خبراء عن اقتصاد إسرائيل: الأسوأ لم يأت بعد

عناصر من الجيش الإسرائيلي قرب الحدود مع لبنان، 16 أكتوبر 2023
عناصر من الجيش الإسرائيلي قرب الحدود مع لبنان، 16 أكتوبر 2023 المصدر: رويترز
المصدر: الشرق
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لم يكن يوم السابع من أكتوبر عادياً بالنسبة لإسرائيل ومجتمعها، فتداعياته العسكرية والاقتصادية ما تزال مستمرة حتى تاريخ كتابة هذه السطور. إلا أن التداعيات التي شهدها الاقتصاد حتى الآن، قد تكون مجرد نقطة البداية، لما يمكن أن ينتج لاحقاً عن زيادة التصعيد بين "حماس" والجيش الإسرائيلي، وفقاً لخبراء تحدثوا لـ"الشرق".

مؤشرات التدهور

منذ العملية التي نفذتها "حماس"، خسر الشيكل الإسرائيلي نحو 11% من قيمته أمام الدولار، وهو في طريقه لتحقيق أدنى أداء سنوي منذ أكثر من 20 عاماً. هذا الأداء دفع البنك المركزي الإسرائيلي للتدخل العاجل، ونفذ بعد يومين من العملية، برنامجاً غير مسبوق لدعم الشيكل، عبر بيع 30 مليار دولار وتخصيص 15 ملياراً أخرى من خلال أدوات المبادلة، وذلك للحد من تقلبات العملة.

يُعد هذا هو التدخل الأول من قبل البنك المركزي منذ نحو عامين، والمرة الأولى على الإطلاق التي يبيع فيها بنك إسرائيل المركزي دولاراً أميركياً من احتياطاته.

الشيكل ليس المتضرر الوحيد، فالأسهم أيضاً تشهد عملية استنزاف، إذ خسر مؤشر تل أبيب أكثر من 12 مليار دولار من قيمته في أسبوع، وهبطت جميع أسهم الشركات في المؤشر، باستثناء شركة "أنظمة ألبيط" الدفاعية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك قطاعات عدة تأثرت بشكل مباشر في مقدمتها قطاع السياحة الذي يمثل 2.8% من الناتج المحلي الإجمالي، ويشغّل 3.5% من العمالة في البلاد، وقطاع التكنولوجيا الذي يمثل خُمس الناتج المحلي، ويشغّل 14% من الوظائف.

اقتصاد عالمي متأزم

سامي نادر أستاذ الاقتصاد السياسي ومدير "مركز المشرق للدراسات الاستراتيجية" رأى أن خصوصية ما يحصل حالياً مختلفة عما كان حاصلاً في وقت سابق، مشيراً في مقابلة مع "الشرق" إلى أن العملية العسكرية في السابع من أكتوبر لم تؤثر فقط على الصعيد العسكري والاقتصادي، بل على الرأي العام ونفسية المستثمرين أيضاً.

نادر أشار إلى أن ما يحدث حالياً ليس كغيره من الصراعات العسكرية الإسرائيلية، فعلى سبيل المثال وصلت كلفة التصعيد العسكري مع لبنان عام 2006 والتي استمرت لـ33 يوماً، إلى ملياري دولار، في حين أن الكلفة الحالية بعد أسبوع من عملية "حماس" العسكرية "وصلت إلى 6 مليارات دولار، والحرب لم تبدأ بعد".

الأرقام التي أشار إليها نادر تترافق مع وضع اقتصادي عالمي متأزم، إذ هناك أزمة تضخم تحاول الدول مكافحتها، بالإضافة إلى تراجع في مؤشرات الأسواق عالمياً، وهو ما يمكنه أن يضعف التحويلات والدعم الخارجي التي كانت إسرائيل تعتمد عليها لامتصاص الصدمات.

هذا الواقع قد يدفع المركزي إلى اتباع سياسة متساهلة، وقد يضطر إلى زيادة المعروض النقدي كما حصل سابقاً، ما يقلل من قيمة العملة، وفقاً لما أفاد به مايكل مادويل، رئيس معهد الصناديق السيادية في "أس دبليو إف إنستيتوت" في مقابلة مع "الشرق".

التعديلات القضائية

من جهته، نبّه نادر إلى وجود قضية أخرى ترفع من منسوب القلق في الأوساط الإسرائيلية، وهي تراجع المؤشرات الاقتصادية نتيجة الأزمة الداخلية التي كانت قائمة قبل بدء الأحداث، وذلك في إشارة إلى خطط رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إصدار تعديلات قضائية تحد من سلطة المحكمة العليا في البلاد، وهو ما أثار الكثير من المخاوف وأدى إلى انخفاض الاستثمارات في شركات التكنولوجيا، وتظاهرات أسبوعية توقفت بعد الأحداث.

الاقتصاد الإسرائيلي كان يعاني قبل السابع من أكتوبر، إذ حثّ نتنياهو في أغسطس المستثمرين على ضخّ أموالهم في إسرائيل، بعد سلسلة من التراجعات للسندات الخارجية والشيكل بفعل عمليات بيع موسعة.

اقرأ أيضاً: التراجع يعم الأصول الإسرائيلية.. والشيكل الأسوأ أداء عالمياً

وكدليل على المعاناة التي كان قطاع التكنولوجيا يواجهها، أفادت "بلومبرغ" نقلاً عن تقرير "ستارت أب نايشن بوليسي"، في الأول من أكتوبر، بأن الاستثمار في شركات التكنولوجيا الإسرائيلية الناشئة انخفض للربع السابع على التوالي، كما انخفض التمويل بشكل حاد.

وبينما كان التباطؤ العالمي هو السبب الرئيسي لهذا الانخفاض، قال التقرير إن عدم الاستقرار السياسي قد يكون ساهم في الانخفاض الحاد في الاستثمار في البلاد.

من جهته، أشار مادويل، إلى أن ما يحدث الآن يطغى على كل ما حصل سابقاً، وقد يولد ما وصفها بأنها "نزعة وطنية" لدى الشركات للبقاء في إسرائيل.

استدعاء جنود الاحتياط

الحديث عن الأضرار الاقتصادية يطول، ولكن الكلفة الكبيرة الحقيقية على الاقتصاد برأي نادر تتمثل في آثار استدعاء أكثر من 340 ألف شخص إلى احتياطي الجيش وإخراجهم من سوق العمل، ما سيكون له "نتائج كارثية على الاقتصاد الإسرائيلي" وفق توقعاته. وأضاف: "رأينا خلال فترة كورونا وإجراءات الإغلاق كيف تأثر قطاع الإنتاج"، ولذلك "هذه الحرب ليست كسابقاتها"، رغم إقراره بأن الاقتصاد الإسرائيلي عموماً "قوي ومتنوع".

من جهته أكد مادويل وجود تقارير تفيد بأن السلطات الإسرائيلية طلبت من الكثير من الموظفين في شركات التكنولوجيا الذهاب إلى الجيش، وهو أمر اعتبر أنه سيؤثر على الشركات.

ولكنه نبّه إلى أن التحليلات تشير إلى أن رأس المال الجريء الذي يموّل مجتمع التكنولوجيا سيواصل نموه، وستحاول إسرائيل البحث عن مصادر دعم داخلية، والاعتماد على الإسرائيليين في الخارج الذين سيواصلون دعم القطاع المهم للبلاد، والذي يستحوذ على نصف الصادرات.

مادويل نبّه إلى أن التأثير لن يقتصر فقط على إسرائيل، خصوصاً مع وجود مخاوف من أن يمتد الصراع إلى المنطقة، ما قد يؤثر على شركات خارج إسرائيل التي تعتمد على التكنولوجيا الإسرائيلية والشركات العاملة في هذا المجال، مبيناً أنه كلما زادت مدة الصراع، تفاقم أثرها.

الدعم الغربي

في كل تصعيد عسكري، تسارع الولايات المتحدة إلى تقديم يد الدعم السياسي والعسكري والمالي لإسرائيل، حتى أن المساعدات العسكرية التي قدمتها واشنطن إلى تل أبيب منذ 1948 إلى يومنا هذا بلغت 260 مليار دولار، وهو ما يعادل اقتصادات دول.

التصعيد الحالي ليس مختلفاً، وسيواصل الغرب عموماً وخصوصاً الولايات المتحدة عمليات الدعم، فهم أمام "خيار اللاخيار" وفقاً للمدير التنفيذي لمعهد الدراسات المستقبلية محمد شهاب الإدريسي.

بشأن ما إذا كان الدعم الغربي سينخفض في ظل الحرب في أوكرانيا، أو حتى ما إذا كانت إسرائيل ستستنزف الدعم الغربي ما يترك أوكرانيا وحيدة في مواجهة الغزو الروسي، أشار الإدريسي في مقابلته مع "الشرق" إلى أن "الغرب لديه أولوية لإسرائيل بشكل مطلق" حتى لو كان على حساب أوكرانيا، ولكنه نبّه إلى أن مستوى الدعم الذي تحتاجه إسرائيل أقل، على عكس أوكرانيا التي تعتبر "محرقة أموال نظراً لكبرها، والوضع هناك".

واشنطن تضرب مثلاً

منذ فبراير 2022، تعهد الغرب عموماً بدعم غير مشروط لأوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي. وبعد مرور أكثر من عام وأزمات اقتصادية مر بها الاقتصاد العالمي، بدأ هذا الدعم الغربي والأميركي بالتراجع.

الإدريسي أكد أن هذا الأمر لن يحدث مع إسرائيل خصوصاً إذا لم تستمر الأحداث لمدة طويلة، وقال: "ما لم تتلق الولايات المتحدة توابيت هائلة من الجنود، فمن المستبعد أن يكون هناك تساؤل كبير حول هذا الانخراط"، وأشار إلى أن الدعم الأميركي لإسرائيل تحديداً يصب في إطار ما تعتبره واشنطن "مصالحها، ورؤيتها لقيادة العالم"، منبهاً أن موقع إسرائيل مهم جداً بالنسبة لأميركا، وتريد أن تضرب في دعم إسرائيل "مثلاً لكل العالم"، وذلك لتطمين الحلفاء بأن التزامها بأمن إسرائيل يعني التزامها بتعهدات الدفاع عن تايوان واليابان وغيرها من الدول في مواجهة المد الصيني.

أوروبا لن تكون في مركب آخر، خصوصاً لمسائل نفسية على غرار "الهولوكوست، وعلاقتها الوطيدة مع إسرائيل"، مشيراً إلى أن إسرائيل "تعيش أفضل أيامها في أروقة الاتحاد الأوروبي، وهناك تعاطف شعبي معها لا يمكن إنكاره".