة الدفع الرباعي الكبيرة "سيكويا".

قال جاك هوليس، مدير مبيعات "تويوتا" في الولايات المتحدة إن قائمة انتظار سيارة "سيينا" تمتد لثمانية أشهر على الأقل، وإن صانعة السيارات اليابانية كانت لتبيع المزيد من السيارات الهجينة كنسبة مئوية من إجمالي مبيعاتها، خاصة الطرز التي تعمل بالكهرباء، لو أنها لديها المزيد من المحركات. تابع هوليس: "إذا تأملت مبيعات السيارات الهجينة، فستجد أنها تنمو بسرعة كبيرة. يمكننا مضاعفة مبيعاتنا من تلك السيارات بسهولة".

في حين توفر السيارات الهجينة، التي بها منفذ للشحن كما حال تلك الكهربائية، مزيداً من المرونة؛ إلا أن تلك الميزة ترفع سعرها الرسمي بشكل كبير. قال هوليس إن عديداً ممن اقتنوها من الأميركيين راضون عما يسمى بالسيارات الهجينة المعتدلة، أو التي يمكن شحنها، خاصة حين يختار السائق إعدادات تمنح السيارة مزيداً من قوة الدفع، حتى لو كان ذلك على حساب الاقتصاد في استهلاك الوقود.

تتوقع "غلوبال داتا" ارتفاع عدد الطرازات الهجينة المعروضة للبيع في السوق الأميركية إلى 369 طرازاً بحلول 2026، أي أكثر من ضعف مستوى 2020 الذي كان 164 طرازاً. تعتبر شركتا "هيونداي" و"هوندا" من اللاعبين الرئيسيين في قطاع تصنيع السيارات الهجينة، حيث يرجح أن تسيطرا معاً على 32% من سوق السيارات التي تعمل بالوقود والكهرباء في الولايات المتحدة هذا العام.

تمثل السيارات الهجينة خمس مبيعات "هوندا" تقريباً في الولايات المتحدة. قال مامادو ديالو، رئيس مبيعات صانعة السيارات اليابانية في أميركا: "إن السيارات الهجينة تساهم في نجاح المبيعات الذي نشهده، سواء فيما يتعلق بسيارات (هوندا) أو (أكورا). عملياً، يحدد حجم مبيعاتنا الحالية من السيارات الهجينة وتيرة إنتاجنا في المستقبل".

"فورد" تطرح أول سياراتها الكهربائية لمنطقة الخليج في 2024

تعزو "هوندا" نجاحها الأخير إلى نظام المحرك المزدوج الجديد الذي يوفر دفعة قوية للقدرة الحصانية والاقتصاد في استهلاك الوقود، بعكس الجيل السابق من السيارات الهجينة ذات المحرك الواحد. بدأ إنتاج الطراز الجديد من سيارة "هوندا سي آر- في" الهجينة قبل عام تقريباً، فيما غزت سيارات "أكورد" الهجينة الطرق في يناير. بيّن ديالو أنه من المقرر طرح نسخة هجينة من "هوندا سيفيك كومباكت" العام المقبل، وأن ثمة طرز أخرى قيد التطوير بحيث تعمل نسخها المعدلة بالوقود والكهرباء.

لا تقتصر الطفرة في مبيعات السيارات الهجينة على الولايات المتحدة. عالمياً، تقدر"غلوبال داتا" ارتفاع معدلات مبيعات السيارات الهجينة بنسبة 20% هذا العام، مرجحةً تحقيقهاً نمواً بواقع 71% على مدى السنوات الخمس المقبلة. كما توقعت أن آسيا وأميركا الشمالية ستتصدران قائمة مبيعات السيارات الهجينة، فيما قدرت "غلوبال داتا" أن أوروبا قد تشهد قفزة بنسبة 11% في مبيعات السيارات الهجينة هذا العام، كون اللوائح التنظيمية في القارة العجوز تنحاز للسيارات الكهربائية.

هاجمت المنظمات البيئية شركة "تويوتا" لإصرارها على تطوير التقنية الهجينة التي ما تزال تعتمد على الوقود الأحفوري الملوث، لكن رئيس مجلس الإدارة السابق أكيو تويودا يصر على أن عديداً من الشراة ليسوا مستعدين لاعتماد السيارات الكهربائية بشكل كامل.

تفوق استثنائي

لذلك، تضاعف "تويوتا" طروحاتها من السيارات الهجينة، حتى في ظل زيادة ميزانية تطوير السيارات الكهربائية إلى 50 مليار دولار والتخطيط لطرح 10 نماذج كهربائية بحلول 2026. قال تويودا في مؤتمر صحفي على هامش اجتماع للموزعين عُقد في لاس فيغاس العام الماضي إن "تويوتا": "بمثابة متجر متعدد الأقسام يضم جميع أنواع المحركات... ليس من حق المتجر متعدد الأقسام أن يقول لزبائنه : هذا المنتج الذي يتعين عليك شراؤه".

تواصل السيارات الهجينة تفوقها على السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة، حيث تقترب مبيعاتها من 1.4 مليون سيارة هذا العام مقابل 1.2 مليون سيارة كهربائية تقريباً، وفقاً لشركة "غلوبال داتا" التي تتوقع أن تسيطر السيارات الهجينة على 9% من سوق السيارات الأميركية في 2023، فيما تكون حصة السيارات الكهربائية 8% فقط.

كان المستهلكون الأميركيون أبطأ في تبني السيارات الكهربائية مقارنةً بنظرائهم الأوروبيين والصينيين بسبب محدودية البنية التحتية للشحن بالإضافة إلى ارتفاع أسعار السيارات الكهربائية، حتى بعد تخفيض شركة "تسلا" لأسعار سياراتها تكراراً هذا العام. كان متوسط سعر السيارة الكهربائية في الولايات المتحدة في أغسطس 59,752 دولار، مقارنة بـ 45,567 دولار لنظيرتها التقليدية التي تعمل بالوقود، وفقاً لمنصة "إدموندز.كوم" (Edmunds.com) المتخصصة بتحليل بيانات السيارات ومراجعة أدائها.

يبلغ متوسط سعر الفائدة على ​​قروض السيارات حالياً 7.4%، بحيث يضيف التمويل فوائد تقدر إجمالاً بتسعة آلاف دولار على مدى 68 شهراً لقرض بقيمة 40 ألف دولار، وفقاً لمنصة "إدموندز.كوم". قالت جيسيكا كالدويل، المديرة التنفيذية لقطاع الدراسات التحليلية لدى "إدموندز.كوم": "الروح العملية تتصدر المشهد في الوقت الحالي، فالعملاء لا يشترون جميع الميزات غير الضرورية"، الأمر الذي يؤدي إلى تباطؤ مبيعات السيارات التي يزيد سعرها عن 50 ألف دولار. يساعد ذلك في تفسير سبب تحول مزيد من المستهلكين إلى السيارات الهجينة، التي عادة ما يكون سعرها أقل مقارنةً بالنسخة الكهربائية من الطراز نفسه.

كافحت شركة "فورد" لمواكبة الطلب على النسخة الهجينة من شاحنتها الصغيرة من طراز "مافريك"، والتي يبدأ سعرها من 23,400 دولار. تشكل سيارة "فورد مافريك" الهجينة نحو 60% من مبيعات الطراز، حيث قال الرئيس التنفيذي فارلي إن ذلك "تجاوز توقعاتنا بكثير".

أميركا ترصد 12 مليار دولار لمساعدة مصنعي السيارات على إنتاج مركبات كهربائية

لذلك، سعت شركة "فورد" إلى إلغاء الفارق الذي يزيد سعر سيارتها الهجينة من طراز "إف-150" لعام 2024، والتي كشفت النقاب عنها في معرض ديترويت للسيارات في 12 سبتمبر حيث استعرضت تصميم وميزات جديدة للسيارة.

تتوقع صانعة السيارات الأميركية الآن أن تشكل النسخة المعدلة من السيارة سالفة الذكر خمس مبيعاتها من طراز "إف-150"، إذ كانت الأخيرة هي الأكثر مبيعاً في السوق الأميركية خلال العقود الأربعة الماضية. يعد ذلك ضعف معدل إنتاج "فورد" الحالي من السيارات الهجينة، حيث ستطرح فورد شاحنة "إف-150" بسعر يبدأ من 55 ألف دولار في ظل معدل النجاح الراهن، وهو نفس سعر الطراز التقليدي الذي يعمل بالوقود فقط.