خافير بلاس: إعادة ملء احتياطي أميركا النفطي ضروري

خزان من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي التابع لوزارة الطاقة الأميركية في تكساس، الولايات المتحدة
خزان من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي التابع لوزارة الطاقة الأميركية في تكساس، الولايات المتحدة المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

وجدت الولايات المتحدة الأميركية نفسها، قبل 50 سنة بالضبط، تحت هجوم اقتصادي بعد استخدام البلدان العربية سلاح النفط وفرض حظر على تصدير الخام، ما أسفر عن تركيع الاقتصاد العالمي. وصف (وزير الخارجية السابق) هنري كيسنجر هذا التحرك بأنه "المكافئ الاقتصادي لتحدي القمر الاصطناعي الروسي سبوتنيك".

كيسنجر الذي تعهد بعدم تعرض أميركا للابتزاز مرة ثانية، صمم درعاً للوقاية من السلاح النفطي، وهو احتياطي النفط الاستراتيجي الذي يمثل مخزوناً من مئات ملايين براميل النفط الخام، وظيفته تعويض تأثير أي اضطرابات مستقبلية في الإمدادات، سواء كان عن عمد أم لا. بعد نصف قرن، تناست واشنطن هذا الدرس.

الاحتياطي الاستراتيجي

بلغ احتياطي النفط الاستراتيجي حالياً أقل من نصف مستويات النفط الخام الذي كان عليه في ذروته قبل أكثر من عقد بقليل، مسجلاً نحو 350 مليون برميل تقريباً، وهو أدنى مستوياته منذ 1983. لجعل الأمور أكثر وضوحاً، سحبت الولايات المتحدة 270 مليون برميل تقريباً على مدى السنتين الماضيتين لكبح ارتفاع أسعار النفط. إذا كان احتياطي النفط الاستراتيجي بمثابة مسدس، فإن لديك جولة واحدة من الذخيرة فقط للاستخدام، ولن يتبقى شيء بعد ذلك.

احتياطي النفط الاستراتيجي الأميركي يبلغ 350 مليون برميل تقريباً، وهو أدنى مستوياته منذ 1983
احتياطي النفط الاستراتيجي الأميركي يبلغ 350 مليون برميل تقريباً، وهو أدنى مستوياته منذ 1983 المصدر: بلومبرغ

لا يمكن للجهل أن يأتي في وقت أسوأ. رغم وجود أوجه اختلاف، يسهل تحديد صور التشابه بين أكتوبر 2023 وأكتوبر 1973. تقترب احتمالية فرض حظر نفطي عربي إلى الصفر، لكن هناك خطر متنامٍ من تعطل إمدادات النفط إذا اتسع الصراع أبعد من إسرائيل وغزة، في حال تورط إيران فيه.

اقرأ أيضاً: إنفوغراف.. حصة الدول العربية من إنتاج النفط العالمي

صحيح أن الولايات المتحدة تضخ حالياً القدر الكافي من الخام والمواد النفطية الأخرى اللازمة للوفاء باحتياجات الاستهلاك المحلي، وهو اختلاف رئيسي مقارنة بسبعينيات القرن الماضي، ولكنها عرضة بنفس القدر لتقلبات أسعار النفط العالمية. في سوق النفط، فإن وقوع اضطراب يعني أنه سيصل لجميع الأماكن. يمثل استقلال الطاقة شعاراً سياسياً لطيفاً، وهو أيضاً كذبة اقتصادية في ذات الوقت.

يقوم احتياطي النفط الاستراتيجي بوظيفتين. أولاً، منع البلدان الناقمة من التهديد باستخدام سلاح النفط. وثانياً، يقدم الدعم في حال تقلصت الإمدادات العالمية. للقيام بالمهمتين، فإن ذلك يتطلب وجود ما يكفي من براميل الخام. لا أعتقد أن المتبقي حالياً يعتبر كافياً.

يُلقي كثيرون باللائمة جراء نقص المخزون على شخص الرئيس الأميركي جو بايدن، لكن الحقيقة هي أن الحزبين الأميركيين لعبا بالاحتياطي لعبة سياسية. استغل الكونغرس الأميركي احتياطي النفط الاستراتيجي باعتباره ماكينة صراف آلي، إذ باع براميل النفط بهدف جمع أموال العجز غير المرتبط بالميزانية الأميركية.

الرقم السحري

ما حجم الاحتياطي الذي ينبغي الاحتفاظ به؟ لا يوجد رقم سحري، لكن يبدو أن الجميع يتفقون على أن المستوى الملائم يفوق الكميات المخزنة حالياً. ربما يحتج المعارضون لوجهة النظر هذه بأن الطلب الأميركي سينخفض بنهاية المطاف، مع زيادة عمليات شراء السيارات الكهربائية. سيثبتون صحة موقفهم في نهاية الأمر، لكن ليس خلال العقد المقبل، أو حتى بعد مدة أطول من ذلك. ولهذا السبب هناك حاجة إلى درع واقٍ. بعد التحدث مع العديد من المسؤولين الحاليين والسابقين، بمن فيهم أولئك الذين أسهموا بدور بارز على صعيد إنشاء الاحتياطي خلال حقبة السبعينيات، يبدو أن 500 مليون برميل تقريباً، أو ما يفوق المستوى الراهن بـ40% سيكون ملائماً نوعاً ما.

اقرأ أيضاً: ماذا يعني سحب الولايات المتحدة من احتياطي النفط الاستراتيجي؟

تعهدت إدارة بايدن بإعادة ملئه، لكن ربما لن يحدث ذلك قبل 2025، وفي ذلك الوقت سيعتمد مصيره على نتيجة الانتخابات الرئاسية السنة المقبلة. صرحت وزيرة الطاقة الأميركية جينيفر غرانهولم في يوليو الماضي بأنه " في نهاية الأمر سنعيد الملء لتعويض ما جرى سحبه من الاحتياطي على الأقل". إلى حد الآن، أعادت الإدارة، التي تضع نصب أعينها أسعار البنزين وتأثيرها المحتمل على قرار تصويت الناخبين، شراء كميات ضئيلة للغاية من الخام.

في الأساس، تعهدت الحكومة بإعادة ملء احتياطي النفط الاستراتيجي إذا هبط سعر النفط نحو مستوى 70 دولاراً للبرميل. لكن عندما تراجعت الأسعار على مدى مايو ويونيو ويوليو الماضية، اشترت بضعة ملايين فقط من البراميل، وتماطل بهذه القضية الأساسية المرتبطة بالأمن القومي. ومن المفارقات أن وفرة الأموال لا تمثل المشكلة التي تطلب المعالجة بصورة عاجلة.

تمويل المشتريات

يمكن لعائدات مبيعات سابقة، علاوة على اعتمادات من الكونغرس الأميركي، سداد تكاليف المشتريات. جمعت البلاد 17.2 مليار دولار من بيع 180 مليون برميل السنة الماضية، جرى تخصيص 12.5 مليار دولار منها لإلغاء العديد من عمليات البيع من احتياطي النفط الاستراتيجي في المستقبل التي أقرها الكونغرس الأميركي خلال المدة من 2024 إلى 2028. تبقى بعد ذلك 4.7 مليار دولار لإعادة ملء الاحتياطي. إلى وقتنا هذا، استخدمت إدارة بايدن 450 مليون دولار لشراء ما يتجاوز بقليل 6 ملايين برميل. أما الـ4.2 مليار دولار المتبقية فيمكنها شراء 50 مليون برميل إضافية تقريباً.

ينبغي للبيت الأبيض أن يعير انتباهه لسوق الطاقة، لكن ليس من المفترض أن يتعامل مع احتياطي النفط الاستراتيجي وكأنه صندوق تحوط. سواء كانت إجراءات السنة الماضية تمثل تجارة رابحة أم لا، فإن حكومة الولايات المتحدة غير معنية بالأنشطة التجارية القائمة على الشراء بسعر منخفض والبيع بسعر مرتفع، بل يتركز دورها على حماية البلاد ضد المخاطر.

اقرأ أيضاً: كبير مستشاري بايدن: الولايات المتحدة لن تتعجل في إعادة ملء احتياطي النفط

رفع مستوى احتياطي النفط الاستراتيجي إلى 500 مليون برميل، وهو ما أراه مثالياً، يحتاج لأموال إضافية من الكونغرس الأميركي. بالأسعار الحالية، سيكلف شراء 100 مليون برميل 8.7 مليار دولار. يبدو مبلغاً كبيراً، لكنه يعد ضئيلاً أمام أكثر من 13 مليار دولار أنفقت على حاملة الطائرات الجديدة "جيرالد فورد"، وهي السفينة التي أرسلتها الإدارة الأميركية لمنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط.

ضريبة البنزين

رغم ذلك، على حد قول أحد الأشخاص ذات مرة، فإن إنفاق مليار هنا ومليار هناك يعني أنك ستتحدث عن مبالغ مالية ضخمة مع الوقت، وينبغي توفيرها من مكان ما. في نهاية المطاف، سيتم توفيرها عن طريق فرض ضرائب أعلى. أعلم أن ضرائب البنزين تمثل موضوعاً حساساً بالنسبة للسياسة الأميركية. رغم ذلك، هذا هو ما نحتاجه. لم ترفع واشنطن ضرائبها الفيدرالية على البنزين منذ 1993، خلال عهد الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون. من المفترض زيادتها بالوقت الراهن لسداد ثمن زيادة احتياطي النفط الاستراتيجي.

تستهلك أميركا 8.9 مليون برميل يومياً تقريباً من البنزين، أي ما يعادل نحو 375 مليون غالون. فُرضت ضريبة فيدرالية قيمتها 18.4 سنتاً للغالون لمدة 30 سنة، والتي خسرت نصف قيمتها منذ ذلك الوقت لأنها غير مربوطة بمعدل التضخم.

سيجمع رفع الضريبة الفيدرالية بنصف الزيادة البالغة 5 سنتات التي وافق عليها الرئيس الجمهوري السابق جورج دبليو بوش خلال 1990، نحو 9.5 مليون دولار تقريباً يومياً أو نحو 3.4 مليار دولار للسنة الواحدة. خلال أقل من 3 أعوام، يمكن للولايات المتحدة الأميركية جمع أموال تكفي لسداد تكاليف إعادة ملء احتياطي النفط الاستراتيجي.

سيربح الجميع من هذه السياسة حيث ستؤمن الحماية في مواجهة البلدان الناقمة، وستدعم القطاع المحلي الأميركي بواسطة شراء النفط الخام منه، وستساعد على مكافحة أزمة المناخ عن طريق زيادة تكلفة البنزين، ما سيقلص الطلب. إذا لم يحدث ذلك الآن، فمتى يكون؟